الأكرم
اسمُ (الأكرم) على وزن (أفعل)، مِن الكَرَم، وهو اسمٌ من أسماء الله...
التَّعَطُّرُ بما له رائحة مستلذة . ومن أمثلته التعطر لصلاة الجمعة، والأعياد بالعطورات المتنوعة كالورد والمسك . ومن شواهده الحديث الشريف : "حُبِّبَ إِلَيَّ من الدنيا النِّسَاءُ، وَالطِّيبُ، وَجُعِلَت قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ ." أحمد :14037 وحسنه الأرناؤوط .
التَّعَطُّرُ بما له رائحة مستلذة.
التَّعْرِيفُ:
1 - التَّطَيُّبُ فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ تَطَيَّبَ، وَهُوَ التَّعَطُّرُ. وَالطِّيبُ هُوَ: الْعِطْرُ، وَهُوَ مَا لَهُ رَائِحَةٌ مُسْتَلَذَّةٌ، كَالْمِسْكِ وَالْكَافُورِ وَالْوَرْدِ وَالْيَاسَمِينِ وَالْوَرْسِ وَالزَّعْفَرَانِ (1) . وَلاَ يَخْرُجُ مَعْنَاهُ فِي الاِصْطِلاَحِ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
2 - وَالطِّيبُ يَنْقَسِمُ إِِلَى قِسْمَيْنِ:: مُذَكَّرٌ، وَمُؤَنَّثٌ.
فَالْمُذَكَّرُ: مَا يَخْفَى أَثَرُهُ، أَيْ تَعَلُّقُهُ بِمَا مَسَّهُ مِنْ ثَوْبٍ أَوْ جَسَدٍ، وَيَظْهَرُ رِيحُهُ. وَالْمُرَادُ بِهِ أَنْوَاعُ الرَّيَاحِينِ، وَالْوَرْدِ، وَالْيَاسَمِينِ. وَأَمَّا الْمِيَاهُ الَّتِي تُعْصَرُ مِمَّا ذُكِرَ فَلَيْسَ مِنْ قَبِيل الْمُؤَنَّثِ.
وَالْمُؤَنَّثُ: هُوَ مَا يَظْهَرُ لَوْنُهُ وَأَثَرُهُ، أَيْ تَعَلُّقُهُ بِمَا مَسَّهُ تَعَلُّقًا شَدِيدًا كَالْمِسْكِ، وَالْكَافُورِ، وَالزَّعْفَرَانِ (2) . الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
التَّزَيُّنُ:
3 - التَّزَيُّنُ: هُوَ اتِّخَاذُ الزِّينَةِ، وَهِيَ اسْمٌ جَامِعٌ لِكُل شَيْءٍ يُتَزَيَّنُ بِهِ، فَالتَّزَيُّنُ مَا يَحْسُنُ بِهِ مَنْظَرُ الإِِْنْسَانِ (3) .
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
4 - الأَْصْل سُنِّيَّةُ التَّطَيُّبِ، وَيَخْتَلِفُ الْحُكْمُ بِحَسَبِ الأَْحْوَال، عَلَى مَا سَيَأْتِي.
تَطَيُّبُ الرَّجُل وَالْمَرْأَةِ:
5 - يُسَنُّ التَّطَيُّبُ، لِخَبَرِ أَبِي أَيُّوبَ ﵁ مَرْفُوعًا أَرْبَعٌ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ: الْحِنَّاءُ، وَالتَّعَطُّرُ، وَالسِّوَاكُ، وَالنِّكَاحُ (4) وَلِقَوْل الرَّسُول ﷺ حُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ دُنْيَاكُمُ: النِّسَاءُ وَالطِّيبُ، وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاَةِ (5) وَالطِّيبُ يُسْتَحَبُّ لِلرَّجُل دَاخِل بَيْتِهِ وَخَارِجَهُ، بِمَا يَظْهَرُ رِيحُهُ وَيَخْفَى لَوْنُهُ، كَبَخُورِ الْعَنْبَرِ وَالْعُودِ.
وَيُسَنُّ لِلْمَرْأَةِ فِي غَيْرِ بَيْتِهَا بِمَا يَظْهَرُ لَوْنُهُ وَيَخْفَى رِيحُهُ، لِخَبَرٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ طِيبُ الرِّجَال مَا ظَهَرَ رِيحُهُ وَخَفِيَ لَوْنُهُ، وَطِيبُ النِّسَاءِ مَا خَفِيَ رِيحُهُ وَظَهَرَ لَوْنُهُ (6) وَلأَِنَّهَا مَمْنُوعَةٌ فِي غَيْرِ بَيْتِهَا مِمَّا يَنِمُّ عَلَيْهَا، لِحَدِيثِ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ، فَمَرَّتْ بِقَوْمٍ لِيَجِدُوا رِيحَهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ (7) وَفِي بَيْتِهَا تَتَطَيَّبُ بِمَا شَاءَتْ، مِمَّا يَخْفَى أَوْ يَظْهَرُ، لِعَدَمِ الْمَانِعِ.
التَّطَيُّبُ لِصَلاَةِ الْجُمُعَةِ:
6 - يُنْدَبُ التَّطَيُّبُ لِصَلاَةِ الْجُمُعَةِ بِلاَ خِلاَفٍ (8) . لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ إِنَّ هَذَا يَوْمُ عِيدٍ جَعَلَهُ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ، فَمَنْ جَاءَ مِنْكُمْ إِِلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِل، وَإِِنْ كَانَ طِيبٌ فَلْيَمَسَّ مِنْهُ، وَعَلَيْكُمْ بِالسِّوَاكِ (9) وَعَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ ﵁ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ لاَ يَغْتَسِل رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ، وَيَدْهُنُ مِنْ دُهْنِهِ أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ لاَ يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ يُنْصِتُ إِِذَا تَكَلَّمَ الإِِْمَامُ، إِلاَّ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأُْخْرَى (10) .
