الأعلى
كلمة (الأعلى) اسمُ تفضيل من العُلُوِّ، وهو الارتفاع، وهو اسمٌ من...
التَّعْرِيفُ:
1 - الْقَتْل الْخَطَأُ مُرَكَّبٌ مِنْ كَلِمَتَيْنِ هُمَا: قَتْلٌ، وَخَطَأٌ، وَقَدْ سَبَقَ تَعْرِيفُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي مُصْطَلَحِهِ.
وَالْقَتْل الْخَطَأُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ هُوَ مَا وَقَعَ دُونَ قَصْدِ الْفِعْل وَالشَّخْصِ، أَوْ دُونَ قَصْدِ أَحَدِهِمَا (1) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْقَتْل الْعَمْدُ:
2 - الْقَتْل الْعَمْدُ هُوَ قَصْدُ الْفِعْل وَالشَّخْصِ بِمَا يَقْتُل قَطْعًا أَوْ غَالِبًا (2) .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَمْدَ يَتَوَفَّرُ فِيهِ قَصْدُ الْفِعْل وَالشَّخْصِ، بِخِلاَفِ الْخَطَأِ.
ب - الْجِنَايَةُ:
3 - الْجِنَايَةُ فِي اللُّغَةِ: الذَّنْبُ وَالْجُرْمُ، وَشَرْعًا: اسْمٌ لِفِعْلٍ مُحَرَّمٍ حَل بِمَالٍ أَوْ نَفْسٍ (3) .
فَالْجِنَايَةُ أَعَمُّ مِنَ الْقَتْل الْخَطَأِ.
ج - الإِْجْهَاضُ:
4 - يُطْلَقُ الإِْجْهَاضُ فِي اللُّغَةِ عَلَى صُورَتَيْنِ:
إلْقَاءُ الْحَمْل نَاقِصَ الْخَلْقِ، أَوْ نَاقِصَ الْمُدَّةِ سَوَاءٌ مِنَ الْمَرْأَةِ أَوْ غَيْرِهَا.
وَالإِْطْلاَقُ اللُّغَوِيُّ يَصْدُقُ عَلَى ذَلِكَ، سَوَاءٌ أَكَانَ الإِْلْقَاءُ بِفِعْل فَاعِلٍ أَمْ تِلْقَائِيًّا.
وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ لِكَلِمَةِ " إجْهَاضٍ " عَنْ هَذَا الْمَعْنَى (4) ، وَكَثِيرًا مَا يُعَبِّرُونَ عَنِ الإِْجْهَاضِ بِمُرَادِفَاتِهِ: كَالإِْسْقَاطِ وَالإِْلْقَاءِ وَالطَّرْحِ وَالإِْمْلاَصِ.
وَالْعَلاَقَةُ أَنَّ الإِْجْهَاضَ جِنَايَةٌ عَلَى الْحَمْل وَهُوَ غَيْرُ مُتَيَقَّنِ الْوُجُودِ وَالْحَيَاةِ، وَأَمَّا الْقَتْل الْخَطَأُ فَجِنَايَةٌ عَلَى مُتَيَقَّنِ الْوُجُودِ وَالْحَيَاةِ.
د - الْقَتْل شِبْهُ الْعَمْدِ:
5 - الْقَتْل شِبْهُ الْعَمْدِ هُوَ قَصْدُ الْفِعْل وَالشَّخْصِ بِمَا لاَ يَقْتُل غَالِبًا (5) .
وَالْعَلاَقَةُ أَنَّ الْقَتْل شِبْهَ الْعَمْدِ فِيهِ قَصْدٌ بِمَا لاَ يَقْتُل غَالِبًا، بِخِلاَفِ الْقَتْل الْخَطَأِ. هـ - الْقَتْل بِسَبَبٍ:
6 - الْقَتْل بِسَبَبٍ هُوَ الْقَتْل نَتِيجَةَ فِعْلٍ لاَ يُؤَدِّي مُبَاشَرَةً إلَى قَتْلٍ (6) .
وَالصِّلَةُ أَنَّ الْقَتْل الْخَطَأَ بِفِعْلٍ مُبَاشِرٍ، وَالْقَتْل بِسَبَبٍ بِفِعْلٍ غَيْرِ مُبَاشِرٍ.
