المحسن
كلمة (المحسن) في اللغة اسم فاعل من الإحسان، وهو إما بمعنى إحسان...
الْعُشْبُ رَطْبًا كَانَ، أَوْ يَابِسًا . ومن شواهده حديث أبي خراش عن رجل من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - قال : قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم : " المسلمون شركاء في ثلاث الماء، والكلأ، والنار ." أحمد :22573.
الْعُشْبُ رَطْبًا كَانَ، أَوْ يَابِسًا.
التَّعْرِيفُ:
1 - يُطْلَقُ الْكَلأَُ فِي اللُّغَةِ عَلَى مَعَانٍ مِنْهَا:
الْعُشْبُ رَطْبًا كَانَ أَمْ يَابِسًا، وَالْجَمْعُ أَكْلاَءٌ مِثْل سَبَبٍ وَأَسْبَابٍ، يُقَال: مَكَانٌ مُكْلِئٌ: فِيهِ كَلأٌَ (1) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ قَال الْكَاسَانِيُّ: الْكَلأَُ حَشِيشٌ يَنْبُتُ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ الْعَبْدِ (2) .
وَقَال ابْنُ عَابِدِينَ: هُوَ مَا يَنْبَسِطُ وَيَنْتَشِرُ وَلاَ سَاقَ لَهُ كَالإِْذْخِرِ وَنَحْوِهِ (3) ، وَقَال الدَّرْدِيرُ: الْكَلأَُ: الْعُشْبُ (4) .
حُكْمُ الاِنْتِفَاعِ بِالْكَلأَِ:
2 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ مَا نَبَتَ مِنَ الْكَلأَِ فِي الأَْمَاكِنِ الْمُبَاحَةِ كَالأَْوْدِيَةِ، وَالْجِبَال وَالأَْرَاضِي الَّتِي لاَ مَالِكَ لَهَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَ النَّاسِ، وَلاَ يُمْنَعُ أَحَدٌ مِنْ أَخْذِ كَلَئِهَا وَلاَ رَعْيِ مَاشِيَتِهِ فِيهَا (5) ، لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلاَثٍ: الْمَاءِ، وَالنَّارِ، وَالْكَلأَِ (6) .
وَقَال ﵊: ثَلاَثٌ لاَ يُمْنَعْنَ: الْمَاءُ وَالْكَلأَُ وَالنَّارُ (7) .
وَالْحَدِيثَانِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّاسَ شُرَكَاءُ فِي هَذِهِ الثَّلاَثِ، وَهُوَ إِجْمَاعٌ فِي الْكَلأَِ النَّابِتِ فِي أَرْضٍ مُبَاحَةٍ لاَ مَالِكَ لَهَا، وَفِي الْجِبَال وَالأَْوْدِيَةِ، وَعَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لأَِحَدٍ مِنْ عَامَّةِ النَّاسِ أَنْ يَحْمِيَهُ لِنَفْسِهِ، وَيَمْنَعَ غَيْرَهُ مِنْ أَخْذِهِ أَوْ رَعْيِ مَاشِيَتِهِ (8) ، أَمَّا النَّابِتُ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ أَوْ مُحَجَّرَةٍ فَفِي جَوَازِ حِمَاهُ خِلاَفٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ:
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: مَا نَبَتَ - أَيْ مِنَ الْكَلأَِ - فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ بِلاَ إِنْبَاتِ صَاحِبِهَا حُكْمُهُ كَمَا سَبَقَ، أَيْ لاَ يُمْنَعُ أَحَدٌ مِنَ الأَْخَذِ مِنْهُ وَلاَ رَعْيُ مَاشِيَتِهِ فِيهِ، إِلاَّ أَنَّ لِرَبِّ الأَْرْضِ الْمَنْعَ مِنَ الدُّخُول فِي أَرْضِهِ (9) ، قَال الْكَاسَانِيُّ: لَوْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَدْخُل مِلْكَ غَيْرِهِ لاِحْتِشَاشِ الْكَلأَِ فَإِذَا كَانَ يَجِدُهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَلِصَاحِبِ الأَْرْضِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنَ الدُّخُول وَإِنْ كَانَ لاَ يَجِدُهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ.
يُقَال لِصَاحِبِ الأَْرْضِ: إِمَّا أَنْ تَأْذَنَ لَهُ بِالدُّخُول وَإِمَّا أَنْ تَحُشَّ بِنَفْسِكَ فَتَدْفَعَهُ إِلَيْهِ (10) .
وَقَال ابْنُ عَابِدِينَ: إِذَا احْتَشَّ مَالِكٌ آخَرُ الْكَلأََ الَّذِي نَبَتَ فِي أَرْضِهِ دُونَ إِنْبَاتٍ كَانَ أَنْبَتَهُ فِي أَرْضِهِ فَهُوَ مِلْكٌ لَهُ، وَلَيْسَ لأَِحَدٍ أَخْذُهُ بِوَجْهٍ لِحُصُولِهِ بِكَسْبِهِ (11) .