التَّطَيُّبُ لِصَلاَةِ الْعِيدِ:
7 - يُنْدَبُ لِلرَّجُل قَبْل خُرُوجِهِ لِصَلاَةِ الْعِيدِ أَنْ يَتَطَيَّبَ بِمَا لَهُ رِيحٌ لاَ لَوْنَ لَهُ، وَبِهَذَا قَال الْجُمْهُورُ (11) .
أَمَّا النِّسَاءُ فَلاَ بَأْسَ بِخُرُوجِهِنَّ غَيْرِ مُتَطَيِّبَاتٍ وَلاَ لاَبِسَاتٍ ثِيَابَ زِينَةٍ أَوْ شُهْرَةٍ، لِقَوْلِهِ ﷺ: لاَ تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ، وَلْيَخْرُجْنَ تَفِلاَتٍ (12) وَالْمُرَادُ بِالتَّفِلاَتِ: غَيْرُ الْمُتَطَيِّبَاتِ. تَطَيُّبُ الصَّائِمِ:
8 - يُبَاحُ لِلصَّائِمِ أَنْ يَتَطَيَّبَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (13) . وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يَجُوزُ التَّطَيُّبُ لِلصَّائِمِ الْمُعْتَكِفِ، وَيُكْرَهُ لِلصَّائِمِ غَيْرِ الْمُعْتَكِفِ. قَال الدَّرْدِيرُ: لأَِنَّ الْمُعْتَكِفَ مَعَهُ مَانِعٌ يَمْنَعُهُ مِمَّا يُفْسِدُ اعْتِكَافَهُ، وَهُوَ لُزُومُهُ الْمَسْجِدَ وَبُعْدُهُ عَنِ النِّسَاءِ (14) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يُسَنُّ لِلصَّائِمِ تَرْكُ شَمِّ الرَّيَاحِينِ وَلَمْسِهَا. وَالْمُرَادُ أَنْوَاعُ الطِّيبِ، كَالْمِسْكِ وَالْوَرْدِ وَالنَّرْجِسِ، إِِذَا اسْتَعْمَلَهُ نَهَارًا لِمَا فِيهَا مِنَ التَّرَفُّهِ، وَيَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ لَيْلاً، وَلَوْ دَامَتْ رَائِحَتُهُ فِي النَّهَارِ، كَمَا فِي الْمُحْرِمِ (15) .
وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ، فَقَالُوا: يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ شَمُّ مَا لاَ يَأْمَنُ أَنْ يَجْذِبَهُ نَفَسُهُ إِِلَى حَلْقِهِ كَسَحِيقِ مِسْكٍ، وَكَافُورٍ، وَدُهْنٍ وَنَحْوِهَا، كَبَخُورِ عُودٍ وَعَنْبَرٍ (16) .
تَطَيُّبُ الْمُعْتَكِفِ:
9 - يَجُوزُ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَتَطَيَّبَ نَهَارًا أَوْ لَيْلاً بِأَنْوَاعِ الطِّيبِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، إِلاَّ فِي رِوَايَةٍ عَنِ الإِِْمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَال: إِنَّهُ لاَ يُعْجِبُنِي أَنْ يَتَطَيَّبَ. وَذَلِكَ لأَِنَّ الاِعْتِكَافَ عِبَادَةٌ تَخْتَصُّ مَكَانًا، فَكَانَ تَرْكُ الطِّيبِ فِيهِ مَشْرُوعًا كَالْحَجِّ (17) .
وَاسْتَدَل الْقَائِلُونَ بِجَوَازِ التَّطَيُّبِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُل مَسْجِدٍ} (18) .
التَّطَيُّبُ فِي الْحَجِّ:
10 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ التَّطَيُّبَ أَثْنَاءَ الإِِْحْرَامِ فِي الْبَدَنِ أَوِ الثَّوْبِ مَحْظُورٌ. أَمَّا التَّطَيُّبُ لِلإِِْحْرَامِ قَبْل الدُّخُول فِيهِ فَهُوَ مَسْنُونٌ اسْتِعْدَادًا لِلإِِْحْرَامِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَكَرِهَهُ مَالِكٌ (19) لِمَا رُوِيَ مِنْ كَرَاهَتِهِ عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَابْنِ عُمَرَ ﵃، وَجَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ.
وَدَلِيل سُنِّيَّةِ التَّطَيُّبِ فِي الْبَدَنِ لِلإِِْحْرَامِ مَا رَوَتْ عَائِشَةُ ﵂ قَالَتْ: كُنْت أُطَيِّبُ رَسُول اللَّهِ ﷺ لإِِِحْرَامِهِ قَبْل أَنْ يُحْرِمَ، وَلِحِلِّهِ قَبْل أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ (20) وَعَنْهَا ﵂ قَالَتْ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِِلَى وَبِيصِ (21) الطِّيبِ فِي مَفَارِقِ رَسُول اللَّهِ ﷺ وَهُوَ مُحْرِمٌ (22) . وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ جَوَازُ التَّطَيُّبِ بِمَا يَبْقَى جُرْمُهُ بَعْدَ الإِِْحْرَامِ، لِصَرِيحِ حَدِيثِ عَائِشَةَ الثَّانِي.
وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ: فَحَظَرُوا بَقَاءَ جِرْمِ الطِّيبِ وَإِِنْ ذَهَبَتْ رَائِحَتُهُ.
