القهار
كلمة (القهّار) في اللغة صيغة مبالغة من القهر، ومعناه الإجبار،...
أن يخرج الرجل من المسلمين، إلى الرجل من الكافرين بين الصفين، ليقاتل كل واحد منهما صاحبه . ومن شواهده ما روى أشهب عن مالك : "سئل عن الرجل بين الصفين يدعو إلى المبارزة، وقال : إن صحت نيته، فلا بأس ".
أن يخرج الرجل من المسلمين، إلى الرجل من الكافرين بين الصفين، ليقاتل كل واحد منهما صاحبه.
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمُبَارَزَةُ فِي اللُّغَةِ: مُفَاعَلَةٌ مِنْ بَرَزَ، يُقَال بَرَزَ الرَّجُل بُرُوزًا: أَيْ خَرَجَ إِلَى الْبَرَازِ أَيِ الْفَضَاءِ، وَظَهَرَ بَعْدَ الْخَفَاءِ، وَبَرَزَ لَهُ: انْفَرَدَ عَنْ جَمَاعَتِهِ لِيُنَازِلَهُ. وَيُقَال: بَارَزَهُ مُبَارَزَةً وَبِرَازًا: بَرَزَ إِلَيْهِ وَنَازَلَهُ (1) .
وَالْمُبَارَزَةُ فِي الاِصْطِلاَحِ: ظُهُورُ اثْنَيْنِ مِنَ الصَّفَّيْنِ لِلْقِتَال (2) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْجِهَادُ:
2 - الْجِهَادُ مَصْدَرُ جَاهَدَ، يُقَال: جَاهَدَ الْعَدُوَّ جِهَادًا وَمُجَاهَدَةً: قَاتَلَهُ، وَهُوَ مِنَ الْجَهْدِ (3) .
وَالْجِهَادُ فِي الاِصْطِلاَحِ: قِتَال مُسْلِمٍ كَافِرًا غَيْرَ ذِي عَهْدٍ بَعْدَ دَعْوَتِهِ لِلإِْسْلاَمِ وَإِبَائِهِ، إِعْلاَءً لِكَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى (4) . وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمُبَارَزَةِ وَالْجِهَادِ أَنَّ الْمُبَارَزَةَ - غَالِبًا - تَكُونُ بَيْنَ وَاحِدٍ أَوْ أَفْرَادٍ مُعَيَّنِينَ مَحْصُورِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَمِثْلِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ، أَمَّا الْجِهَادُ فَإِنَّهُ يَكُونُ بَيْنَ جَيْشِ الْمُسْلِمِينَ وَجَيْشِ الْكُفَّارِ دُونَ تَعْيِينٍ أَوْ حَصْرٍ لِفَرْدٍ أَوْ أَفْرَادٍ مِنَ الْجَيْشَيْنِ، فَالْجِهَادُ أَعَمُّ مِنَ الْمُبَارَزَةِ.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
3 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الْمُبَارَزَةَ فِي الْجِهَادِ مَشْرُوعَةٌ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِفِعْل النَّبِيِّ ﷺ يَوْمَ أُحُدٍ، فَقَدْ دَعَا أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ رَسُول اللَّهِ ﷺ إِلَى الْبِرَازِ فَبَرَزَ إِلَيْهِ فَقَتَلَهُ (5) .
كَمَا اسْتَدَلُّوا بِإِقْرَارِهِ - ﷺ - أَصْحَابَهُ عَلَيْهَا وَنَدْبِهِمْ لَهَا (6) ، فَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ﵁ أَنَّهُ قَال عَنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ: بَرَزَ عُتْبَةُ وَأَخُوهُ وَابْنُهُ الْوَلِيدُ حَمِيَّةً، وَقَالُوا: مَنْ يُبَارِزُ؟ فَخَرَجَ فِتْيَةٌ مِنَ الأَْنْصَارِ سِتَّةٌ فَقَال عُتْبَةُ: لاَ نُرِيدُ هَؤُلاَءِ، وَلَكِنْ يُبَارِزُنَا مِنْ بَنِي عَمِّنَا مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. فَقَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: قُمْ يَا عَلِيُّ، وَقُمْ يَا حَمْزَةُ، وَقُمْ يَا عُبَيْدَةُ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطَّلِبِ، فَقَتَل اللَّهُ تَعَالَى عُتْبَةَ وَشَيْبَةَ ابْنَيْ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ، وَجُرِحَ عُبَيْدَةُ، فَقَتَلْنَا مِنْهُمْ سَبْعِينَ، وَأَسَرْنَا سَبْعِينَ (7) .
وَقَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَلَمْ يَزَل أَصْحَابُ النَّبِيِّ ﷺ يُبَارِزُونَ فِي عَصْرِهِ وَبَعْدَهُ وَلَمْ يُنْكِرْهُ مُنْكِرٌ، فَكَانَ ذَلِكَ إِجْمَاعًا (8) .
وَذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الْمُبَارَزَةَ فِي الأَْصْل جَائِزَةٌ، وَقَيَّدَ بَعْضُهُمُ الْجَوَازَ بِإِذْنِ الإِْمَامِ مُطْلَقًا، أَوْ بِإِذْنِ الإِْمَامِ الْعَدْل، أَوْ بِإِذْنِ الإِْمَامِ إِنْ أَمْكَنَ أَوْ إِنْ كَانَ لَهُ رَأْيٌ، كَمَا قَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِقُوَّةِ الْمُسْلِمِ الَّذِي يَخْرُجُ إِلَيْهَا وَقُدْرَتِهِ عَلَيْهَا، وَبِكَوْنِهِ لَمْ يَطْلُبْهَا.
وَنَقَل ابْنُ قُدَامَةَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ لَمْ يَعْرِفِ الْمُبَارَزَةَ، وَكَرِهَهَا (9) .
وَمَعَ ذَلِكَ قَدْ تُنْدَبُ الْمُبَارَزَةُ أَوْ تُكْرَهُ أَوْ تَحْرُمُ. عَلَى تَفْصِيلٍ يَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
إِذْنُ الإِْمَامِ فِي الْمُبَارَزَةِ:
4 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ إِذْنَ الإِْمَامِ أَوْ أَمِيرِ الْجَيْشِ فِي الْمُبَارَزَةِ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا، وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ: فَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ الْمُبَارَزَةَ تَجُوزُ، وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ إِذْنَ الإِْمَامِ الْعَدْل، وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ غَيْرُهُمْ، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ: إِنْ دَعَا الْعَدُوُّ لِلْمُبَارَزَةِ فَأَكْرَهُ أَنْ يُبَارِزَهُ أَحَدٌ إِلاَّ بِإِذْنِ الإِْمَامِ الْعَدْل وَاجْتِهَادِهِ، وَقَال ابْنُ وَهْبٍ: لاَ يَجُوزُ أَنْ يُبَارِزَ إِلاَّ بِإِذْنِ الإِْمَامِ إِنْ كَانَ عَدْلاً، وَقَال ابْنُ رُشْدٍ: إِنَّ الإِْمَامَ إِذَا كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ لَمْ يَلْزَمِ اسْتِئْذَانُهُ فِي مُبَارَزَةٍ وَلاَ قِتَالٍ إِذْ قَدْ يَنْهَاهُ عَنْ غُرَّةٍ قَدْ تَبَيَّنَتْ لَهُ فَيَلْزَمُ طَاعَتُهُ، فَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ الْعَدْل مِنْ غَيْرِ الْعَدْل فِي الاِسْتِئْذَانِ لاَ فِي طَاعَتِهِ إِذَا أَمَرَ بِشَيْءٍ أَوْ نَهَى عَنْهُ؛ لأَِنَّ الطَّاعَةَ لِلإِْمَامِ مِنْ فَرَائِضِ الْغَزْوِ، فَوَاجِبٌ عَلَى الرَّجُل طَاعَةُ الإِْمَامِ فِيمَا أَحَبَّ أَوْ كَرِهَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ، مَا لَمْ يَأْمُرْهُ بِمَعْصِيَةٍ (10) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ إِذْنَ الإِْمَامِ أَوْ أَمِيرِ الْجَيْشِ فِي الْمُبَارَزَةِ شَرْطٌ فِي اسْتِحْبَابِهَا؛ لأَِنَّ لِلإِْمَامِ أَوْ أَمِيرِ الْجَيْشِ نَظَرًا فِي تَعْيِينِ الأَْبْطَال، وَالاِسْتِحْبَابُ حِينَئِذٍ إِنْ كَانَ الْكَافِرُ قَدْ طَلَبَ الْمُبَارَزَةَ؛ لِمَا فِي تَرْكِهَا مِنَ الضَّعْفِ لِلْمُسْلِمَيْنِ وَالتَّقْوِيَةِ لِلْكَافِرَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَطْلُبِ الْكُفَّارُ الْمُبَارَزَةَ كَانَ إِذْنُ الإِْمَامِ أَوْ أَمِيرِ الْجَيْشِ شَرْطًا فِي إِبَاحَتِهَا، فَإِنْ لَمْ يُؤْذَنْ مِنْ أَيِّهِمَا فِي الْمُبَارَزَةِ جَازَتْ مَعَ الْكَرَاهَةِ (11) . وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ الْمُجَاهِدَ لاَ يُبَارِزُ عِلْجًا إِلاَّ بِإِذْنِ الأَْمِيرِ؛ لأَِنَّهُ أَعْلَمُ بِحَال النَّاسِ وَحَال الْعَدُوِّ وَمَكَامِنِهِمْ وَقُوَّتِهِمْ، فَإِنْ بَارَزَ بِغَيْرِ إِذْنٍ فَقَدْ يَكُونُ ضَعِيفًا لاَ يَقْوَى عَلَى مُبَارَزَةِ مَنْ لاَ يُطِيقُهُ فَيَظْفَرُ بِهِ الْعَدُوُّ، فَتَنْكَسِرُ قُلُوبُ الْمُسْلِمِينَ، بِخِلاَفِ مَا إِذَا أَذِنَ لَهُ، فَإِنَّهُ لاَ يَكُونُ إِلاَّ مَعَ انْتِفَاءِ الْمَفَاسِدِ؛ إِذْ إِنَّ الأَْمِيرَ يَخْتَارُ لِلْمُبَارَزَةِ مَنْ يَرْضَاهُ لَهَا، فَيَكُونُ أَقْرَبَ إِلَى الظَّفَرِ وَجَبْرِ قُلُوبِ الْمُسْلِمِينَ وَكَسْرِ قُلُوبِ الْمُشْرِكِينَ.
