القهار
كلمة (القهّار) في اللغة صيغة مبالغة من القهر، ومعناه الإجبار،...
التعادل بين الدليلين المتعارضين من كل وجه . وهي مسألة يبحثها الأصوليون في التعارض، هل يجوز أن ينصب الله -تعالى - على الحكم دليلين متنافيين متكافئين؟
التَّعْرِيفُ:
1 - التَّكَافُؤُ لُغَةً: الاِسْتِوَاءُ، وَكُل شَيْءٍ سَاوَى شَيْئًا حَتَّى يَكُونَ مِثْلَهُ فَهُوَ مُكَافِئٌ لَهُ، وَالْمُكَافَأَةُ بَيْنَ النَّاسِ مِنْ هَذَا، وَالْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ أَيْ تَتَسَاوَى فِي الدِّيَةِ وَالْقِصَاصِ، قَال أَبُو عُبَيْدٍ: فَلَيْسَ لِشَرِيفٍ عَلَى وَضِيعٍ فَضْلٌ فِي ذَلِكَ (1) . وَالْكُفْءُ: النَّظِيرُ وَالْمُسَاوِي، وَمِنْهُ: الْكَفَاءَةُ فِي النِّكَاحِ أَيْ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ مُسَاوِيًا لِلْمَرْأَةِ فِي حَسَبِهَا وَدِينِهَا وَنَسَبِهَا وَبَيْتِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ (2) .
وَالْكَفَاءُ مَصْدَرُ كَافَأَهُ أَيْ قَابَلَهُ وَصَارَ نَظِيرًا لَهُ، وَقَوْلُهُمْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا يُوَافِي نِعَمَهُ وَيُكَافِئُ مَزِيدَهُ، أَيْ يُلاَقِي نِعَمَهُ وَيُسَاوِي مَزِيدَ نِعَمِهِ، وَهُوَ أَجَل التَّحَامِيدِ (3) .
وَسَيَأْتِي التَّعْرِيفُ الاِصْطِلاَحِيُّ مَعَ الإِْطْلاَقَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ: حُكْمُ الْكَفَاءَةِ:
2 - بَحَثَ الْفُقَهَاءُ التَّكَافُؤَ (أَوِ الْكَفَاءَةَ حَسَبَ عِبَارَتِهِمْ فِي النِّكَاحِ) فِي مَوَاطِنَ مِنْهَا: النِّكَاحُ، وَالْقِصَاصُ، وَالْمُبَارَزَةُ فِي الْقِتَال، وَالْمُسَابَقَةُ عَلَى خَيْلٍ وَنَحْوِهَا، وَفِيمَا يَلِي حُكْمُ التَّكَافُؤِ فِي كُلٍّ مِنْهَا:
الْكَفَاءَةُ فِي النِّكَاحِ:
3 - هِيَ لُغَةً: التَّسَاوِي وَالتَّعَادُل
وَاصْطِلاَحًا: اخْتَلَفَتْ عِبَارَةُ الْفُقَهَاءِ فِي تَعْرِيفِهَا الاِصْطِلاَحِيِّ، وَعَرَّفَهَا الْقُهُسْتَانِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّهَا مُسَاوَاةُ الرَّجُل لِلْمَرْأَةِ فِي الأُْمُورِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي النِّكَاحِ (4) .
وَعَرَّفَهَا الشَّافِعِيَّةُ: بِأَنَّهَا أَمْرٌ يُوجِبُ عَدَمَهُ عَارًا (5) .
وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ يَعْتَبِرُونَ الْكَفَاءَةَ فِي النِّكَاحِ (6) ، وَيَسْتَدِلُّونَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالآْثَارِ وَالْمَعْقُول، لَكِنَّ الْكَرْخِيَّ وَالثَّوْرِيَّ (7) وَالْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ ذَهَبُوا إِلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ الْكَفَاءَةِ الَّتِي اعْتَبَرَهَا الْجُمْهُورُ فِي النِّكَاحِ (8) .
وَالْوَقْتُ الَّذِي تُعْتَبَرُ عِنْدَهُ الْكَفَاءَةُ، هُوَ ابْتِدَاءُ عَقْدِ النِّكَاحِ وَلاَ يَضُرُّ زَوَالُهَا بَعْدَهُ.
وَتُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ - عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ - فِي جَانِبِ الرِّجَال لِلنِّسَاءِ وَلاَ تُعْتَبَرُ فِي جَانِبِ النِّسَاءِ لِلرِّجَال (9) .
وَالْحَقُّ فِي الْكَفَاءَةِ لِلْمَرْأَةِ أَوْ لِلأَْوْلِيَاءِ أَوْ لَهُمَا. عَلَى تَفْصِيلٍ فِي ذَلِكَ (10) .
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي خِصَال الْكَفَاءَةِ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ يُكَافِئَ الزَّوْجُ فِيهَا الزَّوْجَةَ، وَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ - كَمَا قَال الْخَطَّابِيُّ - إِلَى أَنَّ الْكَفَاءَةَ مُعْتَبَرَةٌ بِأَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: الدِّينُ، وَالْحُرِّيَّةُ، وَالنَّسَبُ، وَالصِّنَاعَةُ (11) .
وَاعْتَبَرَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْكَفَاءَةَ لِلُزُومِ النِّكَاحِ لاَ لِصِحَّتِهِ، وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ الْمُخْتَارَةِ لِلْفَتْوَى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَرِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّ الْكَفَاءَةَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ، وَسَبَقَتِ الإِْشَارَةُ إِلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ الْكَفَاءَةِ عِنْدَ الْكَرْخِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ (12) . وَفِي هَذِهِ الْمَسَائِل، وَفِي النِّكَاحِ الَّذِي تُعْتَبَرُ فِيهِ الْكَفَاءَةُ، وَفِي أَثَرِ عَدَمِ اعْتِبَارِهَا تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ " كَفَاءَةٌ " وَفِي مُصْطَلَحِ " نِكَاحٌ ".
هَذَا عَنْ حُكْمِ التَّكَافُؤِ (أَثَرُهُ) أَمَّا اخْتِيَارُ الأَْكْفَاءِ فِي النِّكَاحِ فَهُوَ مَسْنُونٌ لِقَوْلِهِ ﷺ: إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ (13) .
التَّكَافُؤُ فِي الدِّمَاءِ:
4 - مِنَ الشُّرُوطِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْفُقَهَاءُ لِلْقِصَاصِ: أَنْ يَتَكَافَأَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مَعَ الْجَانِي، أَيْ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا تَكَافُؤٌ فِي الدَّمِ.
وَعَرَّفَ الشَّافِعِيَّةُ التَّكَافُؤَ فِي الْقِصَاصِ بِأَنَّهُ: مُسَاوَاةُ الْقَاتِل لِلْقَتِيل الْجَانِي لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ. بِأَنْ لاَ يَفْضُلَهُ بِإِسْلاَمٍ أَوْ أَمَانٍ أَوْ حُرِّيَّةٍ أَوْ سِيَادَةٍ، أَوْ أَصْلِيَّةٍ (أَيْ لاَ يَكُونُ أَصْلاً لِلْمَقْتُول وَإِنْ عَلاَ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَلَوْ كَافِرًا) (14)
وَقَالُوا: إِنَّ الْقِصَاصَ يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ فِي الْعِصْمَةِ، فَإِذَا وُجِدَتْ فَإِنَّ الْقِصَاصَ يَجْرِي بَيْنَ الْقَاتِل وَالْقَتِيل الْمُسْلِمَيْنِ دُونَ نَظَرٍ إِلَى تَفَاوُتٍ فِي نَسَبٍ أَوْ مَالٍ أَوْ صِفَاتٍ خَاصَّةٍ (15) . لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ (16) . . .
وَيُعْتَبَرُ التَّكَافُؤُ بَيْنَ الْقَاتِل وَالْقَتِيل حَال الْجِنَايَةِ، وَلاَ عِبْرَةَ بِالْحَال قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا (17) .
وَيُعْتَبَرُ التَّكَافُؤُ بَيْنَ الْجَانِي وَالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فِي الْجُرْحِ وَالنَّفْسِ، فَإِنْ سَاوَى الْجَانِي الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ اقْتُصَّ فِيهِمَا (18) .
وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ أَثَرَ اعْتِبَارِ التَّكَافُؤِ فِي الْقِصَاصِ: أَنَّهُ لاَ يُقْتَل الْمُسْلِمُ بِمَنْ لاَ يُسَاوِيهِ فِي الْعِصْمَةِ، وَيُقْتَل الْمُسْلِمُ بِالْمُسْلِمِ وَإِنْ تَفَاوَتَا فِي الْعِلْمِ وَالشَّرَفِ وَغَيْرِهِمَا (19) .
وَفِي هَذِهِ الْمَسَائِل وَغَيْرِهَا مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالتَّكَافُؤِ فِي الدِّمَاءِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: " كَفَاءَةٌ " وَفِي مُصْطَلَحِ: " قِصَاصٌ ".
التَّكَافُؤُ فِي الْمُبَارَزَةِ:
5 - الْمُبَارَزَةُ لُغَةً: الْخُرُوجُ إِلَى الْخَصْمِ لِقِتَالِهِ وَمُصَارَعَتِهِ، وَكَانَتْ تَتِمُّ بِخُرُوجِ أَحَدِ الْمُقَاتِلِينَ أَمَامَ أَصْحَابِهِ وَدَعْوَةِ أَحَدِ الْخُصُومِ لِلْقِتَال، فَيَبْرُزُ لَهُ مَنْ دُعِيَ إِنْ كَانَ قَدْ سَمَّى أَحَدًا أَوْ يَبْرُزُ إِلَيْهِ أَحَدُ أَكْفَائِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ سَمَّى أَحَدًا، وَيَدُورُ بَيْنَهُمَا قِتَالٌ حَتَّى يَصْرَعَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ (20) .
وَالتَّكَافُؤُ لِلْمُبَارَزَةِ: أَنْ يَعْلَمَ الشَّخْصُ الَّذِي يَخْرُجُ لَهَا مِنْ نَفْسِهِ الْقُوَّةَ وَالشَّجَاعَةَ، وَأَنَّهُ لَنْ يَعْجِزَ عَنْ مُقَاوَمَةِ عَدُوِّهِ (21) .
وَقَدْ بَيَّنَ الْفُقَهَاءُ فِي بَابِ " الْجِهَادِ " حُكْمَ الْمُبَارَزَةِ، وَأَنَّهَا تَكُونُ جَائِزَةً - خِلاَفًا لِلْحَسَنِ - بِإِطْلاَقٍ أَوْ بِإِذْنِ الإِْمَامِ، وَتَكُونُ مُسْتَحَبَّةً لِمَنْ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ الْقُوَّةَ وَالشَّجَاعَةَ، لأَِنَّ فِي خُرُوجِهِ لِلْمُبَارَزَةِ نَصْرًا لِلْمُسْلِمِينَ وَدَرْءًا عَنْهُمْ وَإِظْهَارًا لِقُوَّتِهِمْ، وَتَكُونُ مَكْرُوهَةً لِلضَّعِيفِ الَّذِي لاَ يَثِقُ مِنْ قُوَّتِهِ وَشَجَاعَتِهِ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ كَسْرِ قُلُوبِ الْمُسْلِمِينَ وَإِضْعَافِ عَزْمِهِمْ لأَِنَّهُ يُقْتَل غَالِبًا.
فَالتَّكَافُؤُ هُوَ مَنَاطُ الْحُكْمِ بِالْجَوَازِ أَوِ الاِسْتِحْبَابِ أَوِ الْكَرَاهَةِ فِي الْمُبَارَزَةِ، وَقَدْ بَيَّنَ الْمَاوَرْدِيُّ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: وَإِذَا جَازَتِ الْمُبَارَزَةُ بِمَا اسْتَشْهَدْنَا. . كَانَ لِتَمْكِينِ الْمُبَارَزَةِ شَرْطَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ ذَا نَجْدَةٍ وَشَجَاعَةٍ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ لَنْ يَعْجِزَ عَنْ مُقَاوَمَةِ عَدُوِّهِ، فَإِنْ كَانَ بِخِلاَفِهِ مُنِعَ.
