الحكيم
اسمُ (الحكيم) اسمٌ جليل من أسماء الله الحسنى، وكلمةُ (الحكيم) في...
قول : " لاحول ولا قوة إلا بالله ". ومن شواهده قول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - لعبد الله بن قيس رَضِيَ اللهُ عَنْه : " قل : لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها كنز من كنوز الجنة ". البخاري : 6021.
كَلِمَةٌ مَنْحوتَةٌ مِنْ جُمْلَةِ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ، يُقالُ: حَوْقَلَ الرَّجُلُ يُحَوْقِلُ حَوْقَلَةً إِذَا قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوّةَ إلّا بِاللهِ، وَتُسَمَّى أَيْضًا: حَوْلَقَةً.
يَرِدُ مُصْطَلَحُ (الحَوْقَلَةِ) فِي بَابِ الأَذْكَارِ الشَّرْعِيَّةِ، وَبَابِ آدَابِ المَسَاجِدِ. وَيُطْلِقُهُ الفُقهاءُ فِي كِتابِ الصَّلاَةِ فِي بَابِ الأَذَانِ وَالإِقامَةِ.
حوقل
قول: " لاحول ولا قوة إلا بالله ".
* لسان العرب : (8/ 4688)
* المعجم الوسيط : (ص:208)
* تاج العروس : (315/28)
* لسان العرب : 4688/8 -
التَّعْرِيفُ:
1 - مِنْ مَعَانِي الْحَوْقَلَةِ فِي اللُّغَةِ: سُرْعَةُ الْمَشْيِ، وَمُقَارَبَةُ الْخَطْوِ. (1)
وَأَمَّا فِي الْعُرْفِ فَهِيَ: قَوْل: لاَ حَوْل وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ، كَمَا عَبَّرَ عَنْهَا الأَْزْهَرِيُّ وَالأَْكْثَرُونَ، قَال ابْنُ السِّكِّيتِ: يُقَال: قَدْ أَكْثَرْتَ مِنَ الْحَوْلَقَةِ: إِذَا أَكْثَرْتَ مِنْ قَوْل: لاَ حَوْل وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ.
وَقَال الْجَوْهَرِيُّ: الْحَوْلَقَةُ لاَ الْحَوْقَلَةُ، وَاخْتَارَهُ الْحَرِيرِيُّ.
فَعَلَى الأَْوَّل (الْحَوْقَلَةُ) وَهُوَ الْمَشْهُورُ: الْحَاءُ وَالْوَاوُ مِنَ الْحَوْل.
وَالْقَافُ مِنَ الْقُوَّةِ، وَاللاَّمُ مِنِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى. قَال الإِْسْنَوِيُّ: وَهَذَا أَحْسَنُ، لِتَضْمِينِهِ جَمِيعَ الأَْلْفَاظِ.
وَعَلَى الثَّانِي: (الْحَوْلَقَةُ) الْحَاءُ وَاللاَّمُ مِنَ الْحَوْل، وَالْقَافُ مِنَ الْقُوَّةِ.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْحَيْعَلَةُ:
1 - الْحَيْعَلَةُ قَوْل حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ، أَوْ حَيَّ عَلَى الْفَلاَحِ وَالْبَسْمَلَةُ قَوْل بِسْمِ اللَّهِ، وَالْحَمْدَلَةُ قَوْل الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالْهَيْلَلَةُ قَوْل لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَالسَّبْحَلَةُ قَوْل سُبْحَانَ اللَّهِ. (2)
مَعْنَى الْحَوْقَلَةِ:
2 - قَال النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: قَال أَبُو الْهَيْثَمِ: الْحَوْل: الْحَرَكَةُ مِنْ حَال الشَّيْءُ إِذَا تَحَرَّكَ، أَيْ لاَ حَرَكَةَ وَلاَ اسْتِطَاعَةَ إِلاَّ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ، وَبِهِ قَال ثَعْلَبُ وَآخَرُونَ.
وَقَال ابْنُ مَسْعُودٍ: مَعْنَاهُ: لاَ حَوْل عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ إِلاَّ بِعِصْمَتِهِ، وَلاَ قُوَّةَ عَلَى طَاعَتِهِ إِلاَّ بِمَعُونَتِهِ، قَال الْخَطَّابِيُّ: هَذَا أَحْسَنُ مَا جَاءَ فِيهِ. (3)
وَفِي أَسْنَى الْمَطَالِبِ: لاَ حَوْل لِي عَنِ الْمَعْصِيَةِ، وَلاَ قُوَّةَ لِي عَلَى مَا دَعَوْتَنِي إِلَيْهِ إِلاَّ بِكَ (4) .
أَحْكَامُ الْحَوْقَلَةِ:
أ - عِنْدَ سَمَاعِ الْمُؤَذِّنِ:
3 - صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ كَمَا قَال الأَْمِيرُ، بِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِسَامِعِ الآْذَانِ أَنْ يُحَوْقِل عِنْدَ قَوْل الْمُؤَذِّنِ: حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلاَحِ، أَيْ أَنْ يَقُول: لاَ حَوْل وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ. وَالْقَوْل الآْخَرُ الْمَشْهُورُ لِلْمَالِكِيَّةِ، أَنَّهُ لاَ يُحَوْقِل وَلاَ يَحْكِي عِنْدَ الْحَيْعَلَتَيْنِ.
