المؤخر
كلمة (المؤخِّر) في اللغة اسم فاعل من التأخير، وهو نقيض التقديم،...
مؤسسة تعليمية يتعلم بها التلاميذ مختلف العلوم، وتكون الدراسة بها على عدة مراحل متتابعة
مؤسسة تعليمية يتعلم بها التلاميذ مختلف العلوم، وتكون الدراسة بها على عدة مراحل متتابعة.
التَّعْرِيفُ:
أ - الْمَدْرَسَةُ فِي اللُّغَةِ: مَوْضِعُ الدَّرْسِ، قَال الرَّاغِبُ: دَرَسْتُ الْعِلْمَ: تَنَاوَلْتُ أَثَرَهُ بِالْحِفْظِ، وَلَمَّا كَانَ تَنَاوُل ذَلِكَ بِمُدَاوَمَةِ الْقِرَاءَةِ عَبَّرَ عَنْ إِدَامَةِ الْقِرَاءَةِ بِالدَّرْسِ، قَال تَعَالَى: {وَدَرَسُوا مَا فِيهِ} (1) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (2) .
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمَدْرَسَةِ:
تَتَعَلَّقُ بِالْمَدْرَسَةِ أَحْكَامٌ مِنْهَا:
أ - جَمْعُ الصَّلاَةِ لِلْمُنْقَطِعِينَ فِي مَدْرَسَةٍ:
2 - قَال الْمَالِكِيَّةُ: مِمَّنْ لاَ يَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَوَاتِ جَمَاعَةٌ لاَ مَشَقَّةَ عَلَيْهِمْ فِي فِعْل كُل صَلاَةٍ فِي وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ، كَأَهْل الزَّوَايَا وَالرُّبُطِ، وَالْمُنْقَطِعِينَ بِمَدْرَسَةٍ إِلاَّ تَبَعًا لِمَنْ يَأْتِي لِلصَّلاَةِ مَعَهُمْ مِنْ إِمَامٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَمَحَل هَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَنْزِلٌ يَنْصَرِفُونَ إِلَيْهِ وَإِلاَّ نُدِبَ لَهُمُ الْجَمْعُ اسْتِقْلاَلاً، وَأَفْتَى الأَْسْنَاوِيُّ: بِأَنَّ أَهْل الْمَدَارِسِ الْمُجَاوَرَةِ لِلْمَسْجِدِ يُنْدَبُ لَهُمُ الْجَمْعُ فِي الْمَسْجِدِ اسْتِقْلاَلاً لِمَا ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ جَمَعَ إِمَامًا وَحُجْرَتُهُ مُلْتَصِقَةٌ بِالْمَسْجِدِ وَلَهَا خَوْخَةٌ إِلَيْهِ (3) .
ب - الْوَقْفُ عَلَى الْمَدَارِسِ:
3 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْعُلَمَاءِ وَالْغُزَاةِ وَالْمَسَاكِينِ، أَوْ عَلَى جِهَةٍ لاَ يُتَصَوَّرُ مِنْهَا الْقَبُول كَالْمَدَارِسِ وَالْمَسَاجِدِ وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ لاَ يَفْتَقِرُ إِلَى قَبُولٍ مِنَ النَّاظِرِ، أَوْ مِنَ الْمُسْتَحِقِّينَ لِغَلَّتِهِ، لِتَعَذُّرِ ذَلِكَ، وَلأَِنَّهُ لَوِ اشْتَرَطَ الْقَبُول لاَمْتَنَعَ صِحَّةُ الْوَقْفِ عَلَيْهِ (4) .
