البحث

عبارات مقترحة:

الحميد

(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...

الحكيم

اسمُ (الحكيم) اسمٌ جليل من أسماء الله الحسنى، وكلمةُ (الحكيم) في...

القيوم

كلمةُ (القَيُّوم) في اللغة صيغةُ مبالغة من القِيام، على وزنِ...

الْمُرَابَحَةُ


من معجم المصطلحات الشرعية

بيع السلعة بمثل ما اشتريت به مع ربح معلوم يُخبَر به المشتري . ومن أمثلته اشترى رجل سلعة بثمانين، فيقول لمن يبيعه إياها : أربح عشرين، وأبيعها لك بمائة . ومن شواهده عموم قوله جَلَّ جَلَالُهُ : ﱫﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﴾ ﴿ ﮂﱪ البقرة :٢٧٥ . وقول الكاساني : "وأما شرائطه، فمنها ...أن يكون الثمن الأول معلوماً للمشتري الثاني؛ لأن المرابحة بيع بالثمن الأول مع زيادة ربح ."


انظر : البحر الرائق لابن نجيم، 6/116، مغني المحتاج للشربيني، 2/76، الروض المربع للبهوتي، 2/91.

من موسوعة المصطلحات الإسلامية

التعريف

بيع السلعة بمثل ما اشتريت به مع ربح معلوم يُخبَر به المشتري.

من الموسوعة الكويتية

التَّعْرِيفُ
1 - الْمُرَابَحَةُ فِي اللُّغَةِ: تَحْقِيقُ الرِّبْحِ، يُقَال: بِعْتُ الْمَتَاعَ مُرَابَحَةً، أَوِ اشْتَرَيْتُهُ مُرَابَحَةً: إِذَا سَمَّيْتَ لِكُل قَدْرٍ مِنَ الثَّمَنِ رِبْحًا (1) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْفُقَهَاءِ فِي تَعْرِيفِهَا، لَكِنَّهَا مُتَّحِدَةٌ فِي الْمَعْنَى وَالْمَدْلُول، وَهِيَ: نَقْل مَا مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ الأَْوَّل، بِالثَّمَنِ الأَْوَّل مَعَ زِيَادَةِ رِبْحٍ (2) .
فَالْمُرَابَحَةُ مِنْ بُيُوعِ الأَْمَانَاتِ الَّتِي تَعْتَمِدُ عَلَى الإِْخْبَارِ عَنْ ثَمَنِ السِّلْعَةِ وَتَكْلِفَتِهَا الَّتِي قَامَتْ عَلَى الْبَائِعِ.
وَصُورَتُهَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: هِيَ أَنْ يُعَرِّفَ صَاحِبُ السِّلْعَةِ الْمُشْتَرِيَ بِكَمِ اشْتَرَاهَا، وَيَأْخُذَ مِنْهُ رِبْحًا إِمَّا عَلَى الْجُمْلَةِ، مِثْل أَنْ يَقُول: اشْتَرَيْتُهَا بِعَشَرَةٍ وَتُرْبِحُنِي دِينَارًا أَوْ دِينَارَيْنِ، وَإِمَّا عَلَى التَّفْصِيل وَهُوَ أَنْ يَقُول: تُرْبِحُنِي دِرْهَمًا لِكُل دِينَارٍ أَوْ نَحْوِهِ (3) ، أَيْ إِمَّا بِمِقْدَارٍ مُقَطَّعٍ مُحَدَّدٍ، وَإِمَّا بِنِسْبَةٍ عَشْرِيَّةٍ (4) .

الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - التَّوْلِيَةُ:
2 - التَّوْلِيَةُ نَقْل مَا مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ الأَْوَّل بِالثَّمَنِ الأَْوَّل مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ رِبْحٍ (5) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ أَنَّ كِلَيْهِمَا مِنْ بُيُوعِ الأَْمَانَاتِ.

