الحسيب
(الحَسِيب) اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على أن اللهَ يكفي...
إيقاع العبادة في وقتها المحدد شرعاً . مثل فعل صلاة المغرب بعد غروب الشمس، وقبل غروب الشفق
التَّعْرِيفُ:
1 - الأَْدَاءُ: الإِْيصَال يُقَال: أَدَّى الشَّيْءَ أَوْصَلَهُ، وَأَدَّى دَيْنَهُ تَأْدِيَةً أَيْ قَضَاهُ. وَالاِسْمُ: الأَْدَاءُ. كَذَلِكَ الأَْدَاءُ وَالْقَضَاءُ يُطْلَقَانِ فِي اللُّغَةِ عَلَى الإِْتْيَانِ بِالْمُؤَقَّتَاتِ، كَأَدَاءِ صَلاَةِ الْفَرِيضَةِ وَقَضَائِهَا، وَبِغَيْرِ الْمُؤَقَّتَاتِ، كَأَدَاءِ الزَّكَاةِ وَالأَْمَانَةِ، وَقَضَاءِ الْحُقُوقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (1) . وَفِي اصْطِلاَحِ الْجُمْهُورِ مِنَ الأُْصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ: الأَْدَاءُ فِعْل بَعْضِ (وَقِيل كُل) مَا دَخَل وَقْتُهُ قَبْل خُرُوجِهِ وَاجِبًا كَانَ أَوْ مَنْدُوبًا، أَمَّا مَا لَمْ يُقَدَّرْ لَهُ زَمَانٌ فِي الشَّرْعِ، كَالنَّفْل وَالنَّذْرِ الْمُطْلَقِ وَالزَّكَاةِ، فَلاَ يُسَمَّى فِعْلُهُ أَدَاءً وَلاَ قَضَاءً (2) . وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: الأَْدَاءُ تَسْلِيمُ عَيْنِ مَا ثَبَتَ بِالأَْمْرِ. وَلَمْ يُعْتَبَرْ فِي التَّعْرِيفِ التَّقْيِيدُ بِالْوَقْتِ لِيَشْمَل أَدَاءَ الزَّكَاةِ وَالأَْمَانَاتِ وَالْمَنْذُورَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ، كَمَا أَنَّهُ يَعُمُّ فِعْل الْوَاجِبِ وَالنَّفَل. وَقَدْ يُطْلَقُ كُلٌّ مِنَ الأَْدَاءِ وَالْقَضَاءِ عَلَى الآْخَرِ مَجَازًا شَرْعِيًّا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ} (3) أَيْ أَدَّيْتُمْ، وَكَقَوْلِكَ: نَوَيْتُ أَدَاءَ ظُهْرِ الأَْمْسِ (4) .
2 - وَالأَْدَاءُ إِمَّا مَحْضٌ، سَوَاءٌ أَكَانَ كَامِلاً كَصَلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ فِي جَمَاعَةٍ، أَمْ قَاصِرًا كَصَلاَةِ الْمُنْفَرِدِ؛ وَإِمَّا غَيْرُ مَحْضٍ، وَهُوَ الشَّبِيهُ بِالْقَضَاءِ، كَفِعْل اللاَّحِقِ الَّذِي أَدْرَكَ أَوَّل الصَّلاَةِ بِالْجَمَاعَةِ، وَفَاتَهُ الْبَاقِي فَأَتَمَّ صَلاَتَهُ بَعْدَ فَرَاغِ الإِْمَامِ، فَفِعْلُهُ أَدَاءٌ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ فِي الْوَقْتِ، قَضَاءٌ بِاعْتِبَارِ فَوَاتِ مَا الْتَزَمَهُ مِنَ الأَْدَاءِ مَعَ الإِْمَامِ، فَهُوَ يَقْضِي مَا انْعَقَدَ لَهُ إِحْرَامُ الإِْمَامِ، مِنَ الْمُتَابَعَةِ وَالْمُشَارَكَةِ مَعَهُ بِمِثْلِهِ (5) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْقَضَاءُ:
3 - الْقَضَاءُ لُغَةً: مَعْنَاهُ الأَْدَاءُ. وَاسْتَعْمَلَهُ الْفُقَهَاءُ بِالْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيِّ الآْتِي، خِلاَفًا لِلْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ لِلتَّمْيِيزِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الأَْدَاءِ. وَاصْطِلاَحًا: مَا فُعِل بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِ أَدَائِهِ اسْتِدْرَاكًا لِمَا سَبَقَ لِفِعْلِهِ مُقْتَضٍ، أَوْ تَسْلِيمِ مِثْل مَا وَجَبَ بِالأَْمْرِ، كَمَا يَقُول الْحَنَفِيَّةُ. فَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الأَْدَاءِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مُرَاعَاةُ قَيْدِ الْوَقْتِ فِي الأَْدَاءِ دُونَ الْقَضَاءِ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مُرَاعَاةُ الْعَيْنِ فِي الأَْدَاءِ وَالْمِثْل فِي الْقَضَاءِ، إِذِ الأَْدَاءُ كَمَا سَبَقَ هُوَ فِعْل الْمَأْمُورِ بِهِ فِي وَقْتِهِ بِالنِّسْبَةِ لِمَا لَهُ وَقْتٌ، عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَفِي أَيِّ وَقْتٍ بِالنِّسْبَةِ لِمَا لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مُحَدَّدٌ، عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
ب - الإِْعَادَةُ:
4 - الإِْعَادَةُ لُغَةً: رَدُّ الشَّيْءِ ثَانِيًا، وَاصْطِلاَحًا: مَا فُعِل فِي وَقْتِ الأَْدَاءِ ثَانِيًا لِخَلَلٍ فِي الأَْوَّل وَقِيل لِعُذْرٍ. فَالصَّلاَةُ بِالْجَمَاعَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ مُنْفَرِدًا تَكُونُ إِعَادَةً بِاعْتِبَارِ أَنَّ طَلَبَ الْفَضِيلَةِ عُذْرٌ (6) ، فَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الأَْدَاءِ السَّبْقُ وَعَدَمُهُ.
الأَْدَاءُ فِي الْعِبَادَاتِ:
5 - الْعِبَادَاتُ الَّتِي لَمْ تُحَدَّدْ بِوَقْتٍ لاَ تُوصَفُ بِالأَْدَاءِ بِالْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيِّ، أَيِ الَّذِي يُقَابِل الْقَضَاءَ، وَذَلِكَ عِنْدَ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ، إِلاَّ أَنَّهُمْ يُطْلِقُونَ عَلَيْهَا لَفْظَ الأَْدَاءِ إِطْلاَقًا لُغَوِيًّا بِمَعْنَى الإِْتْيَانِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ الأَْعَمِّ مِنَ الأَْدَاءِ الَّذِي يُقَابِل الْقَضَاءَ. وَلِذَلِكَ يَقُول الشَّبْرَامُلْسِيُّ عِنْدَ الْكَلاَمِ عَلَى أَدَاءِ الزَّكَاةِ - أَيْ دَفْعِهَا: لَيْسَ الْمُرَادُ بِالأَْدَاءِ الْمَعْنَى الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ؛ لأَِنَّ الزَّكَاةَ لاَ وَقْتَ لَهَا مُحَدَّدًا حَتَّى تَصِيرَ قَضَاءً بِخُرُوجِهِ (7) . أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَغَيْرُ الْوَقْتِ عِنْدَهُمْ يُسَمَّى أَدَاءً شَرْعًا وَعُرْفًا، وَالْقَضَاءُ يَخْتَصُّ بِالْوَاجِبِ الْمُوَقَّتِ (8) . أَقْسَامُ الْعِبَادَاتِ بِاعْتِبَارِ وَقْتِ الأَْدَاءِ:
6 - الْعِبَادَاتُ بِاعْتِبَارِ وَقْتِ الأَْدَاءِ نَوْعَانِ: مُطْلَقَةٌ وَمُؤَقَّتَةٌ.
فَالْمُطْلَقَةُ: هِيَ الَّتِي لَمْ يُقَيَّدْ أَدَاؤُهَا بِوَقْتٍ مُحَدَّدٍ لَهُ طَرَفَانِ؛ لأَِنَّ جَمِيعَ الْعُمْرِ فِيهَا بِمَنْزِلَةِ الْوَقْتِ فِيمَا هُوَ مُوَقَّتٌ، وَسَوَاءٌ أَكَانَتِ الْعِبَادَةُ وَاجِبَةً كَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ، أَمْ مَنْدُوبَةً كَالنَّفْل الْمُطْلَقِ (9) .
وَأَمَّا الْعِبَادَاتُ الْمُوَقَّتَةُ: فَهِيَ مَا حَدَّدَ الشَّارِعُ وَقْتًا مُعَيَّنًا لأَِدَائِهَا، لاَ يَجِبُ الأَْدَاءُ قَبْلَهُ، وَيَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ بَعْدَ أَنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ وَاجِبًا، وَذَلِكَ كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ. وَوَقْتُ الأَْدَاءِ إِمَّا مُوَسَّعٌ وَأَمَّا مُضَيَّقٌ.
فَالْمُضَيَّقُ: هُوَ مَا كَانَ الْوَقْتُ فِيهِ يَسَعُ الْفِعْل وَحْدَهُ، وَلاَ يَسَعُ غَيْرَهُ مَعَهُ، وَذَلِكَ كَرَمَضَانَ فَإِنَّ وَقْتَهُ لاَ يَتَّسِعُ لأَِدَاءِ صَوْمٍ آخَرَ فِيهِ، وَيُسَمَّى مِعْيَارًا أَوْ مُسَاوِيًا (10) .
وَالْمُوَسَّعُ: هُوَ مَا كَانَ الْوَقْتُ فِيهِ يَفْضُل عَنْ أَدَائِهِ، أَيْ أَنَّهُ يَتَّسِعُ لأَِدَاءِ الْفِعْل وَأَدَاءِ غَيْرِهِ مِنْ جِنْسِهِ، وَذَلِكَ كَوَقْتِ الظُّهْرِ مَثَلاً، فَإِنَّهُ يَسَعُ أَدَاءَ صَلاَةِ الظُّهْرِ وَأَدَاءَ صَلَوَاتٍ أُخْرَى، وَلِذَلِكَ يُسَمَّى ظَرْفًا (11) . وَالْحَجُّ مِنَ الْعِبَادَاتِ الَّتِي يُشْتَبَهُ وَقْتُ أَدَائِهِ بِالْمُوَسَّعِ وَالْمُضَيَّقِ؛ لأَِنَّ الْمُكَلَّفَ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُؤَدِّيَ حَجَّتَيْنِ فِي عَامٍ وَاحِدٍ، فَهُوَ بِهَذَا يُشْبِهُ الْمُضَيَّقَ، وَلَكِنْ أَعْمَال الْحَجِّ لاَ تَسْتَوْعِبُ وَقْتَهُ، فَهُوَ بِهَذَا يُشْبِهُ الْمُوَسَّعَ، هَذَا عَلَى اعْتِبَارِهِ مِنَ الْوَقْتِ، وَقِيل إِنَّهُ مِنَ الْمُطْلَقِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْعُمْرَ وَقْتٌ لِلأَْدَاءِ كَالزَّكَاةِ (12) .
