البحث

عبارات مقترحة:

التواب

التوبةُ هي الرجوع عن الذَّنب، و(التَّوَّاب) اسمٌ من أسماء الله...

الشافي

كلمة (الشافي) في اللغة اسم فاعل من الشفاء، وهو البرء من السقم،...

الجميل

كلمة (الجميل) في اللغة صفة على وزن (فعيل) من الجمال وهو الحُسن،...

بَيْعُ التَّلْجِئَةِ


من معجم المصطلحات الشرعية

هو أنيظهرا بيعًا لم يريداه باطنًا بل خوفًا من ظالم، ونحوه دفعًا له . ومن أمثلته حكم بيع التلجئة إِذَا أَظْهَرَ الْعَاقِدَانِ عَقْدًا فِي الأمْوَال، وَهُمَا لاَ يُرِيدَانِهِ، أو ثَمَنًا لِمَبِيعٍ، وَهُمَا يُرِيدَانِ غَيْرَهُ، أو أَقَرَّ أَحَدٌ لآِخَرَ بِحَقٍّ، وَقَدِ اتَّفَقَا سِرًّا عَلَى بُطْلاَنِ ذَلِكَ الإْقْرَارِ الظَّاهِرِ الصُّورِيِّ .


انظر : بدائع الصنائع للكاساني، 5/176، أسنى المطالب للأنصاري، 2/11، الإنصاف للمرداوي 4/265.
هذا المصطلح مرادف لـ بيع الأمانة – البيع الصوري .

من موسوعة المصطلحات الإسلامية

التعريف

هو أن يظهر العاقدان بيعًا لم يريداه باطنًا، بل خوفًا من ظالم، ونحوه دفعًا له.

من الموسوعة الكويتية

التَّعْرِيفُ:
1 - يُعَرِّفُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بَيْعَ التَّلْجِئَةِ بِأَنَّهُ: عَقْدٌ يُنْشِئُهُ لِضَرُورَةِ أَمْرٍ فَيَصِيرُ كَالْمَدْفُوعِ إِلَيْهِ (1) .
وَعَرَّفَهُ صَاحِبُ الإِْنْصَافِ بِقَوْلِهِ: هُوَ أَنْ يُظْهِرَا بَيْعًا لَمْ يُرِيدَاهُ بَاطِنًا بَل خَوْفًا مِنْ ظَالِمٍ (وَنَحْوِهِ) دَفْعًا لَهُ (2) .
وَسَمَّاهُ الشَّافِعِيَّةُ بَيْعَ الأَْمَانَةِ (3) ، وَصُورَتُهُ كَمَا ذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى أَنْ يُظْهِرَا الْعَقْدَ، إِمَّا لِلْخَوْفِ مِنْ ظَالِمٍ وَنَحْوِهِ، وَإِمَّا لِغَيْرِ ذَلِكَ، وَيَتَّفِقَا عَلَى أَنَّهُمَا إِذَا أَظْهَرَاهُ لاَ يَكُونُ بَيْعًا، ثُمَّ يَعْقِدُ الْبَيْعَ (4) .
وَأَمَّا التَّلْجِئَةُ الَّتِي أُضِيفَ هَذَا الْبَيْعُ إِلَيْهَا فَتَرِدُ فِي اللُّغَةِ بِمَعْنَى: الإِْكْرَاهِ وَالاِضْطِرَارِ (5) .
وَأَمَّا فِي الاِصْطِلاَحِ: فَيَرْجِعُ مَعْنَاهَا إِلَى مَعْنَى الإِْلْجَاءِ، وَهُوَ الإِْكْرَاهُ التَّامُّ أَوِ الْمُلْجِئُ، وَمَعْنَاهُ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ حَاشِيَةِ ابْنِ عَابِدِينَ أَنْ يُهَدِّدَ شَخْصٌ غَيْرَهُ بِإِتْلاَفِ نَفْسٍ أَوْ عُضْوٍ أَوْ ضَرْبٍ مُبَرِّحٍ إِذَا لَمْ يَفْعَل مَا يَطْلُبُهُ مِنْهُ (6) .

الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - بَيْعُ الْوَفَاءِ:
2 - صُورَتُهُ أَنْ يَبِيعَهُ الْعَيْنَ بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّهُ إِذَا رَدَّ عَلَيْهِ الثَّمَنَ رَدَّ عَلَيْهِ الْعَيْنَ (7) فَيَتَّفِقُ بَيْعُ التَّلْجِئَةِ وَبَيْعُ الْوَفَاءِ فِي عَدَمِ إِرَادَةِ حَقِيقَةِ الْبَيْعِ، وَيَخْتَلِفَانِ فِي أَنَّ بَيْعَ الْوَفَاءِ يَئُول إِلَى رَهْنٍ أَوْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ ظَاهِرٍ، أَمَّا بَيْعُ التَّلْجِئَةِ فَالاِتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِ إِرَادَةِ الْبَيْعِ مُضْمِرٌ بَيْنَهُمَا وَلَيْسَ هُنَاكَ بَيْعٌ أَصْلاً.
هَذَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ بَيْعِ التَّلْجِئَةِ وَبَيْعِ الْوَفَاءِ: أَنَّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي بَيْعِ التَّلْجِئَةِ يَتَّفِقَانِ عَلَى أَنْ يُظْهِرَا الْعَقْدَ إِمَّا خَوْفًا مِنْ ظَالِمٍ وَنَحْوِهِ وَإِمَّا لِغَيْرِ ذَلِكَ، وَيَتَّفِقَانِ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُمَا إِذَا أَظْهَرَاهُ لاَ يَكُونُ بَيْعًا، وَأَمَّا فِي بَيْعِ الْوَفَاءِ فَإِنَّهُمَا يَتَّفِقَانِ عَلَى أَنْ يَبِيعَهُ الْعَيْنَ بِثَمَنٍ مُعَيَّنٍ، وَيَتَّفِقَانِ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ إِذَا أَحْضَرَ الثَّمَنَ فَإِنَّهُ يَسْتَرِدُّ الْمَبِيعَ، فَبَيْعُ الْوَفَاءِ فِي حَقِيقَتِهِ رَهْنٌ بِلَفْظِ الْبَيْعِ أَوْ قَرْضٌ إِلَى أَجَلٍ بِلَفْظِ الْبَيْعِ، فَاشْتِرَاطُ التَّلْجِئَةِ فِيهِ تُفْسِدُهُ (8) .

ب - بَيْعُ الْمُكْرَهِ:
3 - الْمُرَادُ بِبَيْعِ الْمُكْرَهِ حَمْل الْبَائِعِ عَلَى الْبَيْعِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، إِذِ الإِْكْرَاهُ فِي اللُّغَةِ مَعْنَاهُ: حَمْل الإِْنْسَانِ عَلَى شَيْءٍ يَكْرَهُهُ. وَفِي الشَّرْعِ: فِعْلٌ يُوجَدُ مِنَ الْمُكْرَهِ فَيُحْدِثُ فِي الْمَحَل مَعْنًى يَصِيرُ بِهِ مَدْفُوعًا إِلَى الْفِعْل الَّذِي طُلِبَ مِنْهُ (9) .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ بَيْعِ التَّلْجِئَةِ وَبَيْعِ الْمُكْرَهِ: أَنَّ بَيْعَ التَّلْجِئَةِ بَيْعٌ فِي الظَّاهِرِ فَقَطْ لاَ فِي الْحَقِيقَةِ، وَأَمَّا بَيْعُ الْمُكْرَهِ فَإِنَّهُ بَيْعٌ حَقِيقِيٌّ، مَعَ الاِخْتِلاَفِ فِي حُكْمِهِ فَسَادًا وَوَقْفًا.

ج - بَيْعُ الْهَازِل:
4 - الْهَازِل فِي الْبَيْعِ: هُوَ الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِكَلاَمِ الْبَيْعِ لاَ عَلَى إِرَادَةِ حَقِيقَتِهِ.
وَالْهَزْل: هُوَ أَنْ لاَ يُرَادَ بِاللَّفْظِ مَعْنَاهُ، لاَ الْحَقِيقِيُّ وَلاَ الْمَجَازِيُّ، وَهُوَ ضِدُّ الْجِدِّ، وَهُوَ أَنْ يُرَادَ بِالشَّيْءِ مَا وُضِعَ لَهُ (10) .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ بَيْعِ التَّلْجِئَةِ وَبَيْعِ الْهَازِل: أَنَّ بَيْعَ التَّلْجِئَةِ وَإِنْ كَانَ الدَّافِعُ إِلَيْهِ فِي الْغَالِبِ هُوَ الإِْكْرَاهَ إِلاَّ أَنَّهُ فِي حَقِيقَتِهِ هُوَ بَيْعُ الْهَازِل؛ لأَِنَّ الْبَائِعَ فِي بَيْعِ التَّلْجِئَةِ تَلَفَّظَ بِصِيغَةِ الْبَيْعِ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ لاَ يُرِيدُ الْبَيْعَ، وَلِهَذَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ أَنَّهُ يُشْبِهُ بَيْعَ الْهَازِل (11) .
إِذِ الْهَزْل يُنَافِي اخْتِيَارَ الْحُكْمِ وَالرِّضَى بِهِ وَلاَ يُنَافِي الرِّضَى بِالْمُبَاشَرَةِ وَاخْتِيَارَهَا، فَصَارَ بِمَعْنَى خِيَارِ الشَّرْطِ فِي الْبَيْعِ (12) .