وَفِي كِتَابِ الْخَرَاجِ لأَِبِي يُوسُفَ: وَلَوْ أَنَّ أَهْل قَرْيَةٍ لَهُمْ مُرُوجٌ يَرْعَوْنَ فِيهَا، وَيَحْتَطِبُونَ مِنْهَا، وَقَدْ عُرِفَ أَنَّهَا لَهُمْ فَهِيَ لَهُمْ عَلَى حَالِهَا، يَتَبَايَعُونَهَا، وَيَتَوَارَثُونَهَا، وَيُحْدِثُونَ فِيهَا مَا يُحْدِثُ الرَّجُل فِي مِلْكِهِ، وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوا الْكَلأََ وَلاَ الْمَاءَ، وَلأَِصْحَابِ الْمَوَاشِي أَنْ يَرْعَوْا فِي تِلْكَ الْمُرُوجِ وَيَسْتَقُوا مِنْ تِلْكَ الْمِيَاهِ، وَلَيْسَتِ الآْجَامُ كَالْمُرُوجِ، فَلَيْسَ لأَِحَدٍ أَنْ يَحْتَطِبَ مِنْ أَجَمَةِ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِهِ، وَلَوْ أَنَّ صَاحِبَ بَقَرٍ رَعَى بَقَرَهُ فِي أَجَمَةِ غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَضَمِنَ مَا رَعَى وَأَفْسَدَ.
وَالْكَلأَُ لاَ يُبَاعُ وَلاَ يُدْفَعُ مُعَامَلَةً. ثُمَّ قَال: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لأَِهْل هَذِهِ الْقَرْيَةِ الَّذِينَ تَكُونُ لَهُمْ هَذِهِ الْمُرُوجُ، وَفِي مِلْكِهِمْ مَوْضِعُ مَسْرَحٍ وَمَرْعًى لِدَوَابِّهِمْ وَمَوَاشِيهِمْ غَيْرِ هَذِهِ الْمُرُوجِ، وَكَانُوا مَتَى أَذِنُوا لِلنَّاسِ فِي رَعْيِ هَذِهِ الْمُرُوجِ أَضَرَّ ذَلِكَ بِهِمْ وَبِمَوَاشِيهِمْ وَدَوَابِّهِمْ كَانَ لَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوا كُل مَنْ أَرَادَ أَنْ يَرْعَى أَوْ يَحْتَطِبَ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ لَهُمْ مَرْعًى وَمَوْضِعُ احْتِطَابٍ حَوْلَهُمْ لَيْسَ لَهُ مَالِكٌ فَإِنَّهُ لاَ يَنْبَغِي لَهُمْ وَلاَ يَحِل لَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوا الاِحْتِطَابَ وَالرَّعْيَ مِنَ النَّاسِ (12) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لاَ يَمْنَعُ مَالِكُ أَرْضٍ تَرَكَهَا اسْتِغْنَاءً عَنْهَا وَلَمْ يُبَوِّرْهَا لِلرَّعْيِ مِنْ رَعْيِ كَلأٍَ لَمْ يَزْرَعْهُ فِيهَا، وَلاَ يَمْنَعُ رَعْيَ كَلأٍَ نَبَتَ فِي أَرْضٍ لَهُ لاَ تَقْبَل الزَّرْعَ، وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُ مَنْ يُرِيدُ رَعْيَ مَاشِيَتِهِ مِنْ هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ، وَمَحَل عَدَمِ مَنْعِهِمَا، حَيْثُ لَمْ يَكْتَنِفْهُ زَرْعٌ لَهُ يَخْشَى أَنْ تُفْسِدَهُ الْمَوَاشِي، فَإِنِ اكْتَنَفَهُ فَلَهُ مَنْعُهُ، وَلَهُ مَنْعُ كَلأَِ مَرْجِ دَوَابِّهِ مِنْ أَرْضٍ يَمْلِكُهَا.
وَحِمَاهُ الَّذِي بَوَّرَهُ مِنْ أَرْضِهِ لِلْمَرْعَى، لَهُ مَنْعُ غَيْرِهِ مِنْ رَعْيِ كَلأَِ هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ، وَبَيْعِهِ، هَذَا وَمَا قَبْلَهُ فِي الأَْرْضِ الْمَمْلُوكَةِ لَهُ، أَمَّا غَيْرُهَا كَالْفَيَافِي، فَقَال ابْنُ رُشْدٍ: النَّاسُ فِيهِ سَوَاءٌ اتِّفَاقًا (13) .
