العلي
كلمة العليّ في اللغة هي صفة مشبهة من العلوّ، والصفة المشبهة تدل...
حالة شعورية من طمأنينة النفس، وزوال الخوف، والرضا النفسي الناشئ عن سيادة الحق، والقانون، وضمان حقوق الفرد في المجتمع، وحرية التفكير، والتعبير، وحفظ الكرامة الإنسانية، والتساوي في الفرص . ورد في قوله تعالى : ﭽﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭼالأنعام : ٨١ - ٨٢، وقوله صلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا في سِرْبِهِ مُعَافى في جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوْتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيْزَتْ لَهُ الدُّنيَا ". الترمذي :2346.
حالة شعورية من طمأنينة النفس، وزوال الخوف، والرضا النفسي الناشئ عن سيادة الحق، والقانون، وضمان حقوق الفرد في المجتمع، وحرية التفكير، والتعبير، وحفظ الكرامة الإنسانية، والتساوي في الفرص.
التَّعْرِيفُ:
1 - الأَْمْنُ ضِدُّ الْخَوْفِ، وَهُوَ: عَدَمُ تَوَقُّعِ مَكْرُوهٍ فِي الزَّمَانِ الآْتِي، وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ لَهُ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (1) الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ
أ - أَمَانٌ:
2 - الأَْمَانُ: ضِدُّ الْخَوْفِ، يُقَال: أَمَّنْتُ الأَْسِيرَ: أَعْطَيْتُهُ الأَْمَانَ فَأَمِنَ، فَهُوَ كَالأَْمْنِ.
وَأَمَّا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، فَلَهُ مَعْنًى يَخْتَلِفُ عَنِ الأَْمْنِ، إِذْ هُوَ عِنْدَهُمْ، عَقْدٌ يُفِيدُ تَرْكَ الْقِتَال مَعَ الْكُفَّارِ فَرْدًا أَوْ جَمَاعَةً مُؤَقَّتًا أَوْ مُؤَبَّدًا (2) .
ب - خَوْفٌ:
3 - الْخَوْفُ: الْفَزَعُ، وَهُوَ ضِدُّ الأَْمْنِ (3)
ج - إِحْصَارٌ:
4 - الإِْحْصَارُ: الْمَنْعُ وَالْحَبْسُ.
وَيَسْتَعْمِلُهُ الْفُقَهَاءُ فِي مَنْعِ الْحَاجِّ بِعَدُوٍّ وَنَحْوِهِ مِنْ بَعْضِ أَعْمَالٍ مُعَيَّنَةٍ فِي الْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ (4) ، كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَالطَّوَافِ.
حَاجَةُ النَّاسِ إِلَى الأَْمْنِ وَوَاجِبُ الإِْمَامِ تُجَاهَ ذَلِكَ:
5 - الأَْمْنُ لِلْفَرْدِ وَلِلْمُجْتَمَعِ وَلِلدَّوْلَةِ مِنْ أَهَمِّ مَا تَقُومُ عَلَيْهِ الْحَيَاةُ، إِذْ بِهِ يَطْمَئِنُّ النَّاسُ عَلَى دِينِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ، وَيَتَّجِهُ تَفْكِيرُهُمْ إِلَى مَا يَرْفَعُ شَأْنَ مُجْتَمَعِهِمْ وَيَنْهَضُ بِأُمَّتِهِمْ.
وَمِنْ طَبَائِعِ الْمُجْتَمَعَاتِ الْبَشَرِيَّةِ - كَمَا يَقُول ابْنُ خَلْدُونٍ - حُدُوثُ الاِخْتِلاَفِ بَيْنَهُمْ، وَوُقُوعُ التَّنَازُعِ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْمُشَاحَنَاتِ وَالْحُرُوبِ، وَإِلَى الْهَرَجِ وَسَفْكِ الدِّمَاءِ وَالْفَوْضَى، بَل إِلَى الْهَلاَكِ إِذَا خُلِّيَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَنْفُسِهِمْ بِدُونِ وَازِعٍ (5) .
وَبَيَّنَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ وُجُودَ الإِْمَامِ هُوَ الَّذِي يَمْنَعُ الْفَوْضَى، فَيَقُول: الإِْمَامَةُ مَوْضُوعَةٌ لِخِلاَفَةِ النُّبُوَّةِ فِي حِرَاسَةِ الدِّينِ وَسِيَاسَةِ الدُّنْيَا، وَلَوْلاَ الْوُلاَةُ لَكَانَ النَّاسُ فَوْضَى مُهْمَلِينَ وَهَمَجًا مُضَيَّعِينَ (6) .
ثُمَّ يُوَضِّحُ الْمَاوَرْدِيُّ وَاجِبَاتِ الإِْمَامِ فِي ذَلِكَ فَيَقُول: الَّذِي يَلْزَمُ الإِْمَامَ مِنَ الأُْمُورِ الْعَامَّةِ عَشَرَةُ أَشْيَاءَ:
أَحَدُهَا: حِفْظُ الدِّينِ عَلَى أُصُولِهِ الْمُسْتَقِرَّةِ وَمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ سَلَفُ الأُْمَّةِ، فَإِنْ نَجَمَ مُبْتَدِعٌ أَوْ زَاغَ ذُو شُبْهَةٍ عَنْهُ أَوْضَحَ لَهُ الْحُجَّةَ، وَبَيَّنَ لَهُ الصَّوَابَ، وَأَخَذَهُ بِمَا يَلْزَمُهُ مِنَ الْحُقُوقِ وَالْحُدُودِ، لِيَكُونَ الدِّينُ مَحْرُوسًا مِنْ خَلَلٍ، وَالأُْمَّةُ مَمْنُوعَةً مِنْ زَلَلٍ.