وَالثَّانِي: أَنْ لاَ يَكُونَ زَعِيمًا لِلْجَيْشِ يُؤَثِّرُ فَقْدُهُ فِيهِمْ (22) . وَقَدْ أَقَرَّ النَّبِيُّ ﷺ التَّكَافُؤَ فِي الْمُبَارَزَةِ يَوْمَ بَدْرٍ حِينَ نَادَى عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، يَا مُحَمَّدُ أَخْرِجْ إِلَيْنَا مِنْ قَوْمِنَا أَكْفَاءَنَا. . فَقَدْ خَرَجَ عُتْبَةُ بَيْنَ أَخِيهِ شَيْبَةَ وَابْنِهِ الْوَلِيدِ، حَتَّى إِذَا فَصَل مِنَ الصَّفِّ دَعَا إِلَى الْمُبَارَزَةِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ فِتْيَةٌ مِنَ الأَْنْصَارِ ثَلاَثَةٌ، وَهُمْ: عَوْفٌ وَمُعَوِّذٌ ابْنَا الْحَارِثِ وَرَجُلٌ آخَرُ يُقَال هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَقَالُوا: مَنْ أَنْتُمْ؟ فَقَالُوا: رَهْطٌ مِنَ الأَْنْصَارِ، قَالُوا: مَا لَنَا بِكُمْ مِنْ حَاجَةٍ، ثُمَّ نَادَى مُنَادِيهِمْ (23) : يَا مُحَمَّدُ أَخْرِجْ إِلَيْنَا أَكْفَاءَنَا مِنْ قَوْمِنَا، فَقَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: قُمْ يَا عُبَيْدَةُ بْنَ الْحَارِثِ، وَقُمْ يَا حَمْزَةُ، وَقُمْ يَا عَلِيُّ، فَلَمَّا قَامُوا وَدَنَوْا مِنْهُمْ قَالُوا: مَنْ أَنْتُمْ؟ قَال عُبَيْدَةُ: عُبَيْدَةُ، وَقَال حَمْزَةُ: حَمْزَةُ، وَقَال عَلِيٌّ: عَلِيٌّ قَالُوا: نَعَمْ أَكْفَاءٌ كِرَامٌ، فَبَارَزَ عُبَيْدَةُ وَكَانَ أَسَنَّ الْقَوْمِ عُتْبَةَ، وَبَارَزَ حَمْزَةُ شَيْبَةَ، وَبَارَزَ عَلِيٌّ الْوَلِيدَ، فَأَمَّا حَمْزَةُ فَلَمْ يُمْهِل شَيْبَةَ أَنْ قَتَلَهُ، وَأَمَّا عَلِيٌّ فَلَمْ يُمْهِل الْوَلِيدَ أَنْ قَتَلَهُ، وَاخْتَلَفَ عُبَيْدَةُ وَعُتْبَةُ بَيْنَهُمَا ضَرْبَتَيْنِ كِلاَهُمَا أَثْبَتَ صَاحِبَهُ، وَكَرَّ حَمْزَةُ وَعَلِيٌّ بِأَسْيَافِهِمَا عَلَى عُتْبَةَ فَذَفَّفَا عَلَيْهِ، وَاحْتَمَلاَ صَاحِبَهُمَا فَحَازَاهُ إِلَى أَصْحَابِهِ (24) . التَّكَافُؤُ بَيْنَ الْخَيْل فِي السَّبْقِ:
6 - السَّبْقُ - بِالسُّكُونِ - فِي اللُّغَةِ: الْمُسَابَقَةُ، وَالسَّبَقُ - بِفَتْحِ الْبَاءِ - مَا يُجْعَل مِنَ الْمَال رَهْنًا عَلَى الْمُسَابَقَةِ
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (25) .
وَقَدْ شُرِعَ السَّبْقُ فِي الْخَيْل وَفِي الإِْبِل - وَلَوْ بِجُعْلٍ - لِمَا فِيهِ مِنْ إِعْدَادٍ لِلْجِهَادِ فِي سَبِيل اللَّهِ تَعَالَى.