11 - أَمَّا التَّطَيُّبُ فِي الثَّوْبِ لِلإِِْحْرَامِ: فَمَنَعَهُ الْجُمْهُورُ، وَأَجَازَهُ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْقَوْل الْمُعْتَمَدِ. فَلاَ يَضُرُّ بَقَاءُ الرَّائِحَةِ الطَّيِّبَةِ فِي الثَّوْبِ اتِّفَاقًا قِيَاسًا لِلثَّوْبِ عَلَى الْبَدَنِ. لَكِنْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ نَزَعَ ثَوْبَ الإِِْحْرَامِ أَوْ سَقَطَ عَنْهُ، فَلاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعُودَ إِِلَى لُبْسِهِ مَا دَامَتِ الرَّائِحَةُ فِيهِ، بَل يُزِيل مِنْهُ الرَّائِحَةَ ثُمَّ يَلْبَسُهُ، وَهَذَا قَوْل سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَعَائِشَةَ، وَأُمِّ حَبِيبَةَ ﵃، وَالثَّوْرِيِّ وَغَيْرِهِمْ.
وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيَّةُ بِحَدِيثَيْ عَائِشَةَ ﵂ السَّابِقَيْنِ
، وَهُمَا صَحِيحَانِ رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَقَالُوا: إِنَّ الطِّيبَ مَعْنًى يُرَادُ لِلاِسْتِدَامَةِ فَلَمْ يَمْنَعِ الإِِْحْرَامَ مِنِ اسْتِدَامَتِهِ كَالنِّكَاحِ (23) وَسَوَاءٌ فِيمَا ذُكِرَ الطِّيبُ الَّذِي يَبْقَى لَهُ جِرْمٌ بَعْدَ الإِِْحْرَامِ وَالَّذِي لاَ يَبْقَى، وَسَوَاءٌ الرَّجُل وَالْمَرْأَةُ الشَّابَّةُ وَالْعَجُوزُ (24) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ - فِي الأَْصَحِّ - إِِلَى عَدَمِ جَوَازِ التَّطَيُّبِ لِلإِِْحْرَامِ فِي الثَّوْبِ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَلْبَسَ ثَوْبَ إِحْرَامٍ مُطَيَّبًا؛ لأَِنَّهُ بِذَلِكَ يَكُونُ مُسْتَعْمِلاً لِلطِّيبِ فِي إِحْرَامِهِ بِاسْتِعْمَال الثَّوْبِ، وَهُوَ مَحْظُورٌ عَلَى الْمُحْرِمِ، وَالْفَرْقُ: أَنَّ الطِّيبَ فِي الثَّوْبِ مُنْفَصِلٌ، أَمَّا فِي الْبَدَنِ فَهُوَ تَابِعٌ لَهُ، وَسُنِّيَّةُ التَّطَيُّبِ تَحْصُل بِتَطْيِيبِ الْبَدَنِ، فَأَغْنَى عَنْ تَجْوِيزِهِ فِي الثَّوْبِ (25) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ: إِِلَى أَنَّهُ إِنْ تَطَيَّبَ قَبْل الإِِْحْرَامِ يَجِبُ عَلَيْهِ إِزَالَتُهُ عِنْدَ الإِِْحْرَامِ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ، فَإِِنْ بَقِيَ فِي الْبَدَنِ أَوِ الثَّوْبِ بَعْدَ الإِِْحْرَامِ شَيْءٌ مِنْ جِرْمِ الطِّيبِ - الَّذِي تَطَيَّبَ بِهِ قَبْل الإِِْحْرَامِ - وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، وَأَمَّا إِِذَا كَانَ فِي الثَّوْبِ رَائِحَتُهُ، فَلاَ يَجِبُ نَزْعُ الثَّوْبِ لَكِنْ يُكْرَهُ اسْتِدَامَتُهُ وَلاَ فِدْيَةَ.
وَأَمَّا اللَّوْنُ: فَفِيهِ قَوْلاَنِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْيَسِيرِ، وَأَمَّا الأَْثَرُ الْكَثِيرُ فَفِيهِ الْفِدْيَةُ، وَاسْتَدَل الْمَالِكِيَّةُ بِحَدِيثِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ ﵁ قَال: أَتَى النَّبِيَّ ﷺ رَجُلٌ مُتَضَمِّخٌ بِطِيبٍ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ فَقَال: يَا رَسُول اللَّهِ، كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِي جُبَّةٍ، بَعْدَمَا تَضَمَّخَ بِطِيبٍ؟ فَقَال النَّبِيُّ ﷺ: أَمَّا الطِّيبُ الَّذِي بِكَ فَاغْسِلْهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَأَمَّا الْجُبَّةُ فَانْزِعْهَا، ثُمَّ اصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ مَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ (26) . فَاسْتَدَلُّوا بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى حَظْرِ الطِّيبِ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ (27) .
وَيَقُول ابْنُ قُدَامَةَ: إِنْ طَيَّبَ ثَوْبَهُ فَلَهُ اسْتِدَامَةُ لُبْسِهِ مَا لَمْ يَنْزِعْهُ، فَإِِنْ نَزَعَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَلْبَسَهُ، فَإِِنْ لَبِسَهُ افْتَدَى؛ لأَِنَّ الإِِْحْرَامَ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الطِّيبِ وَلُبْسَ الْمُطَيَّبِ دُونَ الاِسْتِدَامَةِ. وَكَذَلِكَ إِنْ نَقَل الطِّيبَ مِنْ مَوْضِعِ بَدَنِهِ إِِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ افْتَدَى؛ لأَِنَّهُ تَطَيَّبَ فِي إِحْرَامِهِ، وَكَذَا إِنْ تَعَمَّدَ مَسَّهُ أَوْ نَحَّاهُ مِنْ مَوْضِعِهِ ثُمَّ رَدَّهُ إِلَيْهِ، فَأَمَّا إِنْ عَرِقَ الطِّيبُ أَوْ ذَابَ بِالشَّمْسِ فَسَال مِنْ مَوْضِعِهِ إِِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ، فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لأَِنَّهُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ (28) ،
قَالَتْ عَائِشَةُ ﵂: كُنَّا نَخْرُجُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ إِِلَى مَكَّةَ فَنُضَمِّدُ (29) جِبَاهَنَا بِالْمِسْكِ الْمُطَيِّبِ عِنْدَ الإِِْحْرَامِ، فَإِِذَا عَرِقَتْ إِحْدَانَا سَال عَلَى وَجْهِهَا، فَيَرَاهَا النَّبِيُّ ﷺ فَلاَ يَنْهَانَا (30) .
12 - وَأَمَّا التَّطَيُّبُ بَعْدَ الإِِْحْرَامِ، فَإِِنَّهُ يَحْظُرُ عَلَى الْمُحْرِمِ اسْتِعْمَالُهُ فِي ثِيَابِهِ وَبَدَنِهِ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال وَلاَ تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ مَا مَسَّهُ وَرْسٌ أَوْ زَعْفَرَانٌ (31) وَلِمَا وَرَدَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال فِي شَأْنِ الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ لاَ تَمَسُّوهُ بِطِيبٍ، وَفِي لَفْظٍ لاَ تُحَنِّطُوهُ (32) وَوَجْهُهُ: أَنَّهُ لَمَّا مُنِعَ الْمَيِّتُ مِنَ الطِّيبِ لإِِِحْرَامِهِ، فَالْحَيُّ أَوْلَى. وَمَتَى تَطَيَّبَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ؛ لأَِنَّهُ اسْتَعْمَل مَا حَرَّمَهُ الإِِْحْرَامُ وَلَوْ لِلتَّدَاوِي، وَلِقَوْلِهِ ﷺ: الْمُحْرِمُ: الأَْشْعَثُ الأَْغْبَرُ (33) . وَالطِّيبُ يُنَافِي الشَّعَثَ. وَيَجِبُ الْفِدَاءُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ (34) . وَالشَّافِعِيَّةِ (35) ، وَالْحَنَابِلَةِ (36) ، لأَِيِّ تَطَيُّبٍ مِمَّا هُوَ مَحْظُورٌ، دُونَ تَقْيِيدٍ بِأَنْ يُطَيِّبَ عُضْوًا كَامِلاً أَوْ مِقْدَارًا مِنَ الثَّوْبِ مُعَيَّنًا. وَإِِنَّمَا وَجَبَتِ الْفِدْيَةُ قِيَاسًا عَلَى الْحَلْقِ، لأَِنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْقُرْآنِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلاَ تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} (37) .
وَلِمَا وَرَدَ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ ﵁ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال لَهُ، حِينَ رَأَى هَوَامَّ رَأْسِهِ: أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ؟ قَال: قُلْتُ: نِعْمَ قَال: فَاحْلِقْ، وَصُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِين، أَوِ انْسُكْ نَسِيكَةً (38)
وَفَرَّقَ الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَ تَطَيُّبٍ وَتَطَيُّبٍ، فَقَالُوا: تَجِبُ شَاةٌ إِنْ طَيَّبَ الْمُحْرِمُ عُضْوًا كَامِلاً، مِثْل الرَّأْسِ وَالْيَدِ وَالسَّاقِ، أَوْ مَا بَلَغَ عُضْوًا كَامِلاً لَوْ جُمِعَ. وَالْبَدَنُ كُلُّهُ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ إِنِ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ، وَإِِنْ تَفَرَّقَ الْمَجْلِسُ فَلِكُل طِيبٍ كَفَّارَةٌ إِنْ شَمِل عُضْوًا وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ، سَوَاءٌ كَفَّرَ لِلأَْوَّل أَمْ لاَ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَال مُحَمَّدٌ: عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ فَدَى وَلَمْ يَزَل الطِّيبُ لَزِمَهُ فِدْيَةٌ أُخْرَى؛ لأَِنَّ ابْتِدَاءَهُ كَانَ مَحْظُورًا، فَيَكُونُ لِبَقَائِهِ حُكْمُ ابْتِدَائِهِ.
وَوَجْهُ وُجُوبِ الشَّاةِ: أَنَّ الْجِنَايَةَ تَتَكَامَل بِتَكَامُل الاِرْتِفَاقِ، وَذَلِكَ فِي الْعُضْوِ الْكَامِل فَيَتَرَتَّبُ كَمَال الْمُوجِبِ.
وَإِِنْ طَيَّبَ أَقَل مِنْ عُضْوٍ: فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِنِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، لِقُصُورِ الْجِنَايَةِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الطِّيبُ كَثِيرًا، فَعَلَيْهِ دَمٌ. وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَال مُحَمَّدٌ: يَقُومُ مَا يَجِبُ فِيهِ الدَّمُ فَيَتَصَدَّقُ بِذَلِكَ الْقَدْرِ، حَتَّى لَوْ طَيَّبَ رُبْعَ عُضْوٍ فَعَلَيْهِ مِنَ الصَّدَقَةِ قَدْرُ رُبُعِ شَاةٍ، وَهَكَذَا؛ لأَِنَّ تَطْيِيبَ عُضْوٍ كَامِلٍ ارْتِفَاقٌ كَامِلٌ، فَكَانَ جِنَايَةً كَامِلَةً، فَيُوجِبُ كَفَّارَةً كَامِلَةً، وَتَطْيِيبُ مَا دُونَ الْعُضْوِ الْكَامِل ارْتِفَاقٌ قَاصِرٌ، فَيُوجِبُ كَفَّارَةً قَاصِرَةً، إِذِ الْحُكْمُ يَثْبُتُ عَلَى قَدْرِ السَّبَبِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الطِّيبُ كَثِيرًا فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَلَمْ يَشْتَرِطِ الْحَنَفِيَّةُ اسْتِمْرَارَ الطِّيبِ لِوُجُوبِ الْجَزَاءِ، بَل يَجِبُ بِمُجَرَّدِ التَّطَيُّبِ (39) .