4 - وَقَال جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: يَنْتَقِل مِلْكُ الْمَوْقُوفِ عَلَى الْمَدْرَسَةِ وَنَحْوِهَا كَالْمَسْجِدِ وَالرِّبَاطِ وَالْقَنْطَرَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمُجَرَّدِ الْوَقْفِ (5) ، قَال الْبَهْوَتِي: يَنْتَقِل مِلْكُ الْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ بِمُجَرَّدِ الْوَقْفِ إِلَى اللَّهِ إِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى مَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ كَمَدْرَسَةٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
قَال الْحَارِثِيُّ بِلاَ خِلاَفٍ، وَقَال الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: وَلَوْ جَعَل الْبُقْعَةَ مَسْجِدًا، أَوْ مَقْبَرَةً انْفَكَّ عَنْهَا اخْتِصَاصُ الآْدَمِيِّ قَطْعًا، وَمِثْلُهَا الرِّبَاطُ وَالْمَدْرَسَةُ وَنَحْوُهُمَا (6) .
وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْمَالِكِيَّةُ حَيْثُ قَالُوا: إِنَّ الذَّاتَ الْمَوْقُوفَةَ، بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ وَإِنْ كَانَ مَمْنُوعًا مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهَا بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ، وَلَيْسَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إِلاَّ الْمَنْفَعَةُ الْمُعْطَاةُ مِنْ غَلَّةٍ أَوْ عَمَلٍ، لأَِنَّ الْوَقْفَ هُوَ إِعْطَاءُ الْمَنْفَعَةِ، وَقِيل: إِلاَّ فِي الْمَسَاجِدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} (7) ، لَكِنَّ الرَّاجِحَ الأَْوَّل (8) .
وَالتَّفْصِيل فِي (وَقْفٌ، مَسْجِدٌ) .
5 - وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى الْمَدْرَسَةِ جِهَةُ قُرْبَةٍ (9) .
لِعُمُومِ الأَْدِلَّةِ.
وَعَلَيْهِ فَالْوُقْفُ عَلَى الْمَدْرَسَةِ صَحِيحٌ بِلاَ خِلاَفٍ حَتَّى عِنْدَ مَنْ يَشْتَرِطُ لِصِحَّةِ الْوَقْفِ ظُهُورِ قَصْدِ الْقُرْبَةِ فِيهِ كَالْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فَلاَ يُشْتَرَطُ عِنْدَهُمْ ذَلِكَ بَل الشَّرْطُ عِنْدَهُمْ أَنْ لاَ يَكُونَ عَلَى جِهَةِ مَعْصِيَةٍ كَعَمَارَةِ الْكَنَائِسِ وَنَحْوِهِ (10) . 6 - وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا وَقَفَ الْوَاقِفُ مَدْرَسَةً وَشَرَطَ فِي وَقْفِهَا اخْتِصَاصَهَا بِطَائِفَةٍ أَوْ بِأَهْل مَذْهَبٍ كَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، أَوْ بِأَهْل بَلَدٍ، أَوْ قَرْيَةٍ أَوْ بِأَفْرَادِ قَبِيلَةٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ خُصَّتْ بِهِمْ إِعْمَالاً لِلشَّرْطِ، لأَِنَّ نُصُوصَ الْوَاقِفِ كَنُصُوصِ الشَّرْعِ وَشَرْطُ الْوَاقِفِ كَنَصِّ الشَّارِعِ.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: أَيْ فِي الْمَفْهُومِ وَالدِّلاَلَةِ وَوُجُوبِ الْعَمَل بِهِ مَا لَمْ تُخَالِفِ الشَّرْعَ؛ لأَِنَّهُ مَالِكٌ، فَلَهُ أَنْ يَجْعَل مَالَهُ حَيْثُ شَاءَ، وَلَهُ أَنْ يَخُصَّهُ بِصِنْفٍ مِنَ الأَْصْنَافِ أَوْ بِجِهَةٍ مِنَ الْجِهَاتِ مَا لَمْ تَكُنْ مَعْصِيَةً (11) ، وَمَا لَمْ يَقَعِ الاِخْتِصَاصُ بِنَقْلَةٍ بِدْعَةٍ، قَالَهُ الْحَارِثِيُّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ (12) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلِحِ (وَقَفَ) .