الثَّانِي: تَنْفِيذُ الأَْحْكَامُ بَيْنَ الْمُتَشَاجِرِينَ، وَقَطْعُ الْخِصَامِ بَيْنَ الْمُتَنَازِعِينَ، حَتَّى تَعُمَّ النَّصَفَةُ، فَلاَ يَتَعَدَّى ظَالِمٌ، وَلاَ يَضْعُفُ مَظْلُومٌ.
الثَّالِثُ: حِمَايَةُ الْبَيْضَةِ وَالذَّبُّ عَنِ الْحَرِيمِ لِيَتَصَرَّفَ النَّاسُ فِي الْمَعَايِشِ وَيَنْتَشِرُوا فِي الأَْسْفَارِ، آمِنِينَ مِنْ تَغْرِيرٍ بِنَفْسٍ أَوْ مَالٍ. الرَّابِعُ: إِقَامَةُ الْحُدُودِ لِتُصَانَ مَحَارِمُ اللَّهِ تَعَالَى عَنِ الاِنْتِهَاكِ وَتُحْفَظَ حُقُوقُ عِبَادِهِ مِنْ إِتْلاَفٍ وَاسْتِهْلاَكٍ.
الْخَامِسُ: تَحْصِينُ الثُّغُورِ بِالْعُدَّةِ الْمَانِعَةِ وَالْقُوَّةِ الدَّافِعَةِ، حَتَّى لاَ تَظْفَرَ الأَْعْدَاءُ بِغِرَّةٍ يَنْتَهِكُونَ فِيهَا مَحْرَمًا، أَوْ يَسْفِكُونَ فِيهَا لِمُسْلِمٍ أَوْ مُعَاهَدٍ دَمًا.
السَّادِسُ: جِهَادُ مَنْ عَانَدَ الإِْسْلاَمَ بَعْدَ الدَّعْوَةِ حَتَّى يُسْلِمَ، أَوْ يَدْخُل فِي الذِّمَّةِ، لِيُقَامَ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي إِظْهَارِهِ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ.
السَّابِعُ: جِبَايَةُ الْفَيْءِ وَالصَّدَقَاتِ عَلَى مَا أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ نَصًّا وَاجْتِهَادًا مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلاَ عَسْفٍ.
الثَّامِنُ: تَقْدِيرُ الْعَطَايَا وَمَا يُسْتَحَقُّ فِي بَيْتِ الْمَال مِنْ غَيْرِ سَرَفٍ وَلاَ تَقْتِيرٍ، وَدَفْعُهُ فِي وَقْتٍ لاَ تَقْدِيمَ فِيهِ وَلاَ تَأْخِيرَ.
التَّاسِعُ: اسْتِكْفَاءُ الأُْمَنَاءِ وَتَقْلِيدُ النُّصَحَاءِ فِيمَا يُفَوَّضُ إِلَيْهِمْ مِنَ الأَْعْمَال وَيُوَكَّل إِلَيْهِمْ مِنَ الأَْمْوَال، لِتَكُونَ الأَْعْمَال بِالْكَفَاءَةِ مَضْبُوطَةً، وَالأَْمْوَال بِالأُْمَنَاءِ مَحْفُوظَةً.
الْعَاشِرُ: أَنْ يُبَاشِرَ بِنَفْسِهِ مُشَارَفَةَ الأُْمُورِ وَتَصَفُّحَ الأَْحْوَال، لِيَنْهَضَ بِسِيَاسَةِ الأُْمَّةِ وَحِرَاسَةِ الْمِلَّةِ، وَلاَ يُعَوِّل عَلَى التَّفْوِيضِ تَشَاغُلاً بِلَذَّةٍ أَوْ عِبَادَةٍ، فَقَدْ يَخُونُ الأَْمِينُ، وَيَغِشُّ النَّاصِحُ (7) .
اشْتِرَاطُ الأَْمْنِ بِالنِّسْبَةِ لأَِدَاءِ الْعِبَادَاتِ:
6 - الأَْمْنُ مَقْصُودٌ بِهِ سَلاَمَةُ النَّفْسِ وَالْمَال وَالْعِرْضِ وَالدَّيْنِ وَالْعَقْل، وَهِيَ الضَّرُورِيَّاتُ الَّتِي لاَ بُدَّ مِنْهَا لِقِيَامِ مَصَالِحِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ أَمْنَ الإِْنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَعِرْضِهِ شَرْطٌ فِي التَّكْلِيفِ بِالْعِبَادَاتِ (8) . لأَِنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى النُّفُوسِ وَالأَْعْضَاءِ لِلْقِيَامِ بِمَصَالِحِ الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ أَوْلَى مِنْ تَعْرِيضِهَا لِلضَّرَرِ بِسَبَبِ الْعِبَادَةِ (9) .