وَقَيَّدَ بَعْضُهُمُ اشْتِرَاطَ الإِْذْنِ بِأَنْ يَكُونَ مُمْكِنًا.
وَقَال بَعْضُهُمْ: إِنْ كَانَ الأَْمِيرُ لاَ رَأْيَ لَهُ فُعِلَتِ الْمُبَارَزَةُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ.
وَإِذْنُ الإِْمَامِ يُعْتَبَرُ فِي الْمُبَارَزَةِ قَبْل الْتِحَامِ الْحَرْبِ؛ لأَِنَّ قُلُوبَ الْمُسْلِمِينَ تَتَعَلَّقُ بِالْمُبَارِزِ وَتَرْتَقِبُ ظَفَرَهُ، بِخِلاَفِ الاِنْغِمَاسِ فِي الْكُفَّارِ فَلاَ يَتَوَقَّفُ عَلَى إِذْنٍ؛ لأَِنَّ مَنْ يَفْعَل ذَلِكَ يَطْلُبُ الشَّهَادَةَ وَلاَ يُتَرَقَّبُ مِنْهُ ظَفَرٌ وَلاَ مُقَاوَمَةٌ (12) .
طَلَبُ الْمُبَارَزَةِ وَالإِْجَابَةُ إِلَيْهَا:
5 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ إِجَابَةَ الْمُسْلِمِ لِطَلَبِ الْكَافِرِ الْمُبَارَزَةَ جَائِزَةٌ إِنْ كَانَ كُفْءَ الْكَافِرِ، وَقَال بَعْضُهُمْ: إِنَّهَا حِينَئِذٍ تَكُونُ مُسْتَحَبَّةً، وَقَيَّدَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ بِإِذْنِ الإِْمَامِ، وَلِكُلٍّ مِنَ الْفُقَهَاءِ تَفْصِيلٌ فِي الإِْجَابَةِ إِلَيْهَا أَوْ طَلَبِهَا ابْتِدَاءً.
قَال الْمَالِكِيَّةُ: الدَّعْوَةُ إِلَى الْمُبَارَزَةِ: جَائِزَةٌ، وَرَوَى أَشْهَبُ فِي الرَّجُل بَيْنَ الصَّفَّيْنِ يَدْعُو إِلَى الْمُبَارَزَةِ: لاَ بَأْسَ بِهِ إِنْ صَحَّتْ نِيَّتُهُ. قَال سُحْنُونٌ: وَوَثِقَ بِنَفْسِهِ خَوْفَ إِدْخَال الْوَهَنِ عَلَى النَّاسِ.
وَالإِْجَابَةُ إِلَى الْمُبَارَزَةِ عِنْدَهُمْ جَائِزَةٌ، عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانُهُ (13) .
قَال ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُل مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ عَلَى جَوَازِ الْمُبَارَزَةِ وَالدَّعْوَةِ إِلَيْهَا، وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ فِيهَا إِذْنَ الإِْمَامِ. وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ غَيْرُهُمْ (14) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: تُسْتَحَبُّ الإِْجَابَةُ إِلَى طَلَبِ الْمُبَارَزَةِ مِمَّنْ عَرَفَ مِنْ نَفْسِهِ الْقُوَّةَ وَالْجَرَاءَةَ، وَذَلِكَ بِإِذْنِ الإِْمَامِ؛ لأَِنَّ فِي تَرْكِهَا حِينَئِذٍ إِضْعَافًا لِلْمُسْلِمِينَ وَتَقْوِيَةً لِلْكَافِرِينَ. وَيَجُوزُ طَلَبُ الْمُبَارَزَةِ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهَا الْكَافِرُ، وَعَرَفَ مَنْ يَخْرُجُ إِلَيْهَا مِنْ نَفْسِهِ الْقُوَّةَ وَالْجَرَاءَةَ وَأَذِنَ لَهُ الإِْمَامُ. وَقَال الرَّمْلِيُّ: تَجُوزُ مِنْ غَيْرِ إِذْنِ الإِْمَامِ؛ لأَِنَّ التَّغْرِيرَ بِالنَّفْسِ فِي الْجِهَادِ جَائِزٌ. وَيُكْرَهُ طَلَبُ الْمُبَارَزَةِ وَالإِْجَابَةُ إِلَيْهَا مِمَّنْ لَمْ يَعْرِفْ مِنْ نَفْسِهِ الْقُدْرَةَ عَلَيْهَا وَبِغَيْرِ إِذْنِ الإِْمَامِ.