وَأَمَّا تَطْيِيبُ الثَّوْبِ فَتَجِبُ فِيهِ الْفِدْيَةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بِشَرْطَيْنِ:
أَوَّلُهُمَا: أَنْ يَكُونَ كَثِيرًا، وَهُوَ مَا يَصْلُحُ أَنْ يُغَطِّيَ مِسَاحَةً تَزِيدُ عَلَى شِبْرٍ فِي شِبْرٍ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَسْتَمِرَّ نَهَارًا، أَوْ لَيْلَةً.
فَإِِنِ اخْتَل أَحَدُ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ وَجَبَتِ الصَّدَقَةُ، وَإِِنِ اخْتَل الشَّرْطَانِ وَجَبَ التَّصَدُّقُ بِقَبْضَةٍ مِنْ قَمْحٍ (40) .
وَالأَْصْل فِي حَظْرِ تَطْيِيبِ الثَّوْبِ وَلُبْسِهِ بَعْدَ الإِِْحْرَامِ قَوْلُهُ ﷺ: لاَ تَلْبَسُوا شَيْئًا مِنَ الثِّيَابِ مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ وَلاَ الْوَرْسُ (41) .
وَالْمُحْرِمُ - ذَكَرًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ - مَمْنُوعٌ مِنِ اسْتِعْمَال الطِّيبِ فِي إِزَارِهِ أَوْ رِدَائِهِ وَجَمِيعِ ثِيَابِهِ، وَفِرَاشِهِ وَنَعْلِهِ، حَتَّى لَوْ عَلَقَ بِنَعْلِهِ طِيبٌ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَادِرَ لِنَزْعِهِ، وَلاَ يَضَعُ عَلَيْهِ ثَوْبًا مَسَّهُ الْوَرْسُ أَوْ الزَّعْفَرَانُ أَوْ نَحْوُهُمَا مِنْ صِبْغٍ لَهُ طِيبٌ (42) .
وَاسْتِعْمَال الطِّيبِ هُوَ: أَنْ يُلْصِقَ الطِّيبَ بِبَدَنِهِ أَوْ مَلْبُوسِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ فِي ذَلِكَ الطِّيبِ، مِمَّا يُقْصَدُ مِنْهُ رِيحُهُ غَالِبًا وَلَوْ مَعَ غَيْرِهِ، كَمِسْكٍ أَوْ عُودٍ، وَكَافُورٍ، وَوَرْسٍ، وَزَعْفَرَانٍ، وَرَيْحَانٍ، وَوَرْدٍ، وَيَاسَمِينَ، وَنَرْجِسٍ، وَآسٍ، وَسَوْسَنٍ، وَمَنْثُورٍ، وَنَمَّامٍ، وَغَيْرِ مَا ذُكِرَ، مِمَّا يُتَطَيَّبُ بِهِ، وَيُتَّخَذُ مِنْهُ الطِّيبُ، أَوْ يَظْهَرُ فِيهِ هَذَا الْغَرَضُ (43)
13 - وَيُكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ شَمُّ الطِّيبِ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يُكْرَهُ شَمُّ الطِّيبِ مُذَكَّرُهُ وَمُؤَنَّثُهُ دُونَ مَسٍّ (44) . وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ: فَقَالُوا: يَحْرُمُ تَعَمُّدُ شَمِّ الطِّيبِ كَالْمِسْكِ وَالْكَافُورِ وَنَحْوِهِمَا، مِمَّا يُتَطَيَّبُ بِشَمِّهِ كَالْوَرْدِ وَالْيَاسَمِينَ. فَإِِنْ فَعَل الْمُحْرِمُ ذَلِكَ وَجَبَ الْفِدَاءُ عَلَيْهِ؛ لأَِنَّ الْفِدْيَةَ تَجِبُ فِيمَا يُتَّخَذُ مِنْهُ، فَكَذَلِكَ فِي أَصْلِهِ، وَعَنِ الإِِْمَامِ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى فِي الْوَرْدِ: لاَ فِدْيَةَ عَلَيْهِ فِي شَمِّهِ، لأَِنَّهُ زَهْرٌ شَمُّهُ عَلَى جِهَتِهِ، أَشْبَهَ زَهْرَ سَائِرِ الشَّجَرِ، وَالأَْوْلَى تَحْرِيمُهُ؛ لأَِنَّهُ يَنْبُتُ لِلطِّيبِ وَيُتَّخَذُ مِنْهُ، أَشْبَهَ الزَّعْفَرَانَ، وَالْعَنْبَرَ (45) .
مَا يُبَاحُ مِنَ الطِّيبِ وَمَا لاَ يُبَاحُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُحْرِمِ:
14 - قَال ابْنُ قُدَامَةَ: النَّبَاتُ الَّذِي تُسْتَطَابُ رَائِحَتُهُ عَلَى ثَلاَثَةِ أَضْرُبٍ:
أَحَدُهَا: مَا لاَ يَنْبُتُ لِلطِّيبِ وَلاَ يُتَّخَذُ مِنْهُ كَنَبَاتِ الصَّحْرَاءِ مِنَ الشِّيحِ وَالْقَيْصُومِ، وَالْخُزَامَى، وَالْفَوَاكِهِ كُلِّهَا، مِنَ الأُْتْرُجِّ، وَالتُّفَّاحِ وَالسَّفَرْجَل، وَغَيْرِهِ، وَمَا يُنْبِتُهُ الآْدَمِيُّونَ لِغَيْرِ قَصْدِ الطِّيبِ، كَالْحِنَّاءِ، وَالْعُصْفُرِ، وَهَذَانِ يُبَاحُ شَمُّهُمَا وَلاَ فِدْيَةَ فِيهِمَا بِلاَ خِلاَفٍ، غَيْرَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄: أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَشُمَّ شَيْئًا مِنْ نَبَاتِ الأَْرْضِ، مِنَ الشِّيحِ وَالْقَيْصُومِ (46) وَغَيْرِهِمَا، وَقَدْ " رُوِيَ أَنَّ أَزْوَاجَ رَسُول اللَّهِ ﷺ كُنَّ يُحْرِمْنَ فِي الْمُعَصْفَرَاتِ ".
