اللطيف
كلمة (اللطيف) في اللغة صفة مشبهة مشتقة من اللُّطف، وهو الرفق،...
هو اسمُ فاعل من (الظهور)، وهو اسمٌ ذاتي من أسماء الربِّ تبارك وتعالى، يدل على صفة (الظاهِريَّة) لله سبحانه وتعالى، والمراد بها: أنه سبحانه بادٍ بأفعاله، أو أنه عالٍ مرتفِعٌ في السماء، أو أنه سبحانه غالبٌ لعباده قاهرٌ لهم.
وهو اسمٌ ثابت لله في الكتاب، والسُّنة، وأجمعت الأمَّةُ عليه، ودل عليه العقلُ.
وقد ورَد في كتاب الله مرةً واحدة؛ في قوله تعالى: ﴿هُوَ ٱلۡأَوَّلُ وَٱلۡأٓخِرُ وَٱلظَّٰهِرُ وَٱلۡبَاطِنُۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٌ﴾ [الحديد: ٣]، وفسَّره النبيُّ ﷺ بقوله: «ليس فوقك شيءٌ».
وأما المعنى الثاني: فيؤخذ من قول العرب: ظهَر فلانٌ فوق السطح: إذا علا؛ فهو من العُلُوِّ.
ويجوز في اللغة أن يكون (الظاهرُ) بمعنى القويِّ؛ كقولك: ظهَر فلانٌ بأمره فهو ظاهرٌ عليه؛ أي: قويٌّ عليه، والعرب تقول: جملٌ ظهير: أي: قويٌّ شديد. انظر: "اشتقاق الأسماء" للزجاجي (ص137).
إذن فمجمل معانيه ثلاثةٌ؛ هي: البيانُ والوضوح، والعلوُّ والارتفاع، والقوةُ والغلَبة.
و(الظاهرُ): خلافُ (الباطن)؛ كـ: «الظَّهْرُ: خلافُ البطن». انظر: "الصحاح" للجوهري (2 /730).
وهذا على المعنى اللُّغَوي الأول؛ وهو الأشهر.
وعلى المعنى الثاني، فالمراد: أنه سبحانه عالٍ ومرتفِعٌ؛ قال البَيْهقيُّ: «هو الظاهرُ بحُجَجِه الباهرة، وبراهينِه النيِّرة، وشواهدِ أعلامه الدالة على ثبوتِ ربوبيَّتِه، وصحةِ وَحْدانيته، وقد يكون الظهورُ بمعنى العُلُوِّ والرفعة». "الاعتقاد" للبيهقي (ص64).
ويأتي ويراد به المعنى الثالث؛ كما قال البَيْهقيُّ أيضًا: «وقد يكون بمعنى الغلَبة». "الاعتقاد" للبيهقي (ص64)؛ أي: إن اللهَ قاهرٌ لخَلْقِه على ما أراد.
وقال الرازيُّ: «و(الظاهرُ) بالقدرة على كلِّ شيء، و(الباطن) العالِمُ بحقيقة كلِّ شيء». "لوامع البينات" (ص240).
ما دلَّتْ عليه اللغةُ يدل على ما اصطُلِح عليه في اسم الله (الظاهر) من معاني: البيانِ، والعلوِّ، والقوَّة.
يدل على إثبات صفة (الظاهِريَّة) لله سبحانه وتعالى.
ورَد اسمُ الله (الظاهر) مرةً واحدة في كتاب الله تعالى؛ في قوله تعالى: ﴿هُوَ اْلْأَوَّلُ وَاْلْأٓخِرُ وَاْلظَّٰهِرُ وَاْلْبَاطِنُۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [الحديد: 3].
وقد فسَّر النبيُّ ﷺ (الظاهرَ) بقوله: «ليس فوقك شيءٌ»، وليس بعد تفسيره تفسيرٌ، وكلُّ مَن فسَّرها من أهل العلم يَرجِعُ إلى تفسير النبيِّ ﷺ؛ فسُبْحان مَن أعطاه جوامعَ الكَلِم!
ثبَت هذا الاسمُ لله عز وجل، وأجمعت الأمَّةُ عليه. انظر: "الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى" للقرطبي (1 /124).