وَقَالُوا: تَحْرُمُ الْمُبَارَزَةُ عَلَى فَرْعٍ وَمَدِينٍ وَرَقِيقٍ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُمْ فِي خُصُوصِهَا، أَيْ أُذِنَ لَهُمْ فِي الْجِهَادِ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِالإِْذْنِ فِي الْمُبَارَزَةِ. وَنَقَل الشَّبْرَامُلُّسِيُّ عَنِ الْبُلْقِينِيِّ وَغَيْرِهِ فِي الْعَبْدِ وَالْفَرْعِ الْمَأْذُونِ لَهُمَا فِي الْجِهَادِ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ فِي الإِْذْنِ فِي الْبِرَازِ أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُمَا الْمُبَارَزَةُ ابْتِدَاءً وَإِجَابَةً، وَنُقِل عَنْ شَرْحِ الرَّوْضِ أَنَّ مِثْلَهُمَا فِيمَا يَظْهَرُ الْمَدِينُ، وَقَال: يُؤَيِّدُهُ مَا قَالُوهُ إِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ تَوَقِّي مَظَانِّ الشَّهَادَةِ.
وَنَقَل الرَّمْلِيُّ عَنِ الْمَاوَرْدِيِّ تَحْرِيمَ الْمُبَارَزَةِ عَلَى مَنْ يُؤَدِّي قَتْلُهُ إِلَى هَزِيمَةِ الْمُسْلِمِينَ.
وَقَال الْمَاوَرْدِيُّ: لِتَمْكِينِ الْمُبَارَزَةِ شَرْطَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ ذَا نَجْدَةٍ وَشَجَاعَةٍ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ لَنْ يَعْجِزَ عَنْ مُقَاوَمَةِ عَدُوِّهِ، فَإِنْ كَانَ بِخِلاَفِهِ مُنِعَ، وَالثَّانِي: أَنْ لاَ يَكُونَ زَعِيمًا لِلْجَيْشِ يُؤَثِّرُ فَقْدُهُ فِيهِمْ، فَإِنَّ فَقْدَ الزَّعِيمِ الْمُدَبِّرِ مُفْضٍ إِلَى الْهَزِيمَةِ، وَرَسُول اللَّهِ - ﷺ - أَقْدَمَ عَلَى الْبِرَازِ ثِقَةً بِنَصْرِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَإِنْجَازِ وَعْدِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ (15) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنْ دَعَا كَافِرٌ إِلَى الْبِرَازِ اسْتُحِبَّ لِمَنْ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ الْقُوَّةَ وَالشَّجَاعَةَ مُبَارَزَتُهُ بِإِذْنِ الأَْمِيرِ، لِمُبَارَزَةِ الصَّحَابَةِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - ﷺ - وَمِنْ بَعْدَهُ، قَال قَيْسُ بْنُ عَبَّادٍ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يُقْسِمُ قَسَمًا أَنَّ هَذِهِ الآْيَةَ: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ بَرَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ: حَمْزَةَ وَعَلِيٍّ وَعُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ وَعُتْبَةَ وَشَيْبَةَ ابْنَيْ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ (16) ، وَكَانَ ذَلِكَ بِإِذْنِهِ - ﷺ - وَلأَِنَّ فِي الإِْجَابَةِ إِلَى الْمُبَارَزَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ - رَدًّا عَنِ الْمُسْلِمِينَ وَإِظْهَارًا لِقُوَّتِهِمْ وَجَلَدِهِمْ عَلَى الْحَرْبِ.
وَطَلَبُ الْمُسْلِمِ الْمُجَاهِدِ الشُّجَاعِ الْكَافِرَ لِمُبَارَزَتِهِ يُبَاحُ وَلاَ يُسْتَحَبُّ، لأَِنَّهُ لاَ حَاجَةَ إِلَى الْمُبَارَزَةِ، وَلاَ يَأْمَنُ أَنْ يَغْلِبَ فَيَكْسِرَ قُلُوبَ الْمُسْلِمِينَ، إِلاَّ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ شُجَاعًا وَاثِقًا مِنْ نَفْسِهِ أُبِيحَ لَهُ، لأَِنَّهُ بِحُكْمِ الظَّاهِرِ غَالِبٌ. أَمَّا الضَّعِيفُ الَّذِي لاَ يَثِقُ مِنْ نَفْسِهِ، وَلاَ يَعْرِفُ فِيهَا الْقُوَّةَ وَالشَّجَاعَةَ فَإِنَّهُ تُكْرَهُ لَهُ الْمُبَارَزَةُ، لِمَا فِيهَا مِنْ كَسْرِ قُلُوبِ الْمُسْلِمِينَ لِقَتْلِهِ ظَاهِرًا (17) .