صِفَةُ الأَْدَاءِ (حُكْمُهُ التَّكْلِيفِيُّ) :
7 - الْعِبَادَاتُ إِمَّا فَرْضٌ أَوْ مَنْدُوبٌ، فَإِنْ كَانَتْ فَرْضًا كَالصَّلاَةِ وَالصِّيَامِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَالْجِهَادِ وَالنُّذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ الأَْهْل أَدَاؤُهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ، إِذَا تَحَقَّقَ سَبَبُهَا، وَتَوَفَّرَتْ شُرُوطُهَا. فَإِنْ كَانَتِ الْعِبَادَةُ مُحَدَّدَةً بِوَقْتٍ لَهُ طَرَفَانِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْوَقْتُ مُوَسَّعًا، كَوَقْتِ الصَّلاَةِ، أَمْ كَانَ مُضَيَّقًا كَرَمَضَانَ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَدَاؤُهَا فِي الْوَقْتِ الْمُحَدَّدِ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ تَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ وَلاَ أَنْ تَتَأَخَّرَ عَنْهُ إِلاَّ لِعُذْرٍ؛ لأَِنَّهَا تَفُوتُ بِفَوَاتِ الْوَقْتِ الْمُحَدَّدِ دُونَ أَدَاءٍ، وَتَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ إِلَى أَنْ تَقْتَضِيَ. وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي تَحْدِيدِ الْوَقْتِ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ الأَْدَاءُ فِيمَا كَانَ وَقْتُهُ مُضَيَّقًا؛ لأَِنَّ الْوَقْتَ كُلَّهُ مَشْغُولٌ بِالْعِبَادَةِ، وَلَيْسَ فِيهِ زَمَنٌ فَارِغٌ مِنْهَا، إِلاَّ أَنَّهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي تَعْيِينِ النِّيَّةِ لِصِحَّةِ الأَْدَاءِ فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يَكْفِي مُطْلَقُ النِّيَّةِ؛ لأَِنَّ الْوَقْتَ لَمَّا كَانَ مِعْيَارًا فَلاَ يَصْلُحُ لِعَمَلٍ آخَرَ مِنْ جِنْسِهِ، وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ لاَ بُدَّ مِنَ التَّعْيِينِ، فَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ لَمْ يُجْزِهِ (13) . أَمَّا مَا كَانَ وَقْتُهُ مُوَسَّعًا فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَحْدِيدِ الْجُزْءِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ الأَْدَاءِ، فَعِنْدَ الْجُمْهُورِ هُوَ الْكُل لاَ جُزْءٌ مِنْهُ؛ لأَِنَّ الأَْمْرَ يَقْتَضِي إِيقَاعَ الْفِعْل فِي أَيِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْوَقْتِ، لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ (14) ، وَهُوَ يَتَنَاوَل جَمِيعَ أَجْزَائِهِ، وَلَيْسَ تَعْيِينُ بَعْضِ الأَْجْزَاءِ لِوُجُوبِ الأَْدَاءِ بِأَوْلَى مِنْ تَعْيِينِ الْبَعْضِ الآْخَرِ، إِلاَّ أَنَّ الأَْدَاءَ يَجِبُ فِي أَوَّل الْوَقْتِ مَعَ الإِْمْكَانِ، وَقِيل يُسْتَحَبُّ؛ لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: أَوَّل الْوَقْتِ رِضْوَانُ اللَّهِ، وَآخِرُهُ عَفْوُ اللَّهِ (15) . وَيَجُوزُ التَّأْخِيرُ إِلَى آخِرِ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ؛ لأَِنَّ عَدَمَ جَوَازِ التَّأْخِيرِ فِيهِ ضِيقٌ عَلَى النَّاسِ، فَسُمِحَ لَهُمْ بِالتَّأْخِيرِ، وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ يَجُوزُ التَّأْخِيرُ لَكِنْ مَعَ الْعَزْمِ عَلَى الْفِعْل، فَإِنْ لَمْ يَعْزِمْ أَثِمَ. وَإِنْ ظَنَّ الْمُكَلَّفُ أَنَّهُ لاَ يَعِيشُ إِلَى آخِرِ الْوَقْتِ، الْمُوَسَّعِ تَضَيَّقَ عَلَيْهِ الْوَقْتُ وَحَرُمَ عَلَيْهِ التَّأْخِيرُ اعْتِبَارًا بِظَنِّهِ، فَإِنْ أَخَّرَهُ وَمَاتَ عَصَى اتِّفَاقًا، فَإِنْ لَمْ يَمُتْ بَل عَاشَ وَفَعَل فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَهُوَ قَضَاءٌ عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلاَّنِيِّ أَدَاءٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، لِصِدْقِ تَعْرِيفِ الأَْدَاءِ عَلَيْهِ، وَلاَ عِبْرَةَ بِالظَّنِّ الْبَيِّنِ خَطَؤُهُ.
وَعِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَقْتُ الأَْدَاءِ هُوَ الْجُزْءُ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ الْفِعْل، وَأَنَّ الصَّلاَةَ لاَ تَجِبُ فِي أَوَّل الْوَقْتِ عَلَى التَّعْيِينِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ فِي جُزْءٍ مِنَ الْوَقْتِ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَإِنَّمَا التَّعْيِينُ إِلَى الْمُصَلِّي مِنْ حَيْثُ الْفِعْل حَتَّى إِنَّهُ إِذَا شَرَعَ فِي أَوَّل الْوَقْتِ يَجِبُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَكَذَا إِذَا شَرَعَ فِي وَسَطِهِ أَوْ آخِرِهِ، وَمَتَى لَمْ يُعَيِّنْ حَتَّى بَقِيَ مِنَ الْوَقْتِ مِقْدَارُ مَا يُصَلِّي فِيهِ أَرْبَعًا - وَهُوَ مُقِيمٌ - يَجِبُ عَلَيْهِ تَعْيِينُ ذَلِكَ الْوَقْتِ لِلأَْدَاءِ فِعْلاً وَيَأْثَمُ بِتَرْكِ التَّعْيِينِ.
وَقَال بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ الْعِرَاقِيِّينَ: إِنَّ وُجُوبَ الأَْدَاءِ يَتَعَلَّقُ بِآخِرِ الْوَقْتِ، فَعَلَى هَذَا، فَإِنْ قَدَّمَهُ ثُمَّ زَالَتْ أَهْلِيَّتُهُ قَبْل آخِرِ الْوَقْتِ فَالْمُؤَدَّى نَفْلٌ. وَقَال بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: إِنَّ الْوُجُوبَ يَتَعَلَّقُ بِأَوَّل الْوَقْتِ فَإِنْ أَخَّرَهُ فَهُوَ قَضَاءٌ. وَكِلاَ الْفَرِيقَيْنِ مِمَّنْ يُنْكِرُونَ التَّوَسُّعَ فِي الْوُجُوبِ (16) .
بِمَ يَتَحَقَّقُ الأَْدَاءُ إِذَا تَضَيَّقَ الْوَقْتُ؟
8 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يُمْكِنُ بِهِ إِدْرَاكُ الْفَرْضِ إِذَا تَضَيَّقَ الْوَقْتُ، فَعِنْدَ الْجُمْهُورِ يُمْكِنُ إِدْرَاكُهُ بِرَكْعَةٍ بِسَجْدَتَيْهَا فِي الْوَقْتِ، فَمَنْ صَلَّى رَكْعَةً فِي الْوَقْتِ ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ يَكُونُ مُؤَدِّيًا لِلْجَمِيعِ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ. قَال: مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصُّبْحِ قَبْل أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْل أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ (17) ، وَذَهَبَ أَشْهَبُ إِلَى أَنَّهَا تُدْرَكُ بِالرُّكُوعِ وَحْدَهُ وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَبَعْضِ الْحَنَابِلَةِ يُمْكِنُ إِدْرَاكُ الصَّلاَةِ بِتَكْبِيرَةِ الإِْحْرَامِ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَال: إِذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمْ أَوَّل سَجْدَةٍ مِنْ صَلاَةِ الْعَصْرِ قَبْل أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلاَتَهُ، وَإِذَا أَدْرَكَ أَوَّل سَجْدَةٍ مِنْ صَلاَةِ الصُّبْحِ قَبْل أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلاَتَهُ (18) وَفِي رِوَايَةٍ: فَقَدْ أَدْرَكَ؛ وَلأَِنَّ الإِْدْرَاكَ إِذَا تَعَلَّقَ بِهِ حُكْمٌ فِي الصَّلاَةِ اسْتَوَى فِيهِ الرَّكْعَةُ وَمَا دُونَهَا. وَقَال بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ: إِنَّهُ يَكُونُ مُؤَدِّيًا لِمَا صَلَّى فِي الْوَقْتِ قَاضِيًا لِمَا صَلَّى بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، اعْتِبَارًا لِكُل جُزْءٍ بِزَمَانِهِ، وَاسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ صَلاَةَ الصُّبْحِ وَحْدَهَا، فَإِنَّهَا لاَ تُدْرَكُ إِلاَّ بِأَدَائِهَا كُلِّهَا قَبْل طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَعَلَّلُوا ذَلِكَ بِطُرُوءِ الْوَقْتِ النَّاقِصِ عَلَى الْوَقْتِ الْكَامِل، وَلِذَا عَدُّوا ذَلِكَ مِنْ مُبْطِلاَتِ الصَّلاَةِ (19) وَأَمَّا مَا كَانَ وَقْتُهُ مُطْلَقًا كَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورِ الْمُطْلَقَةِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وَقْتِ وُجُوبِ الأَْدَاءِ بِنَاءً عَلَى اخْتِلاَفِهِمْ فِي الأَْمْرِ بِهِ، هَل هُوَ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ عَلَى التَّرَاخِي؟ وَالْكَلاَمُ فِيهِ عَلَى مِثَال مَا قِيل فِيمَا كَانَ وَقْتُهُ مُوَسَّعًا فِي أَنَّهُ يَجِبُ تَعْجِيل الأَْدَاءِ فِي أَوَّل أَوْقَاتِ الإِْمْكَانِ، وَيَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ بِدُونِ عَزْمٍ عَلَى الْفِعْل، أَوْ أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي وَلاَ يَجِبُ التَّعْجِيل وَلاَ يَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ عَنْ أَوَّل أَوْقَاتِ الإِْمْكَانِ، لَكِنَّ الْجَمِيعَ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ وُجُوبَ الأَْدَاءِ يَتَضَيَّقُ فِي آخِرِ عُمُرِهِ فِي زَمَانٍ يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنَ الأَْدَاءِ قَبْل مَوْتِهِ بِغَالِبِ ظَنِّهِ، وَأَنَّهُ إِنْ لَمْ يُؤَدِّ حَتَّى مَاتَ أَثِمَ بِتَرْكِهِ (20) . هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْعِبَادَاتِ الْوَاجِبَةِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ مُوَقَّتَةً أَمْ مُطْلَقَةً.
9 - أَمَّا الْمَنْدُوبُ مِنَ الْعِبَادَاتِ فَمِنَ الْمُقَرَّرِ أَنَّ الْمَنْدُوبَ حُكْمُهُ الثَّوَابُ عَلَى الْفِعْل وَعَدَمُ اللَّوْمِ عَلَى التَّرْكِ، لَكِنَّ فِعْلَهُ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهِ. وَمِنَ الْمَنْدُوبِ مَا هُوَ مُوَقَّتٌ كَالرَّكْعَتَيْنِ قَبْل الظُّهْرِ وَالرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَهُ، وَمَا بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَرَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، وَمِنْهُ مَا هُوَ مُسَبَّبٌ كَصَلاَةِ الْخُسُوفِ وَالْكُسُوفِ، وَمِنْهُ مَا هُوَ مُطْلَقٌ كَالتَّهَجُّدِ. وَمِثْل ذَلِكَ فِي الصَّوْمِ أَيْضًا، فَمِنْهُ مَا هُوَ مُوَقَّتٌ، كَصِيَامِ يَوْمِ عَرَفَةَ لِغَيْرِ الْحَاجِّ، وَصِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، وَمِنْهُ مَا يَتَطَوَّعُ بِهِ الإِْنْسَانُ فِي أَيِّ يَوْمٍ. وَقَدْ وَرَدَتْ آثَارٌ كَثِيرَةٌ فِي فَضْل مَا زَادَ عَلَى الْفَرْضِ مِنَ الْعِبَادَاتِ مِنْ صَلاَةٍ وَصَوْمٍ وَحَجٍّ وَزَكَاةٍ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل النَّبِيِّ ﷺ: أَفْضَل الصَّلاَةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلاَةُ اللَّيْل (21) .
وَقَوْلُهُ: صَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ كَفَّارَةُ سَنَةٍ (22) . وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ ﵂ عَنْ رَسُول اللَّهِ أَنَّهُ قَال: مَنْ ثَابَرَ عَلَى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ (23) . وَهَذِهِ الْعِبَادَاتُ الْمَنْدُوبَةُ يُطْلَبُ أَدَاؤُهَا طَلَبًا لِلثَّوَابِ وَلاَ يَجِبُ الأَْدَاءُ إِلاَّ مَا شُرِعَ فِيهِ، فَيَجِبُ إِتْمَامُهُ، وَإِذَا فَسَدَ قَضَاهُ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ. أَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فَيُسْتَحَبُّ الإِْتْمَامُ إِلاَّ فِي تَطَوُّعِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّهُ إِذَا شَرَعَ فِيهِمَا فَيَجِبُ إِتْمَامُهُمَا بِاتِّفَاقِ الْجَمِيعِ (24) .
أَدَاءُ أَصْحَابِ الأَْعْذَارِ:
10 - يُشْتَرَطُ لأَِدَاءِ الْعِبَادَةِ أَهْلِيَّةُ الأَْدَاءِ مَعَ الإِْمْكَانِ وَالْقُدْرَةِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ الأَْدَاءِ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ كَانَ أَهْلاً لِلأَْدَاءِ فِي أَوَّل الْوَقْتِ، ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ عُذْرٌ فِي آخِرِهِ، كَمَنْ كَانَ أَهْلاً لِلصَّلاَةِ فِي أَوَّل الْوَقْتِ، فَلَمْ يُصَل حَتَّى طَرَأَ عَلَيْهِ آخِرَ الْوَقْتِ عُذْرٌ يَمْنَعُ مِنَ الأَْدَاءِ، كَمَا إِذَا حَاضَتِ الطَّاهِرَةُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ أَوْ نَفِسَتْ أَوْ جُنَّ الْعَاقِل أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، أَوِ ارْتَدَّ الْمُسْلِمُ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ وَقَدْ بَقِيَ مِنَ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ الْفَرْضَ. فَعِنْدَ الْجُمْهُورِ يَلْزَمُهُمُ الْفَرْضُ؛ لأَِنَّ الْوُجُوبَ وَالأَْهْلِيَّةَ ثَابِتَةٌ فِي أَوَّل الْوَقْتِ فَيَلْزَمُهُمُ الْقَضَاءُ.
أَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَلاَ يَلْزَمُهُمُ الْفَرْضُ؛ لأَِنَّ الْوُجُوبَ يَتَعَيَّنُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ إِذَا لَمْ يُوجَدِ الأَْدَاءُ قَبْلَهُ، فَيَسْتَدْعِي الأَْهْلِيَّةَ فِيهِ؛ لاِسْتِحَالَةِ الإِْيجَابِ عَلَى غَيْرِ الأَْهْل، وَلَمْ يُوجَدْ، فَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قَضَاءٌ. وَهُوَ أَيْضًا رَأْيُ الإِْمَامِ مَالِكٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ عَرَفَةَ، خِلاَفًا لِبَعْضِ أَهْل الْمَدِينَةِ وَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ حَيْثُ الْقَضَاءُ عِنْدَهُمْ أَحْوَطُ.
أَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلاً فِي أَوَّل الْوَقْتِ، ثُمَّ زَال الْعُذْرُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ، كَمَا إِذَا طَهُرَتِ الْحَائِضُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ وَبَلَغَ الصَّبِيُّ وَأَفَاقَ الْمَجْنُونُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَأَقَامَ الْمُسَافِرُ أَوْ سَافَرَ الْمُقِيمُ فَلِلْحَنَفِيَّةِ قَوْلاَنِ:
أَحَدُهُمَا وَهُوَ قَوْل زُفَرَ أَنَّهُ لاَ يَجِبُ الْفَرْضُ وَلاَ يَتَغَيَّرُ الأَْدَاءُ إِلاَّ إِذَا بَقِيَ مِنَ الْوَقْتِ مِقْدَارُ مَا يُمْكِنُ فِيهِ أَدَاءُ الْفَرْضِ.
وَالْقَوْل الثَّانِي لِلْكَرْخِيِّ وَأَكْثَرِ الْمُحَقِّقِينَ: أَنَّهُ يَجِبُ الْفَرْضُ وَيَتَغَيَّرُ الأَْدَاءُ إِذَا بَقِيَ مِنَ الْوَقْتِ مِقْدَارُ مَا يَسَعُ التَّحْرِيمَةَ فَقَطْ، وَهُوَ قَوْل الْحَنَابِلَةِ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ. وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يَجِبُ الْفَرْضُ إِذَا بَقِيَ مِنَالْوَقْتِ مِقْدَارُ رَكْعَةٍ مَعَ زَمَنٍ يَسَعُ الطُّهْرَ، وَهُوَ قَوْلٌ لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ، وَفِي قَوْلٍ آخَرَ لِلشَّافِعِيَّةِ إِذَا بَقِيَ مِقْدَارُ رَكْعَةٍ فَقَطْ (25) .
هَذَا مِثَالٌ لاِعْتِبَارِ أَهْلِيَّةِ الأَْدَاءِ فِي بَعْضِ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ. وَلِمَعْرِفَةِ التَّفَاصِيل (ر: أَهْلِيَّةٌ. حَجٌّ. صَلاَةٌ. صَوْمٌ) .
11 - أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْقُدْرَةِ عَلَى الأَْدَاءِ فَإِنَّ الْمَطْلُوبَ أَدَاءُ الْعِبَادَةِ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي وَرَدَ بِهَا الشَّرْعُ، فَفِي الصَّلاَةِ مَثَلاً يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَدَاؤُهَا عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي وَرَدَتْ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ وَذَلِكَ لِمَا جَاءَ فِي قَوْلِهِ: صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي (26) ، فَمَنْ عَجَزَ عَنْ أَدَاءِ الصَّلاَةِ عَلَى الصِّفَةِ الْمَشْرُوعَةِ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالصِّفَةِ الَّتِي يَسْتَطِيعُ بِهَا أَدَاءَ الصَّلاَةِ، فَمَنْ عَجَزَ عَنِ الْقِيَامِ صَلَّى جَالِسًا، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ. وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: صَل قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ (27) ، وَهَكَذَا (28) ، وَكَذَلِكَ الْعَاجِزُ عَنِ الصَّوْمِ لِشَيْخُوخَةٍ أَوْ مَرَضٍ لاَ يُرْجَى بُرْؤُهُ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ؛ لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا جَعَل عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (29) مَعَ الاِخْتِلاَفِ فِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ وَعَدَمِهَا، فَقِيل: تَجِبُ عَنْ كُل يَوْمٍ مُدٌّ مِنْ طَعَامٍ، وَقِيل: لاَ تَجِبُ (30) . وَالْحَجُّ أَيْضًا لاَ يَجِبُ أَدَاؤُهُ إِلاَّ عَلَى الْمُسْتَطِيعِ بِالْمَال وَالْبَدَنِ وَالْمَحْرَمِ أَوِ الرُّفْقَةِ الْمَأْمُونَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَرْأَةِ. فَمَنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ فَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ (31) ؛ لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً (32) } .
12 - وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْعِبَادَاتِ الْمَالِيَّةِ كَالزَّكَاةِ فَنَظَرًا لِلأَْهْلِيَّةِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، فَعِنْدَ الْجُمْهُورِ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي مَال الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، لأَِنَّهُ حَقٌّ يَتَعَلَّقُ بِالْمَال، وَيُؤَدِّي عَنْهُمَا وَلِيُّهُمَا، وَتُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْوَلِيِّ فِي الإِْخْرَاجِ. وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِمَا الزَّكَاةُ؛ لأَِنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ، وَهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِهَا (33) .
وَكَذَلِكَ مَنْ عَجَزَ عَنْ أَدَاءِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنَ الْكَفَّارَةِ وَقْتَ الْوُجُوبِ، ثُمَّ تَغَيَّرَ حَالُهُ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ. فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ: الْعِبْرَةُ بِوَقْتِ الأَْدَاءِ لاَ بِوَقْتِ الْوُجُوبِ، وَهُوَ أَحَدُ الأَْقْوَال عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، فَلَوْ كَانَ مُوسِرًا وَقْتَ الْوُجُوبِ جَازَ لَهُ الصَّوْمُ.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِوَقْتِ الْوُجُوبِ لاَ بِوَقْتِ الأَْدَاءِ. وَفِي قَوْلٍ آخَرَ لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ أَغْلَظُ الأَْحْوَال مِنْ حِينِ الْوُجُوبِ إِلَى حِينِ التَّكْفِيرِ (34) .
تَعْجِيل الأَْدَاءِ عَنْ وَقْتِ الْوُجُوبِ أَوْ سَبَبِهِ:
13 - الْعِبَادَاتُ الْمُوَقَّتَةُ بِوَقْتٍ، وَالَّتِي يُعْتَبَرُ الْوَقْتُ سَبَبًا لِوُجُوبِهَا، كَالصَّلاَةِ وَالصِّيَامِ فَإِنَّ الْوَقْتَ فِيهِمَا سَبَبُ الْوُجُوبِ؛ لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ (35) } ، وقَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ (36) } . هَذِهِ الْعِبَادَاتُ لاَ يَجُوزُ تَعْجِيل الأَْدَاءِ فِيهَا عَنْ وَقْتِ الْوُجُوبِ، وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ. أَمَّا الْعِبَادَاتُ الَّتِي لاَ يُعْتَبَرُ الْوَقْتُ سَبَبًا لِوُجُوبِهَا، وَإِنْ كَانَ شَرْطًا فِيهَا، كَالزَّكَاةِ، أَوِ الْمُطْلَقَةِ الْوَقْتِ كَالْكَفَّارَاتِ، فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ يَخْتَلِفُونَ فِي جَوَازِ تَعْجِيل الأَْدَاءِ عَنْ وَقْتِ وُجُوبِهَا أَوْ عَنْ أَسْبَابِهَا: فَفِي الزَّكَاةِ مَثَلاً يَجُوزُ تَعْجِيل الأَْدَاءِ قَبْل الْحَوْل مَتَى تَمَّ النِّصَابُ، وَذَلِكَ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ تَسَلَّفَ مِنَ الْعَبَّاسِ ﵁ زَكَاةَ عَامَيْنِ (37) ؛ وَلأَِنَّهُ حَقُّ مَالٍ أُجِّل لِلرِّفْقِ، فَجَازَ تَعْجِيلُهُ قَبْل مَحِلِّهِ، كَالدَّيْنِ الْمُؤَجَّل.
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ عِنْدَهُمْ إِخْرَاجُ الْوَاجِبِ قَبْل تَمَامِ الْحَوْل إِلاَّ بِالزَّمَنِ الْيَسِيرِ كَالشَّهْرِ. وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا عَنْ وَقْتِهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، أَمَّا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فَلاَ يَجُوزُ إِخْرَاجُهَا قَبْل وَقْتِهَا إِلاَّ بِالزَّمَنِ الْيَسِيرِ، كَالْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ.
وَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا قَبْل الْحِنْثِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، مَعَ تَخْصِيصِ الشَّافِعِيَّةِ التَّقْدِيمَ إِذَا كَانَ بِغَيْرِ الصَّوْمِ، وَلاَ يَجُوزُ التَّقْدِيمُ عَلَى الْحِنْثِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (38) . وَفِي الْمَوْضُوعِ تَفْصِيلاَتٌ كَثِيرَةٌ تُنْظَرُ فِي مَوَاضِعِهَا.
النِّيَابَةُ فِي أَدَاءِ الْعِبَادَاتِ:
14 - الْعِبَادَاتُ الْمَالِيَّةُ الْمَحْضَةُ كَالزَّكَاةِ وَالصَّدَقَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ تَجُوزُ فِيهَا النِّيَابَةُ، سَوَاءٌ كَانَ مَنْ هِيَ عَلَيْهِ قَادِرًا عَلَى الأَْدَاءِ بِنَفْسِهِ أَمْ لاَ؛ لأَِنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا إِخْرَاجُ الْمَال، وَهُوَ يَحْصُل بِفِعْل النَّائِبِ.
15 - أَمَّا الْعِبَادَاتُ الْبَدَنِيَّةُ الْمَحْضَةُ كَالصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ فَلاَ تَجُوزُ فِيهَا النِّيَابَةُ حَال الْحَيَاةِ بِاتِّفَاقٍ؛ لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِْنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى} ، وَقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: لاَ يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلاَ يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ (39) ، أَيْ فِي حَقِّ الْخُرُوجِ عَنِ الْعُهْدَةِ، لاَ فِي حَقِّ الثَّوَابِ. أَمَّا بَعْدَ الْمَمَاتِ فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، إِلاَّ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَنِ الْمَيِّتِ مَنْ يُصَلِّي عَنْهُ مَا فَاتَهُ مِنَ الصَّلَوَاتِ (40) .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لاَ تَجُوزُ النِّيَابَةُ عَنِ الْمَيِّتِ فِي الصَّلاَةِ. أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلصَّوْمِ فَعِنْدَهُمْ أَنَّ مَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنْ رَمَضَانَ، وَمَاتَ قَبْل إِمْكَانِ الْقَضَاءِ، فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، أَيْ لاَ يُفْدَى عَنْهُ وَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ، أَمَّا إِذَا تَمَكَّنَ مِنَ الْقَضَاءِ، وَلَمْ يَصُمْ حَتَّى مَاتَ، فَفِيهِ قَوْلاَنِ:
أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ الصَّوْمُ عَنْهُ، لأَِنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ، فَلاَ تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ فِي حَال الْحَيَاةِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَصُومَ وَلِيُّهُ عَنْهُ، بَل يُنْدَبُ، لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ (41) وَهَذَا الرَّأْيُ هُوَ الأَْظْهَرُ. قَال السُّبْكِيُّ: وَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُخْتَارُ وَالْمُفْتَى بِهِ، وَالْقَوْلاَنِ يَجْرِيَانِ فِي الصِّيَامِ الْمَنْذُورِ إِذَا لَمْ يُؤَدَّ (42) .
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ لاَ تَجُوزُ النِّيَابَةُ عَنِ الْمَيِّتِ فِي الصَّلاَةِ أَوِ الصِّيَامِ الْوَاجِبِ بِأَصْل الشَّرْعِ - أَيِ الصَّلاَةِ الْمَفْرُوضَةِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ - لأَِنَّ هَذِهِ الْعِبَادَاتِ لاَ تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ حَال الْحَيَاةِ، فَبَعْدَ الْمَوْتِ كَذَلِكَ. أَمَّا مَا أَوْجَبَهُ الإِْنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بِالنَّذْرِ، مِنْ صَلاَةٍ أَوْ صَوْمٍ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ فِعْل الْمَنْذُورِ، كَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ مُعَيَّنٍ وَمَاتَ قَبْل حُلُولِهِ، فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، فَإِنْ تَمَكَّنَ مِنَ الأَْدَاءِ وَلَمْ يَفْعَل حَتَّى مَاتَ سُنَّ لِوَلِيِّهِ فِعْل النَّذْرِ عَنْهُ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُول اللَّهِ ﷺ فَقَالَتْ: يَا رَسُول اللَّهِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَال: أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ أَكَانَ يُؤَدِّي ذَلِكَ عَنْهَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَال: فَصُومِي عَنْ أُمِّكِ (43) . وَلأَِنَّ النِّيَابَةَ تَدْخُل فِي الْعِبَادَةِ بِحَسَبِ خِفَّتِهَا، وَالنَّذْرُ أَخَفُّ حُكْمًا؛ لأَِنَّهُ لَمْ يَجِبْ بِأَصْل الشَّرْعِ. وَيَجُوزُ لِغَيْرِ الْوَلِيِّ فِعْل مَا عَلَى الْمَيِّتِ مِنْ نَذْرٍ بِإِذْنِهِ وَبِدُونِ إِذْنِهِ (44) .