أَقْسَامُ الْقَتْل الْخَطَأِ:
7 - قَسَّمَ الْحَنَفِيَّةُ الْقَتْل الْخَطَأَ إلَى قِسْمَيْنِ: الْخَطَأُ فِي الْفِعْل، وَالْخَطَأُ فِي الْقَصْدِ، وَذَلِكَ لأَِنَّ الرَّمْيَ إلَى شَيْءٍ مَثَلاً يَشْتَمِل عَلَى فِعْل الْجَارِحَةِ وَهُوَ الرَّمْيُ وَفِعْل الْقَلْبِ وَهُوَ الْقَصْدُ فَإِنِ اتَّصَل الْخَطَأُ بِالأَْوَّل فَهُوَ الْخَطَأُ فِي الْفِعْل، وَإِنِ اتَّصَل بِالثَّانِي فَهُوَ الْخَطَأُ فِي الْقَصْدِ (7) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إلَى أَنَّ الْقَتْل الْخَطَأَ عَلَى أَوْجُهٍ:
الأَْوَّل: أَنْ لاَ يَقْصِدَ ضَرْبًا، كَرَمْيِهِ شَيْئًا أَوْ حَرْبِيًّا فَيُصِيبَ مُسْلِمًا، فَهَذَا خَطَأٌ بِإِجْمَاعٍ.
الثَّانِي: أَنْ يَقْصِدَ الضَّرْبَ عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ، فَهُوَ خَطَأٌ عَلَى قَوْل ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، خِلاَفًا لِمُطَرَّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ (8) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: الْخَطَأُ نَوْعَانِ: الأَْوَّل: أَنْ لاَ يَقْصِدَ أَصْل الْفِعْل. وَالثَّانِي: أَنْ يَقْصِدَهُ دُونَ الشَّخْصِ (9) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: الْخَطَأُ عَلَى ضَرْبَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ يَرْمِيَ الصَّيْدَ أَوْ يَفْعَل مَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُهُ فَيَئُول إلَى إتْلاَفِ حُرٍّ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَقْتُل فِي بِلاَدِ الرُّومِ مَنْ عِنْدَهُ أَنَّهُ كَافِرٌ وَيَكُونَ قَدْ أَسْلَمَ وَكَتَمَ إسْلاَمَهُ إلَى أَنْ يَقْدِرَ عَلَى التَّخَلُّصِ إلَى أَرْضِ الإِْسْلاَمِ (10) .
مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْقَتْل الْخَطَأِ:
يَتَرَتَّبُ عَلَى الْقَتْل الْخَطَأِ مَا يَلِي:
أ - وُجُوبُ الدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ:
8 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ قَتَل مُؤْمِنًا خَطَأً فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَل مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ إلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا} . (11)
وَيَجْرِي هَذَا الْحُكْمُ عَلَى الْكَافِرِ الْمُعَاهَدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} . (12)
قَال الْمَاوَرْدِيُّ: قَدَّمَ فِي قَتْل الْمُسْلِمِ الْكَفَّارَةَ عَلَى الدِّيَةِ وَفِي الْكَافِرِ الدِّيَةَ، لأَِنَّ الْمُسْلِمَ يَرَى تَقْدِيمَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى نَفْسِهِ وَالْكَافِرَ يَرَى تَقْدِيمَ حَقِّ نَفْسِهِ عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى.
كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ شَيْءٍ فِي قَتْل كَافِرٍ لاَ عَهْدَ لَهُ. (13)
ب - وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ فَقَطْ:
9 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إلَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ الَّذِي يُقْتَل فِي بِلاَدِ الْكُفَّارِ أَوْ فِي حُرُوبِهِمْ عَلَى أَنَّهُ مِنَ الْكُفَّارِ فَعَلَى قَاتِلِهِ الْكَفَّارَةُ فَقَطْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} (14) قَال ابْنُ قُدَامَةَ: لاَ يُوجِبُ قِصَاصًا لأَِنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ قَتْل مُسْلِمٍ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ ظَنَّهُ صَيْدًا فَبَانَ آدَمِيًّا، إلاَّ أَنَّ هَذَا لاَ تَجِبُ فِيهِ دِيَةٌ إنَّمَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ، رُوِيَ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - ﵄ - وَبِهِ قَال عَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَقَتَادَةُ وَالأَْوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ.
وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَرِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ فِيهِ الدِّيَةَ وَالْكَفَّارَةَ (15) ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَل مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ} (16) وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إذَا قَتَل إنْسَانًا يَظُنُّهُ عَلَى حَالٍ فَكَانَ بِخِلاَفِهِ كَمَا إذَا قَتَل مُسْلِمًا ظَنَّ كُفْرَهُ، لأَِنَّهُ رَآهُ يُعَظِّمُ آلِهَتَهُمْ، أَوْ كَانَ عَلَيْهِ زِيُّ الْكُفَّارِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، لاَ قِصَاصَ عَلَيْهِ جَزْمًا لِلْعُذْرِ الظَّاهِرِ، وَكَذَا لاَ دِيَةَ فِي الأَْظْهَرِ لأَِنَّهُ أَسْقَطَ حُرْمَةَ نَفْسِهِ بِمُقَامِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ الَّتِي هِيَ دَارُ الإِْبَاحَةِ، وَمُقَابِل الأَْظْهَرِ تَجِبُ الدِّيَةُ لأَِنَّهَا تَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ.
أَمَّا الْكَفَّارَةُ فَتَجِبُ جَزْمًا (17) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} (18) .
ج - الْحِرْمَانُ مِنَ الْمِيرَاثِ:
10 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إلَى أَنَّ الْقَتْل الْخَطَأَ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ الْحِرْمَانِ مِنَ الْمِيرَاثِ، لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: الْقَاتِل لاَ يَرِثُ، (19) وَلأَِنَّ الْقَتْل قَطَعَ الْمُوَالاَةَ وَهِيَ سَبَبُ الإِْرْثِ (20) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إلَى أَنَّ مَنْ قَتَل مُوَرِّثَهُ خَطَأً فَإِنَّهُ يَرِثُ مِنَ الْمَال وَلاَ يَرِثُ مِنَ الدِّيَةِ. (21)
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إلَى أَنَّ الْقَتْل الْمَضْمُونَ بِقِصَاصٍ أَوْ دِيَةٍ أَوْ كَفَّارَةٍ لاَ إرْثَ فِيهِ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَضْمُونٍ، كَمَنْ قَصَدَ مُوَلِّيَهُ مِمَّا لَهُ فِعْلُهُ مِنْ سَقْيِ دَوَاءٍ أَوْ رَبْطِ جِرَاحَةٍ فَمَاتَ فَيَرِثُهُ، لأَِنَّهُ تَرَتَّبَ عَنْ فِعْلٍ مَأْذُونٍ فِيهِ، وَهَذَا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُوَفَّقُ.
قَال الْبُهُوتِيُّ: وَلَعَلَّهُ أَصْوَبُ لِمُوَافَقَتِهِ لِلْقَوَاعِدِ (22) .
د - الْحِرْمَانُ مِنَ الْوَصِيَّةِ:
11 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لِلْقَاتِل، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ الْقَتْل الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ فِي هَذَا.
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْظْهَرِ، وَابْنُ حَامِدٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ إلَى جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لِلْقَاتِل، وَبِهِ قَال أَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ أَيْضًا لأَِنَّ الْهِبَةَ لَهُ تَصِحُّ، فَصَحَّتِ الْوَصِيَّةُ لَهُ كَالذِّمِّيِّ.
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَأَبُو بَكْرٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ عَدَمَ جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لَهُ، لأَِنَّ الْقَتْل يَمْنَعُ الْمِيرَاثَ الَّذِي هُوَ آكَدُ مِنَ الْوَصِيَّةِ، فَالْوَصِيَّةُ أَوْلَى، وَلأَِنَّ الْوَصِيَّةَ أُجْرِيَتْ مُجْرَى الْمِيرَاثِ فَيَمْنَعُهَا مَا يَمْنَعُهُ، وَبِهِ قَال الثَّوْرِيُّ أَيْضًا.
وَفَرَّقَ أَبُو الْخَطَّابِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْجَرْحِ، وَالْوَصِيَّةِ قَبْلَهُ، فَقَال: إنْ وَصَّى لَهُ بَعْدَ جَرْحِهِ صَحَّ، وَإِنْ وَصَّى لَهُ قَبْلَهُ ثُمَّ طَرَأَ الْقَتْل عَلَى الْوَصِيَّةِ أَبْطَلَهَا، وَهُوَ قَوْل الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ أَيْضًا وَهُوَ الْمَذْهَبُ.