وَيَتَّضِحُ ذَلِكَ مِنَ الأَْمْثِلَةِ الآْتِيَةِ:
أَوَّلاً: فِي الطَّهَارَةِ:
7 - الطَّهَارَةُ بِالْمَاءِ الطَّهُورِ مِنَ الْحَدَثِ الأَْصْغَرِ أَوِ الأَْكْبَرِ مِنْ شَرَائِطِ الصَّلاَةِ لَكِنْ مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ عَدُوٌّ أَوْ لِصٌّ أَوْ سَبُعٌ أَوْ حَيَّةٌ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ الْهَلاَكَ أَوِ الضَّرَرَ الشَّدِيدَ أُبِيحَ لَهُ التَّيَمُّمُ؛ لأَِنَّ إِلْقَاءَ النَّفْسِ إِلَى التَّهْلُكَةِ حَرَامٌ، وَكَذَا مَنْ كَانَ بِهِ جِرَاحَةٌ أَوْ مَرَضٌ وَيَخْشَى عَلَى نَفْسِهِ التَّلَفَ بِاسْتِعْمَال الْمَاءِ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} (10) وقَوْله تَعَالَى: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} (11)
وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄ أَنَّ رَجُلاً أَصَابَهُ جُرْحٌ فِي رَأْسِهِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ ثُمَّ أَصَابَهُ احْتِلاَمٌ فَأُمِرَ بِالاِغْتِسَال، فَاغْتَسَل فَكُزَّ فَمَاتَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ ﷺ فَقَال: قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ (12) (ر: طَهَارَة - وُضُوء - غُسْل - تَيَمُّم) .
ثَانِيًا: فِي الصَّلاَةِ:
8 - أ - مِنْ شَرَائِطِ الصَّلاَةِ اسْتِقْبَال الْقِبْلَةِ مَعَ الأَْمْنِ، فَإِذَا لَمْ يَتَحَقَّقِ الأَْمْنُ بِأَنْ خَافَ مِنْ نَحْوِ عَدُوٍّ أَوْ سَبُعٍ سَقَطَ الاِسْتِقْبَال وَصَلَّى عَلَى حَالِهِ لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ (13) (ر: اسْتِقْبَال) .
ب - صَلاَةُ الْجُمُعَةِ فَرْضٌ إِلاَّ أَنَّهَا لاَ تَجِبُ عَلَى خَائِفٍ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ إِجْمَاعًا (14) .
ج - صَلاَةُ الْجَمَاعَةِ سُنَّةٌ أَوْ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ عَلَى اخْتِلاَفٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، وَلَكِنَّ الْجَمَاعَةَ تَسْقُطُ لِخَوْفٍ عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَالٍ أَوْ عِرْضٍ، لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: مَنْ سَمِعَ الْمُنَادِيَ فَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنِ اتِّبَاعِهِ عُذْرٌ - قَالُوا: وَمَا الْعُذْرُ؟ قَال: خَوْفٌ أَوْ مَرَضٌ - لَمْ تُقْبَل مِنْهُ الصَّلاَةُ الَّتِي صَلَّى (15) .
ثَالِثًا: فِي الْحَجِّ:
9 - يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْحَجِّ أَمْنُ الطَّرِيقِ فِي النَّفْسِ وَالْمَال وَالْعِرْضِ، فَمَنْ خَافَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ عَدُوٍّ أَوْ سَبُعٍ أَوْ لِصٍّ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْحَجُّ إِنْ لَمْ يَجِدْ طَرِيقًا آخَرَ آمِنًا. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْحَجِّ مَثَلاً طَرِيقٌ إِلاَّ بِالْبَحْرِ، وَكَانَ الْغَالِبُ عَدَمَ سَلاَمَةِ الْوُصُول لَمْ يَجِبِ الْحَجُّ (16) . لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} (17) وَقَوْلُهُ: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} (18) (ر حَجّ) . رَابِعًا: فِي الأَْمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ:
10 - الأَْمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاجِبٌ عَلَى سَبِيل الْكِفَايَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (19) وَشَرْطُ وُجُوبِهِ أَنْ يَأْمَنَ الإِْنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ وَإِنْ قَل أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ (20) . لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِْيمَانِ (21)
(ر: أَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ)
اشْتِرَاطُ الأَْمْنِ بِالنِّسْبَةِ لِلاِمْتِنَاعِ عَنِ الْمُحَرَّمَاتِ:
11 - الْحِفَاظُ عَلَى النَّفْسِ وَالْمَال وَالْعِرْضِ مِنْ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ، وَقَدْ تَبَيَّنَ مِمَّا تَقَدَّمَ، أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي الْقِيَامِ بِعِبَادَةٍ مَا تَلَفٌ لِلإِْنْسَانِ فِي نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ فَإِنَّهُ يُرَخَّصُ وَيُخَفَّفُ عَنْهُ فِيهَا.
وَمِثْل ذَلِكَ يُقَال فِي الْمُحَرَّمَاتِ. فَلَوْ كَانَ فِيمَا حَرَّمَهُ الشَّارِعُ ضَرَرٌ يَلْحَقُ الإِْنْسَانَ فِي نَفْسِهِ لَوِ امْتَنَعَ عَنْهُ امْتِثَالاً لِلنَّهْيِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُبَاحُ لَهُ مَا حَرُمَ فِي الأَْصْل وَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ.