وَإِنْ سَبَقَ شَخْصٌ إِلَى مَوْضِعٍ فِيهِ كَلأٌَ وَقَصَدَهُ مِنْ بُعْدٍ، فَتَرَكَهُ وَرَعَى مَا حَوْلَهُ فَهَل لَهُ أَنْ يَمْنَعَ غَيْرَهُ مِنَ الرَّعْيِ فِيهِ؟ قَال الْمَالِكِيَّةُ فِيهِ ثَلاَثَةُ أَقْوَالٍ:
لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ، قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ.
وَفِي قَوْلٍ: يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ.
وَفِي قَوْلٍ: إِنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي الْمَوْضِعِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ.
قَال الزُّرْقَانِيُّ: وَهُوَ أَعْدَل الأَْقْوَال وَأَوْلاَهَا بِالصَّوَابِ: لأَِنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى الْمُقَامِ عَلَى الْمَاءِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي ذَلِكَ مَرْعًى فَتَذْهَبُ نَفَقَتُهُ فِي الْبِئْرِ بَاطِلاً (14) .
مَا يُحْمَى مِنْ مَوَاضِعِ الْكَلأَِ:
3 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَهُوَ الأَْظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (15) إِلَى أَنَّ لِلإِْمَامِ أَنْ يَحْمِيَ بُقْعَةَ مَوَاتٍ لِرَعْيِ نَعَمِ جِزْيَةٍ وَصَدَقَةٍ وَضَالَّةٍ وَضَعِيفٍ عَنِ النُّجْعَةِ بِأَنْ يَمْنَعَ النَّاسَ مِنْ رَعْيِ مَا حَمَاهُ بِحَيْثُ لاَ يَضُرُّهُمْ، أَنْ يَكُونَ قَلِيلاً مِنْ كَثِيرٍ تَكْفِي بَقِيَّتُهُ النَّاسَ، لأَِنَّهُ ﷺ حَمَا النَّقِيعَ لِخَيْل الْمُسْلِمِينَ (16) .
وَمُقَابِل الأَْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: الْمَنْعُ لِخَبَرِ: 00 لاَ حِمَى إِلاَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ (17) وَفِي شُرُوطِ الْجَوَازِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَسَائِل الْحِمَى تَفْصِيلٌ فِي مُصْطَلَحِ (حِمًى ف 6 وَمَا بَعْدَهَا) .
رَعْيُ نَبَاتِ الْحَرَمِ:
4 - يَجُوزُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ رَعْيُ حَشِيشِ الْحَرَمِ وَكَلَئِهِ لأَِنَّ الْهَدَايَا كَانَتْ تُسَاقُ فِي عَصْرِهِ ﷺ وَأَصْحَابِهِ ﵃، وَمَا كَانَتْ تُسَدُّ أَفْوَاهُهَا فِي الْحَرَمِ.
وَلِلتَّفْصِيل (ر: حَرَمٌ. ف 10 - 12) .
__________
(1) لسان العرب، والمصباح المنير، وسبل السلام 3 / 86.
(2) بدائع الصنائع 6 / 193.
(3) حاشية ابن عابدين 5 / 283.
(4) الشرح الكبير 4 / 70 هامش حاشية الدسوقي.
(5) ابن عابدين 5 / 283، والمغني 5 / 580، وشرح الزرقاني 7 / 74.
(6) حديث: " المسلمون شركاء في ثلاث: الماء. . . ". أخرجه أبو داود (3 / 751) من حديث رجل من المهاجرين.
(7) حديث: " ثلاث لا يمنعن: الماء. . . ". أخرجه ابن ماجه (2 / 826) من حديث أبي هريرة، وصحح إسناده ابن حجر في التلخيص (3 / 65) .
(8) ابن عابدين 5 / 283، وسبل السلام 3 / 84 - 86، ونيل الأوطار 6 / 48 - 50، والمغني 5 / 580، وشرح الزرقاني 7 / 74، ومغني المحتاج 2 / 368.
(9) ابن عابدين 5 / 283.
(10) بدائع الصنائع 6 / 193.
(11) ابن عابدين 5 / 283.
(12) كتاب الخراج لأبي يوسف ص 102 - 104.
(13) شرح الزرقاني 7 / 74.
(14) شرح الزرقاني 7 / 74.
(15) الرتاج 1 / 696 - 699، وعمدة القاري 12 / 212 وما بعدها، والزرقاني 7 / 67، ومغني المحتاج 2 / 368، والمغني 5 / 585 وما بعدها.
(16) حديث أن رسول الله ﷺ " حمى النقيع. . . ". أخرجه البيهقي في سننه (6 / 146) من حديث ابن عمر، وضعفه ابن حجر في فتح الباري (5 / 45) .
(17) حديث: " لا حمى إلا لله ورسوله " أخرجه البخاري (فتح الباري 5 / 44) من حديث الصعب بن جثامة.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 106/ 35