التَّلْجِئَةُ فِي غَيْرِ الْبَيْعِ:
5 - تَكُونُ التَّلْجِئَةُ فِي النِّكَاحِ، كَمَا إِذَا خَطَبَ مَنْ هُوَ قَاهِرٌ لِشَخْصٍ بَعْضَ بَنَاتِهِ، فَأَنْكَحَهُ الْمَخْطُوبُ إِلَيْهِ، وَأَشْهَدَ شُهُودَ الاِسْتِرْعَاءِ سِرًّا: أَنِّي إِنَّمَا أَفْعَلُهُ خَوْفًا مِنْهُ، وَهُوَ مِمَّنْ يُخَافُ عَدَاوَتُهُ، وَأَنَّهُ إِنْ شَاءَ اخْتَارَهَا لِنَفْسِهِ بِغَيْرِ نِكَاحٍ، فَأَنْكَحَهُ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ نِكَاحٌ مَفْسُوخٌ أَبَدًا.
وَتَجْرِي التَّلْجِئَةُ أَيْضًا فِي التَّحْبِيسِ (الْوَقْفُ) وَالطَّلاَقِ وَالْهِبَةِ وَغَيْرِهَا، مِنْ كُل تَطَوُّعٍ (13) . أَقْسَامُ بَيْعِ التَّلْجِئَةِ:
6 - بَيْعُ التَّلْجِئَةِ يَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ: قِسْمٌ تَكُونُ التَّلْجِئَةُ فِيهِ فِي نَفْسِ الْبَيْعِ، وَقِسْمٌ تَكُونُ التَّلْجِئَةُ فِيهِ فِي الثَّمَنِ. وَكُل قِسْمٍ مِنْ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ عَلَى ضَرْبَيْنِ؛ لأَِنَّ التَّلْجِئَةَ إِنْ كَانَتْ فِي نَفْسِ الْبَيْعِ فَإِنَّهَا إِمَّا أَنْ تَكُونَ فِي إِنْشَاءِ الْبَيْعِ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ فِي الإِْقْرَارِ بِهِ. وَإِنْ كَانَتْ فِي الثَّمَنِ فَإِنَّهَا إِمَّا أَنْ تَكُونَ فِي قَدْرِهِ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ فِي جِنْسِهِ.

الْقِسْمُ الأَْوَّل: أَنْ تَكُونَ التَّلْجِئَةُ فِي نَفْسِ الْبَيْعِ.
وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