إذا تحقَّق للعبد الإيمانُ باسم الله (الظاهر)، وعرَف أن له العُلُوَّ المطلق على كلِّ شيء بذاته، وأنه ليس فوقه شيءٌ البتة، وأنه القاهرُ فوق عباده: حصَل له الالتجاءُ إلى الله، والتمسُّك به، والاستنادُ إليه في قضاءِ حوائجه وصرفِ المصائب عنه؛ فتَتحقَّقُ بذلك عبوديَّتُه لله؛ يقول ابنُ القيِّم رحمه الله: «والمقصود أن التعبُّدَ باسمِ الله (الظاهرِ) يَجمَع القلبَ على المعبود، ويجعل له ربًّا يَقصِده، وصَمَدًا يصمُدُ إليه في حوائجه، وملجأً يَلجأُ إليه، فإذا استقَرَّ ذلك في قلبه، وعرَف ربَّه باسمه (الظاهرِ): استقامت له عبوديَّتُه، وصار له مَعقِلٌ وموئلٌ يلجأ إليه، ويهرُبُ إليه، ويَفِرُّ في كلِّ وقت إليه». "طريق الهجرتين" (1 /41).
إن كلَّ ما في الكون خاضعٌ لله سبحانه وتعالى، مقهورٌ له، ومنقادٌ لإرادته، وما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فإذا عُلِمَ هذا، عُلِمَ معه أثرُ اسم الله (الظاهر) في الحياة والكون؛ فلا يحصُلُ في خَلْقِه ما لا يريده، ولا ينعدم منه ما أراد حصولَه؛ إذ لا سلطانَ ولا قَهْرَ إلا سلطانُه وقهرُه، ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ على الحقيقة إلا به؛ لأن قوةَ الأشياء مستمَدَّةٌ من قُوَّتِه، ولو شاء سلَبَها إيَّاها كأن لم تكُنْ.
«هذان الوصفانِ أيضًا من المضافات؛ فإن (الظاهرَ) يكون ظاهرًا لشيء وباطنًا لشيء، ولا يكونُ مِن وجهٍ واحد ظاهرًا وباطنًا؛ بل يكون ظاهرًا من وجهٍ بالإضافة إلى إدراك، وباطنًا من وجهٍ آخرَ؛ فإن الظُّهورَ والبُطونَ إنما يكون بالإضافة إلى الإدراكات، واللهُ سبحانه وتعالى (باطنٌ) إن طُلِبَ مِن إدراك الحواسِّ وخِزانةِ الخيال، (ظاهرٌ) إن طُلِبَ مِن خِزانة العقل بطريق الاستدلال».
الغَزالي "المقصد الأسنى" (ص136).
«(الأوَّل) بعِرْفان القلوب، و(الآخِر) بسَتْرِ العيوب، و(الظاهر) بإزالة الكروب، و(الباطن) بغفران الذُّنوب.(الأول) قبل كلِّ شيء، و(الآخِر) بعد كل شيء، و(الظاهر) بالقدرة على كل شيء، و(الباطن) العالِمُ بحقيقة كل شيء.
(الأوَّل) قبل كل شيء بالقِدَم والأزليَّة، و(الآخِر) بعد كل شيء بالأبدية والسَّرمديَّة، و(الظاهر) لكل شيء بالدلائلِ اليقينيَّة، و(الباطن) من مناسَبة الجِسْمية والأَبْنِيَة والكميَّة».
الفَخْر الرَّازِي "لوامع البينات" (ص240).
«فمعرفةُ هذه الأسماء الأربعة: (الأوَّل والآخِر، والظاهر والباطن): هي أركانُ العلم والمعرفة؛ فحقيقٌ بالعبد أن يبلُغَ في معرفتها إلى حيث ينتهي به قُوَاه وفهمُه... فهذه الأسماء الأربعة تشتمل على أركانِ التوحيد... وهي جماعُ المعرفة بالله، وجماعُ العبودية له».
ابن قَيِّم الجَوْزِيَّة "طريق الهجرتين" (1 /46 وما بعدها).
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".