سَلَبُ الْمُبَارَزِ:
6 - قَال جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: إِنَّ السَّلَبَ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِالْقَاتِل الْمُبَارِزِ وَإِنَّمَا هُوَ لِلْمُسْلِمِ الَّذِي يَقْتُل الْكَافِرَ فِي الْمُبَارَزَةِ أَوْ فِي غَيْرِهَا. وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (سَلَبٌ ف 6 وَمَا بَعْدَهَا) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: لَوْ خَرَجَ عَشَرَةٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ لِلْقِتَال وَالْمُبَارَزَةِ، فَقَال الأَْمِيرُ لِعَشَرَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: ابْرُزُوا إِلَيْهِمْ، إِنْ قَتَلْتُمُوهُمْ فَلَكُمْ أَسْلاَبُهُمْ، فَبَرَزُوا إِلَيْهِمْ فَقَتَل كُل رَجُلٍ مِنْهُمْ رَجُلاً، كَانَ لِكُل رَجُلٍ سَلَبُ قَتِيلِهِ اسْتِحْسَانًا (18) .
وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ - كَمَا قَال الْبُهُوتِيُّ - عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ إِنْ قَتَل الْكَافِرَ الْمُبَارِزَ أَوْ أَثْخَنَهُ فَلَهُ سَلَبُهُ، لِحَدِيثِ أَنَسٍ وَسَمُرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ - ﷺ - قَال: مَنْ قَتَل قَتِيلاً لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ (19) وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ كَانَتِ الْمُبَارَزَةُ بِغَيْرِ إِذْنٍ وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، لِعُمُومِ الأَْدِلَّةِ، وَفِي الإِْرْشَادِ: إِنْ بَارَزَ بِغَيْرِ إِذْنِ الإِْمَامِ فَلاَ يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ، وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ (20) .
الْخُدْعَةُ فِي الْمُبَارَزَةِ:
7 - قَال ابْنُ قُدَامَةَ: تَجُوزُ الْخُدْعَةُ فِي الْحَرْبِ لِلْمُبَارِزِ وَغَيْرِهِ، لِقَوْل النَّبِيِّ - ﷺ -: الْحَرْبُ خُدْعَةٌ (21) ، وَلِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَمَّا بَارَزَ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ وُدٍّ قَال لَهُ عَلِيٌّ: مَا بَرَزْتُ لأُِقَاتِل اثْنَيْنِ، فَالْتَفَتَ عَمْرٌو، فَوَثَبَ عَلِيٌّ فَضَرَبَهُ، فَقَال عَمْرٌو: خَدَعْتَنِي، فَقَال عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: الْحَرْبُ خُدْعَةٌ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (خَدِيعَةٌ ف 12) .
شُرُوطُ الْمُبَارِزِ:
8 - يَجِبُ الْوَفَاءُ بِمَا شَرَطَهُ الْكَافِرُ الْمُبَارِزُ عَلَى قِرْنِهِ الْمُسْلِمِ عِنْدَ طَلَبِ الْمُبَارَزَةِ أَوِ الْخُرُوجِ إِلَيْهَا - فِي الْجُمْلَةِ (22) - لِقَوْل النَّبِيِّ - ﷺ -: الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ (23) .
قَال الدُّسُوقِيُّ: إِذَا بَرَزَ لِلْمَيْدَانِ وَاحِدٌ مِنْ شُجْعَانِ الْمُسْلِمِينَ وَطَلَبَ أَنَّ قَرِينَهُ فُلاَنًا الْكَافِرَ يَبْرُزُ لَهُ، فَقَال ذَلِكَ الْكَافِرُ: بِشَرْطِ أَنْ نَتَقَاتَل مَاشِيَيْنِ أَوْ رَاكِبَيْنِ، عَلَى خَيْلٍ أَوْ إِبِلٍ، أَوْ نَتَقَاتَل بِالسُّيُوفِ أَوِ الرِّمَاحِ، فَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يُوفِيَ لِقِرْنِهِ بِمَا شَرَطَهُ عَلَيْهِ (24) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا خَرَجَ لِمُبَارَزَةِ كَافِرٍ بِشَرْطِ أَنْ لاَ يُعِينَ الْمُبَارِزَ عَلَى خَصْمِهِ سِوَاهُ، وَجَبَ الْوَفَاءُ بِشَرْطِهِ (25) .
وَقَالُوا: إِنْ أُعِينَ الْكَافِرُ الْمُبَارِزُ مِنْ وَاحِدٍ أَوْ جَمَاعَةٍ بِإِذْنِهِ قُتِل الْمُعِينُ وَالْمُبَارِزُ، وَإِنْ كَانَتِ الإِْعَانَةُ بِغَيْرِ إِذْنٍ قُتِل الْمُعِينُ وَحْدَهُ، وَتُرِكَ الْمُبَارِزُ الْمُعَانُ مَعَ قِرْنِهِ عَلَى حُكْمِ مَا دَخَل عَلَيْهِ مِنَ الشُّرُوطِ، وَلَوْ جُهِل هَل أُذِنَ فِي الإِْعَانَةِ أَمْ لاَ؟ فَالظَّاهِرُ الْحَمْل عَلَى الإِْذْنِ إِنْ دَلَّتْ قَرِينَةٌ عَلَيْهِ، كَمَا إِذَا رَاطَنَهُ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَعْرِفْ مَا يَقُول فَجَاءَ عَقِبَ ذَلِكَ فَوْرًا، وَإِلاَّ فَالأَْصْل عَدَمُ الإِْذْنِ (26) .