الضَّرْبُ الأَْوَّل: بَيْعٌ تَكُونُ التَّلْجِئَةُ فِي إِنْشَائِهِ:
7 - وَذَلِكَ بِأَنْ يَتَوَاضَعَا فِي السِّرِّ لأَِمْرٍ أَلْجَأَهُمَا إِلَيْهِ: عَلَى أَنْ يُظْهِرَا الْبَيْعَ وَلاَ بَيْعَ بَيْنَهُمَا حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا هُوَ رِيَاءٌ وَسُمْعَةٌ. نَحْوُ أَنْ يَخَافَ رَجُلٌ السُّلْطَانَ، فَيَقُول لآِخَرَ: إِنِّي أُظْهِرُ أَنِّي بِعْتُ مِنْكَ دَارِي، وَلَيْسَ بِبَيْعٍ فِي الْحَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ تَلْجِئَةٌ، فَتَبَايَعَا، فَفِيهِ ثَلاَثَةُ أَقْوَالٍ مِنْ حَيْثُ الْجَوَازُ وَالْبُطْلاَنُ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ قَوْل أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ (14) . وَهُوَ الْوَجْهُ الصَّحِيحُ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ.
وَذَكَرَ الْبُهُوتِيُّ: أَنَّهُ بَاطِلٌ قَوْلاً وَاحِدًا، حَيْثُ تَوَاطَآ عَلَيْهِ (15) . وَوَجْهُ الْقَوْل بِالْبُطْلاَنِ: أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ تَكَلَّمَا بِصِيغَةِ الْبَيْعِ لاَ عَلَى قَصْدِ الْحَقِيقَةِ وَهُوَ تَفْسِيرُ الْهَزْل، وَالْهَزْل يَمْنَعُ جَوَازَ الْبَيْعِ، لأَِنَّهُ يُعْدَمُ الرِّضَا بِمُبَاشَرَةِ السَّبَبِ، فَلَمْ يَكُنْ هَذَا بَيْعًا مُنْعَقِدًا فِي حَقِّ الْحُكْمِ (16) . وَكَذَلِكَ دَلاَلَةُ الْحَال عَلَى أَنَّهُمَا فِي مِثْل هَذَا الْبَيْعِ لاَ يُرِيدَانِ الْبَيْعَ، وَإِنْ لَمْ يَقُولاَ فِي الْعَقْدِ تَبَايَعْنَا هَذَا تَلْجِئَةٌ (17) .
ثَانِيهُمَا: أَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ، وَرَوَاهُ أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ أَيْضًا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ، وَكَذَا الْحَنَابِلَةُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي عِنْدَهُمْ (18) .
وَوَجْهُ هَذَا الْقَوْل هُوَ أَنَّهُ لاَ عِبْرَةَ بِمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ فِي السِّرِّ، وَإِنَّمَا الْعِبْرَةُ بِالْعَقْدِ الَّذِي أَظْهَرَاهُ، وَلأَِنَّ مَا شَرَطَاهُ فِي السِّرِّ لَمْ يَذْكُرَاهُ فِي الْعَقْدِ، وَإِنَّمَا عَقَدَا عَقْدًا صَحِيحًا بِشَرَائِطِهِ، فَلاَ يُؤَثِّرُ فِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الشَّرْطِ، كَمَا إِذَا اتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَشْتَرِطَا شَرْطًا فَاسِدًا عِنْدَ الْبَيْعِ، ثُمَّ بَاعَا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ (19) .
ثَالِثُهُمَا: وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ (غَيْرُ لاَزِمٍ) وَيَلْزَمُ إِنْ أَجَازَاهُ مَعًا؛ لأَِنَّ الْحُكْمَ بِبُطْلاَنِ هَذَا الْبَيْعِ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ، فَلَوِ اعْتَبَرْنَا وُجُودَ الشَّرْطِ عِنْدَ الْبَيْعِ لاَ تَنْدَفِعُ الضَّرُورَةُ، وَلَوْ أَجَازَ أَحَدُهُمَا دُونَ الآْخَرِ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ أَجَازَاهُ جَازَ؛ لأَِنَّ الشَّرْطَ السَّابِقَ وَهُوَ الْمُوَاضَعَةُ (التَّوَاطُؤُ) مَنَعَتِ انْعِقَادَ الْعَقْدِ فِي حَقِّ الْحُكْمِ، فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِ خِيَارِ الْمُتَبَايِعَيْنِ، فَلاَ يَصِحُّ إِلاَّ بِتَرَاضِيهِمَا، وَلاَ يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ.
وَفِي بَيْعِ التَّلْجِئَةِ لَمْ يُوجَدِ الرِّضَا بِمُبَاشَرَةِ السَّبَبِ فِي الْجَانِبَيْنِ أَصْلاً، فَلَمْ يَنْعَقِدِ السَّبَبُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ، فَتَوَقَّفَ عَلَى أَحَدِهِمَا، فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ بِشَرْطِ خِيَارِ الْمُتَبَايِعَيْنِ (20) .
8 - هَذَا وَيَتَفَرَّعُ عَلَى الْقَوْل بِبُطْلاَنِ هَذَا الْبَيْعِ: أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ إِذَا اخْتَلَفَا، فَادَّعَى أَحَدُهُمَا التَّلْجِئَةَ، وَأَنْكَرَ الآْخَرُ، وَزَعَمَ أَنَّ الْبَيْعَ بَيْعُ رَغْبَةٍ، فَالْقَوْل قَوْل مُنْكِرِ التَّلْجِئَةِ؛ لأَِنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ، فَكَانَ الْقَوْل قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى مَا يَدَّعِيهِ صَاحِبُهُ مِنَ التَّلْجِئَةِ إِذَا طَلَبَ الثَّمَنَ.
وَإِنْ أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى التَّلْجِئَةِ تُقْبَل بَيِّنَتُهُ، لأَِنَّهُ أَثْبَتَ الشَّرْطَ بِالْبَيِّنَةِ، فَتُقْبَل بَيِّنَتُهُ، كَمَا لَوْ أَثْبَتَ الْخِيَارَ بِالْبَيِّنَةِ.
وَأَمَّا عَلَى الْقَوْل بِجَوَازِهِ فَلاَ تُؤَثِّرُ هَذِهِ الدَّعْوَى، لأَِنَّهَا - وَإِنْ صَحَّتْ - لاَ تُؤَثِّرُ فِي الْبَيْعِ الظَّاهِرِ.
أَمَّا إِذَا اتَّفَقَا عَلَى التَّلْجِئَةِ، ثُمَّ قَالاَ عِنْدَ الْبَيْعِ: كُل شَرْطٍ كَانَ بَيْنَنَا فَهُوَ بَاطِلٌ تَبْطُل التَّلْجِئَةُ وَيَجُوزُ الْبَيْعُ، لأَِنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ زَائِدٌ، فَاحْتَمَل السُّقُوطَ بِالإِْسْقَاطِ، وَمَتَى سَقَطَ صَارَ الْعَقْدُ جَائِزًا (21) .

الضَّرْبُ الثَّانِي: بَيْعٌ تَكُونُ التَّلْجِئَةُ فِي الإِْقْرَارِ بِهِ.
9 - التَّلْجِئَةُ إِذَا كَانَتْ فِي الإِْقْرَارِ بِالْبَيْعِ، بِأَنِ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ يُقِرَّا بِبَيْعٍ لَمْ يَكُنْ، فَأَقَرَّا بِذَلِكَ، ثُمَّ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ، فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ كَمَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ، وَلاَ يَجُوزُ بِإِجَازَتِهِمَا؛ لأَِنَّ الإِْقْرَارَ إِخْبَارٌ، وَصِحَّةُ الإِْخْبَارِ هِيَ بِثُبُوتِ الْمُخْبَرِ بِهِ حَال وُجُودِ الإِْخْبَارِ، فَإِنْ كَانَ ثَابِتًا كَانَ الإِْخْبَارُ صِدْقًا وَإِلاَّ فَيَكُونُ كَذِبًا، وَالْمُخْبَرُ بِهِ هَاهُنَا - وَهُوَ الْبَيْعُ - لَيْسَ بِثَابِتٍ، فَلاَ يَحْتَمِل الإِْجَازَةَ، لأَِنَّهَا تَلْحَقُ الْمَوْجُودَ لاَ الْمَعْدُومَ (22) .