وَقَدْ رَوَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ﵁ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: إِذَا قَال الْمُؤَذِّنُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، فَقَال أَحَدُكُمْ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ. ثُمَّ قَال: حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ فَقَال: لاَ حَوْل وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ، ثُمَّ قَال: حَيَّ عَلَى الْفَلاَحِ، قَال: لاَ حَوْل وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ، مُخْلِصًا مِنْ قَلْبِهِ، دَخَل الْجَنَّةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ (5) .
فَهَذَا الْحَدِيثُ مُقَيِّدٌ لإِِطْلاَقِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ الَّذِي جَاءَ فِيهِ: أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: إِذَا سَمِعْتُمُ النِّدَاءَ فَقُولُوا مِثْل مَا يَقُول الْمُؤَذِّنُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (6)
وَلأَِنَّ الْمَعْنَى مُنَاسِبٌ لإِِجَابَةِ الْحَيْعَلَةِ مِنَ السَّامِعِ بِالْحَوْقَلَةِ، فَإِنَّهُ لَمَّا دُعِيَ إِلَى مَا فِيهِ الْفَوْزُ وَالْفَلاَحُ وَالنَّجَاةُ، وَإِصَابَةُ الْخَيْرِ، نَاسَبَ أَنْ يَقُول: هَذَا أَمْرٌ عَظِيمٌ، لاَ أَسْتَطِيعُ مَعَ ضَعْفِي الْقِيَامَ بِهِ، إِلاَّ إِذَا وَفَّقَنِي اللَّهُ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ، وَلأَِنَّ أَلْفَاظَ الأَْذَانِ ذِكْرُ اللَّهِ، فَنَاسَبَ أَنْ يُجِيبَ بِهَا، إِذْ هُوَ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَمَّا الْحَيْعَلَةُ فَإِنَّمَا هِيَ دُعَاءٌ إِلَى الصَّلاَةِ، وَالَّذِي يَدْعُو إِلَيْهَا هُوَ الْمُؤَذِّنُ، وَأَمَّا السَّامِعُ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ الاِمْتِثَال وَالإِْقْبَال عَلَى مَا دُعِيَ إِلَيْهِ، وَإِجَابَتُهُ فِي ذِكْرِ اللَّهِ لاَ فِيمَا عَدَاهُ.
وَقِيل يَجْمَعُ السَّامِعُ بَيْنَ الْحَيْعَلَتَيْنِ وَالْحَوْقَلَةِ عَمَلاً بِالْحَدِيثَيْنِ. (7)
وَيَرَى الْخِرَقِيُّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ أَنْ يَقُول كَمَا يَقُول، وَاسْتَدَل فِي ذَلِكَ بِظَاهِرِ مَا رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ السَّابِقِ ذِكْرُهُ. (8)
وَصَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ يُحَوْقِل أَرْبَعَةً، وَنَقَل عَنِ ابْنِ الرِّفْعَةِ أَنَّهُ يُحَوْقِل مَرَّتَيْنِ. (9)
وَكَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُقِيمِ فَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُول فِي الإِْقَامَةِ مِثْل مَا يَقُول فِي الأَْذَانِ، لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ: أَنَّ بِلاَلاً أَخَذَ فِي الإِْقَامَةِ، فَلَمَّا أَنْ قَال: قَدْ قَامَتِ الصَّلاَةُ قَال النَّبِيُّ ﷺ: أَقَامَهَا اللَّهُ وَأَدَامَهَا (10) وَقَال فِي سَائِرِ الإِْقَامَةِ كَنَحْوِ حَدِيثِ عُمَرَ فِي الأَْذَانِ. (11)
ب - الْحَوْقَلَةُ فِي الصَّلاَةِ:
4 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ لَوْ حَوْقَل فِي الصَّلاَةِ لأُِمُورِ الدُّنْيَا تَفْسُدُ الصَّلاَةُ، وَإِنْ كَانَ لأُِمُورِ الآْخِرَةِ، أَوْ لِدَفْعِ الْوَسْوَسَةِ لاَ تَفْسُدُ. (12) وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ إِنْ قَالَهَا فِي الصَّلاَةِ لِحَاجَةٍ فَلاَ حَرَجَ. (13)
وَالْمُتَبَادِرُ مِنْ كَلاَمِ الشَّافِعِيَّةِ - وَكَذَا الْحَنَابِلَةُ - أَنَّ الْحَوْقَلَةَ فِي الصَّلاَةِ غَيْرُ مُبْطِلَةٍ إِذَا قُصِدَ بِهَا الذِّكْرُ، لأَِنَّ الأَْذْكَارَ وَالتَّسْبِيحَاتِ وَالأَْدْعِيَةَ بِالْعَرَبِيَّةِ لاَ يَضُرُّ عِنْدَهُمْ سَوَاءٌ الْمَسْنُونُ وَغَيْرُهُ. (14)