16 - وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَجِّ بِاعْتِبَارِ مَا فِيهِ مِنْ جَانِبٍ مَالِيٍّ وَجَانِبٍ بَدَنِيٍّ. وَالْمَالِكِيَّةُ - فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ - هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِعَدَمِ جَوَازِ النِّيَابَةِ فِي الْحَجِّ. أَمَّا بَقِيَّةُ الْفُقَهَاءِ فَتَصِحُّ عِنْدَهُمُ النِّيَابَةُ فِي الْحَجِّ، لَكِنَّهُمْ يُقَيِّدُونَ ذَلِكَ بِالْعُذْرِ، وَهُوَ الْعَجْزُ عَنِ الْحَجِّ بِنَفْسِهِ؛ لِمَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ قَالَتْ: يَا رَسُول اللَّهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَال: نَعَمْ. (45)
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ قَال لِرَجُلٍ: أَرَأَيْتُكَ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكَ دَيْنٌ، فَقَضَيْتَهُ عَنْهُ قُبِل مِنْكَ؟ قَال: نَعَمْ، فَقَال النَّبِيُّ ﷺ: فَاللَّهُ أَرْحَمُ. حُجَّ عَنْ أَبِيكَ. (46)
وَضَابِطُ الْعُذْرِ الَّذِي تَصِحُّ مَعَهُ النِّيَابَةُ هُوَ الْعَجْزُ الدَّائِمُ إِلَى الْمَوْتِ، وَذَلِكَ كَالشَّيْخِ الْفَانِي وَالزَّمِنِ وَالْمَرِيضِ الَّذِي لاَ يُرْجَى بُرْؤُهُ. فَهَؤُلاَءِ إِذَا وَجَدُوا مَالاً يَلْزَمُهُمُ الاِسْتِنَابَةُ فِي الْحَجِّ عَنْهُمْ.
وَمَنْ أَحَجَّ عَنْ نَفْسِهِ لِلْعُذْرِ الدَّائِمِ، ثُمَّ زَال الْعُذْرُ قَبْل الْمَوْتِ، فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَمْ يَجُزْ حَجُّ غَيْرِهِ عَنْهُ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ؛ لأَِنَّ جَوَازَ الْحَجِّ عَنِ الْغَيْرِ ثَبَتَ بِخِلاَفِ الْقِيَاسِ، لِضَرُورَةِ الْعَجْزِ الَّذِي لاَ يُرْجَى زَوَالُهُ، فَيَتَقَيَّدُ الْجَوَازُ بِهِ. (47)
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يُجْزِئُ حَجُّ الْغَيْرِ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْفَرْضُ؛ لأَِنَّهُ أَتَى بِمَا أُمِرَ بِهِ فَخَرَجَ مِنَ الْعُهْدَةِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَبْرَأْ. لَكِنَّ ذَلِكَ مُقَيَّدٌ بِمَا إِذَا عُوفِيَ بَعْدَ فَرَاغِ النَّائِبِ مِنَ الْحَجِّ، فَإِذَا عُوفِيَ قَبْل فَرَاغِ النَّائِبِ فَيَنْبَغِي أَنْ لاَ يُجْزِئَهُ الْحَجُّ؛ لأَِنَّهُ قَدَرَ عَلَى الأَْصْل قَبْل تَمَامِ الْبَدَل، وَيُحْتَمَل أَنْ يُجْزِئَهُ، وَإِنْ بَرَأَ قَبْل إِحْرَامِ النَّائِبِ لَمْ يُجْزِئْهُ بِحَالٍ. وَلِلشَّافِعِيَّةِ قَوْلاَنِ بِالإِْجْزَاءِ وَعَدَمِهِ وَالْمَرِيضُ الَّذِي يُرْجَى زَوَال مَرَضِهِ وَالْمَحْبُوسُ وَنَحْوُهُ إِذَا أَحَجَّ عَنْهُ فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ هَذَا الْحَجُّ مَوْقُوفٌ. إِنْ مَاتَ الْمَحْجُوجُ عَنْهُ وَهُوَ مَرِيضٌ أَوْ مَحْبُوسٌ جَازَ الْحَجُّ، وَإِنْ زَال الْمَرَضُ أَوِ الْحَبْسُ قَبْل الْمَوْتِ لَمْ يَجُزْ. وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَفِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيَّةِ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ أَصْلاً؛ لأَِنَّهُ لَمْ يَيْأَسْ مِنَ الْحَجِّ بِنَفْسِهِ، فَلاَ تَجُوزُ فِيهِ النِّيَابَةُ كَالصَّحِيحِ، فَإِنْ خَالَفَ وَأَحَجَّ عَنْ نَفْسِهِ، لَمْ يُجْزِئْهُ وَلَوْ لَمْ يَبْرَأْ؛ لأَِنَّهُ يَرْجُو الْقُدْرَةَ عَلَى الْحَجِّ بِنَفْسِهِ فَلَمْ يَكُنْ بِهِ الاِسْتِنَابَةُ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ مَرَّةً أُخْرَى، وَفِي الْقَوْل الثَّانِي لِلشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ إِذَا مَاتَ؛ لأَِنَّهُ لَمَّا مَاتَ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ كَانَ مَأْيُوسًا مِنْهُ (48) .
وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ لاَ تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِي الْحَجِّ مُطْلَقًا. وَقِيل تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِي الْحَجِّ لِغَيْرِ الْمُسْتَطِيعِ، قَال الْبَاجِيُّ: تَجُوزُ النِّيَابَةُ لِلْمَعْضُوبِ كَالزَّمِنِ وَالْهَرِمِ.
وَقَال أَشْهَبُ: إِنْ آجَرَ صَحِيحٌ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ لَزِمَهُ لِلْخِلاَفِ (49) . وَسَوَاءٌ فِيمَا مَرَّ فِي الْمَذَاهِبِ حَجُّ الْفَرِيضَةِ وَحَجُّ النَّذْرِ. وَالْعُمْرَةُ فِي ذَلِكَ كَالْحَجِّ (50) .
17 - أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِحَجِّ التَّطَوُّعِ فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ تَجُوزُ فِيهِ الاِسْتِنَابَةُ بِعُذْرٍ وَبِدُونِ عُذْرٍ، وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِنْ كَانَ لِعُذْرٍ جَازَ وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا يَجُوزُ؛ لأَِنَّهَا حَجَّةٌ لاَ تَلْزَمُهُ بِنَفْسِهِ، فَجَازَ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِيهَا كَالْمَعْضُوبِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لاَ يَجُوزُ، لأَِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْحَجِّ بِنَفْسِهِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِيهِ كَالْفَرْضِ، وَلِلشَّافِعِيَّةِ قَوْلاَنِ فِيمَا إِذَا كَانَ بِعُذْرٍ: أَحَدُهُمَا لاَ يَجُوزُ؛ لأَِنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إِلَى الاِسْتِنَابَةِ فِيهِ، فَلَمْ تَجُزِ الاِسْتِنَابَةُ فِيهِ كَالصَّحِيحِ، وَالثَّانِي يَجُوزُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لأَِنَّ كُل عِبَادَةٍ جَازَتِ النِّيَابَةُ فِي فَرْضِهَا جَازَتِ النِّيَابَةُ فِي نَفْلِهَا. وَتُكْرَهُ الاِسْتِنَابَةُ فِي التَّطَوُّعِ عَنِ الْمَالِكِيَّةِ (51) .
18 - وَمَا مَرَّ إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَيِّ. أَمَّا الْمَيِّتُ فَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ: مَنْ مَاتَ قَبْل أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ أَدَاءِ الْحَجِّ سَقَطَ فَرْضُهُ، وَلاَ يَجِبُ الْقَضَاءُ عَنْهُ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنَ الأَْدَاءِ وَلَمْ يُؤَدِّ لَمْ يَسْقُطِ الْفَرْضُ، وَيَجِبُ الْقَضَاءُ مِنْ تَرِكَتِهِ، لِمَا رَوَى بُرَيْدَةُ قَال: أَتَتِ النَّبِيَّ ﷺ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: يَا رَسُول اللَّهِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ، وَلَمْ تَحُجَّ فَقَال لَهَا النَّبِيُّ ﷺ: حُجِّي عَنْ أُمِّكِ (52) ، وَلأَِنَّهُ حَقٌّ تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ حَال الْحَيَاةِ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِالْمَوْتِ، كَدَيْنِ الآْدَمِيِّ، وَمِثْل ذَلِكَ الْحَجُّ الْمَنْذُورُ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ قَال: أَتَى رَجُلٌ النَّبِيَّ ﷺ فَقَال لَهُ: إِنَّ أُخْتِي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ، وَإِنَّهَا مَاتَتْ، فَقَال النَّبِيُّ ﷺ: لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَهُ؟ قَال: نَعَمْ. قَال: فَاقْضِ اللَّهَ فَهُوَ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ (53) .
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ: مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ فَلاَ يَجِبُ الْحَجُّ عَنْهُ، إِلاَّ أَنْ يُوصِيَ بِذَلِكَ، فَإِذَا أَوْصَى حُجَّ مِنْ تَرِكَتِهِ. وَإِذَا لَمْ يُوصِ بِالْحَجِّ عَنْهُ، فَتَبَرَّعَ الْوَارِثُ بِالْحَجِّ بِنَفْسِهِ، أَوْ بِالإِْحْجَاجِ عَنْهُ رَجُلاً جَازَ، وَلَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ (54) . تَأْخِيرُ الأَْدَاءِ عَنْ وَقْتِ الْوُجُوبِ:
19 - تَأْخِيرُ أَدَاءِ الْعِبَادَاتِ عَنْ وَقْتِ الْوُجُوبِ دُونَ عُذْرٍ يُوجِبُ الإِْثْمَ، فَإِنْ كَانَ مِنَ الْعِبَادَاتِ الْمُؤَقَّتَةِ بِوَقْتٍ مُحَدَّدٍ، كَالصَّلاَةِ وَالصِّيَامِ وَجَبَ قَضَاؤُهَا، وَكَذَلِكَ النَّذْرُ الْمُعَيَّنُ إِذَا لَمْ يُؤَدَّ. وَإِنْ كَانَتِ الْعِبَادَاتُ وَقْتُهَا الْعُمْرُ، كَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ فَإِنَّهُ مَتَى تَوَفَّرَتْ شُرُوطُ الأَْدَاءِ، كَحَوَلاَنِ الْحَوْل وَكَمَال النِّصَابِ فِي الزَّكَاةِ مَعَ إِمْكَانِ الأَْدَاءِ، وَلَمْ يَتِمَّ الأَْدَاءُ تَرَتَّبَ الْمَال فِي الذِّمَّةِ، وَكَذَلِكَ الْحَجُّ إِذَا وُجِدَتِ الاِسْتِطَاعَةُ الْمَالِيَّةُ وَالْبَدَنِيَّةُ، وَلَمْ يُؤَدِّ الْحَجَّ فَهُوَ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ.
وَمِثْل ذَلِكَ الْوَاجِبَاتُ الْمُطْلَقَةُ كَالنُّذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ مَعَ اخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ فِيمَنْ مَاتَ، وَلَمْ يُؤَدِّ الزَّكَاةَ أَوِ الْحَجَّ أَوِ النَّذْرَ أَوِ الْكَفَّارَةَ، وَكُل مَا كَانَ وَاجِبًا مَالِيًّا، وَأَمْكَنَ أَدَاؤُهُ، وَلَمْ يُؤَدَّ حَتَّى مَاتَ الْمُكَلَّفُ، فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ لاَ تُؤَدَّى مِنْ تَرِكَتِهِ، إِلاَّ إِذَا أَوْصَى بِهَا، فَإِذَا لَمْ يُوصِ فَقَدْ سَقَطَتْ بِالنِّسْبَةِ لأَِحْكَامِ الدُّنْيَا، وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ تُؤَدَّى مِنْ تَرِكَتِهِ وَإِنْ لَمْ يُوصِ (55) . وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ وَلِلتَّفْصِيل (ر: قَضَاءٌ. حَجٌّ. زَكَاةٌ. نَذْرٌ) . هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْعِبَادَاتِ الْوَاجِبَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ مُؤَقَّتَةً أَوْ غَيْرَ مُؤَقَّتَةٍ. 20 - أَمَّا النَّفْل - سَوَاءٌ مِنْهُ الْمُطْلَقُ أَوِ الْمُتَرَتِّبُ بِسَبَبٍ أَوْ وَقْتٍ - فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي قَضَائِهِ إِذَا فَاتَ: فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ لاَ يُقْضَى شَيْءٌ مِنَ السُّنَنِ سِوَى سُنَّةُ الْفَجْرِ. وَاسْتَدَل الْحَنَفِيَّةُ عَلَى ذَلِكَ بِمَا رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ دَخَل حُجْرَتِي بَعْدَ الْعَصْرِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُول اللَّهِ: مَا هَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ اللَّتَانِ لَمْ تَكُنْ تُصَلِّيهِمَا مِنْ قَبْل؟ فَقَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: رَكْعَتَانِ كُنْتُ أُصَلِّيهِمَا بَعْدَ الظُّهْرِ، وَفِي رِوَايَةٍ: رَكْعَتَا الظُّهْرِ شَغَلَنِي عَنْهُمَا الْوَفْدُ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُصَلِّيَهُمَا بِحَضْرَةِ النَّاسِ، فَيَرَوْنِي. فَقُلْتُ: أَفَأَقْضِيهِمَا إِذَا فَاتَتَا؟ قَال: لاَ. (56) وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ الْقَضَاءَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى الأُْمَّةِ، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ اخْتُصَّ بِهِ رَسُول اللَّهِ ﷺ. وَقِيَاسُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ لاَ يَجِبُ قَضَاءُ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ أَصْلاً، إِلاَّ أَنَّا اسْتَحْسَنَّا الْقَضَاءَ إِذَا فَاتَتَا مَعَ الْفَرْضِ؛ لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ فَعَلَهُمَا مَعَ الْفَرْضِ لَيْلَةَ التَّعْرِيسِ (57) ، فَنَحْنُ نَفْعَل ذَلِكَ لِنَكُونَ عَلَى طَرِيقَتِهِ، وَهَذَا بِخِلاَفِ الْوِتْرِ؛ لأَِنَّهُ وَاجِبٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْوَاجِبُ مُلْحَقٌ بِالْفَرْضِ فِي حَقِّ الْعَمَل (58) .