وَإِنِ انْهَزَمَ الْمُسْلِمُ الْمُبَارِزُ وَفَرَّ تَارِكًا الْمُبَارَزَةَ فَتَبِعَهُ الْكَافِرُ لِيَقْتُلَهُ أَوْ أَثْخَنَ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ وَأَرَادَ قَتْلَهُ. مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ. قَال الزُّرْقَانِيُّ: لاَ يَقْتُل الْمُبَارِزُ غَيْرَ مَنْ بَارَزَهُ لأَِنَّ مُبَارَزَتَهُ كَالْعَهْدِ عَلَى أَنْ لاَ يَقْتُلَهُ إِلاَّ وَاحِدٌ، لَكِنْ قَال الْبِسَاطِيُّ: لَوْ سَقَطَ الْمُسْلِمُ وَأَرَادَ الإِْجْهَازَ عَلَيْهِ مَنَعَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ أَيْ بِغَيْرِ الْقَتْل إِنْ أَمْكَنَ، وَإِلاَّ فَبِهِ، وَقَال الشَّارِحُ: لَوْ أَثْخَنَ الْمُسْلِمَ وَقَصَدَ تَذْفِيفَهُ مَنَعْنَاهُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ قَال الزُّرْقَانِيُّ: وَهُوَ الرَّاجِحُ (27) .
وَقَال الدُّسُوقِيُّ: إِنْ خِيفَ عَلَى الْمُسْلِمِ الْمُبَارِزِ الْقَتْل مِنْ قِرْنِهِ الْكَافِرِ، فَنَقَل الْبَاجِيُّ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونَ أَنَّ الْمُسْلِمَ لاَ يُعَانُ بِوَجْهٍ لأَِجْل الشَّرْطِ، وَقَال أَشْهَبُ وَاْبُنُ حَبِيبٍ: يَجُوزُ إِعَانَةُ الْمُسْلِمِ وَدَفْعُ الْمُشْرِكِ عَنْهُ بِغَيْرِ الْقَتْل لأَِنَّ مُبَارَزَتَهُ عَهْدٌ عَلَى أَنْ لاَ يَقْتُلَهُ إِلاَّ مَنْ بَارَزَهُ، قَال الْمَوَّاقُ: وَهَذَا هُوَ الَّذِي تَجِبُ بِهِ الْفَتْوَى، أَلاَ تَرَى أَنَّ الْعِلْجَ الْمُكَافِئَ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَأْسِرَهُ لَوَجَبَ عَلَيْنَا إِنْقَاذُهُ مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ دَفْعُهُ إِلاَّ بِالْقَتْل قُتِل كَمَا فِي الْبِسَاطِيِّ (28) .
وَلَكِنَّ الْمَوَّاقَ ذَكَرَ أَنَّهُ: إِنْ خِيفَ عَلَى الْمُسْلِمِ الْقَتْل فَأَجَازَ أَشْهَبُ وَسَحْنُونُ أَنْ يُدْفَعَ عَنْهُ الْمُشْرِكُ وَلاَ يُقْتَل (29) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لِلْمُسْلِمِ الَّذِي خَرَجَ لِلْمُبَارَزَةِ فِي جَمَاعَةٍ مُسْلِمِينَ لِمِثْلِهَا مِنَ الْحَرْبِيِّينَ مُعَاقَدَةً مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ لِلْمُبَارَزَةِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ شَخْصٍ لآِخَرَ عِنْدَ الْعَقْدِ، وَلَكِنْ إِذَا بَرَزَ عِنْدَ نُشُوبِ الْقِتَال كُل وَاحِدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لِكُل وَاحِدٍ مِنَ الْكُفَّارِ فَيَجُوزُ إِذَا فَرَغَ الْمُسْلِمُ مِنْ قِرْنِهِ الإِْعَانَةُ لِمُسْلِمٍ آخَرَ أَرَادَ قِرْنُهُ قَتْلَهُ، نَظَرًا إِلَى أَنَّ الْجَمَاعَةَ خَرَجَتْ لِجَمَاعَةٍ، فَإِنَّ كُل جَمَاعَةٍ بِمَنْزِلَةِ قِرْنٍ وَاحِدٍ، لِقَضِيَّةِ عَلِيٍّ وَحَمْزَةَ وَعُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ، بَارَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ الْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ وَعُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ وَأَخَاهُ شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، فَقَتَل عَلِيٌّ الْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ، وَقَتَل حَمْزَةُ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَأَمَّا شَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ فَضَرَبَ عُبَيْدَةَ فَقَطَعَ رِجْلَهُ فَكَرَّ عَلَيْهِ عَلِيٌّ وَحَمْزَةُ فَاسْتَنْقَذَاهُ مِنْ شَيْبَةَ وَقَتَلاَهُ (30) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ تَبَارَزَ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ بِشَرْطِ أَنْ لاَ يُعِينَ الْمُسْلِمُونَ الْمُسْلِمَ وَلاَ الْكَافِرُونَ الْكَافِرَ إِلَى انْقِضَاءِ الْقِتَال، أَوْ كَانَ عَدَمُ الإِْعَانَةِ عَادَةً فَقَتَل الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ، أَوْ وَلَّى أَحَدُهُمَا مُنْهَزِمًا، أَوْ أُثْخِنَ الْكَافِرُ جَازَ لَنَا قَتْلُهُ، لأَِنَّ الأَْمَانَ كَانَ إِلَى انْقِضَاءِ الْحَرْبِ وَقَدِ انْقَضَى، وَإِنْ شُرِطَ أَنْ لاَ نَتَعَرَّضَ لِلْمُثْخَنِ وَجَبَ الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ، وَإِنْ شُرِطَ الأَْمَانُ إِلَى دُخُولِهِ الصَّفَّ وَجَبَ الْوَفَاءُ بِهِ، وَإِنْ فَرَّ الْمُسْلِمُ عَنْهُ فَتَبِعَهُ لِيَقْتُلَهُ أَوْ أَثْخَنَهُ الْكَافِرُ مَنَعْنَاهُ مِنْ قَتْلِهِ وَقَتَلْنَا الْكَافِرَ، وَإِنْ خَالَفْنَا شَرْطَ تَمْكِينِهِ مِنْ إِثْخَانِهِ لِنَقْضِهِ الأَْمَانَ فِي الأُْولَى وَانْقِضَاءِ الْقِتَال فِي الثَّانِيَةِ، فَإِنْ شُرِطَ لَهُ التَّمْكِينُ مِنْ قَتْلِهِ فَهُوَ شَرْطٌ بَاطِلٌ لِمَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ، وَهَل يَفْسُدُ أَصْل الأَْمَانِ أَوْ لاَ؟ وَجْهَانِ: أَوْجَهُهُمَا الأَْوَّل. فَإِنْ أَعَانَهُ أَصْحَابُهُ قَتَلْنَاهُمْ وَقَتَلْنَاهُ أَيْضًا إِنْ لَمْ يَمْنَعْهُمْ، أَمَّا إِذَا لَمْ يَشْرِطْ عَدَمَ الإِْعَانَةِ وَلَمْ تَجْرِ بِهِ عَادَةٌ فَيَجُوزُ قَتْلُهُ مُطْلَقًا (31) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنْ شَرَطَ الْكَافِرُ الْمُبَارِزُ أَنْ لاَ يُقَاتِلَهُ غَيْرُ الْخَارِجِ إِلَيْهِ، أَوْ كَانَ هُوَ الْعَادَةَ، لَزِمَهُ الشَّرْطُ لِقَوْلِهِ - ﷺ -: الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ (32) ، وَالْعَادَةُ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ، وَيَجُوزُ رَمْيُهُ وَقَتْلُهُ قَبْل الْمُبَارَزَةِ، لأَِنَّهُ كَافِرٌ لاَ عَهْدَ لَهُ وَلاَ أَمَانٌ، فَأُبِيحَ قَتْلُهُ كَغَيْرِهِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ الْعَادَةُ جَارِيَةً بَيْنَهُمْ، أَيْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْل الْحَرْبِ، أَنَّ مَنْ يَخْرُجُ يَطْلُبُ الْمُبَارَزَةَ لاَ يُتَعَرَّضُ لَهُ. فَيَجْرِي ذَلِكَ مَجْرَى الشَّرْطِ، وَيُعْمَل بِالْعَادَةِ وَإِنِ انْهَزَمَ الْمُسْلِمُ تَارِكًا لِلْقِتَال أَوْ أُثْخِنَ الْمُسْلِمُ بِالْجِرَاحِ، جَازَ لِكُل مُسْلِمٍ الدَّفْعُ عَنْهُ، وَالرَّمْيُ أَيْ رَمْيُ الْكَافِرِ وَقَتْلُهُ، لأَِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا صَارَ إِلَى هَذَا الْحَال فَقَدِ انْقَضَى قِتَالُهُ، وَزَال الأَْمَانُ، وَزَال الْقِتَال، لأَِنَّ حَمْزَةَ وَعَلِيًّا أَعَانَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ عَلَى قَتْل شَيْبَةَ، حِينَ أُثْخِنَ عُبَيْدَةُ، وَإِنْ أَعَانَ الْكُفَّارُ صَاحِبَهُمْ فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُعِينُوا صَاحِبَهُمْ وَيُقَاتِلُوا مَنْ أَعَانَ عَلَيْهِ لاَ الْمُبَارِزَ؛ لأَِنَّهُ لَيْسَ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ (33) . وَذَكَرَ الأَْوْزَاعِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُسْلِمينَ مُعَاوَنَةُ صَاحِبِهِمْ، وَإِنْ أُثْخِنَ بِالْجِرَاحِ، وَخَافَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى صَاحِبِهِمْ، لأَِنَّ الْمُبَارَزَةَ إِنَّمَا تَكُونُ هَكَذَا، وَلَكِنْ لَوْ حَجَزُوا بَيْنَهُمَا وَخَلَّوْا سَبِيل الْعِلْجِ الْكَافِرِ، قَال: فَإِنْ أَعَانَ الْعَدُوُّ صَاحِبَهُمْ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يُعِينَ الْمُسْلِمُونَ صَاحِبَهُمْ (34) .