ب - الْوَضِيعَةُ:
3 - الْوَضِيعَةُ هِيَ: الْبَيْعُ بِمِثْل الثَّمَنِ الأَْوَّل، مَعَ نُقْصَانِ شَيْءٍ مَعْلُومٍ مِنْهُ (6) .
وَيُقَال لَهَا أَيْضًا: الْمُوَاضَعَةُ وَالْمُخَاسَرَةُ وَالْمُحَاطَّةُ، فَهِيَ مُضَادَّةٌ لِلْمُرَابَحَةِ.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ لِلْمُرَابَحَةِ:
4 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى جَوَازِ الْمُرَابَحَةِ وَمَشْرُوعِيَّتِهَا لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَأَحَل اللَّهُ الْبَيْعَ} (7) وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (8) وَالْمُرَابَحَةُ بَيْعٌ بِالتَّرَاضِي بَيْنَ الْعَاقِدَيْنِ، فَكَانَ دَلِيل شَرْعِيَّةِ الْبَيْعِ مُطْلَقًا بِشُرُوطِهِ الْمَعْلُومَةِ هُوَ دَلِيل جَوَازِهَا.
كَمَا اسْتَدَلُّوا بِأَنَّهُ تَوَافَرَتْ فِي هَذَا الْعَقْدِ شَرَائِطُ الْجَوَازِ الشَّرْعِيَّةُ، وَالْحَاجَةُ مَاسَّةٌ إِلَى هَذَا النَّوْعِ مِنَ التَّصَرُّفِ، لأَِنَّ الْغَبِيَّ الَّذِي لاَ يَهْتَدِي فِي التِّجَارَةِ يَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى فِعْل الْخَبِيرِ الْمُهْتَدِي، وَتَطِيبُ نَفْسُهُ بِمِثْل مَا اشْتَرَى الْبَائِعُ، وَبِزِيَادَةِ رِبْحٍ، فَوَجَبَ الْقَوْل بِجَوَازِهَا.
ثُمَّ إِنَّ الْمُرَابَحَةَ بَيْعٌ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ، فَجَازَ الْبَيْعُ بِهِ، كَمَا لَوْ قَال: بِعْتُكَ بِمِائَةٍ وَعَشَرَةٍ، وَكَذَا الرِّبْحُ مَعْلُومٌ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَال: وَرِبْحُ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ (9) .
وَفَسَّرَ الْمَالِكِيَّةُ الْجَوَازَ بِأَنَّهُ خِلاَفُ الأَْوْلَى، أَوِ الأَْحَبُّ خِلاَفُهُ، وَالْمُسَاوَمَةُ أَحَبُّ إِلَى أَهْل الْعِلْمِ مِنْ بَيْعِ الْمُزَايَدَةِ، وَبَيْعِ الاِسْتِئْمَانِ وَالاِسْتِرْسَال، وَأَضْيَقُهَا عِنْدَهُمْ بَيْعُ الْمُرَابَحَةِ، لأَِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى أُمُورٍ كَثِيرَةٍ قَل أَنْ يَأْتِيَ بِهَا الْبَائِعُ عَلَى وَجْهِهَا (10) .
قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَرُوِّيتُ كَرَاهَتَهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ ﵃ وَمَسْرُوقٍ وَالْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ وَعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لأَِنَّ الثَّمَنَ مَجْهُولٌ حَال الْعَقْدِ فَلَمْ يَجُزْ (11) .

شُرُوطُ الْمُرَابَحَةِ
5 - يُشْتَرَطُ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ مَا يُشْتَرَطُ فِي كُل الْبُيُوعِ مَعَ إِضَافَةِ شُرُوطٍ أُخْرَى تَتَنَاسَبُ مَعَ طَبِيعَةِ هَذَا الْعَقْدِ وَهِيَ: أَوَّلاً: شُرُوطُ الصِّيغَةِ: 6 - يُشْتَرَطُ فِي صِيغَةِ الْمُرَابَحَةِ مَا يُشْتَرَطُ فِي كُل عَقْدٍ وَهِيَ ثَلاَثَةُ شُرُوطٍ: وُضُوحُ دَلاَلَةِ الإِْيجَابِ وَالْقَبُول، وَتَطَابُقُهُمَا، وَاتِّصَالُهُمَا. (ر: مُصْطَلَحَ: عَقْدٌ ف5) .

ثَانِيًا: شُرُوطُ صِحَّةِ الْمُرَابَحَةِ
7 - يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْمُرَابَحَةِ:
أ - أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ الأَْوَّل صَحِيحًا، فَإِنْ كَانَ فَاسِدًا، لَمْ يَجُزْ بَيْعُ الْمُرَابَحَةِ، لأَِنَّ الْمُرَابَحَةَ بَيْعٌ بِالثَّمَنِ الأَْوَّل مَعَ زِيَادَةِ رِبْحٍ، وَالْبَيْعُ الْفَاسِدُ - وَإِنْ كَانَ يُفِيدُ الْمِلْكَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فِي الْجُمْلَةِ - لَكِنْ يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهِ بِقِيمَةِ الْمَبِيعِ أَوْ بِمِثْلِهِ، لاَ بِالثَّمَنِ الْمَذْكُورِ فِي الْعَقْدِ لِفَسَادِ التَّسْمِيَةِ، وَهَذَا لاَ يَتَّفِقُ مَعَ مُقْتَضَى عَقْدِ الْمُرَابَحَةِ الْقَائِمِ عَلَى مَعْرِفَةِ الثَّمَنِ الأَْوَّل ذَاتِهِ، لاَ الْقِيمَةِ أَوِ الْمِثْل (12) . ب - الْعِلْمُ بِالثَّمَنِ الأَْوَّل: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ الأَْوَّل مَعْلُومًا لِلْمُشْتَرِي الثَّانِي، صِحَّةُ الْمُرَابَحَةِ لأَِنَّ الْعِلْمَ بِالثَّمَنِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْبُيُوعِ، فَإِذَا لَمْ يَعْلَمِ الثَّمَنَ الأَْوَّل فَسَدَ الْعَقْدُ (13) .