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ قَال الإِْمَامُ أَحْمَدُ: لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَضَى شَيْئًا مِنَ التَّطَوُّعِ إِلاَّ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَالرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَقَال الْقَاضِي وَبَعْضُ الأَْصْحَابِ: لاَ يُقْضَى إِلاَّ رَكْعَتَا الْفَجْرِ وَرَكْعَتَا الظُّهْرِ. وَقَال ابْنُ حَامِدٍ: تُقْضَى جَمِيعُ السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ، لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَضَى بَعْضَهَا وَقِسْنَا الْبَاقِيَ عَلَيْهِ. وَفِي شَرْحِ مُنْتَهَى الإِْرَادَاتِ: يُسَنُّ قَضَاءُ الرَّوَاتِبِ إِلاَّ مَا فَاتَ مَعَ فَرْضِهِ وَكَثُرَ فَالأَْوْلَى تَرْكُهُ، إِلاَّ سُنَّةَ فَجْرٍ، فَيَقْضِيهَا مُطْلَقًا لِتَأَكُّدِهَا.
وَلِلشَّافِعِيَّةِ قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ السُّنَنَ الرَّاتِبَةَ لاَ تُقْضَى؛ لأَِنَّهَا صَلاَةُ نَفْلٍ، فَلَمْ تُقْضَ، كَصَلاَةِ الْكُسُوفِ وَالاِسْتِسْقَاءِ، وَالثَّانِي تُقْضَى (59) لِقَوْلِهِ ﷺ: مَنْ نَامَ عَنْ صَلاَةٍ أَوْ سَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا (60) .
21 - وَأَمَّا قَضَاءُ سُنَّةِ الْفَجْرِ إِذَا فَاتَتْ فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لاَ تُقْضَى إِلاَّ إِذَا فَاتَتْ مَعَ الْفَجْرِ، وَإِذَا فَاتَتْ وَحْدَهَا فَلاَ تُقْضَى. وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ تُقْضَى سَوَاءٌ فَاتَتْ وَحْدَهَا أَوْ مَعَ الْفَجْرِ. وَاخْتُلِفَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَمْتَدُّ إِلَيْهِ الْقَضَاءُ، فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ: تُقْضَى إِلَى الزَّوَال، وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى الضُّحَى، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ تُقْضَى أَبَدًا (61) . وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ. وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مَكَانٍ آخَرَ (ر: نَفْلٌ. قَضَاءٌ) .
22 - وَمَا شَرَعَ فِيهِ مِنَ النَّفْل الْمُطْلَقِ فَإِنَّهُ يَجِبُ إِتْمَامُهُ، وَإِذَا فَسَدَ يُقْضَى. وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ. وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ يُسْتَحَبُّ الإِْتْمَامُ وَلاَ يَجِبُ، كَمَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْقَضَاءُ إِلاَّ فِي تَطَوُّعِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَيَجِبُ إِتْمَامُهُمَا إِذَا شَرَعَ فِيهِمَا (62) .
الاِمْتِنَاعُ عَنِ الأَْدَاءِ:
23 - الْعِبَادَاتُ الْوَاجِبَةُ وُجُوبًا عَيْنِيًّا أَوْ كِفَائِيًّا كَالصَّلاَةِ وَالصِّيَامِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَالْجِهَادِ وَصَلاَةِ الْجِنَازَةِ تُعْتَبَرُ مِنْ فَرَائِضِ الإِْسْلاَمِ وَمَعْلُومَةٌ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، وَقَدْ وَرَدَ الأَْمْرُ بِهَا فِي كَثِيرٍ مِنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} وقَوْله تَعَالَى (63) {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَال} (64) وَقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: بُنِيَ الإِْسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ (65) . وَهَذِهِ الْعِبَادَاتُ يَجِبُ عَلَى كُل مُكَلَّفٍ أَدَاؤُهَا عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي وَرَدَ بِهَا الشَّرْعُ. وَمَنِ امْتَنَعَ عَنْ أَدَائِهَا فَإِنْ كَانَ جَاحِدًا لَهَا فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ كَافِرًا يُقْتَل كُفْرًا بَعْدَ أَنْ يُسْتَتَابَ. وَإِنِ امْتَنَعَ عَنْ أَدَائِهَا كَسَلاً فَفِي الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ، كَالصَّلاَةِ يُؤَدَّبُ وَيُعَزَّرُ، وَيُتْرَكُ إِلَى أَنْ يَتَضَيَّقَ الْوَقْتُ، فَإِنْ ظَل عَلَى امْتِنَاعِهِ قُتِل حَدًّا لاَ كُفْرًا، وَهَذَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يُحْبَسُ أَبَدًا حَتَّى يُصَلِّيَ. وَفِي الْعِبَادَاتِ الْمَالِيَّةِ كَالزَّكَاةِ إِنِ امْتَنَعَ عَنْ أَدَائِهَا بُخْلاً فَإِنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْهُ كُرْهًا، وَيُقَاتَل عَلَيْهَا كَمَا فَعَل أَبُو بَكْرٍ ﵁ بِمَانِعِي الزَّكَاةِ، أَمَّا تَارِكُ الْحَجِّ كَسَلاً فَسَوَاءٌ أَكَانَ عَلَى الْفَوْرِ أَمْ عَلَى التَّرَاخِي فَإِنَّهُ يُتْرَكُ، وَلَكِنْ يُؤْمَرُ بِهِ وَيُدَيَّنُ لأَِنَّ شَرْطَهُ الاِسْتِطَاعَةُ، وَقَدْ يَكُونُ لَهُ عُذْرٌ بَاطِنِيٌّ لَمْ يُعْرَفْ.
24 - أَمَّا غَيْرُ الْوَاجِبَاتِ مِنَ الْعِبَادَاتِ وَهُوَ مَا يُسَمَّى مَنْدُوبًا أَوْ سُنَّةً أَوْ نَافِلَةً فَهُوَ مَا يُثَابُ فَاعِلُهُ وَلاَ يُذَمُّ تَارِكُهُ، وَهَذَا عَلَى الْجُمْلَةِ؛ لأَِنَّ مِنَ السُّنَّةِ مَا يُعْتَبَرُ إِظْهَارًا لِلدِّينِ، وَتَرْكُهَا يُوجِبُ إِسَاءَةً وَكَرَاهِيَةً، وَذَلِكَ كَالْجَمَاعَةِ وَالأَْذَانِ وَالإِْقَامَةِ وَصَلاَةِ الْعِيدَيْنِ؛ لأَِنَّهَا مِنْ شَعَائِرِ الإِْسْلاَمِ، وَفِي تَرْكِهَا تَهَاوُنٌ بِالشَّرْعِ، وَلِذَلِكَ لَوِ اتَّفَقَ أَهْل بَلْدَةٍ عَلَى تَرْكِهَا وَجَبَ قِتَالُهُمْ بِخِلاَفِ سَائِرِ الْمَنْدُوبَاتِ؛ لأَِنَّهَا تُفْعَل فُرَادَى (66) .
أَثَرُ الأَْدَاءِ فِي الْعِبَادَاتِ:
25 - أَدَاءُ الْعِبَادَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ بِاسْتِيفَاءِ أَرْكَانِهَا وَشَرَائِطِهَا يَسْتَلْزِمُ الإِْجْزَاءَ وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ عَلَى تَفْسِيرِ الإِْجْزَاءِ بِمَعْنَى الاِمْتِثَال بِالإِْتْيَانِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ. وَأَنَّ ذَلِكَ يُبَرِّئُ الذِّمَّةَ بِغَيْرِ خِلاَفٍ، وَعَلَى تَفْسِيرِ الإِْجْزَاءِ بِمَعْنَى إِسْقَاطِ الْقَضَاءِ فَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَسْتَلْزِمُهُ، خِلاَفًا لِعَبْدِ الْجَبَّارِ الْمُعْتَزِلِيِّ مِنْ أَنَّهُ لاَ يَسْتَلْزِمُهُ. وَالْفِعْل الْمُؤَدَّى عَلَى وَجْهِهِ الْمَشْرُوعِ يُوصَفُ بِالصِّحَّةِ، وَإِلاَّ فَبِالْفَسَادِ أَوِ الْبُطْلاَنِ، مَعَ تَفْرِيقِ الْحَنَفِيَّةِ بَيْنَ الْفَاسِدِ وَالْبَاطِل. وَالصِّحَّةُ أَعَمُّ مِنَ الإِْجْزَاءِ؛ لأَِنَّهَا تَكُونُ صِفَةً لِلْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلاَتِ، أَمَّا الإِْجْزَاءُ فَلاَ يُوصَفُ بِهِ إِلاَّ الْعِبَادَاتُ (67) .
وَإِذَا كَانَتِ الْعِبَادَاتُ الْمُسْتَجْمَعَةُ شَرَائِطُهَا وَأَرْكَانُهَا تُبَرِّئُ الذِّمَّةَ بِلاَ خِلاَفٍ فَإِنَّهُ قَدِ اخْتُلِفَ فِي تَرَتُّبِ الثَّوَابِ عَلَى هَذِهِ الْعِبَادَةِ أَوْ عَدَمِ تَرَتُّبِهِ، فَقِيل: إِنَّهُ لاَ يَلْزَمُ مِنْ إِبْرَاءِ الذِّمَّةِ تَرَتُّبُ الثَّوَابِ عَلَى الْفِعْل، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ يُبَرِّئُ الذِّمَّةَ بِالْفِعْل وَلاَ يُثِيبُ عَلَيْهِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْقَبُول، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى قَاعِدَةِ أَنَّ الْقَبُول وَالثَّوَابَ غَيْرُ الإِْجْزَاءِ وَغَيْرُ الْفِعْل الصَّحِيحِ. وَقِيل: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الشَّرْعِ وَاجِبٌ صَحِيحٌ يُجْزِئُ إِلاَّ وَهُوَ مَقْبُولٌ مُثَابٌ عَلَيْهِ، كَمَا هُوَ مُقْتَضَى قَاعِدَةِ سَعَةِ الثَّوَابِ، وَالآْيَاتِ وَالأَْحَادِيثِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِوَعْدِ الْمُطِيعِ بِالثَّوَابِ (68) . أَدَاءُ الشَّهَادَةِ
حُكْمُ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ:
26 - أَدَاءُ الشَّهَادَةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ؛ لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} (69) ، وَقَوْلِهِ: {وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} (70) ، فَإِذَا تَحَمَّلَهَا جَمَاعَةٌ وَقَامَ بِأَدَائِهَا مِنْهُمْ مَنْ فِيهِ كِفَايَةٌ سَقَطَ الأَْدَاءُ عَنِ الْبَاقِينَ، لأَِنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا حِفْظُ الْحُقُوقِ وَذَلِكَ يَحْصُل بِبَعْضِهِمْ، وَإِنِ امْتَنَعَ الْكُل أَثِمُوا جَمِيعًا لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {وَلاَ تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} (71) ، وَلأَِنَّ الشَّهَادَةَ أَمَانَةٌ فَلَزِمَ الأَْدَاءُ عِنْدَ الطَّلَبِ. وَقَدْ يَكُونُ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ فَرْضَ عَيْنٍ إِذَا كَانَ لاَ يُوجَدُ غَيْرُهُ مِمَّنْ يَقَعُ بِهِ الْكِفَايَةُ، وَتَوَقَّفَ الْحَقُّ عَلَى شَهَادَتِهِ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الأَْدَاءُ؛ لأَِنَّهُ لاَ يَحْصُل الْمَقْصُودُ إِلاَّ بِهِ.