الثَّانِي: مَا يُنْبِتُهُ الآْدَمِيُّونَ لِلطِّيبِ وَلاَ يُتَّخَذُ مِنْهُ طِيبٌ، كَالرَّيْحَانِ الْفَارِسِيِّ وَالنَّرْجِسِ، وَالْبَرَمِ (47) ، وَفِيهِ وَجْهَانِ،
أَحَدُهُمَا: يُبَاحُ بِغَيْرِ فِدْيَةٍ، قَالَهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ ﵃، وَالْحَسَنُ، وَمُجَاهِدٌ، وَإِِسْحَاقُ. وَالآْخَرُ: يَحْرُمُ شَمُّهُ، فَإِِنْ فَعَل فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، وَهُوَ قَوْل جَابِرٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ؛ لأَِنَّهُ يُتَّخَذُ لِلطِّيبِ، فَأَشْبَهَ الْوَرْدَ (48) .
الثَّالِثُ: مَا يَنْبُتُ لِلطِّيبِ، وَيُتَّخَذُ مِنْهُ طِيبٌ، كَالْوَرْدِ، وَالْبَنَفْسَجِ، وَالْخَيْرِيِّ (49) وَهَذَا إِِذَا اسْتَعْمَلَهُ الْمُحْرِمُ وَشَمَّهُ فَفِيهِ الْفِدْيَةُ، لأَِنَّ الْفِدْيَةَ تَجِبُ فِيمَا يُتَّخَذُ مِنْهُ، فَكَذَلِكَ فِي أَصْلِهِ (50) . وَإِِنْ مَسَّ الْمُحْرِمُ مِنَ الطِّيبِ مَا يَعْلَقُ بِبَدَنِهِ، كَالْغَالِيَةِ وَمَاءِ الْوَرْدِ، وَالْمِسْكِ الْمَسْحُوقِ الَّذِي يَعْلَقُ بِأَصَابِعِهِ، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ؛ لأَِنَّهُ مُسْتَعْمِلٌ لِلطِّيبِ. وَإِِنْ مَسَّ مَا لاَ يَعْلَقُ بِيَدِهِ، كَالْمِسْكِ غَيْرِ الْمَسْحُوقِ، وَقِطَعِ الْكَافُورِ، وَالْعَنْبَرِ، فَلاَ فِدْيَةَ؛ لأَِنَّهُ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ لِلطِّيبِ. فَإِِنْ شَمَّهُ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ لأَِنَّهُ يُسْتَعْمَل هَكَذَا، وَإِِنْ شَمَّ الْعُودَ (أَيْ خَشَبَ الْعُودِ) فَلاَ فِدْيَةَ عَلَيْهِ؛ لأَِنَّهُ لاَ يُتَطَيَّبُ بِهِ (51)
تَطَيُّبُ الْمُحْرِمِ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلاً:
15 - إِنْ تَطَيَّبَ الْمُحْرِمُ نَاسِيًا فَلاَ فِدْيَةَ عَلَيْهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ (52) ، فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ، وَهُوَ مَذْهَبُ عَطَاءٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَإِِسْحَاقَ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ، لِعُمُومِ قَوْلِهِ ﷺ إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ (53)
وَإِِنْ أَخَّرَ ذَلِكَ عَنْ زَمَنِ الإِِْمْكَانِ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَاسْتَدَل الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْفِدْيَةِ عَلَى النَّاسِي أَيْضًا: بِخَبَرِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ ﵁ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ ﷺ وَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ، وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ، وَعَلَيْهِ أَثَرُ خَلُوقٍ، أَوْ قَال: أَثَرُ صُفْرَةٍ. فَقَال: يَا رَسُول اللَّهِ كَيْفَ تَأْمُرُنِي أَنْ أَصْنَعَ فِي عُمْرَتِي؟ قَال: اخْلَعْ عَنْكَ الْجُبَّةَ، وَاغْسِل أَثَرَ الْخَلُوقِ عَنْكَ. أَوْ قَال: الصُّفْرَةِ، وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ (54) فَدَل ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ عَذَرَهُ لِجَهْلِهِ، وَالنَّاسِي فِي مَعْنَاهُ، وَلَهُ غَسْل الطِّيبِ بِيَدِهِ بِلاَ حَائِلٍ، لِعُمُومِ أَمْرِهِ ﷺ بِغَسْلِهِ.
وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ أَحْمَدَ فَقَالُوا: يَجِبُ دَمٌ عَلَى الْمُحْرِمِ الْبَالِغِ وَلَوْ نَاسِيًا إِنْ طَيَّبَ عُضْوًا كَامِلاً، أَوْ مَا يَبْلُغُ عُضْوًا لَوْ جُمِعَ (55) .