مَوَارِدُ ذِكْرِ الْحَوْقَلَةِ:
5 - الْحَوْقَلَةُ مِنَ الأَْذْكَارِ الَّتِي وَرَدَ ذِكْرُهَا فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْهَا: إِذَا وَقَعَ الشَّخْصُ فِي هَلَكَةٍ. (15) أَوْ إِذَا مَرِضَ. (16) أَوْ أَعْجَبَهُ شَيْءٌ وَخَافَ أَنْ يُصِيبَهُ بِعَيْنِهِ. (17)
وَإِذَا تَطَيَّرَ بِشَيْءٍ (18) وَأَثْنَاءَ خُرُوجِهِ مِنْ بَيْتِهِ، (19) وَإِذَا اسْتَيْقَظَ مِنَ اللَّيْل، (20) وَإِذَا اسْتَيْقَظَ فِي اللَّيْل وَأَرَادَ النَّوْمَ بَعْدَهُ، (21) وَبَعْدَ كُل صَلاَةٍ (22) فَفِي جَمِيعِ هَذِهِ الْحَالاَتِ وَغَيْرِهَا وَرَدَ ذِكْرُ الْحَوْقَلَةِ ضِمْنَ أَدْعِيَةٍ أُخْرَى، ذَكَرَهَا الإِْمَامُ النَّوَوِيُّ فِي كِتَابِهِ الأَْذْكَارِ، مُسْتَدِلًّا بِالأَْحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ الشَّرِيفَةِ، وَكَذَلِكَ وَرَدَ ذِكْرُ الْحَوْقَلَةِ ضِمْنَ أَذْكَارِ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ (23) وَضِمْنَ دَعَوَاتٍ مُسْتَحَبَّةٍ فِي جَمِيعِ الأَْوْقَافِ غَيْرِ مُخْتَصَّةٍ بِوَقْتٍ، أَوْ حَالٍ مَخْصُوصٍ. (24)
كَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَْشْعَرِيِّ: قَال: قَال لِي النَّبِيُّ ﷺ: أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ؟ فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُول اللَّهِ، قَال: قُل: لاَ حَوْل وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ. (25) .
__________
(1) لسان العرب المحيط، ومتن اللغة.
(2) أسنى المطالب 1 / 130، ونيل المآرب 1 / 116، 118، وكشاف القناع 1 / 246 ط عالم الكتب، ونيل الأوطار 2 / 53 ط المطبعة العثمانية المصرية.
(3) نيل المآرب 1 / 118، وكشاف القناع 1 / 246، ونيل الأوطار 2 / 53.
(4) أسنى المطالب 1 / 130 ط المكتبة الإسلامية.
(5) حديث: " إذا قال المؤذن الله أكبر الله أكبر. . . " أخرجه مسلم (1 / 289 - ط الحلبي) .
(6) حديث: " إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن " أخرجه البخاري (الفتح 2 / 90 - ط السلفية) ومسلم (1 / 288 ط الحلبي) .
(7) ابن عابدين 1 / 266 ط دار إحياء التراث العربي، وبدائع الصنائع 1 / 155 ط دار الكتاب العربي، وحاشية الزرقاني 1 / 161 ط دار الفكر، وحاشية الدسوقي 1 / 197 ط دار الفكر، والقوانين الفقهية / 54 دار الكتاب العربي، وأسنى المطالب 1 / 130، والقليوبي 1 / 131 ط دار إحياء الكتب العربية، والأذكار 37، 38 ط دار الكتاب العربي، وسبل السلام 1 / 201، 202 ط مصطفى محمد، والمغني 1 / 426، 427، 428 ط الرياض، وكشاف القناع 1 / 245، ونيل المآرب 1 / 117.
(8) المغني 1 / 426، 427.
(9) مغني المحتاج 1 / 141.
(10) حديث: " أن بلالا أخذ في الإقامة. . . " أخرجه أبو داود (1 / 361 - 362 - تحقيق عزت عبيد دعاس) وفي إسناده راو مبهم، وراويان فيهما مقال، كذا في نتائج الأفكار لابن حجر (1 / 371 - ط مكتبة المثنى - بغداد) .
(11) ابن عابدين 1 / 268، وأسنى المطالب 1 / 130، والقليوبي 1 / 131، ونيل المآرب 1 / 117، وكشاف القناع 1 / 245، والمغني 1 / 426، 427.
(12) الدر المختار 1 / 418 طبعة بولاق.
(13) مواهب الجليل 2 / 29 ط دار الفكر.
(14) روضة الطالبين 1 / 292، والقليوبي 1 / 189، والمغني 1 / 428
(15) الأذكار / 113.
(16) الأذكار / 124.
(17) الأذكار / 284.
(18) الأذكار / 285.
(19) الأذكار / 24، 25.
(20) الأذكار / 27.
(21) الأذكار / 90.
(22) الأذكار / 67.
(23) الأذكار / 79.
(24) الأذكار / 18، 347، 351.
(25) حديث أبي موسى الأشعري: " ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة. . . " أخرجه البخاري (الفتح 11 / 187 - ط السلفية) ومسلم (4 / 2076 - ط الحلبي) واللفظ لمسلم.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 248/ 18
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".