إِلاَّ أَنَّهُ إِذَا كَانَتِ الشَّهَادَةُ مُتَعَلِّقَةً بِحُقُوقِ الْعِبَادِ وَأَسْبَابِهَا أَيْ فِي مَحْضِ حَقِّ الآْدَمِيِّ، وَهُوَ مَا لَهُ إِسْقَاطُهُ كَالدَّيْنِ وَالْقِصَاصِ فَلاَ بُدَّ مِنْ طَلَبِ الْمَشْهُودِ لَهُ لِوُجُوبِ الأَْدَاءِ، فَإِذَا طُلِبَ وَجَبَ عَلَيْهِ الأَْدَاءُ، حَتَّى لَوِ امْتَنَعَ بَعْدَ الطَّلَبِ يَأْثَمُ، وَلاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ قَبْل طَلَبِ الْمَشْهُودِ لَهُ؛ لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ حَتَّى يَشْهَدَ الرَّجُل قَبْل أَنْ يُسْتَشْهَدَ. (72) وَلأَِنَّ أَدَاءَهَا حَقٌّ لِلْمَشْهُودِ لَهُ، فَلاَ يُسْتَوْفَى إِلاَّ بِرِضَاهُ، وَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ رَبُّ الشَّهَادَةِ بِأَنَّ الشَّاهِدَ تَحَمَّلَهَا اسْتُحِبَّ لِمَنْ عِنْدَهُ الشَّهَادَةُ إِعْلاَمُ رَبِّ الشَّهَادَةِ بِهَا.
وَإِذَا كَانَتِ الشَّهَادَةُ مُتَعَلِّقَةً بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِيمَا سِوَى الْحُدُودِ، كَالطَّلاَقِ وَالْعِتْقِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَسْبَابِ الْحُرُمَاتِ فَيَلْزَمُهُ الأَْدَاءُ حِسْبَةً لِلَّهِ تَعَالَى عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَى الأَْدَاءِ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعِبَادِ.
وَأَمَّا فِي أَسْبَابِ الْحُدُودِ مِنَ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ فَالسَّتْرُ أَمْرٌ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ؛ لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ (73) ، وَلأَِنَّهُ مَأْمُورٌ بِدَرْءِ الْحَدِّ. وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ الأَْوْلَى السَّتْرُ إِلاَّ إِذَا كَانَ الْجَانِي مُتَهَتِّكًا، وَبِمِثْل ذَلِكَ قَال الْمَالِكِيَّةُ (74) .
27 - وَإِذَا وَجَبَ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ عَلَى إِنْسَانٍ وَلَكِنَّهُ عَجَزَ لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ، كَأَنْ دُعِيَ مِنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ أَوْ كَانَ سَيَلْحَقُهُ ضَرَرٌ فِي بَدَنِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ أَهْلِهِ فَلاَ يَلْزَمُهُ الأَْدَاءُ لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {وَلاَ يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ (75) } ، وَقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ (76) . وَلأَِنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَضُرَّ نَفْسَهُ لِنَفْعِ غَيْرِهِ.
كَذَلِكَ قَال بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: لاَ يَجِبُ الأَْدَاءُ إِذَا كَانَ الْحَاكِمُ غَيْرَ عَدْلٍ، قَال الإِْمَامُ أَحْمَدُ: كَيْفَ أَشْهَدُ عِنْدَ رَجُلٍ لَيْسَ عَدْلاً، لاَ أَشْهَدُ (77) .
كَيْفِيَّةُ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ:
28 - يُعْتَبَرُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ فِي أَدَائِهَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، فَيَقُول: أَشْهَدُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِكَذَا وَنَحْوَهُ؛ لأَِنَّ الشَّهَادَةَ مَصْدَرُ شَهِدَ يَشْهَدُ، فَلاَ بُدَّ مِنَ الإِْتْيَانِ بِفِعْلِهَا الْمُشْتَقِّ مِنْهَا؛ وَلأَِنَّ فِيهَا مَعْنًى لاَ يَحْصُل فِي غَيْرِهَا مِنَ الأَْلْفَاظِ، وَلَوْ قَال: أَعْلَمُ أَوْ أَتَيَقَّنُ أَوْ أَعْرِفُ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ وَلاَ تُقْبَل شَهَادَتُهُ، إِلاَّ أَنَّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ لأَِدَاءِ الشَّهَادَةِ صِيغَةً مَخْصُوصَةً بَل قَالُوا: الْمَدَارُ فِيهَا عَلَى مَا يَدُل عَلَى حُصُول عِلْمِ الشَّاهِدِ بِمَا شَهِدَ بِهِ كَرَأَيْتُ كَذَا أَوْ سَمِعْتُ كَذَا وَهُوَ الأَْظْهَرُ عِنْدَهُمْ (78) . وَلِتَحَمُّل الشَّهَادَةِ وَأَدَائِهَا شُرُوطٌ تَفْصِيلُهَا فِي مُصْطَلَحِ (شَهَادَةٌ) . أَدَاءُ الدَّيْنِ
مَفْهُومُ الدَّيْنِ:
29 - الدَّيْنُ هُوَ الْوَصْفُ الثَّابِتُ فِي الذِّمَّةِ، أَوْ هُوَ اشْتِغَال الذِّمَّةِ بِمَالٍ وَجَبَ بِسَبَبٍ مِنَ الأَْسْبَابِ، سَوَاءٌ أَكَانَ عَقْدًا كَالْبَيْعِ وَالْكَفَالَةِ وَالصُّلْحِ وَالْخُلْعِ، أَمْ تَبَعًا لِلْعَقْدِ كَالنَّفَقَةِ، أَمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ كَالْغَصْبِ وَالزَّكَاةِ وَضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْمَال الْوَاجِبِ فِي الذِّمَّةِ مَجَازًا، لأَِنَّهُ يَؤُول إِلَى الْمَال (79) .
حُكْمُ أَدَاءِ الدَّيْنِ:
30 - أَدَاءُ الدَّيْنِ عَلَى الْوَصْفِ الَّذِي وَجَبَ فَرْضٌ بِالإِْجْمَاعِ؛ لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ (80) } . وَهُوَ يُعْتَبَرُ كَمَا قَال بَعْضُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَوَائِجِ الأَْصْلِيَّةِ. وَإِذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا فَإِنَّهُ يَجِبُ أَدَاؤُهُ عَلَى الْفَوْرِ عِنْدَ الطَّلَبِ، وَيُقَال لَهُ الدَّيْنُ الْمُعَجَّل وَذَلِكَ مَتَى كَانَ قَادِرًا عَلَى الأَْدَاءِ لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: مَطْل الْغَنِيِّ ظُلْمٌ (81)
أَمَّا إِذَا كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلاً فَلاَ يَجِبُ أَدَاؤُهُ قَبْل حُلُول الأَْجَل، لَكِنْ لَوْ أُدِّيَ قَبْلَهُ صَحَّ وَسَقَطَ عَنْ ذِمَّةِ الْمَدِينِ. وَقَدْ يُصْبِحُ الْمُؤَجَّل حَالًّا فَيَجِبُ أَدَاؤُهُ عَلَى الْفَوْرِ وَذَلِكَ بِالرِّدَّةِ أَوْ بِالْمَوْتِ أَوْ بِالتَّفْلِيسِ (82) .
وَلِلْفُقَهَاءِ تَفْصِيلاَتٌ كَثِيرَةٌ فِي ذَلِكَ تُنْظَرُ فِي (دَيْنٌ. أَجَلٌ. إِفْلاَسٌ) .
كَيْفِيَّةُ أَدَاءِ الدَّيْنِ:
31 - الأَْدَاءُ هُوَ تَسْلِيمُ الْحَقِّ لِمُسْتَحِقِّهِ، وَتَسْلِيمُ الْحَقِّ فِي الدُّيُونِ إِنَّمَا يَكُونُ بِأَمْثَالِهَا؛ لأَِنَّهُ لاَ طَرِيقَ لأَِدَاءِ الدُّيُونِ سِوَى هَذَا، وَلِهَذَا كَانَ لِلْمَقْبُوضِ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ حُكْمُ عَيْنِ الْحَقِّ إِذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَصَارَ اسْتِبْدَالاً بِبَدَل الصَّرْفِ وَرَأْسِ مَال السَّلَمِ وَالْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْل الْقَبْضِ وَهُوَ حَرَامٌ، وَكَذَا لَهُ حُكْمُ عَيْنِ الْحَقِّ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ، بِدَلِيل أَنَّهُ يُجْبَرُ رَبُّ الدَّيْنِ عَلَى الْقَبْضِ، وَلَوْ كَانَ غَيْرَ حَقِّهِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ، وَفِيمَا لاَ مِثْل لَهُ مِمَّا تَعَلَّقَ بِالذِّمَّةِ تَجِبُ الْقِيمَةُ كَمَا فِي الْغَصْبِ وَالْمُتْلَفَاتِ. وَقِيل إِنَّهُ فِي الْقَرْضِ إِذَا تَعَذَّرَ الْمِثْل فَإِنَّهُ يَجِبُ رَدُّ الْمِثْل فِي الْخِلْقَةِ وَالصُّورَةِ؛ لِحَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَهُ أَنْ يَقْضِيَ الْبِكْرَ بِالْبِكْرِ؛ وَلأَِنَّ مَا ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ بِعَقْدِ السَّلَمِ ثَبَتَ بِعَقْدِ الْقَرْضِ قِيَاسًا عَلَى مَا لَهُ مِثْلٌ (83) .
وَيَجُوزُ الأَْدَاءُ بِالأَْفْضَل إِذَا كَانَ بِدُونِ شَرْطٍ، لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ اسْتَسْلَفَ مِنْ رَجُلٍ بِكْرًا فَقَدِمَتْ عَلَيْهِ إِبِلٌ مِنْ إِبِل الصَّدَقَةِ فَأَمَرَ أَبَا رَافِعٍ أَنْ يَقْضِيَ الرَّجُل بِكْرَهُ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ رَافِعٌ فَقَال: لَمْ أَجِدْ فِيهَا إِلاَّ خِيَارًا رُبَاعِيًّا، فَقَال: أَعْطِهِ إِيَّاهُ، إِنَّ خِيَارَ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً (84) .
وَمَنْ طُولِبَ بِالأَْدَاءِ بِبَلَدٍ آخَرَ فِيمَا لاَ حِمْل لَهُ وَلاَ مُؤْنَةَ وَجَبَ الأَْدَاءُ (85) .
مَا يَقُومُ مَقَامَ الأَْدَاءِ:
32 - إِذَا أَدَّى الْمَدِينُ مَا عَلَيْهِ بِالصِّفَةِ الْوَاجِبَةِ سَقَطَ عَنْهُ الدَّيْنُ، وَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ، وَيَقُومُ مَقَامَ الأَْدَاءِ فِي إِسْقَاطِ الدَّيْنِ وَبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ إِبْرَاءُ صَاحِبِ الدِّينِ لِلْمَدِينِ مِمَّا عَلَيْهِ أَوْ هِبَتُهُ لَهُ أَوْ تَصَدُّقُهُ بِهِ عَلَيْهِ، كَذَلِكَ يَقُومُ مَقَامَ الأَْدَاءِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ الْحَوَالَةُ بِالدَّيْنِ أَوِ الْمُقَاصَّةُ، أَوِ انْقِضَاءُ الْمُدَّةِ أَوِ الصُّلْحُ أَوْ تَعْجِيزُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ فِي بَدَل الْكِتَابَةِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ بِالشُّرُوطِ الْخَاصَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْفُقَهَاءُ لِكُل حَالَةٍ مِنْ ضَرُورَةِ الْقَبُول أَوْ عَدَمِهِ، وَفِيمَا يَجُوزُ فِيهِ مِنَ الدُّيُونِ وَمَا لاَ يَجُوزُ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الشُّرُوطِ (86) . وَيُنْظَرُ التَّفْصِيل فِي ذَلِكَ فِي (إِبْرَاءٌ، دَيْنٌ، حَوَالَةٌ، هِبَةٌ، إِلَخْ) . الاِمْتِنَاعُ عَنِ الأَْدَاءِ:
33 - مَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَكَانَ مُوسِرًا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ، فَإِنْ مَاطَل وَلَمْ يُؤَدِّ أَلْزَمَهُ الْحَاكِمُ بِالأَْدَاءِ بَعْدَ طَلَبِ الْغُرَمَاءِ، فَإِنِ امْتَنَعَ حَبَسَهُ لِظُلْمِهِ بِتَأْخِيرِ الْحَقِّ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ؛ لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِل عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ (87) ، وَالْحَبْسُ عُقُوبَةٌ، فَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ وَكَانَ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ بَاعَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَاعَ عَلَى مُعَاذٍ مَالَهُ وَقَضَى دُيُونَهُ (88) . وَكَذَلِكَ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بَاعَ مَال أُسَيْفِعٍ وَقَسَمَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ (89) .