تَطَيُّبُ الْمَبْتُوتَةِ:
16 - يَحْرُمُ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ ثَلاَثًا التَّطَيُّبُ لِوُجُوبِ الإِِْحْدَادِ عَلَيْهَا؛ لأَِنَّهَا مُعْتَدَّةُ بَائِنٍ مِنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ، وَهِيَ كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (56) ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيَّةِ (57) ، وَالْحَنَابِلَةِ (58) . أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ (59) فَقَالُوا: إِنَّ التَّطَيُّبَ لاَ يَحْرُمُ إِلاَّ عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، وَمَنْ فِي حُكْمِهَا وَهِيَ: زَوْجَةُ الْمَفْقُودِ الْمَحْكُومِ بِفَقْدِهِ. لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} (60)
وَالْقَوْل الآْخَرُ لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: لاَ يَحْرُمُ التَّطَيُّبُ؛ لأَِنَّ الإِِْحْدَادَ لاَ يَجِبُ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ ثَلاَثًا، لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: لاَ يَحِل لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ أَنْ تَحُدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ، إِلاَّ عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا (61) وَهَذِهِ عِدَّةُ الْوَفَاةِ، فَدَل عَلَى أَنَّ الإِِْحْدَادَ يَجِبُ فِيهَا فَقَطْ. وَالْمُطَلَّقَةُ بَائِنًا مُعْتَدَّةٌ عَنْ غَيْرِ وَفَاةٍ، فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا الإِِْحْدَادُ كَالرَّجْعِيَّةِ؛ وَلأَِنَّ الْمُطَلَّقَةَ بَائِنًا فَارَقَهَا زَوْجُهَا بِاخْتِيَارِ نَفْسِهِ وَقَطَعَ نِكَاحَهَا، فَلاَ مَعْنَى لِتَكْلِيفِهَا الْحُزْنَ عَلَيْهِ، فَيَجُوزُ لَهَا أَنْ تَتَطَيَّبَ.
وَزَادَ الْحَنَفِيَّةُ الْمُطَلَّقَةَ طَلْقَةً وَاحِدَةً بَائِنَةً، وَقَالُوا: يَلْزَمُهَا تَرْكُ التَّطَيُّبِ؛ لأَِنَّهُ يَلْزَمُهَا الْحِدَادُ، وَلَوْ أَمَرَهَا الْمُطَلِّقُ بِتَرْكِهِ؛ لأَِنَّهُ حَقُّ الشَّرْعِ (62) .
__________
(1) ) لسان العرب، والمصباح المنير، والصحاح مادة: " طيب "، ورد المحتار على الدر المختار 2 / 275، والمجموع شرح المهذب 7 / 274، ومغني المحتاج 1 / 520.
(2) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 2 / 59 ط عيسى الحلبي بمصر.
(3) لسان العرب، والصحاح، والمصباح المنير مادة: " زين ".
(4) حديث: " أربع من سنن المرسلين: الحناء، والتعطر، والسواك، والنكاح ". أخرجه الترمذي (3 / 382 ط. مصطفى الحلبي) ، وأحمد (5 / 421 ط. المكتب الإسلامي) ، والبغوي في شرح السنة (9 / 5 ط. المكتب الإسلامي) ، وضعفه الأرنؤوط (شرح السنة 9 / 5 ط. المكتب الإسلامي) .
(5) حديث: " حبب إلي من دنياكم: النساء والطيب. . . ". أخرجه أحمد (3 / 128 ط. المكتب الإسلامي) والحاكم والبيهقي. قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. وقال الحافظ العراقي: إسناده جيد. وقال ابن حجر: حسن. (فيض القدير 3 / 370) .
(6) حديث: " طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي. . . ". أخرجه أحمد (2 / 541 ط. المكتب الإسلامي) ، وأبو داود (2 / 625 ط عبيد الدعاس) ، والترمذي (4 / 107 ط. مصطفى الحلبي) . واللفظ له. وقال: هذا حديث حسن.
(7) حديث: " أيما امرأة استعطرت. . . " أخرجه أحمد (4 / 414، 418 ط. المكتب الإسلامي) ، والترمذي (5 / 106 ط. مصطفى الحلبي) . بنحوه، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(8) رد المحتار على الدر المختار 1 / 547 ط دار إحياء التراث العربي. بيروت. وجواهر الإكليل 1 / 13، 96، ونهاية المحتاج 2 / 262 ط مصطفى الحلبي بمصر، والمغني لابن قدامة 2 / 349، وكشاف القناع 2 / 42 ط الرياض.
(9) حديث: " إن هذا يوم عيد جعله الله للمسلمين فمن جاء إلى الجمعة. . . " أخرجه ابن ماجه (1 / 349 ط. عيسى الحلبي) . والشافعي (بدائع المغني للساعاتي 1 / 154 ط دار الأنوار) . قال المنذري: إسناده حسن (الترغيب والترهيب) (2 / 83 ط. التجارية) .
(10) حديث: " لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر بما استطاع من طهر. . . " أخرجه البخاري (2 / 370 ط. السلفية) .
(11) رد المحتار على الدر المختار 2 / 168 ط مصطفى الحلبي، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 398، ونهاية المحتاج 2 / 382 وما بعدها، والمغني لابن قدامة 2 / 370، 375، 376، وكشاف القناع 2 / 52 ط الرياض.
(12) حديث: " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله. . . ". أخرجه أبو داود (1 / 381 ط. عبيد دعاس) . وأحمد (2 / 438 ط. الكتاب الإسلامي) واللفظ له. قال الهيثمي: إسناده حسن. (مجمع الزوائد 2 / 33 ط دار الكتاب العربي) .
(13) حاشية ابن عابدين 2 / 417.
(14) حاشية الدسوقي 1 / 549.
(15) شرح المنهج والحاشية 2 / 329، وتحفة المحتاج بشرح المنهاج 4 / 58.
(16) كشاف القناع 2 / 330 ط النصر الحديثة.
(17) بدائع الصنائع 2 / 116، 117، وحاشية الدسوقي 1 / 549، ومواهب الجليل للحطاب 2 / 462 ط بيروت، ونهاية المحتاج 3 / 214، والمغني لابن قدامة 3 / 205 ط الرياض.
(18) سورة الأعراف / 31.
(19) بداية المجتهد 1 / 341 ط الكليات الأزهرية بمصر.
(20) حديث: " كنت أطيب رسول الله ﷺ لإحرامه. . . " أخرجه البخاري (3 / 396 ط السلفية) ، ومسلم (2 / 846 ط عيسى الحلبي) . واللفظ له.
(21) الوبيص: البريق واللمعان.