وَالأَْصْل فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ} (22) وقَوْله تَعَالَى: {إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} (23) وَمِنَ الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ فِي ذَلِكَ: الضَّرَرُ يُزَال، وَالضَّرُورَاتُ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ.
وَالأَْمْثِلَةُ عَلَى ذَلِكَ كَثِيرَةٌ فِي الْفِقْهِ الإِْسْلاَمِيِّ، وَمِنْهَا:
أ - يَجُوزُ بَل يَجِبُ تَنَاوُل الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْخِنْزِيرِ عِنْدَ الْمَخْمَصَةِ إِذَا لَمْ يَجِدِ الإِْنْسَانُ غَيْرَهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِل لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ} (24) . ب - يُبَاحُ تَنَاوُل الْخَمْرِ لإِِزَالَةِ الْغُصَّةِ.
ج - يَجُوزُ التَّلَفُّظُ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ عِنْدَ الإِْكْرَاهِ الْمُلْجِئِ إِلَى ذَلِكَ
د - يَجُوزُ إِلْقَاءُ الْمَتَاعِ مِنَ السَّفِينَةِ الْمُشْرِفَةِ عَلَى الْغَرَقِ.
هـ - يَجُوزُ دَفْعُ الصَّائِل وَلَوْ أَدَّى إِلَى قَتْلِهِ (25) . وَغَيْرُ ذَلِكَ كَثِيرٌ، وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُهُ وَالْخِلاَفُ فِيهِ فِي بَحْثِ (ضَرُورَة) (وَإِكْرَاه) .
اشْتِرَاطُ الأَْمْنِ فِي سَكَنِ الزَّوْجَةِ:
12 - مِنْ حُقُوقِ الزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا وُجُوبُ تَوْفِيرِ الْمَسْكَنِ الْمُلاَئِمِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي شَأْنِ الْمُعْتَدَّاتِ مِنَ الطَّلاَقِ: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} (26) . فَإِنَّهُ يَدُل عَلَى وُجُوبِ إِسْكَانِ الْمُطَلَّقَةِ أَثْنَاءَ الْعِدَّةِ، وَإِذَا كَانَ إِسْكَانُ الْمُطَلَّقَةِ أَثْنَاءَ الْعِدَّةِ وَاجِبًا، كَانَ إِسْكَانُ الزَّوْجَةِ حَال قِيَامِ الزَّوْجِيَّةِ وَاجِبًا بِالطَّرِيقِ الأَْوْلَى.
وَمِنْ شُرُوطِ الْمَسْكَنِ أَنْ تَأْمَنَ فِيهِ الزَّوْجَةُ عَلَى نَفْسِهَا وَمَالِهَا، وَلَوْ أَسْكَنَهَا فِي بَيْتٍ مِنَ الدَّارِ مُفْرَدًا وَلَهُ غَلَقٌ كَفَاهَا، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِمَسْكَنٍ آخَرَ؛ لأَِنَّ الضَّرَرَ بِالْخَوْفِ عَلَى الْمَتَاعِ وَعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنَ الاِسْتِمْتَاعِ قَدْ زَال. وَإِنْ أَسَاءَ الزَّوْجُ عِشْرَتَهَا وَلَمْ تَسْتَطِعْ إِثْبَاتَ ذَلِكَ أَسْكَنَهَا الْقَاضِي إِلَى جَانِبِ ثِقَةٍ يَمْنَعُهُ مِنَ الإِْضْرَارِ بِهَا وَالتَّعَدِّي عَلَيْهَا (27) . وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ فِي الْجُمْلَةِ.
(ر: سُكْنَى - نَفَقَة - نِكَاح)
اشْتِرَاطُ الأَْمْنِ فِي الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَعِنْدَ إِقَامَةِ حَدِّ الْجَلْدِ:
13 - الْقِصَاصُ فِي الْجُرُوحِ وَالأَْطْرَافِ أَمْرٌ مُقَرَّرٌ فِي الشَّرِيعَةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} (28) إِلاَّ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِلْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ إِمْكَانُ اسْتِيفَاءِ الْمِثْل مِنْ غَيْرِ حَيْفٍ وَلاَ زِيَادَةٍ مَعَ الأَْمْنِ مِنَ السِّرَايَةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْل مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} (29) ، وَلأَِنَّ دَمَ الْجَانِي مَعْصُومٌ إِلاَّ فِي قَدْرِ جِنَايَتِهِ، فَمَا زَادَ عَلَيْهَا يَبْقَى عَلَى الْعِصْمَةِ، فَيَحْرُمُ اسْتِيفَاؤُهُ بَعْدَ الْجِنَايَةِ لِتَحْرِيمِهِ قَبْلَهَا، وَمِنْ ضَرُورَةِ الْمَنْعِ مِنَ الزِّيَادَةِ الْمَنْعُ مِنَ الْقِصَاصِ، لأَِنَّهَا مِنْ لَوَازِمِهِ. وَهَكَذَا كُل مَا كَانَ فِيهِ الْقَوَدُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ مُتْلَفًا، فَلاَ قَوَدَ فِيهِ. كَمَا أَنَّهُ لاَ يُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ بِآلَةٍ يُخْشَى مِنْهَا الزِّيَادَةُ، كَأَنْ تَكُونَ سَامَّةً أَوْ كَالَّةً، لِمَا رَوَى شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِْحْسَانَ عَلَى كُل شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ (30) .