وَقَدِ اشْتَرَطَ الْفُقَهَاءُ لِلسَّبْقِ وَحِل الْجُعْل شُرُوطًا مِنْهَا: التَّكَافُؤُ بَيْنَ الدَّابَّتَيْنِ الْمُتَسَابِقَتَيْنِ بِحَيْثُ يُمْكِنُ سَبْقُ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَالتَّكَافُؤُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمُحَلِّل الَّذِي يَدْخُل بَيْنَهُمَا فِي حَالَةِ شَرْطِ إِخْرَاجِ الْجُعْل مِنَ الْمُتَسَابِقَيْنِ:
قَال الْحَنَفِيَّةُ: وَلاَ بَأْسَ بِالْمُسَابَقَةِ فِي الرَّمْيِ وَالْفَرَسِ وَالإِْبِل. . وَحَل الْجُعْل وَطَابَ إِنْ شُرِطَ الْمَال فِي الْمُسَابَقَةِ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ، وَحَرُمَ لَوْ شُرِطَ فِيهَا مِنَ الْجَانِبَيْنِ؛ لأَِنَّهُ يَصِيرُ قِمَارًا، إِلاَّ إِذَا أَدْخَلاَ ثَالِثًا مُحَلِّلاً بَيْنَهُمَا بِفَرَسٍ كُفْءٍ لِفَرَسَيْهِمَا يُتَوَهَّمُ أَنْ يَسْبِقَهُمَا، وَإِلاَّ لَمْ يَجُزْ أَيْ إِنْ كَانَ يَسْبِقُ أَوْ يُسْبَقُ لاَ مَحَالَةَ فَلاَ يَجُوزُ (26) . لِقَوْلِهِ ﷺ: مَنْ أَدْخَل فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ وَهُوَ لاَ يُؤْمَنُ أَنْ يَسْبِقَ فَلَيْسَ بِقِمَارٍ، وَمَنْ أَدْخَل فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ وَقَدْ أَمِنَ أَنْ يَسْبِقَ فَهُوَ قِمَارٌ (27) . وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى جَوَازِ الْمُسَابَقَةِ بِجُعْلٍ فِي الْخَيْل، وَفِي الإِْبِل، وَبَيْنَ الْخَيْل وَالإِْبِل، وَفِي السَّهْمِ إِذَا كَانَ الْجُعْل مِمَّا يَصِحُّ بَيْعُهُ، وَعُيِّنَ الْمَبْدَأُ وَالْغَايَةُ وَالْمَرْكَبُ. وَثُمَّ قَالُوا فِي شَرْحِ الْمَرْكَبِ: وَلاَ بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْخَيْل أَوِ الإِْبِل مُتَقَارِبَةً فِي الْجَرْيِ، وَأَنْ يَجْهَل كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَبْقَ فَرَسِهِ وَفَرَسَ صَاحِبِهِ، فَإِنْ قَطَعَ أَحَدُهُمَا أَنَّ أَحَدَ الْفَرَسَيْنِ أَكْثَرُ جَرْيًا مِنَ الآْخَرِ لَمْ تَجُزْ (28) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: وَشَرْطُ الْمُسَابَقَةِ عِلْمُ الْمَوْقِفِ وَالْغَايَةِ وَتَسَاوِيهِمَا فِيهِمَا، وَتَعْيِينُ الْفَرَسَيْنِ وَيَتَعَيَّنَانِ، وَإِمْكَانُ سَبْقِ كُل وَاحِدٍ. . فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا ضَعِيفًا يُقْطَعُ بِتَخَلُّفِهِ أَوْ فَارِهًا يُقْطَعُ بِتَقَدُّمِهِ لَمْ يَجُزْ (29) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فَرَسُ الْمُحَلِّل (30) مُكَافِئًا لِفَرَسَيْهِمَا أَوْ بَعِيرُهُ مُكَافِئًا لِبَعِيرَيْهِمَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُكَافِئًا مِثْل أَنْ يَكُونَ فَرَسَاهُمَا جَوَادَيْنِ وَفَرَسُهُ بَطِيئًا فَهُوَ قِمَارٌ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: مَنْ أَدْخَل فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ وَهُوَ لاَ يُؤْمَنُ أَنْ يَسْبِقَ فَلَيْسَ بِقِمَارٍ، وَمَنْ أَدْخَل فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ وَقَدْ أَمِنَ أَنْ يَسْبِقَ فَهُوَ قِمَارٌ، وَلأَِنَّهُ مَأْمُونٌ سَبْقُهُ فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، وَإِنْ كَانَ مُكَافِئًا لَهُمَا جَازَ.
وَيُشْتَرَطُ فِي الرِّهَانِ أَنْ تَكُونَ الدَّابَّتَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ كَانَتَا مِنْ جِنْسَيْنِ كَالْفَرَسِ وَالْبَعِيرِ لَمْ يَجُزْ؛ لأَِنَّ الْبَعِيرَ لاَ يَكَادُ يَسْبِقُ الْفَرَسَ فَلاَ يَحْصُل الْغَرَضُ مِنْ هَذِهِ الْمُسَابَقَةِ (31) .