الْقِسْمُ الثَّانِي: بَيْعٌ تَكُونُ التَّلْجِئَةُ فِيهِ فِي الثَّمَنِ أَوِ الْبَدَل:
وَهُوَ أَيْضًا عَلَى ضَرْبَيْنِ.

10 - الضَّرْبُ الأَْوَّل: بَيْعٌ تَكُونُ التَّلْجِئَةُ فِيهِ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ.
وَمِثَالُهُ أَنْ يَتَوَاضَعَا فِي السِّرِّ وَالْبَاطِنِ عَلَى أَنَّ الثَّمَنَ أَلْفٌ، ثُمَّ يَتَبَايَعَا فِي الظَّاهِرِ بِأَلْفَيْنِ، فَهَل الْعِبْرَةُ فِي مِثْل هَذَا الْبَيْعِ بِالظَّاهِرِ أَوِ الْبَاطِنِ؟ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالظَّاهِرِ، أَيْ بِمَا تَعَاقَدَا عَلَيْهِ، وَهُوَ الثَّمَنُ الْمُعْلَنُ.
ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ أَبُو يُوسُفَ (23) . وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي (24) .
ثَانِيهِمَا: أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْبَاطِنِ، أَيْ بِمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ سِرًّا، وَهَذَا الْقَوْل رَوَاهُ مُحَمَّدٌ فِي الإِْمْلاَءِ مِنْ غَيْرِ خِلاَفٍ، وَهُوَ قَوْل أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا.
وَهُوَ أَيْضًا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَهُمْ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى مَا نَصُّوا عَلَيْهِ فِي مَهْرِ السِّرِّ وَمَهْرِ الْعَلاَنِيَةِ (25) .
وَوَجْهُ الْقَوْل بِأَنَّ الثَّمَنَ هُوَ الثَّمَنُ الْمُعْلَنُ: هُوَ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْعَقْدِ هُوَ الَّذِي يَصِحُّ الْعَقْدُ بِهِ، وَمَا ذَكَرَاهُ سِرًّا لَمْ يَذْكُرَاهُ حَالَةَ الْعَقْدِ، فَسَقَطَ حُكْمُهُ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الاِتِّفَاقَ السَّابِقَ مُلْغًى، بِدَلِيل أَنَّهُمَا لَوِ اتَّفَقَا عَلَى شَرْطٍ فَاسِدٍ ثُمَّ عَقَدَا بِلاَ شَرْطٍ صَحَّ الْعَقْدُ (26) .
وَوَجْهُ الْقَوْل بِأَنَّ الثَّمَنَ هُوَ ثَمَنُ السِّرِّ: هُوَ أَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُمَا لَمْ يَقْصِدَا الأَْلْفَ الزَّائِدَةَ، فَكَأَنَّهُمَا هَزَلاَ بِهَا (27) . أَيْ فَلاَ تُضَمُّ إِلَى الثَّمَنِ، وَيَبْقَى الثَّمَنُ هُوَ الثَّمَنَ الَّذِي اتَّفَقَا عَلَيْهِ فِي السِّرِّ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ الْقَائِلِينَ بِفَسَادِ بَيْعِ الْهَازِل (28) .
وَأَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِصِحَّتِهِ - فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ - فَتُضَمُّ إِلَى الثَّمَنِ (29) .
هَذَا، وَيُفْهَمُ مِمَّا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هَل هُوَ ثَمَنُ السِّرِّ أَوِ الثَّمَنُ الْمُعْلَنُ، أَنَّ مَحَلَّهُ إِنْ قَالاَ عِنْدَ الْمُوَاضَعَةِ: إِنَّ أَحَدَ الأَْلْفَيْنِ الْمُعْلَنَيْنِ رِيَاءٌ وَسُمْعَةٌ، أَمَّا إِذَا لَمْ يَقُولاَ ذَلِكَ عِنْدَ الْمُوَاضَعَةِ فَالثَّمَنُ مَا تَعَاقَدَا عَلَيْهِ؛ لأَِنَّ الثَّمَنَ اسْمٌ لِلْمَذْكُورِ عِنْدَ الْعَقْدِ، وَالْمَذْكُورُ عِنْدَ الْعَقْدِ أَلْفَانِ (30) .