وَلِخَوْفِ التَّلَفِ يُؤَخَّرُ الْقِصَاصُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ لِلْحَرِّ الْمُفْرِطِ وَالْبَرْدِ الْمُفْرِطِ، وَمَرَضِ الْجَانِي، وَحَتَّى تَضَعَ الْحَامِل (31) .
وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ فِي الْجُمْلَةِ، وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي (قِصَاص) .
وَكَذَلِكَ الأَْمْرُ بِالنِّسْبَةِ لإِِقَامَةِ حَدِّ الْجَلْدِ، إِذْ يُشْتَرَطُ أَلاَّ يَكُونَ فِي إِقَامَةِ حَدِّ الْجَلْدِ خَوْفُ الْهَلاَكِ؛ لأَِنَّ هَذَا الْحَدَّ شُرِعَ زَاجِرًا لاَ مُهْلِكًا، وَعَلَى ذَلِكَ فَلاَ يُقَامُ حَدُّ الْجَلْدِ فِي الْحَرِّ الشَّدِيدِ وَالْبَرْدِ الشَّدِيدِ، وَلاَ عَلَى مَرِيضٍ حَتَّى يَبْرَأَ، وَلاَ عَلَى حَامِلٍ حَتَّى تَضَعَ (32) .
(ر: حَدّ وَجَلْد) اشْتِرَاطُ الأَْمْنِ لِمَرِيدِ السَّفَرِ بِمَال الشَّرِكَةِ أَوِ الْمُضَارَبَةِ أَوِ الْوَدِيعَةِ:
أ - فِي الشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ:
14 - لاَ يَجُوزُ لأَِيٍّ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يُسَافِرَ بِمَال الشَّرِكَةِ، إِذَا كَانَ الطَّرِيقُ مَخُوفًا إِلاَّ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ؛ لأَِنَّ السَّفَرَ بِمَال الشَّرِكَةِ فِي الطَّرِيقِ الْمَخُوفِ يُؤَدِّي إِلَى تَعْرِيضِهِ لِلأَْخْطَارِ، وَتَعْرِيضُ مَال الْغَيْرِ لِلْخَطَرِ لاَ يَجُوزُ دُونَ إِذْنِ صَاحِبِهِ.
وَمِثْل ذَلِكَ مَال الْمُضَارَبَةِ، فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِعَامِل الْمُضَارَبَةِ السَّفَرُ بِمَال الْمُضَارَبَةِ إِلاَّ عِنْدَ أَمْنِ الطَّرِيقِ (33) .
ب - فِي الْوَدِيعَةِ:
15 - عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: يَجُوزُ السَّفَرُ بِمَال الْوَدِيعَةِ إِنْ كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا وَلَمْ يَخَفْ عَلَيْهَا، فَإِنْ كَانَ الطَّرِيقُ مَخُوفًا فَلاَ يَجُوزُ لَهُ السَّفَرُ بِهَا، وَإِلاَّ ضَمِنَ (34) .
وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ: أَنَّ مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ، وَأَرَادَ السَّفَرَ، وَجَبَ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهَا لِصَاحِبِهَا أَوْ وَكِيلِهِ أَوْ أَمِينٍ، فَإِنْ سَافَرَ بِهَا مَعَ وُجُودِ أَحَدٍ مِنْ هَؤُلاَءِ ضَمِنَ؛ لأَِنَّ الإِْيدَاعَ يَقْتَضِي الْحِفْظَ فِي الْحِرْزِ، وَلَيْسَ السَّفَرُ مِنْ مَوَاضِعِ الْحِفْظِ، لأَِنَّهُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَخُوفًا أَوْ آمِنًا لاَ يُوثَقُ بِأَمْنِهِ، وَلِذَلِكَ لاَ يَجُوزُ السَّفَرُ بِالْوَدِيعَةِ مَعَ عَدَمِ الضَّرُورَةِ. (ر: وَدِيعَة) .
اسْتِفَادَةُ أَمْنِ الطَّرِيقِ فِي الْقَرْضِ:
16 - الأَْصْل أَنَّ كُل قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً فَهُوَ مَمْنُوعٌ، " لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنْ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً (35)
وَعَلَى هَذَا تُخَرَّجُ مَسْأَلَةُ السَّفَاتِجِ (36) . وَهِيَ: اشْتِرَاطُ الْقَضَاءِ بِبَلَدٍ آخَرَ، لاِنْتِفَاعِ الْمُقْرِضِ بِدَفْعِ خَطَرِ الطَّرِيقِ.