قَال ابْنُ قُدَامَةَ: هَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ، لأَِنَّ الْوَصِيَّةَ بَعْدَ الْجَرْحِ صَدَرَتْ مِنْ أَهْلِهَا فِي مَحَلِّهَا، وَلَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ مَا يُبْطِلُهَا بِخِلاَفِ مَا إذَا تَقَدَّمَتْ، فَإِنَّ الْقَتْل طَرَأَ عَلَيْهَا فَأَبْطَلَهَا، لأَِنَّهُ يُبْطِل مَا هُوَ آكَدُ مِنْهَا (23) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ إنْ عَلِمَ الْمُوصِي بِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ هُوَ الَّذِي ضَرَبَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً صَحَّ الإِْيصَاءُ مِنْهُ، وَتَكُونُ الْوَصِيَّةُ فِي الْخَطَأِ فِي الْمَال وَالدِّيَةِ، وَفِي الْعَمْدِ فِي الْمَال فَقَطْ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمِ الْمُوصِي فَتَأْوِيلاَنِ فِي صِحَّةِ إيصَائِهِ وَعَدَمِهَا. وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (وَصِيَّةٌ) .
أَنْوَاعُ الْقَتْل الَّتِي حُكْمُهَا حُكْمُ الْخَطَأِ:
أ - عَمْدُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْمَعْتُوهِ:
12 - جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ عَمْدَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْمَعْتُوهِ كَالْخَطَأِ فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَلاَ قِصَاصَ فِيهِ، لأَِنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْل الْقَصْدِ الصَّحِيحِ (24) . وَالأَْصْل فِي هَذَا قَوْل النَّبِيِّ ﷺ: رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَكْبُرَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِل أَوْ يُفِيقَ. (25)
وَلأَِنَّ الْقِصَاصَ عُقُوبَةٌ مُغَلَّظَةٌ، فَلَمْ تَجِبْ عَلَى الصَّبِيِّ وَزَائِل الْعَقْل كَالْحُدُودِ، وَلأَِنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ قَصْدٌ صَحِيحٌ، فَهُمْ كَالْقَاتِل خَطَأً (26) .
وَفَرَّقَ الشَّافِعِيَّةُ بَيْنَ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ وَغَيْرِ الْمُمَيِّزِ فَقَالُوا: إنَّ عَمْدَ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ عَمْدٌ فِي الأَْظْهَرِ أَمَّا الصَّبِيُّ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ فَعَمْدُهُ خَطَأٌ بِاتِّفَاقِهِمْ، وَأَضَافُوا أَنَّ الصَّبِيَّ مُمَيِّزًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ لاَ قِصَاصَ عَلَيْهِ فِي الْقَتْل الْعَمْدِ، وَلَكِنَّ الأَْمْرَ يَخْتَلِفُ فِي الدِّيَةِ فَهِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي الْخَطَأِ، وَفِي مَالِهِ إنِ اُعْتُبِرَ عَمْدُهُ عَمْدًا. (27)
ب - مَا أُجْرِيَ مُجْرَى الْخَطَأِ:
13 - ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ وَمَنْ مَعَهُمْ مِنَ الْحَنَابِلَةِ قِسْمًا آخَرَ لِلْقَتْل سَمَّوْهُ مَا أُجْرِيَ مُجْرَى الْخَطَأِ، وَيُعْتَبَرُ الْقَتْل الْجَارِي مَجْرَى الْخَطَأِ كَالْخَطَأِ فِي الْحُكْمِ، فَمِثْل النَّائِمِ يَنْقَلِبُ عَلَى رَجُلٍ فَيَقْتُلُهُ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْخَطَأِ فِي الشَّرْعِ، وَلَكِنَّهُ دُونَ الْخَطَأِ حَقِيقَةً، لأَِنَّ النَّائِمَ لَيْسَ مِنْ أَهْل الْقَصْدِ أَصْلاً، فَلاَ يُوصَفُ فِعْلُهُ بِالْعَمْدِ وَلاَ بِالْخَطَأِ، إلاَّ أَنَّهُ فِي حُكْمِ الْخَطَأِ لِحُصُول الْمَوْتِ بِفِعْلِهِ كَالْخَاطِئِ.
وَتَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ لِتَرْكِ التَّحَرُّزِ عَنْ نَوْمِهِ فِي مَوْضِعٍ يُتَوَهَّمُ أَنْ يَصِيرَ قَاتِلاً، وَالْكَفَّارَةُ فِي قَتْل الْخَطَأِ إنَّمَا تَجِبُ لِتَرْكِ التَّحَرُّزِ، وَحِرْمَانِ الْمِيرَاثِ لِمُبَاشَرَتِهِ الْقَتْل، لأَِنَّهُ يُتَوَهَّمُ أَنْ يَكُونَ مُتَنَاوِمًا، وَلَمْ يَكُنْ نَائِمًا، قَصْدًا مِنْهُ إلَى اسْتِعْجَال الإِْرْثِ، أَمَّا الَّذِي سَقَطَ مِنْ سَطْحٍ فَوَقَعَ عَلَى إنْسَانٍ فَقَتَلَهُ، فَمِثْل النَّائِمِ يَنْقَلِبُ عَلَى رَجُلٍ فَيَقْتُلَهُ، لِكَوْنِهِ قَتْلاً لِلْمَعْصُومِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَكَانَ جَارِيًا مَجْرَى الْخَطَأِ.
وَأَلْحَقَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَأَكْثَرُ الْحَنَابِلَةِ هَذِهِ الصُّوَرَ بِالْقَتْل الْخَطَأِ (28) .
__________
(1) مغني المحتاج 4 / 4.
(2) مغني المحتاج 4 / 3.
(3) لسان العرب، والدر المختار 5 / 339.
(4) لسان العرب، والبحر الرائق 8 / 389، وحاشية البجيرمي 2 / 250.
(5) مغني المحتاج 4 / 4.
(6) الاختيار 5 / 26، ورد المحتار 5 / 341، 342.
(7) فتح القدير 9 / 147، والاختيار 5 / 25.
(8) الشرح الصغير مع حاشية الصاوي 2 / 383.
(9) مغني المحتاج 4 / 4.
(10) المغني 7 / 650 - 651.
(11) سورة النساء / 92.
(12) سورة النساء / 92.
(13) ابن عابدين 5 / 341، والاختيار 5 / 25، وتكملة فتح القدير 9 / 147، وبداية المجتهد 2 / 534، وحاشية الجمل 5 / 102، والمغني 7 / 651، ونيل المآرب 2 / 315.
(14) سورة النساء / 92.
(15) فتح القدير 4 / 355، وأحكام القرآن للجصاص 2 / 240، والجامع لأحكام القرآن 5 / 323 - 324، وحاشية الجمل 5 / 120، والمغني 7 / 651 - 652.
(16) سورة النساء / 92.
(17) مغني المحتاج 4 / 13.
(18) سورة النساء / 92.
(19) حديث: " القاتل لا يرث. . . ". أخرجه البيهقي (6 / 220) من حديث أبي هريرة وأعله بضعف أحد رواته ثم قال: شواهد تقويه.
(20) تكملة فتح القدير 9 / 148، ومغني المحتاج 3 / 25.
(21) حاشية الدسوقي 4 / 486.
(22) كشاف القناع 4 / 492 - 493.
(23) بدائع الصنائع 7 / 338 - 340، وحاشية الدسوقي 4 / 426، ومغني المحتاج 3 / 43، والمغني 6 / 111، 112، وكشاف القناع 4 / 358.
(24) المغني 7 / 637.
(25) حديث: " رفع القلم عن ثلاثة. . . ". أخرجه النسائي (6 / 156) والحاكم (2 / 59) من حديث عائشة، واللفظ للنسائي، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
(26) المغني 7 / 664.
(27) مغني المحتاج 4 / 10.
(28) تكملة فتح القدير 9 / 148، والاختيار 5 / 26، وابن عابدين 5 / 341، 342، والقوانين الفقهية 338 - 339 ط دار الكتاب العربي، وشرح الزرقاني 8 / 8 ط دار الفكر، والقليوبي 4 / 96 ط دار إحياء الكتب العربية، والمغني 7 / 637 وما بعدها ط الرياض، ونيل المآرب 2 / 315، وكشاف القناع 5 / 505، 513، مغني المحتاج 4 / 4 - 5.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 327/ 32
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".