11 - الضَّرْبُ الثَّانِي: بَيْعٌ تَكُونُ فِيهِ التَّلْجِئَةُ فِي جِنْسِ الثَّمَنِ.
وَمِثَال ذَلِكَ: أَنْ يَتَّفِقَا فِي السِّرِّ عَلَى أَنَّ الثَّمَنَ أَلْفُ دِرْهَمٍ، ثُمَّ يُظْهِرَا الْبَيْعَ بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَهَل يَبْطُل هَذَا الْبَيْعُ أَوْ يَصِحُّ بِالثَّمَنِ الْمُعْلَنِ؟ ذَهَبَ مُحَمَّدٌ إِلَى أَنَّ هَذَا الْبَيْعَ يَبْطُل قِيَاسًا، وَيَصِحُّ اسْتِحْسَانًا، أَيْ بِالثَّمَنِ الْمُعْلَنِ (31) .
وَمَحَلُّهُ - كَمَا جَاءَ فِي الْبَدَائِعِ - إِنْ قَالاَ عِنْدَ الْمُوَاضَعَةِ: إِنَّ الثَّمَنَ الْمُعْلَنَ رِيَاءٌ وَسُمْعَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَقُولاَ ذَلِكَ فَالثَّمَنُ مَا تَعَاقَدَا عَلَيْهِ؛ لأَِنَّ الثَّمَنَ اسْمٌ لِلْمَذْكُورِ عِنْدَ الْعَقْدِ، وَالْمَذْكُورُ عِنْدَ الْعَقْدِ إِنَّمَا هُوَ مِائَةُ دِينَارٍ (32) .
وَوَجْهُ بُطْلاَنِ هَذَا الْبَيْعِ عَلَى الْقِيَاسِ: هُوَ أَنَّ ثَمَنَ السِّرِّ لَمْ يَذْكُرَاهُ فِي الْعَقْدِ، وَثَمَنَ الْعَلاَنِيَةِ لَمْ يَقْصِدَاهُ فَقَدْ هَزَلاَ بِهِ، فَسَقَطَ وَبَقِيَ بَيْعًا بِلاَ ثَمَنٍ فَلاَ يَصِحُّ (33) .
وَوَجْهُ صِحَّتِهِ اسْتِحْسَانًا: هُوَ أَنَّهُمَا لَمْ يَقْصِدَا بَيْعًا بَاطِلاً بَل بَيْعًا صَحِيحًا، فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الصِّحَّةِ مَا أَمْكَنَ، وَلاَ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الصِّحَّةِ إِلاَّ بِثَمَنِ الْعَلاَنِيَةِ، فَكَأَنَّهُمَا انْصَرَفَا عَمَّا شَرَطَاهُ فِي الْبَاطِنِ، فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِالظَّاهِرِ، كَمَا لَوِ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَبِيعَاهُ بَيْعَ تَلْجِئَةٍ فَتَوَاهَبَا، بِخِلاَفِ الأَْلْفِ وَالأَْلْفَيْنِ؛ لأَِنَّ الثَّمَنَ الْمَذْكُورَ الْمَشْرُوطَ فِي السِّرِّ مَذْكُورٌ فِي الْعَقْدِ وَزِيَادَةٌ، فَتَعَلَّقَ الْعَقْدُ بِهِ (34) . 12 - هَذَا وَذَكَرَ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ أَيْضًا أَنَّ هَذَا كُلَّهُ إِذَا اتَّفَقَا فِي السِّرِّ وَلَمْ يَتَعَاقَدَا فِي السِّرِّ، أَمَّا إِذَا اتَّفَقَا فِي السِّرِّ وَتَعَاقَدَا أَيْضًا فِي السِّرِّ بِثَمَنٍ، ثُمَّ تَوَاضَعَا عَلَى أَنْ يُظْهِرَا الْعَقْدَ بِأَكْثَرَ مِنْهُ أَوْ بِجِنْسٍ آخَرَ، فَإِنْ لَمْ يَقُولاَ: إِنَّ الْعَقْدَ الثَّانِيَ رِيَاءٌ وَسُمْعَةٌ فَالْعَقْدُ الثَّانِي يَرْفَعُ الْعَقْدَ الأَْوَّل، وَالثَّمَنُ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي؛ لأَِنَّ الْبَيْعَ يَحْتَمِل الْفَسْخَ وَالإِْقَالَةَ، فَشُرُوعُهُمَا فِي الْعَقْدِ الثَّانِي إِبْطَالٌ لِلأَْوَّل، فَبَطَل الأَْوَّل وَانْعَقَدَ الثَّانِي بِمَا سُمِّيَ عِنْدَهُ. وَإِنْ قَالاَ: رِيَاءٌ وَسُمْعَةٌ، فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مِنْ جِنْسٍ آخَرَ فَالْعَقْدُ هُوَ الْعَقْدُ الأَْوَّل، لأَِنَّهُمَا لَمَّا ذَكَرَا (35) الرِّيَاءَ وَالسُّمْعَةَ فَقَدْ أَبْطَلاَ الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ الثَّانِي، فَلَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ الثَّانِي، فَبَقِيَ الْعَقْدُ الأَْوَّل. وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الأَْوَّل فَالْعَقْدُ هُوَ الْعَقْدُ الثَّانِي؛ لأَِنَّ الْبَيْعَ يَحْتَمِل الْفَسْخَ، فَكَانَ الْعَقْدُ هُوَ الْعَقْدَ الثَّانِيَ لَكِنْ بِالثَّمَنِ الأَْوَّل، وَالزِّيَادَةُ بَاطِلَةٌ لأَِنَّهُمَا أَبْطَلاَهَا حَيْثُ هَزَلاَ بِهَا (36) .