وَالْقَرْضُ بِهَذَا الشَّرْطِ مَمْنُوعٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ - الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَرِوَايَةٌ عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ - لأَِنَّ الْقَرْضَ عَقْدُ إِرْفَاقٍ وَقُرْبَةٍ، فَإِذَا شُرِطَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ خَرَجَ عَنْ مَوْضُوعِهِ، إِلاَّ إِذَا عَمَّ الْخَوْفُ بَرًّا وَبَحْرًا فَإِنَّ الْمَالِكِيَّةَ يُجِيزُونَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِلضَّرُورَةِ صِيَانَةً لِلأَْمْوَال. وَإِنْ كَانَ بِدُونِ شَرْطٍ فَهُوَ جَائِزٌ بِاتِّفَاقٍ، لأَِنَّهُ مِنْ حُسْنِ الْقَضَاءِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ اسْتَلَفَ مِنْ رَجُلٍ بَكْرًا، فَقَدِمَتْ عَلَيْهِ إِبِلٌ مِنْ إِبِل الصَّدَقَةِ، فَأَمَرَ أَبَا رَافِعٍ أَنْ يَقْضِيَ الرَّجُل بَكْرَهُ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ أَبُو رَافِعٍ، فَقَال: لَمْ أَجِدْ فِيهَا إِلاَّ خِيَارًا رُبَاعِيًّا فَقَال: أَعْطِهِ إِيَّاهُ، إِنَّ خِيَارَ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً (37) وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ أَنَّهُ " كَانَ يَسْتَقْرِضُ بِالْمَدِينَةِ وَيَرُدُّ بِالْكُوفَةِ " وَذَلِكَ بِدُونِ شَرْطٍ (38) .
وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ جَائِزٌ وَلَوْ بِشَرْطٍ، لأَِنَّهُ مَصْلَحَةٌ لِلْمُقْرِضِ وَالْمُقْتَرِضِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ بِوَاحِدٍ مِنْهَا، وَالشَّرْعُ لاَ يَرِدُ بِتَحْرِيمِ الْمَصَالِحِ الَّتِي لاَ مَضَرَّةَ فِيهَا بَل بِمَشْرُوعِيَّتِهَا، وَلأَِنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَلاَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ، فَوَجَبَ بَقَاؤُهُ عَلَى الإِْبَاحَةِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّ لِلْوَصِيِّ قَرْضَ مَال الْيَتِيمِ فِي بَلَدٍ أُخْرَى لِيَرْبَحَ خَطَرَ الطَّرِيقِ. وَقَال عَطَاءٌ: كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ ﵄ يَأْخُذُ مِنْ قَوْمٍ بِمَكَّةَ دَرَاهِمَ، ثُمَّ يَكْتُبُ لَهُمْ بِهَا إِلَى أَخِيهِ مُصْعَبٍ بِالْعِرَاقِ، فَيَأْخُذُونَهَا مِنْهُ، فَسُئِل عَنْ ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄ فَلَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ ﵁ أَنَّهُ سُئِل عَنْ مِثْل هَذَا فَلَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا (39) .
تَحَقُّقُ الأَْمْنِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُحْرِمِ
17 - كَانَ الْحَرَمُ مَوْضِعَ أَمْنٍ لأَِهْلِهِ وَمَنْ لَجَأَ إِلَيْهِ، وَكَانَ هَذَا مَعْرُوفًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَاسْتَمَرَّ فِي الإِْسْلاَمِ. قَال اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذْ قَال إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَل هَذَا بَلَدًا آمِنًا} (40) ، وَقَال رَسُول اللَّهِ ﷺ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: {
إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَْرْضَ، فَهُوَ حَرَامٌ يُحَرِّمُهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّهُ لَمْ يَحِل الْقِتَال فِيهِ لأَِحَدٍ قَبْلِي، وَلَمْ يَحِل لِي إِلاَّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلاَ يُلْتَقَطُ لُقَطَتُهُ إِلاَّ مَنْ عَرَّفَهَا، وَلاَ يُخْتَلَى خَلاَهُ، فَقَال الْعَبَّاسُ: يَا رَسُول اللَّهِ إِلاَّ الإِْذْخِرَ فَإِنَّهُ لِقِينِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ، فَقَال ﷺ: إِلاَّ الإِْذْخِرَ (41)
وَلاِسْتِيفَاءِ بَاقِي أَحْكَامِ الْحَرَمِ، وَتَفَاصِيلِهِ (ر: حَرَم) .
تَحَقُّقُ الأَْمْنِ لِغَيْرِ الْمُسْلِمِينَ:
18 - مِنَ الْمُقَرَّرِ أَنَّ حُكْمَ الإِْسْلاَمِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْلِمِينَ فِي الدُّنْيَا هُوَ عِصْمَةُ النَّفْسِ وَالْمَال، لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِل النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ فَإِذَا قَالُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ (42)
وَبِهَذَا يَتَقَرَّرُ الأَْمْنُ لِلْمُسْلِمِ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ.
أَمَّا غَيْرُ الْمُسْلِمِ فَإِنَّهُ يَتَحَقَّقُ لَهُ الأَْمْنُ بِتَأْمِينِ الْمُسْلِمِينَ لَهُ وَإِعْطَائِهِ الأَْمَانَ؛ لأَِنَّ حُكْمَ الأَْمَانِ هُوَ ثُبُوتُ الأَْمْنِ لِلْكَفَرَةِ عَنِ الْقَتْل وَالسَّبْيِ وَالاِسْتِغْنَامِ، فَيَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ قَتْل رِجَالِهِمْ وَسَبْيُ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ وَاسْتِغْنَامُ أَمْوَالِهِمْ. وَالأَْصْل فِي إِعْطَاءِ الأَْمَانِ لِلْكُفَّارِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} (43) .