(22) حديث: " كأني أنظر إلى وبيص الطيب. . . " أخرجه البخاري (3 / 396 ط السلفية) ، ومسلم (2 / 847 ط عيسى الحلبي) .
(23) المجموع شرح المهذب 7 / 221، 222 ط المكتبة السلفية بالمدينة المنورة.
(24) المرجع السابق 7 / 218، ونهاية المحتاج 3 / 262 ط المكتبة الإسلامية.
(25) حاشية رد المحتار على الدر المختار 2 / 481.
(26) حديث: " أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات. . . . " أخرجه البخاري (3 / 393 ط. السلفية) ، ومسلم (2 / 837 ط. عيسى الحلبي) واللفظ له.
(27) بداية المجتهد 3 / 341.
(28) المغني لابن قدامة 3 / 274، 275، ومطالب أولي النهى 2 / 303، 304.
(29) أي: نضعه على جباهنا. والحديث دليل على استحباب تطيب المرأة عند الإحرام كالرجل.
(30) حديث: " كنا نخرج مع النبي ﷺ إلى مكة فنضمد جباهنا بالمسك. . . " أخرجه أبو داود (2 / 414 ط عبيد دعاس) . والبيهقي (5 / 48 ط. دار المعرفة) . وقال الأرناؤوط إسناده حسن (جامع الأصول 3 / 36 ط. دار البيان) .
(31) حديث: " ولا تلبسوا من الثياب ما مسه ورس. . . " أخرجه البخاري (3 / 401 ط السلفية) ، ومسلم (2 / 834 ط عيسى الحلبي) ، وأحمد (2 / 63 ط المكتب الإسلامي) واللفظ له.
(32) قال في شأن المحرم الذي وقصته ناقته " لا تمسوه بطيب " وفي لفظ " لا تحنطوه ". أخرجه البخاري (4 / 63 - 64 ط السلفية) . ومسلم (2 / 866 ط. عيسى الحلبي) .
(33) حديث: " المحرم الأشعث الأغبر. . " ذكره ابن قدامة في المغني (3 / 320) ط الرياض بلفظ " إن المحرم الأشعث الأغبر " ولم أعثر على من أخرجه بهذا اللفظ. ولكن أخرج الترمذي (5 / 225 ط مصطفى الحلبي) . بمعناه عن ابن عمر قال: قام رجل إلى النبي ﷺ فقال: من الحاج يا رسول الله؟ : الشعث التفل وقال الهيثمي: رواه أحمد والبزار. . . ثم قال: ورجال أحمد رجال الصحيح. (مجمع الزوائد 3 / 218 ط دار الكتاب العربي) .
(34) حاشية الدسوقي والشرح الكبير 2 / 61 - 63، وشرح الزرقاني 2 / 298 - 299.
(35) المجموع 7 / 269 - 274 ط المكتبة السلفية بالمدينة المنورة، ونهاية المحتاج 3 / 325، 333 ط. مصطفى الحلبي بمصر.
(36) مطالب أولي النهى 2 / 331.
(37) سورة البقرة / 196.
(38) حديث: " أيؤذيك هوام رأسك؟ . . . " أخرجه البخاري (7 / 457 ط. السلفية) .
(39) رد المحتار على الدر المختار 2 / 200 - 202، والهداية بهامش فتح القدير 2 / 438، 439 ط. دار إحياء التراث العربي / بيروت.
(40) بدائع الصنائع 2 / 189، 190 طبعة أولى.
(41) حديث: إلا تلبسوا شيئا من الثياب مسه الزعفران ولا الورس " سبق تخريجه ف / 12.
(42) الاختيار 1 / 145 ط دار المعرفة، ونهاية المحتاج 1 / 210 ط. مصطفى الحلبي بمصر.
(43) المجموع شرح المهذب 7 / 269 وما بعدها ط. المكتبة الإسلامية بالمدينة المنورة، والخرشي على مختصر خليل 2 / 352.
(44) رد المحتار على الدر المختار 2 / 487 ط. مصطفى الحلبي بمصر الطبعة الثانية، والمجموع شرح المهذب 7 / 272، وحاشية الدسوقي 2 / 59، وشرح الزرقاني 2 / 296 ط دار الفكر.
(45) مطالب أولي النهى 2 / 331 ط المكتب الإسلامي بدمشق، والمغني لابن قدامة 3 / 316، 323 ط. مكتبة الرياض الحديثة بالرياض.
(46) القيصوم: نبات له رائحة كالشيح.
(47) البرم: نبات طيب الرائحة.
(48) المغني لابن قدامة 3 / 315.
(49) الخيري: نبات طيب الزهر.
(50) المغني لابن قدامة 3 / 316.
(51) المرجع السابق.
(52) نهاية المحتاج 3 / 325، والمجموع شرح المهذب 7 / 280، والمغني لابن قدامة 3 / 501، 502، ومطالب أولي النهى 2 / 363.
(53) حديث: " إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " أخرجه ابن ماجه (1 / 659 ط. عيسى الحلبي) . وصححه السيوطي (فيض القدير 6 / 362 ط. المكتبة التجارية) .
(54) حديث: " اخلع عنك الجبة واغسل. . . " أخرجه البخاري (3 / 614 ط السلفية) . ومسلم (2 / 836 ط. عيسى الحلبي) .
(55) رد المحتار على الدر المختار 2 / 200، 201، والعدوي على الخرشي 2 / 353، والمغني 3 / 502.
(56) رد المحتار على الدر المختار 2 / 617.
(57) نهاية المحتاج 7 / 141 - 143.
(58) المغني لابن قدامة 7 / 518، 519.
(59) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 2 / 478، 479.
(60) سورة البقرة / 234.
(61) حديث: " لا يحل لامرأة تؤمن بالله. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري 3 / 146 ط السلفية) من حديث أم حبيبة ﵂.
(62) رد المحتار على الدر المختار 2 / 617.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 173/ 12