ضَرْبُ وَجْهِ الْمُبَارِزِ الْكَافِرِ
9 - قَال الْحَنَفِيَّةُ: لَوْ تَوَجَّهَ لأَِحَدٍ ضَرْبُ وَجْهِ مَنْ يُبَارِزُهُ وَهُوَ فِي مُقَابَلَتِهِ حَال الْحَمْلَةِ لاَ يَكُفُّ عَنْهُ إِذْ قَدْ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَقْتُلُهُ (35) .
الْقَوَدُ فِي الْمُبَارَزَةِ عَلَى وَجْهِ الْمُلاَعَبَةِ أَوِ التَّعْلِيمِ:
10 - نَقَل ابْنُ عَابِدِينَ عَنْ صَاحِبِ الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَوْ بَارَزَ اثْنَانِ عَلَى وَجْهِ الْمُلاَعَبَةِ أَوِ التَّعْلِيمِ فَأَصَابَتِ الْخَشَبَةُ عَيْنَ أَحَدِهِمَا فَذَهَبَتْ يُقَادُ إِنْ أَمْكَنَ (36) .
تَحْرِيضُ الْمُبَارِزِينَ بِالتَّكْبِيرِ
11 - لاَ يُسْتَحَبُّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيل فِي الْحَرْبِ إِلاَّ إِذَا كَانَ فِيهِ تَحْرِيضٌ لِلْمُبَارِزِينَ فَلاَ بَأْسَ بِهِ. (37)
__________
(1) القاموس المحيط، والمعجم الوسيط.
(2) مغني المحتاج 4 / 226، ولسان العرب.
(3) المصباح المنير.
(4) الفتاوى الهندية 2 / 188، وجواهر الإكليل 1 / 250.
(5) حديث: أن أبي بن خلف دعا رسول الله ﷺ إلى البراز. أخرجه ابن جرير الطبري في تاريخه (2 / 250 - ط. المعارف) في حديث السدي مرسلاً.
(6) الأحكام السلطانية للماوردي ص38، وجواهر الإكليل 1 / 257، وحاشية الجمل 5 / 169، والمغني 8 / 367.
(7) حديث: علي في غزوة بدر. أخرجه أحمد (1 / 117) وكذا الحاكم مختصرًا (3 / 194) . .
(8) المغني 8 / 368.
(9) شرح الزرقاني 3 / 121، ومغني المحتاج 4 / 226، والمغني 8 / 368، وكشاف القناع 3 / 70.
(10) جواهر الإكليل 1 / 257، والتاج والإكليل بهامش مواهب الجليل 3 / 359.
(11) مغني المحتاج 4 / 226، وشرح المحلي للمنهاج 4 / 220.
(12) المغني 8 / 367 - 368، وكشاف القناع 3 / 69 - 70.
(13) التاج والإكليل بهامش مواهب الجليل 3 / 359.
(14) مواهب الجليل 3 / 359.
(15) مغني المحتاج 4 / 226، والأحكام السلطانية للماوردي ص40، ونهاية المحتاج وحاشية الشبراملسي 8 / 64، وشرح المنهج وحاشية الجمل 5 / 196
(16) حديث: " سمعت أبا ذر يقسم قسمًا. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 7 / 297) ، ومسلم (4 / 2323) واللفظ للبخاري، والآية من سورة الحج رقم 19.
(17) المغني 8 / 368 - 369، وكشاف القناع 3 / 69 - 70.
(18) الفتاوى الهندية 2 / 219.
(19) حديث: " من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه ". أخرجه البخاري (فتح الباري 6 / 247 - ط السلفية) ومسلم (3 / 1371 - ط الحلبي) .
(20) كشاف القناع 3 / 70 - 71.
(21) حديث: " الحرب خدعة ". أخرجه البخاري (فتح الباري 6 / 158 - ط السلفية) .
(22) مغني المحتاج 4 / 226، وكشاف القناع 3 / 70، حاشية الدسوقي 2 / 184.
(23) حديث: " المسلمون على شروطهم ":. أخرجه الترمذي (3 / 625 - ط. عيسى الحلبي) وهو صحيح لطرقه (التلخيص الحبير 3 / 23) .
(24) حاشية الدسوقي 2 / 184.
(25) شرح الزرقاني 3 / 121.
(26) شرح الزرقاني 3 / 121، وجواهر الإكليل 1 / 257.
(27) شرح الزرقاني 3 / 121.
(28) حاشية الدسوقي 2 / 184.
(29) التاج والإكليل بهامش مواهب الجليل 3 / 359.
(30) شرح الزرقاني 3 / 121.
(31) مغني المحتاج 2 / 226.
(32) حديث: " المسلمون على شروطهم ". سبق تخريجه ف8.
(33) كشاف القناع 3 / 70.
(34) المغني 8 / 369.
(35) فتح القدير 4 / 127.
(36) رد المحتار 5 / 352.
(37) مجمع الأنهر 1 / 658 - 659.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 43/ 36