34 - وَإِنْ كَانَ لِلْمَدِينِ مَالٌ وَلَكِنَّهُ لاَ يَفِي بِدُيُونِهِ وَطَلَبَ الْغُرَمَاءُ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لَزِمَ الْقَاضِيَ إِجَابَتُهُمْ، وَلَهُ مَنْعُهُ مِنَ التَّصَرُّفِ حَتَّى لاَ يَضُرَّ بِالْغُرَمَاءِ، وَيَبِيعُ مَالَهُ إِنِ امْتَنَعَ هُوَ عَنْ بَيْعِهَا، وَيَقْسِمُهَا بَيْنَ الْغُرَمَاءِ بِالْحِصَصِ. وَهَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَخَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ فَقَال: لاَ يُحْجَرُ عَلَى الْمَدِينِ، لأَِنَّ الْحَجْرَ فِيهِ إِهْدَارٌ لآِدَمِيَّتِهِ، وَإِنَّمَا يَحْبِسُهُ الْقَاضِي إِذَا كَانَ لَهُ مَالٌ حَتَّى يَبِيعَ وَيُوَفِّيَ دَيْنَهُ، إِلاَّ إِنْ كَانَ مَالُهُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ، وَالدَّيْنُ مِثْلُهُ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي الدَّيْنَ مِنْهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ؛ لأَِنَّ رَبَّ الدَّيْنِ لَهُ أَخْذُهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَالْقَاضِي يُعِينُهُ عَلَيْهِ.
35 - وَإِنْ كَانَ الْمَدِينُ مُعْسِرًا وَثَبَتَ ذَلِكَ خَلَّى سَبِيلَهُ، وَوَجَبَ إِنْظَارُهُ؛ لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ (90) } .
36 - وَالْمَدِينُ الْمُعْسِرُ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّكَسُّبُ لِوَفَاءِ مَا عَلَيْهِ، وَلَكِنَّهُ لاَ يُجْبَرُ عَلَى التَّكَسُّبِ وَلاَ عَلَى قَبُول الْهَدَايَا وَالصَّدَقَاتِ، لَكِنْ مَا يَجِدُّ لَهُ مِنْ مَالٍ مِنْ كَسْبِهِ فَإِنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ يَتَعَلَّقُ بِهِ. (91)
37 - وَالْغَارِمُ إِنِ اسْتَدَانَ لِنَفْسِهِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ يُؤَدِّي دَيْنَهُ مِنَ الزَّكَاةِ؛ لأَِنَّهُ مِنْ مَصَارِفِهَا (92) .
38 - هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْحَيِّ، أَمَّا مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنَّ الدَّيْنَ يَتَعَلَّقُ بِالتَّرِكَةِ، وَيَجِبُ الأَْدَاءُ مِنْهَا قَبْل تَنْفِيذِ الْوَصَايَا وَأَخْذِ الْوَرَثَةِ نَصِيبَهُمْ؛ لأَِنَّ الدَّيْنَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ؛ وَلأَِنَّ فَرَاغَ ذِمَّتِهِ مِنْ أَهَمِّ حَوَائِجِهِ، وَقَدْ قَال النَّبِيُّ ﷺ: الدَّيْنُ حَائِلٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ (93) وَأَدَاءُ الْفَرْضِ أَوْلَى مِنَ التَّبَرُّعَاتِ، وَقَدْ قَدَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْقِسْمَةِ فِي قَوْله تَعَالَى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} . (94)
فَتَجِبُ الْمُبَادَرَةُ بِأَدَاءِ دَيْنِهِ تَعْجِيلاً لِلْخَيْرِ لِحَدِيثِ: نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ. (95)
وَمَا مَرَّ إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِدُيُونِ الآْدَمِيِّ. أَمَّا دُيُونُ اللَّهِ تَعَالَى كَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورِ فَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ. (ف: 14، 16)
أَدَاءُ الْقِرَاءَةِ
مَعْنَى الأَْدَاءِ فِي الْقِرَاءَةِ:
39 - الأَْدَاءُ عِنْدَ الْقُرَّاءِ يُطْلَقُ عَلَى أَخْذِ الْقُرْآنِ عَنِ الْمَشَايِخِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التِّلاَوَةِ وَالْقِرَاءَةِ، أَنَّ التِّلاَوَةَ هِيَ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ مُتَتَابِعًا كَالأَْوْرَادِ وَالأَْحْزَابِ، وَالأَْدَاءُ هُوَ الأَْخْذُ عَنِ الْمَشَايِخِ، وَالْقِرَاءَةُ تُطْلَقُ عَلَى الأَْدَاءِ وَالتِّلاَوَةِ فَهِيَ أَعَمُّ مِنْهُمَا. وَالأَْدَاءُ الْحَسَنُ فِي الْقِرَاءَةِ هُوَ تَصْحِيحُ الأَْلْفَاظِ وَإِقَامَةُ الْحُرُوفِ عَلَى الصِّفَةِ الْمُتَلَقَّاةِ مِنْ أَئِمَّةِ الْقِرَاءَةِ الْمُتَّصِلَةِ بِالرَّسُول (96) الَّتِي لاَ تَجُوزُ مُخَالَفَتُهَا، وَلاَ الْعُدُول عَنْهَا إِلَى غَيْرِهَا، وَلِذَلِكَ فَإِنَّ مِنَ اللَّحْنِ الْخَفِيِّ مَا يَخْتَصُّ بِمَعْرِفَتِهِ عُلَمَاءُ الْقِرَاءَةِ وَأَئِمَّةُ الأَْدَاءِ الَّذِينَ تَلَقَّوْا مِنْ أَقْوَال الْعُلَمَاءِ، وَضَبَطُوا عَنْ أَلْفَاظِ أَهْل الأَْدَاءِ الَّذِينَ تُرْتَضَى تِلاَوَتُهُمْ، وَيُوثَقُ بِعَرَبِيَّتِهِمْ، وَلَمْ يَخْرُجُوا عَنِ الْقَوَاعِدِ الصَّحِيحَةِ فَأَعْطُوا كُل حَرْفٍ حَقَّهُ مِنَ التَّجْوِيدِ وَالإِْتْقَانِ.
حُكْمُ حُسْنِ الأَْدَاءِ فِي الْقِرَاءَةِ:
40 - قَال الشَّيْخُ الإِْمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ عَلِيٌّ بْنُ مُحَمَّدٍ الشِّيرَازِيُّ فِي كِتَابِهِ (الْمُوَضِّحُ فِي وُجُوهِ الْقِرَاءَاتِ) : إِنَّ حُسْنَ الأَْدَاءِ فَرْضٌ فِي الْقِرَاءَةِ، وَيَجِبُ عَلَى الْقَارِئِ أَنْ يَتْلُوَ الْقُرْآنَ حَقَّ تِلاَوَتِهِ صِيَانَةً لِلْقُرْآنِ عَنْ أَنْ يَجِدَ اللَّحْنُ وَالتَّغْيِيرُ إِلَيْهِ سَبِيلاً.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْحَالاَتِ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا حُسْنُ الأَْدَاءِ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ مَقْصُورٌ عَلَى مَا يَلْزَمُ الْمُكَلَّفَ قِرَاءَتُهُ فِي الْمُفْتَرَضَاتِ، فَإِنَّ تَجْوِيدَ اللَّفْظِ وَتَقْوِيمَ الْحُرُوفِ وَاجِبٌ فِيهِ فَحَسْبُ.
وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَى كُل مَنْ قَرَأَ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ كَيْفَمَا كَانَ، لأَِنَّهُ لاَ رُخْصَةَ فِي تَغْيِيرِ النُّطْقِ بِالْقُرْآنِ وَاتِّخَاذِ (97) اللَّحْنِ إِلَيْهِ سَبِيلاً إِلاَّ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَقَدْ قَال اللَّهُ تَعَالَى: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ (98) } وَيُنْظَرُ التَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحَيْ " تَجْوِيدٌ، تِلاَوَةٌ ".
__________
(1) لسان العرب، والمصباح المنير، والتلويح على التوضيح 1 / 160 ط صبيح، وكشاف اصطلاحات الفنون ص 100
(2) جمع الجوامع بشرح المحلي وحاشية البناني 1 / 109 ط الأزهرية، والبدخشي مع الأسنوي 1 / 64 ط صبيح، والتلويح 1 / 160 ط صبيح
(3) سورة البقرة / 200
(4) التلويح 1 / 161، 162، وشرح المنار ص 150، 154 ط العثمانية، وكشاف اصطلاحات الفنون ص 102 ط الهند، وكشف الأسرار 1 / 135 وما بعدها ط مكتبة الصنايع.
(5) التلويح 1 / 116، وكشاف اصطلاحات الفنون ص 102
(6) التلويح 1 / 161، وجمع الجوامع 1 / 109 - 118 والبدخشي 1 / 64
(7) نهاية المحتاج 3 / 134، والتلويح 1 / 160، 204، وجمع الجوامع 1 / 110
(8) كشف الأسرار 1 / 136، 146، وابن عابدين 1 / 487 ط بولاق.
(9) كشف الأسرار 1 / 146، 213، وجمع الجوامع 1 / 109،192 وما بعدها، والتلويح 1 / 202 وما بعدها.
(10) كشف الأسرار 1 / 213، والتلويح 1 / 202، وفواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت 1 / 71
(11) فواتح الرحموت 1 / 71، والتلويح 1 / 202، وشرح البدخشي 1 / 89 ط صبيح، والقواعد والفوائد الأصولية ص 70 ط السنة المحمدية.
(12) شرح مسلم الثبوت 1 / 71، والتلويح 1 / 202، والبدخشي 1 / 92، وجمع الجوامع 1 / 191
(13) التلويح 1 / 208، والبدخشي 1 / 89، وكشف الأسرار 1 / 214، والبدائع 1 / 96، والمهذب 1 / 187، ومنتهى الإرادات 1 / 437، 445، ومنح الجليل 1 / 384، 387
(14) حديث: " الوقت ما بين. . . " أخرجه مسلم (1 / 370،371) تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، وأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان وابن خزيمة وأحمد (الدراية 1 / 98 - 100)
(15) أخرجه الدارقطني، وله اللفظ المذكور (الفتح الكبير 1 / 466) . وأخرجه الترمذي (1 / 321 ط البابي الحلبي - تحقيق أحمد شاكر 1356 هـ) بلفظ: " الوقت الأول من الصلاة رضوان الله، والوقت الآخر عفو الله ". وفي سنده راو منكر الحديث، وفي الباب عن غير ابن عمر، إلا أن الإمام أحمد قال: لا أعرف شيئا يثبت فيه، يعني في هذا الباب (تلخيص الحبير 1 / 180) .
(16) شرح البدخشي 1 / 89، والتلويح 1 / 207، وجمع الجوامع 1 / 187 وما بعدها، والقواعد والفوائد الأصولية لابن اللحام ص 70، 71، مطبعة أنصار السنة، والفروق للقرافي 2 / 75 وما بعدها ط دار المعرفة بيروت، والبدائع 1 / 95، والمهذب 1 / 60 والمغني 1 / 395 ط الثالثة بمطبعة المنار.
(17) حديث أبو هريرة: " من أدرك. . . " متفق عليه (تلخيص الحبير 1 / 175)
(18) حديث أبي هريرة " إذا أدرك أحدكم. . . " رواه النسائي، وهذا لفظه (1 / 257) ط المكتبة التجارية، ورواه مسلم من حديث عائشة (1 / 424)
(19) ابن عابدين 1 / 242، ومنح الجليل 1 / 111، والمهذب 1 / 60، ونهاية المحتاج 1 / 360، 361، والدسوقي 1 / 182، والمغني 1 / 377، 378، ومنتهى الإرادات 1 / 136، ومراقي الفلاح 180 بحاشية الطحطاوي.
(20) بدائع الصنائع 2 / 96، 104، 118، وابن عابدين 2 / 28، والمغني 2 / 684 و 3 / 341، ومنتهى الإرادات 1 / 416، ونهاية المحتاج 3 / 229 والمهذب 1 / 147، 206
(21) حديث: " أفضل الصلاة. . . " رواه مسلم، وهذا لفظه (2 / 821) ط الحلبي، وأحمد (2 / 303، 329) ط الميمنية، وأبو داود (1 / 566) ط الحلبي.
(22) حديث: " صوم يوم عاشوراء. . . . " رواه مسلم وابن حبان من حديث أبي قتادة (تلخيص الحبير 2 / 213) .
(23) حديث عائشة: " من ثابر. . . " رواه النسائي وابن ماجه والترمذي، وقال الترمذي: غريب من هذا الوجه وقال النسائي: المغيرة بن زياد ليس بالقوي. وقال أحمد ضعيف. وأخرجه مسلم من حديث عنبسة بن أبي سفيان عن أم جيبة (تلخيص الحبير 2 / 12) .
(24) ابن عابدين 1 / 84، والبدائع 1 / 284 - 290، ونهاية المحتاج 3 / 124، ومنتهى الإرادات 1 / 461، والمغني 2 / 140، ومنح الجليل 1 / 210، 409، 563، والتلويح 1 / 125، وجمع الجوامع 1 / 90
(25) بدائع الصنائع 1 / 95، 96، والمهذب 1 / 60، 61، ومنح الجليل 1 / 111 - 114، والفروق للقرافي 2 / 137، والكافي 1 / 238، والدسوقي 1 / 185، 186 ط دار الفكر، والمغني 1 / 373، 396، 397، نشر مكتبة الرياض الحديثة.