ج - فِي الْوَصِيَّةِ:
7 - قَال الشَّافِعِيَّةُ: تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِعَمَارَةِ مَسْجِدٍ أَوْ مَصَالِحِهِ إِنْشَاءً وَتَرْمِيمًا لأَِنَّهُ قُرْبَةٌ، وَفَى مَعْنَى الْمَسْجِدِ الْمَدْرَسَةُ وَنَحْوُهَا (13) .
د - فِي الاِرْتِفَاقِ:
8 - قَال الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ سَبَقَ فَقِيهٌ إِلَى مَدْرَسَةٍ لَمْ يُزْعَجْ مِنْهَا سَوَاءٌ أَذِنَ لَهُ الإِْمَامُ أَمْ لاَ، وَلَمْ يَبْطُل حَقُّهُ بِخُرُوجِهِ لِشِرَاءِ حَاجَةٍ وَنَحْوِهِ، سَوَاءٌ أَخْلَفَ فِيهِ غَيْرَهُ أَمْ مَتَاعَهُ أَمْ لاَ، بِخِلاَفِ مَا إِذَا خَرَجَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ (14) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنْ سَبَقَ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ إِلَى مَدْرَسَةٍ وَنَحْوِهَا، وَلَمْ يَتَوَقَّفْ فِيهَا عَلَى تَنْزِيل نَاظِرٍ، وَضَاقَ الْمَكَانُ عَنِ انْتِفَاعِهِمْ جَمِيعِهِمْ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ، لأَِنَّهُمْ اسْتَوَوْا فِي السَّبْقِ، وَالْقُرْعَةُ مُمَيِّزَةٌ (15) .
هـ - بِنَاءُ الْمَدْرَسَةِ بِآلَةِ الْمَسْجِدِ:
9 - نَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يُعَمَّرُ بِآلَةِ الْمَسْجِدِ مَدْرَسَةٌ، وَلاَ رِبَاطٌ، وَلاَ بِئْرٌ، وَلاَ حَوْضٌ، وَلاَ قَنْطَرَةٌ، وَكَذَا آلاَتُ كُل وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الأَْمْكِنَةِ لاَ يُعَمَّرُ بِهَا مَا عَدَاهَا (16) .
وَالتَّفْصِيل فِي (مَسْجِدٌ، وَقْفٌ) .
__________
(1) سورة الأعراف / 169.
(2) المصباح المنير، والمعجم الوسيط، والمفردات في غريب القرآن.
(3) جواهر الإِكليل 1 / 93، وحاشية الدسوقي 1 / 372.
(4) كشاف القناع 4 / 254، ومغني المحتاج 2 / 383، وجواهر الإِكليل 2 / 208، وحاشية ابن عابدين 3 / 360.
(5) حاشية ابن عابدين 3 / 357 - 361، وتبيين الحقائق 3 / 325، 331، ومغني المحتاج 2 / 389، وكشاف القناع 4 / 254.
(6) كشاف القناع 4 / 254، ومغني المحتاج 2 / 389.
(7) سورة الجن / 18.
(8) الفواكه الدواني 2 / 231، وجواهر الإِكليل 2 / 211، وحاشية ابن عابدين 3 / 361، 357.
(9) حاشية ابن عابدين 3 / 360، 376، وجواهر الإِكليل 2 / 205، والقوانين الفقهية ص364، ومغني المحتاج 2 / 380، 381، وكشاف القناع 4 / 245، والمغني لابن قدامة 5 / 644، وروضة الطالبين 4 / 180.
(10) المراجع السابقة.
(11) حاشية ابن عابدين 3 / 361، 376، وجواهر الإكليل 2 / 208، ومغني المحتاج 2 / 385، وكشاف القناع 4 / 262، ومطالب أولي النهى 4 / 319 - 321.
(12) كشاف القناع 4 / 262.
(13) مغني المحتاج 3 / 42، والقليوبي وعميرة 3 / 159.
(14) مغني المحتاج 2 / 371.
(15) كشاف القناع 4 / 196.
(16) مطالب أولي النهى 4 / 369.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 295/ 36