ج - أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَال مِنْ ذَوَاتِ الأَْمْثَال، وَبَيَانُ ذَلِكَ: أَنَّ رَأْسَ الْمَال إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلِيًّا كَالْمَكِيلاَتِ وَالْمَوْزُونَاتِ وَالْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَقَارِبَةِ، أَوْ يَكُونَ قِيَمِيًّا لاَ مِثْل لَهُ كَالْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ.
فَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا جَازَ بَيْعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الأَْوَّل، سَوَاءٌ بَاعَهُ مِنْ بَائِعِهِ أَمْ مِنْ غَيْرِهِ، وَسَوَاءٌ جَعَل الرِّبْحَ مِنْ جِنْسِ رَأْسِ الْمَال فِي الْمُرَابَحَةِ أَوْ مِنْ خِلاَفِ جِنْسِهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ الثَّمَنُ الأَْوَّل مَعْلُومًا وَالرِّبْحُ مَعْلُومًا.
وَإِنْ كَانَ قِيَمِيًّا لاَ مِثْل لَهُ مِنَ الْعُرُوضِ، فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ مُرَابَحَةً مِمَّنْ لَيْسَ ذَلِكَ الْعَرَضُ فِي مِلْكِهِ، لأَِنَّ الْمُرَابَحَةَ بَيْعٌ بِمِثْل الثَّمَنِ الأَْوَّل، فَإِذَا لَمْ يَكُنِ الثَّمَنُ الأَْوَّل مِثْل جِنْسِهِ، فَإِمَّا أَنْ يَقَعَ الْبَيْعُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْعَرَضِ، وَإِمَّا أَنْ يَقَعَ عَلَى قِيمَتِهِ، وَعَيْنُهُ لَيْسَ فِي مِلْكِهِ، وَقِيمَتُهُ مَجْهُولَةٌ تُعْرَفُ بِالْحَزْرِ وَالظَّنِّ لاِخْتِلاَفِ أَهْل التَّقْوِيمِ فِيهَا.
وَأَمَّا بَيْعُهُ مِمَّنِ الْعَرَضُ فِي مِلْكِهِ وَتَحْتَ يَدِهِ فَيُنْظَرُ:
فَإِنْ جَعَل الرِّبْحَ شَيْئًا مُفْرَدًا عَنْ رَأْسِ الْمَال مَعْلُومًا كَالدِّرْهَمِ وَثَوْبٍ مُعَيَّنٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ جَازَ، لأَِنَّ الثَّمَنَ الأَْوَّل مَعْلُومٌ وَالرِّبْحَ مَعْلُومٌ.
وَإِنْ جَعَل الرِّبْحَ جُزْءًا مِنْ رَأْسِ الْمَال بِأَنْ قَال: بِعْتُكَ الثَّمَنَ الأَْوَّل بِرِبْحِ دِرْهَمٍ فِي الْعَشَرَةِ لاَ يَجُوزُ، لأَِنَّهُ جَعَل الرِّبْحَ جُزْءًا مِنَ الْعَرَضِ، وَالْعَرَضُ لَيْسَ مُتَمَاثِل الأَْجْزَاءِ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ ذَلِكَ بِالتَّقَوُّمِ، وَالْقِيمَةُ مَجْهُولَةٌ لأَِنَّهَا تُعْرَفُ بِالْحَزْرِ وَالظَّنِّ، هَذَا تَفْصِيل الْحَنَفِيَّةِ (14) .
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ: فَعِنْدَهُمْ أَنَّ الثَّمَنَ الْعَرَضُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَوْ لاَ يَكُونَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ السِّلْعَةِ مُرَابَحَةً سَوَاءٌ كَانَ الْعَرَضُ مِنَ الْمِثْلِيَّاتِ أَوِ الْقِيَمِيَّاتِ وَهَذَا عِنْدَ أَشْهَبَ خِلاَفًا لاِبْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمِثْلِيَّاتِ فَعِنْدَهُ يَجُوزُ بَيْعُ السِّلْعَةِ الَّتِي ثَمَنُهَا عَرَضٌ مِثْلِيٌّ، سَوَاءٌ كَانَتْ بِيَدِ الْمُشْتَرِي أَمْ لاَ.
كَمَا يَتَّفِقُ ابْنُ الْقَاسِمِ مَعَ أَشْهَبَ فِي الْمَنْعِ فِي أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ إِذَا كَانَ الْعَرَضُ مِنَ الْقِيَمِيَّاتِ، وَذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ بَيْعُ الإِْنْسَانِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ وَأَنَّهُ مِنَ السَّلَمِ الْحَال، وَيُرَادُ بِهِ السَّلَمُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ أَجَلٌ لِمُدَّةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا.
أَمَّا التَّأْوِيل الآْخَرُ لاِبْنِ الْقَاسِمِ: فَإِنَّ الْعَرَضَ الْمُتَقَوِّمَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لَكِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى تَحْصِيلِهِ فَإِنَّ بَيْعَ السِّلْعَةِ مُرَابَحَةً يَجُوزُ.
وَإِنْ كَانَ الْعَرَضُ بِيَدِ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا فَلاَ خِلاَفَ فِي جَوَازِ الْمُرَابَحَةِ عَلَى بَيْعِ السِّلْعَةِ الْمُشْتَرَاةِ بِهِ، أَمَّا إِنْ كَانَ قِيَمِيًّا، فَرَأَى أَشْهَبُ الْمَنْعَ كَمَا لَوْ كَانَ لَيْسَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، أَمَّا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ بِمِثْل ذَلِكَ الْعَرَضِ وَزِيَادَةٍ وَلاَ يَجُوزُ الْبَيْعُ بِالْقِيمَةِ (15) .
وَيَقُول الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا اشْتَرَى بِعَرَضٍ وَأَرَادَ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً فَإِنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ إِذَا اسْتَخْدَمَ لَفْظَ: بِعْتُ بِمَا اشْتَرَيْتُ، أَوْ بِعْتُ بِمَا قَامَ عَلَيَّ، وَهُنَا يَجِبُ إِخْبَارُ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِعَرَضٍ قِيمَتُهُ كَذَا، وَلاَ يَنْبَغِي لَهُ الاِقْتِصَارُ عَلَى ذِكْرِ الْقِيمَةِ، لأَِنَّ الْبَائِعَ بِالْعَرَضِ يُشَدِّدُ فَوْقَ مَا يُشَدِّدُ الْبَائِعُ بِالنَّقْدِ.
وَقَال الإِْسْنَوِيُّ: إِذَا قَال: بِعْتُكَ بِمَا قَامَ عَلَيَّ أَخْبَرَ بِالْقِيمَةِ دُونَ حَاجَةٍ لِذِكْرِ الْعَرَضِ (16) .
وَمِثْل الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنِ الشَّافِعِيَّةِ نَجِدُهُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ (17) .