(26) متفق عليه (تلخيص الحبير 1 / 217 و 2 / 122)
(27) أخرجه البخاري والنسائي (تلخيص الحبير 1 / 225)
(28) المغني 4 / 143 ط الرياض، والمهذب 1 / 108 ط دار المعرفة بيروت، ومنح الجليل 1 / 165، 166، والدسوقي 1 / 257 وما بعدها والبدائع 1 / 106
(29) سورة الحج / 78
(30) المهذب 1 / 185 ومنتهى الإرادات 1 / 443 ط دار الفكر، ومنح الجليل 1 / 392، والدسوقي 1 / 516، وابن عابدين 2 / 123 ط الثالثة.
(31) المهذب 1 / 203، ومنتهى الإرادات 2 / 2، والكافي 1 / 356 ط مكتبة الرياض، والبدائع 2 / 118
(32) سورة آل عمران / 97
(33) المغني 2 / 622، ومنح الجليل 1 / 344، والمهذب 1 / 147، وبدائع الصنائع 2 / 4، 5
(34) البدائع 5 / 97، والكافي 1 / 454، ونهاية المحتاج 8 / 174، والمهذب 2 / 116، والمغني 7 / 381
(35) سورة الإسراء / 78
(36) سورة البقرة / 85
(37) أخرجه الطبراني والبزار من حديث ابن مسعود وفي إسناده محمد بن ذكوان وهو ضعيف (تلخيص الحبير 2 / 163)
(38) ابن عابدين 2 / 27، والبدائع 2 / 40، 50 و 5 / 97، ونهاية المحتاج 3 / 139 و 8 / 171، 172، والحطاب 4 / 275، ومنح الجليل 1 / 333، والكافي 1 / 303 وشرح. منتهى الإرادات 3 / 428 و 1 / 422، والمغني 9 / 30
(39) أخرجه عبد الرزاق عن ابن عمر موقوفا (الدراية 1 / 283) ، وذكره مالك بلاغا من قول ابن عمر كذلك (الموطأ بتحقيق محمد عبد الباقي 1 / 303)
(40) البدائع 2 / 212 ط شركة. المطبوعات العلمية، وابن عابدين 1 / 514 و 2 / 121 - 130 و 5 / 96 ط بولاق ثالثة، والحطاب 2 / 543، 544 نشر مكتبة النجاح، والفروق 2 / 205، 3 / 188،. وكشف الأسرار 1 / 150
(41) متفق عليه من حديث عائشة (تلخيص الحبير 2 / 209)
(42) نهاية المحتاج 3 / 184 - 187
(43) حديث ابن عباس: " جاءت امرأة. . . أخرجه مسلم (2 / 804 تحقيق محمد عبد الباقي) ورواه البخاري ببعض اختلاف في ألفاظه 3 / 44 ط محمد علي صبيح.
(44) شرح منتهى الإرادات 1 / 121، 417، 418، 457، 458، والمغني 9 / 31
(45) حديث ابن عباس: " إن امرأة من خثعم. . . " أخرجه مسلم (2 / 973) ، وهذا لفظه، وأخرجه البخاري (تلخيص الحبير 2 / 224)
(46) حديث: " أرايتك لو كان على أبيك دين. . . " أخرجه أحمد 6 / 429
(47) البدائع 2 / 212، وابن عابدين 2 / 244،245، 247
(48) المغني 3 / 227 - 230، والمهذب 1 / 206، ومغني المحتاج 1 / 469
(49) منح الجليل 1 / 449 - 455، والدسوقي 2 / 17، 18
(50) البدائع 2 / 212 و 5 / 96، وابن عابدين 4 / 244 وما بعدها ومغني المحتاج 1 / 469 و 4 / 364، والمغني 3 / 227 وما بعدها.
(51) ابن عابدين 1 / 515 و 2 / 244، والمغني 3 / 230، والمهذب 1 / 306، ومنح الجليل 1 / 449
(52) أخرجه مسلم 2 / 805 عيسى الحلبي.
(53) حديث: " إن أختي نذرت. . . " أخرجه البخاري 8 / 177 ط محمد علي صبيح.
(54) ابن عابدين 1 / 514، 515 و 2 / 245، والمغني 3 / 241 - 243، ومغني المحتاج 1 / 468، والمهذب 1 / 206، ومنح الجليل 1 / 451
(55) البدائع 2 / 103، 212، وابن عابدين 1 / 514، 515 و 2 / 121، والدسوقي 1 / 263 و 4 / 442، ومنح الجليل 1 / 451، ونهاية المحتاج 3 / 151، والمهذب 1 / 61، 182، 206، 250، ومنتهى الإرادات 1 / 417، 2 / 4، والمغني 3 / 242
(56) لم نجده بهذا اللفظ، وقد أخرجه بألفاظ مقاربة أحمد في مسنده 6 / 315 ط الميمنية، وابن حبان في صحيحه (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان 3 / 80 - 82 ط المكتبة السلفية بالمدينة) ، والبيهقي في " سننه " 2 / 484، 485 ط 2 بدائرة المعارف العثمانية. قال الهيثمي " رجال أحمد رجال الصحيح " (مجمع الزوائد 2 / 224) ط القدسي.
(57) رواه بالمعنى مسلم (1 / 471، نشر محمد عبد الباقي) وأبو داود من حديث أبي هريرة، في قصة التعريس في الوادي، وابن خزيمة وابن حبان والحاكم (الدراية في تخريج أحاديث الهداية ص 118)
(58) بدائع الصنائع 1 / 287، ومنح الجليل 1 / 210، والدسوقي 1 / 319
(59) المغني 2 / 128 ومنتهى الإرادات 1 / 230 والمهذب 1 / 91
(60) ذكره بهذا اللفظ صاحب المهذب (1 / 91) وفي كتب الحديث " من نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها. . . " رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي. الفتح الكبير (3 / 242)
(61) ابن عابدين 1 / 474 ومنح الجليل 1 / 210 والمجموع شرح المهذب 4 / 41،42 ط المنيرية والمغني 2 / 128
(62) البدائع 1 / 287 وابن عابدين 1 / 463 والشرح الصغير 1 / 408 ومنتهى الإرادات 1 / 461 والمهذب 1 / 195
(63) سورة البقرة / 43
(64) سورة البقرة / 216
(65) أخرجه البخاري 1 / 10 ط محمد علي صبيح، ومسلم باختلاف يسير في ألفاظه 1 / 45 بتحقيق محمد عبد الباقي.
(66) الاختيار 1 / 103 والبدائع 1 / 141، 311، والمهذب 1 / 58، 62، 125، 183 و 2 / 228 ومنتهى الإرادات 1 / 117، 122، 305، 336، ومنح الجليل 1 / 117، 710 والتلويح على التوضيح 2 / 124، وشرح البدخشي 1 / 47، وابن عابدين 1 / 72 والشرح الصغير 1 / 246
(67) جمع الجوامع 1 / من 100الى 105 ط مصطفى الحلبي الثانية، والبدخشي من 1 / 57 إلى 60 وما بعدها ط صبيح، ومسلم الثبوت 1 / 120، 393، والتلويح 2 / 122
(68) الفروق للقرافي 2 / 50 وما بعدها، وهامش الفروق 2 / 78 ط دار المعرفة بيروت.
(69) سورة الطلاق / 2
(70) سورة البقرة / 282
(71) سورة البقرة / 283
(72) أخرجه البخاري (7 / 3 ط السلفية) .
(73) أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه (الفتح الكبير 3 / 243) ورواه البخاري بلفظ مقارب.
(74) حاشية ابن عابدين على الدر 4 / 387 ط بولاق الثالثة والبدائع 6 / 282 ط الجمالية ومغني المحتاج 4 / 451 ط مصطفى الحلبي والشرح الصغير 4 / 249 ط دار المعارف والمغني 9 / 147، 206 ط الرياض الحديثة والمهذب للشيرازي 2 / 323 وكشاف القناع 6 / 406 ط الرياض والدسوقي 4 / 175
(75) سورة البقرة / 282
(76) أخرجه مالك في الموطأ مرسلا، وأخرجه ابن ماجه عن ابن عباس وعبادة بن الصامت وأخرجه الحاكم في مستدركه والبيهقي والدارقطني (الأشباه والنظائر للسيوطي ص 75، 76) ط التجارية وقال المناوي في فيض القدير (6 / 432) ط التجارية: " قال الهيثمي رجاله ثقات وقال النووي في الأذكار هو حسن ".
(77) مغني المحتاج 4 / 451، ومنتهى الإرادات 3 / 535 والشرح الصغير 4 / 285
(78) البدائع 6 / 273، والهداية 3 / 118، والشرح الصغير 2 / 348 ط الحلبي، والمغني 9 / 216، ومغني المحتاج 4 / 453
(79) بدائع الصنائع 7 / 174، والأشباه لابن نجيم 2 / 209 والأشباه للسيوطي ص 329، وكشاف اصطلاحات الفنون 2 / 502، وابن عابدين 4 / 176 و 3 / 323 والمغني 4 / 93، وما بعدها.
(80) سورة البقرة / 283
(81) حديث: " مطل الغني ظلم " أخرجه البخاري 3 / 117 ط محمد علي صبيح، ومسلم (3 / 1197 تحقيق محمد عبد الباقي) .
(82) القرطبي 3 / 415، والقواعد والفوائد الأصولية ص 182 وابن عابدين 2 / 6، والمهذب 1 / 311، ومنح الجليل 3 / 112، والحطاب 5 / 39، وكفاية الطالب 2 / 290، والمغني 4 / 481
(83) كشف الأسرار 1 / 160، والتلويح 1 / 168، والبدائع 7 / 150، 395، 396، والمغني 4 / 352 والدسوقي 3 / 226، والمهذب 1 / 311
(84) حديث: " استسلف من رجل. . " أخرجه مسلم 3 / 1224 بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي. وهذا لفظه. وهو في الصحيحين بمعناه من حديث أبي هريرة (تلخيص الحبير 3 / 34)
(85) البدائع 7 / 395، والمغني 4 / 356، والدسوقي 3 / 227، والمهذب 1 / 311
(86) ابن عابدين 4 / 521، 14، 251، 263، والبدائع 6 / 11، 15، و 7 / 295 والشرح الصغير 4 / 290 والمهذب 1 / 455 و 2 / 15 والمغني 4 / 577 وما بعدها إلى 606
(87) حديث: " لي الواجد. . . " أخرجه أبو داود 3 / 426) نشر المكتبة التجارية 1369 هـ، وابن ماجه 2 / 811) ط عيسى البابي الحلبي 1373 هـ تحقيق محمد عبد الباقي وأحمد 4 / 222
(88) حديث: " بيع مال معاذ) أخرجه الدارقطني والحاكم بلفظ: أنه ﷺ حجر على معاذ وباع عليه ما له، ورواه البيهقي بلفظ مقارب، قال ابن الطلاع في الأحكام: هو حديث ثابت (تلخيص الحبير 3 / 37)
(89) أثر: " بيع مال أسيفع " أخرجه مالك في الموطأ بسند منقطع ووصله الدارقطني في العلل ورواه ابن أبي شيبة والبيهقي وعبد الرزاق (تلخيص الحبير 3 / 40، 41 وكنز العمال 6 / 253 ط حلب.
(90) سورة البقرة / 280
(91) البدائع 7 / 173 ط الجمالية والاختيار 2 / 96، 98 ط دار المعرفة بيروت، والحطاب 5 / 44، 48، والدسوقي 3 / 270، ومغني المحتاج 2 / 146، 147، وقليوبي 4 / 324 و 3 / 197 والمغني 4 / 484 إلى 495
(92) قليوبي 3 / 197، والمغني 2 / 667، والاختيار 1 / 119
(93) ذكره صاحب الاختبار لتعليل المختار 5 / 86، ولم نجده بلفظه في مظانه من كتب الحديث، وأخرج الإمام أحمد والنسائي والطبراني والحاكم وأبو نعيم في المعرفة حديثا بمعناه، وهو أن رسول الله ﷺ قال: في الدين: " والذي نفسي بيده لو أن رجلا قتل في سبيل الله ثم أحيي، ثم قتل ثم أحيي، ثم قتل وعليه دين ما دخل الجنة حتى يقضى عنه دينه ". (كنز العمال 6 / 245 نشر مكتبة التراث الإسلامي بحلب 1397هـ) .
(94) سورة النساء / 11
(95) قليوبي 1 / 344، والشرح الصغير 4 / 618 ط دار المعارف والاختيار 5 / 85، 86، والمغني 4 / 502، وحديث: " نفس المؤمن معلقة " أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن 3 / 389، 390 برقم 1079 ط الحلبي، وابن ماجه 2 / 806 برقم 413 ط الحلبي واللفظ لهما، وأخرجه أحمد (2 / 440، 475 ط الميمنية) والدارمي (2 / 262 ط محمد أحمد دهمان) .
(96)
(97) كشاف اصطلاحات الفنون 1 / 102، 103 ط بيروت عن طبعة الهند، والنشر في القراءات العشر ص 210 وما بعدها ط مصطفى محمد.
(98) الزمر / 28
الموسوعة الفقهية الكويتية: 327/ 2
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".