__________
(1) القاموس المحيط، ولسان العرب، والصحاح في اللغة والعلوم والمصباح المنير ولسان العرب مادة: " كفأ "، والكليات 4 / 183.
(2) المغرب في تعريف المعرب 409 (دار الكتاب العربي ـ بيروت ـ لبنان) .
(3) الكليات 4 / 128.
(4) رد المحتار على الدر المختار 2 / 317 (ط. دار إحياء التراث العربي ـ بيروت) .
(5) مغني المحتاج 3 / 165 (دار إحياء التراث العربي ـ بيروت) ، وقليوبي وعميرة 3 / 233 (ط عيسى البابي الحلبي) .
(6) المراجع السابقة، وجواهر الإكليل 1 / 288، والمغني لابن قدامة 6 / 481 (مكتبة الرياض الحديثة ـ الرياض) .
(7) على ما جاء في كتب الحنفية لكن جاء في نيل الأوطار للشوكاني (6 / 146) عن الثوري أن المولى إذا نكح العربية يفسخ النكاح، وكذلك في المغني لابن قدامة 6 / 480.
(8) بدائع الصنائع 2 / 317 (دار الكتاب العربي ـ بيروت) .
(9) تبيين الحقائق 2 / 128 (دار المعرفة للطباعة والنشر ـ بيروت) ، وبدائع الصنائع 2 / 320.
(10) المراجع التي سبقت الإشارة إليها.
(11) نيل الأوطار 6 / 147.
(12) المراجع السابقة.
(13) حديث: " إذا آتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ". أخرجه ابن ماجه (1 / 633 ط الحلبي) ، والترمذي (3 / 394 ط الحلبي) من حديث أبي هريرة وحسنه الترمذي.
(14) مغني المحتاج 4 / 16، البيجوري على ابن قاسم 2 / 11 ط مصطفى البابي الحلبي 1343 هـ.
(15) سنن النسائي 8 / 24 ط استانبول، ونيل الأوطار 7 / 10.
(16) حديث: " المسلمون تتكافأ دماؤهم. . " أخرجه أحمد (2 / 192 ط الميمنية) من حديث عبد الله بن عمرو، وحسن إسناده ابن حجر في الفتح (12 / 261 ط السلفية) .
(17) مغني المحتاج 4 / 16.
(18) حاشية العدوي على شرح أبي الحسن لرسالة ابن أبي زيد القيرواني 2 / 283 (دار المعرفة ـ بيروت)
(19) المغني 7 / 648.
(20) القاموس المحيط 2 / 171.
(21) المغني لابن قدامة 6 / 368، والأحكام السلطانية للماوردي ص 40 (دار الكتب العلمية ـ بيروت) .
(22) الأحكام السلطانية ص 40.
(23) في نيل الأوطار _ (7 / 272) أن الذي نادى هو عتبة بن ربيعة.
(24) سيرة النبي ﷺ: ألفها ابن إسحاق وهذبها ابن هشام (الناشر مكتبة محمد على صبيح ـ القاهرة) 2 / 455 ـ 456. وقصة المبارزة يوم بدر. أخرجها ابن إسحاق في المغازي كما في سيرة ابن هشام (1 / 525 ط الحلبي) .
(25) لسان العرب مادة: " سبق " والمغني لابن قدامة 8 / 652.
(26) رد المحتار على الدر المختار 5 / 258.
(27) حديث: " من أدخل فرسا بين فرسين وهو لا يؤمن أن يسبق فليس بقمار، ومن أدخل فرسا بين فرسين، وقد أمن أن يسبق فهو قمار ". وأخرجه أبو داود (3 / 66ـ 67 تحقيق عزت عبيد دعاس) وإسناده ضعيف (التلخيص لابن حجر 4 / 163 ط شركة الطباعة الفنية) .
(28) شرح الزرقاني (دار الفكر ـ بيروت) 3 / 152.
(29) مغني المحتاج 4 / 313.
(30) المحلل الفرس الثالث الذي يدخل في السباق بين الفرسين إن كان هناك جعل من المتسابقين.
(31) المغني لابن قدامة 8 / 658ـ 661.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 201/ 13