13 - وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَإِنَّ الْبَيْعَ يَصِحُّ عِنْدَهُمْ بِالثَّمَنِ الْمُعْلَنِ، وَلاَ أَثَرَ لِلاِتِّفَاقِ السَّابِقِ لأَِنَّهُ مُلْغًى، فَصَارَ كَمَا لَوِ اتَّفَقَا عَلَى شَرْطٍ فَاسِدٍ، ثُمَّ تَبَايَعَا بِلاَ شَرْطٍ (37) .
14 - وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ، فَقَدْ جَاءَ فِي الْفُرُوعِ فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ: أَنَّهُمَا لَوِ اتَّفَقَا قَبْل الْبَيْعِ عَلَى ثَمَنٍ، ثُمَّ عَقَدَا الْبَيْعَ بِثَمَنٍ آخَرَ أَنَّ فِيهِ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الثَّمَنَ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ.
وَالثَّانِي: مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ كَالنِّكَاحِ (38) .
15 - وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يُصَرِّحُوا فِي كُتُبِهِمْ بِبَيْعِ التَّلْجِئَةِ كَغَيْرِهِمْ، وَإِنَّمَا ذَكَرُوا بَيْعَ الْمُكْرَهِ وَالْمَضْغُوطِ وَبَيْعَ الْهَازِل، وَقَدْ سَبَقَتِ الإِْشَارَةُ إِلَى ذَلِكَ، لَكِنَّهُمْ تَكَلَّمُوا عَنْ عَقْدِ النِّكَاحِ وَتَسْمِيَةِ مَهْرٍ لِلسِّرِّ وَمَهْرٍ لِلْعَلاَنِيَةِ، وَبَيَّنُوا أَنَّ الْعَمَل بِمَهْرِ السِّرِّ إِذَا كَانَتْ هُنَاكَ بَيِّنَةٌ تَشْهَدُ عَلَى أَنَّ مَهْرَ الْعَلَنِ لاَ عِبْرَةَ بِهِ، وَإِنَّمَا ذُكِرَ لِلأُْبَّهَةِ وَالْفَخْرِ. فَإِذَا لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ بَيِّنَةٌ وَاتَّفَقَ الزَّوْجَانِ عَلَى مَهْرِ السِّرِّ عُمِل بِهِ، فَإِنِ اخْتَلَفَا حَلَّفَتِ الزَّوْجَةُ الزَّوْجَ إِنِ ادَّعَتِ الرُّجُوعَ عَنْ صَدَاقِ السِّرِّ الْقَلِيل إِلَى صَدَاقِ الْعَلاَنِيَةِ الْكَثِيرِ، فَإِنْ حَلَفَ عُمِل بِصَدَاقِ السِّرِّ، وَإِنْ نَكَل حَلَفَتِ الزَّوْجَةُ عَلَى الرُّجُوعِ وَعُمِل بِصَدَاقِ الْعَلاَنِيَةِ، فَإِنْ نَكَلَتْ عُمِل بِصَدَاقِ السِّرِّ (39) .
16 - هَذَا، وَذَكَرَ صَاحِبُ التَّبْصِرَةِ فِي الْقَضَاءِ بِشَهَادَةِ الاِسْتِرْعَاءِ: أَنَّ الاِسْتِرْعَاءَ فِي الْبُيُوعِ لاَ يَجُوزُ، مِثْل أَنْ يُشْهِدَ قَبْل الْبَيْعِ أَنَّهُ رَاجِعٌ فِي الْبَيْعِ، وَأَنَّ بَيْعَهُ لأَِمْرٍ يَتَوَقَّعُهُ؛ لأَِنَّ الْمُبَايَعَةَ خِلاَفُ مَا يُتَطَوَّعُ بِهِ، وَقَدْ أَخَذَ الْبَائِعُ فِيهِ ثَمَنًا وَفِي ذَلِكَ حَقٌّ لِلْمُبْتَاعِ، إِلاَّ أَنْ يَعْرِفَ الشُّهُودُ الإِْكْرَاهَ عَلَى الْبَيْعِ وَالإِْخَافَةَ، فَيَجُوزُ الاِسْتِرْعَاءُ إِذَا انْعَقَدَ قَبْل الْبَيْعِ، وَتَضَمَّنَ الْعَقْدُ شَهَادَةَ مَنْ يَعْرِفُ الإِْخَافَةَ وَالتَّوَقُّعَ الَّذِي ذَكَرَهُ (40) .
وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُكْرَهَ عَلَى الْبَيْعِ لأَِمْرٍ يَتَوَقَّعُهُ أَوْ يَخَافُهُ لاَ يَلْزَمُهُ الْبَيْعُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، بَل لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ حَتَّى بَعْدَ أَنْ يَقْبِضَ الثَّمَنَ، مَا دَامَ شُهُودُ الاِسْتِرْعَاءِ قَدْ عَرَفُوا الإِْكْرَاهَ عَلَى الْبَيْعِ وَسَبَبَ الإِْخَافَةِ.