19 - وَالأَْمَانُ قِسْمَانِ الأَْوَّل: أَمَانٌ يَعْقِدُهُ الإِْمَامُ أَوْ نَائِبُهُ، وَهُوَ نَوْعَانِ: مُؤَقَّتٌ، وَهُوَ مَا يُسَمَّى بِالْهُدْنَةِ وَبِالْمُعَاهَدَةِ وَبِالْمُوَادَعَةِ - وَهُوَ عَقْدُ الإِْمَامِ أَوْ نَائِبِهِ عَلَى تَرْكِ الْقِتَال مُدَّةً مَعْلُومَةً - مَعَ اخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ فِي مِقْدَارِ مُدَّةِ الْمُوَادَعَةِ.
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ وَادَعَ أَهْل مَكَّةَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَنْ تُوضَعَ الْحَرْبُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ عَشْرَ سِنِينَ.
وَالنَّوْعُ الثَّانِي: الأَْمَانُ الْمُؤَبَّدُ، وَهُوَ مَا يُسَمَّى عَقْدَ الذِّمَّةِ، وَهُوَ إِقْرَارُ بَعْضِ الْكُفَّارِ عَلَى كُفْرِهِمْ بِشَرْطِ بَذْل الْجِزْيَةِ وَالْتِزَامِ أَحْكَامِ الإِْسْلاَمِ وَالأَْصْل فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآْخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (1) .
هَذَا مَعَ اخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ فِي غَيْرِ أَهْل الْكِتَابِ، هَل تُقْبَل مِنْهُمُ الْجِزْيَةُ وَيُقَرُّونَ عَلَى حَالِهِمْ أَمْ لاَ يُقْبَل مِنْهُمْ إِلاَّ الإِْسْلاَمُ، فَإِنْ لَمْ يُسْلِمُوا قُتِلُوا.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي مِنَ الأَْمَانِ:
هُوَ الأَْمَانُ الَّذِي يُصْدَرُ مِنْ أَحَدِ الْمُسْلِمِينَ لِعَدَدٍ مَحْصُورٍ مِنَ الْكُفَّارِ، وَيَدُل عَلَيْهِ حَدِيثُ: الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ. (2) وَأَخْبَارٌ أُخْرَى، وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي (أَمَان، وَذِمَّة، وَمُعَاهَدَة) .
__________
(1) لسان العرب، والمصباح المنير، ودستور العلماء في المادة، والمجموع 7 / 80 ط السلفية، والبدائع 1 / 47 ط أولى، والمغني 1 / 261 ط الرياض
(2) لسان العرب، والبدائع 7 / 107، ومنتهى الإرادات 2 / 122 - 130 ط دار الفكر
(3) لسان العرب
(4) لسان العرب، والمصباح المنير، والزيلعي 2 / 77 ط أولى، والدسوقي 2 / 93
(5) مقدمة ابن خلدون ص 187
(6) الأحكام السلطانية للماوردي ص5
(7) الأحكام السلطانية للماوردي ص 15، 16
(8) المستصفى 1 / 287، والموافقات 1 / 346 - 347
(9) الأشباه لابن نجيم ص 30، الأشباه للسيوطي ص 68
(10) سورة النساء / 43
(11) سورة النساء / 29
(12) البدائع 1 / 47 ط أولى، والحطاب 1 / 333 - 434 ط النجاح، ونهاية المحتاج 1 / 252، 262، المغني 1 / 257 ط الرياض. وحديث: ابن عباس ﵄ " أن رجلا أصابه جرح في رأسه. . . ". أخرجه أبو داود وابن ماجه واللفظ له، وابن حبان والحاكم من حديث ابن عباس ﵁. قال محقق جامع الأصول: هو حديث حسن بشواهده. كما أخرجه أبو داود من حديث جابر بن عبد الله بهذا المعنى، و (سنن أبي داود 1 / 293 - 240 ط عزت عبيد دعاس، وسنن ابن ماجه 1 / 189 ط عيسى الحلبي، وموارد الظمآن ص 76 ط دار الكتب العلمية، والمستدرك 1 / 178، وجامع الأصول 7 / 262، 264)
(13) منتهى الإرادات 1 / 159 ط دار الفكر، وجواهر الإكليل 1 / 43 ط دار المعرفة، والمهذب1 / 76 ط دار المعرفة، والهداية 1 / 45 ط المكتبة الإسلامية. وحديث: " إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ". أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة ﵁ مرفوعا (صحيح مسلم 2 / 975 ط عيسى الحلبي)
(14) المهذب 1 / 116، ومنتهى الإرادات 1 / 269، وجواهر الإكليل 1 / 99، والاختيار 1 / 82 ط دار المعرفة
(15) المهذب 1 / 100، ومنتهى الإرادات 1 / 269، وجواهر الإكليل 1 / 99. وحديث: " من سمع المنادي فلم يمنعه. . . " أخرجه أبو داود واللفظ له والدارقطني والحاكم، وفي إسناده أبو جناب يحيى بن حيه، ضعفوه لكثرة تدليسه، لكن للحديث طريق آخر عند ابن ماجه بلفظ " من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر " وإسناده صحيح. (سنن أبي داود 1 / 374 ط عزت عبيد دعاس، وسنن الدارقطني 1 / 420، 421 ط شركة الطباعة الفنية المتحدة، والمستدرك 1 / 245، 246، وسنن ابن ماجه 1 / 260 ط عيسى الحلبي، وجامع الأصول 5 / 566)