أَثَرُ الاِخْتِلاَفِ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي:
17 - لَوِ ادَّعَى أَحَدُهُمَا بَيْعَ التَّلْجِئَةِ، وَأَنْكَرَ الآْخَرُ، فَإِنْ جَاءَ مُدَّعِي التَّلْجِئَةِ بِبَيِّنَةٍ قُبِلَتْ، وَإِلاَّ فَالْقَوْل لِمُدَّعِي الأَْصْل وَهُوَ عَدَمُ التَّلْجِئَةِ بِبَيِّنَةٍ. وَلَوْ قَدَّمَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ مُدَّعِي التَّلْجِئَةِ، لأَِنَّهُ يُثْبِتُ خِلاَفَ الظَّاهِرِ.
وَلَوْ تَبَايَعَا فِي الْعَلاَنِيَةِ، فَإِنِ اعْتَرَفَا بِبِنَائِهِ عَلَى التَّلْجِئَةِ، فَالْبَيْعُ فِي الْعَلاَنِيَةِ بَاطِلٌ بِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَنَّهُمَا هَزَلاَ بِهِ، وَإِلاَّ فَالْبَيْعُ لاَزِمٌ.
وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْقَائِلُونَ بِصِحَّةِ بَيْعِ السِّرِّ وَبُطْلاَنِ الْبَيْعِ الْمُعْلَنِ، وَهُمْ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَالْمَفْهُومُ مِنْ مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ.
أَمَّا مَنْ ذَهَبَ إِلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ الثَّانِي وَبُطْلاَنِ الاِتِّفَاقِ الْمُسْبَقِ فِي السِّرِّ، فَلاَ تَرِدُ هَذِهِ التَّفْصِيلاَتُ عِنْدَهُمْ، وَهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْقَاضِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ (1) .
هَذَا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، وَتُنْظَرُ تَفْصِيلاَتُ الْمَسْأَلَةِ وَالْخِلاَفُ فِيهَا فِي مَبَاحِثِ الْبَيْعِ وَالدَّعْوَى.
__________
(1) الفتاوى الهندية 3 / 209 ط المكتبة الإسلامية، وبدائع الصنائع 5 / 176 ط الجمالية.
(2) الإنصاف 4 / 265 ط التراث.
(3) أسنى المطالب 2 / 11 ط المكتبة الإسلامية.
(4) المجموع 9 / 334.
(5) القاموس المحيط، والصحاح، والمصباح المنير مادة " لجأ ".
(6) ابن عابدين 5 / 80 ط المصرية، وكشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام للبزدوي 4 / 357 ط دار الكتاب العربي.
(7) حاشية ابن عابدين على الدر المختار 4 / 246 ط المصرية، والفتاوى الهندية 3 / 209 ط المكتبة الإسلامية، وحاشية الطحطاوي على الدر المختار 3 / 143، 144 ط دار المعرفة.
(8) المجموع للنووي 9 / 334، وابن عابدين 4 / 246، وجامع الفصولين 1 / 234، 236، وكشاف القناع 3 / 149، 150.
(9) الدر المختار 5 / 80، والمصباح مادة " كره "
(10) كشف الأسرار عن أصول البزدوي 4 / 357، وتعريفات الجرجاني.
(11) بدائع الصنائع 5 / 176، 177.
(12) ابن عابدين 4 / 244، وأصول البزدوي 4 / 357.
(13) التبصرة 2 / 2 - 5.
(14) بدائع الصنائع 5 / 176.
(15) الفروع 4 / 49، وكشاف القناع 3 / 149 ط النصر، والإنصاف 4 / 265 ط التراث.
(16) بدائع الصنائع 5 / 176.
(17) كشاف القناع 3 / 149.
(18) بدائع الصنائع 5 / 176، والمجموع 9 / 334، والفروع 4 / 49.
(19) بدائع الصنائع 5 / 176، والمجموع 9 / 334.
(20) بدائع الصنائع 5 / 176، 177، وحاشية ابن عابدين 4 / 244، 245، وحاشية الطحطاوي على الدر المختار 3 / 143، والاختيار 2 / 21.
(21) بدائع الصنائع 5 / 177، 178، والاختيار 2 / 22.
(22) بدائع الصنائع 5 / 177، وحاشية ابن عابدين 4 / 460، وحاشية الطحطاوي على الدر المختار 3 / 338.
(23) الاختيار 2 / 21، 22.
(24) الاختيار 2 / 21، 22، والفتاوى الهندية 3 / 209، والمجموع 9 / 334، والفروع 4 / 51 و 5 / 267، والإنصاف 4 / 266.
(25) الاختيار 2 / 21، 22، والفتاوى الهندية 3 / 209، والفروع 4 / 50، والدسوقي 2 / 313، والخرشي 3 / 272.
(26) الاختيار 2 / 22، والمجموع 9 / 334.
(27) الاختيار 2 / 22.
(28) بدائع الصنائع 5 / 176، وكشاف القناع 3 / 150.
(29) المجموع 9 / 334.
(30) بدائع الصنائع 5 / 177.
(31) الاختيار 2 / 22.
(32) بدائع الصنائع 5 / 177.
(33) بدائع الصنائع 5 / 177، والاختيار 2 / 22.
(34) بدائع الصنائع 5 / 177، والاختيار 2 / 22.
(35) وفيه تحريف (لما ذكرا) إلى (لم يذكرا) .
(36) بدائع الصنائع 5 / 177.
(37) المجموع 9 / 334.
(38) الفروع 5 / 267.
(39) الدسوقي 2 / 313، وجواهر الإكليل 2 / 314، والخرشي 3 / 272.
(40) التبصرة 2 / 5.

الموسوعة الفقهية الكويتية: 62/ 9