(16) البدائع 2 / 123، وجواهر الإكليل 1 / 162، والمجموع 7 / 80 ط السلفية، والمغني 3 / 218
(17) سورة آل عمران / 97
(18) سورة البقرة / 286
(19) سورة آل عمران / 104
(20) القرطبي 4 / 48، 165 و6 / 253 ط دار الكتب المصرية، والآداب الشرعية لابن مفلح 1 / 174 ط المنار، وابن عابدين 1 / 234 ط بولاق، والشرح الصغير 4 / 741 ط دار المعارف، ونهاية المحتاج 8 / 45 ط مصطفى الحلبي
(21) حديث: " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان " (سبق تخريجه في الأمر بالمعروف ف / 18
(22) سورة البقرة / 173
(23) سورة الأنعام / 119
(24) سورة البقرة / 173
(25) الأشباه لابن نجيم ص 34، والأشباه للسيوطي ص 75، 76، والقواعد لابن رجب ص 36، 312، والمغني لابن قدامة 8 / 332
(26) سورة الطلاق / 6
(27) البحر الرائق 4 / 210 ط أولى، والهداية 2 / 43 نشر المكتبة الإسلامية، والدسوقي 2 / 513، ومغني المحتاج 3 / 243 ط مصطفى الحلبي، والمغني 7 / 569 نشر مكتبة الرياض
(28) سورة المائدة / 45
(29) سورة النحل / 126
(30) حديث: " إن الله كتب الإحسان على كل شيء. . . . " أخرجه مسلم من حديث شداد بن أوس مرفوعا. (صحيح مسلم 3 / 1548 ط عيسى الحلبي)
(31) المغني 7 / 690، 703، 727، والبدائع 7 / 297، والدسوقي 4 / 250 وما بعدها، والمواق بهامش الحطاب 6 / 253 نشر النجاح، والمهذب 2 / 179، 185
(32) البدائع 7 / 59، والمواق بهامش الحطاب 6 / 253، والمهذب 2 / 271، والمغني 8 / 171، 173
(33) البدائع 6 / 71، 88، وابن عابدين 3 / 355، 4 / 512، وتكملة فتح القدير 7 / 22، ومغني المحتاج 2 / 215، 317، والخرشي 4 / 226، 258، والفواكه الدواني 2 / 174، ومنتهى الإرادات 2 / 323، ومطالب أولي النهى 3 / 504، 518
(34) البدائع 6 / 71، والدسوقي 3 / 421، والمهذب 1 / 367، وشرح منتهى الإرادات 2 / 453
(35) حديث: " أن النبي ﷺ نهى عن قرض جر منفعة. . . ". أخرجه البيهقي بهذا المعنى عن فضالة بن عبيد وابن مسعود وأبي بن كعب وعبد الله بن سلام وابن عباس موقوفا عليهم، وأخرجه الحارث بن أسامة في مسنده من حديث علي ﵁ مرفوعا بلفظ " كل قرض جر منف (السنن الكبرى للبيهقي 5 / 350، 351 ط دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد، والمطالب العالية 1 / 411 نشر وزارة الأوقات والشئون الإسلامية بدولة الكويت، وكشف الخفاء 2 / 125 نشر مكتبة القدسي، والتلخيص الحبير 3 / 34 ط شركة الطباعة الفنية المتحدة.
(36) السفاتج جمع مفرده: سفتجة - بضم السين أو فتحها وفتح التاء - وهي ورقة يكتبها المقترض ببلد لوكيله ببلد آخر ليقضي عنه بها ما اقترضه (منح الجليل 3 / 50، والجواهر 2 / 76)
(37) حديث: " إن خيار الناس أحسنهم قضاء ". أخرجه مسلم (3 / 1224 ط عيسى الحلبي) .
(38) الأثر عن ابن عباس ﵄ يدل عليه ما أخرجه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق والبيهقي من أن ابن عباس وابن الزبير ﵄ كانا لا يريان بأسا أن يؤخذ المال بأرض الحجاز ويعطى بأرض العراق، أو يؤخذ بأرض العراق ويعطى بأرض الحجاز. (مصنف ابن أبي شيبة 6 / ومصنف عبد الرزاق 8 / 40 نشر المجلس العلمي، والسنن الكبرى للبيهقي 5 / 352 ط دائرة المعارف العثمانية)
(39) البدائع 7 / 395، ومنح الجليل 3 / 50، والمهذب 1 / 311، والمغني 4 / 354، 356
(40) سورة البقرة / 35
(41) حديث: " إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض، فهو حرام. . . " أخرجه البخاري ومسلم (فتح الباري 6 / 283 ط السلفية، وصحيح مسلم 2 / 986 - 987 ط عيسى الحلبي)
(42) حديث: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله. . . . " أخرجه مسلم من حديث جابر ﵁ مرفوعا (صحيح مسلم 1 / 53 ط عيسى الحلبي)
(43) سورة التوبة / 6
الموسوعة الفقهية الكويتية: 270/ 6