د - أَلاَّ يَكُونَ الثَّمَنُ فِي الْعَقْدِ الأَْوَّل مُقَابَلاً بِجِنْسِهِ مِنْ أَمْوَال الرِّبَا، وَأَمْوَال الرِّبَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: كُل مُقْتَاتٍ مُدَّخَرٍ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: كُل مَطْعُومٍ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: كُل مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ، وَاتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى جَرَيَانِ الرِّبَا فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَمَا يَحِل مَحَلَّهُمَا مِنَ الأَْوْرَاقِ النَّقْدِيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَهَذَا شَرْطٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ عَلَى هَذَا النَّحْوِ، كَأَنِ اشْتَرَى الْمَكِيل أَوِ الْمَوْزُونَ - عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ - بِجِنْسِهِ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً، لأَِنَّ الْمُرَابَحَةَ بَيْعٌ بِالثَّمَنِ الأَْوَّل وَزِيَادَةٍ، وَالزِّيَادَةُ فِي أَمْوَال الرِّبَا تَكُونُ رِبًا، لاَ رِبْحًا، فَإِنِ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ فَلاَ بَأْسَ بِالْمُرَابَحَةِ، كَأَنِ اشْتَرَى دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، فَبَاعَهُ بِرِبْحِ دِرْهَمٍ أَوْ ثَوْبٍ بِعَيْنِهِ، جَازَ، لأَِنَّ الْمُرَابَحَةَ بَيْعٌ بِالثَّمَنِ الأَْوَّل وَزِيَادَةٍ، وَلَوْ بَاعَ دِينَارًا بِأَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا، أَوْ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَثَوْبٍ، كَانَ جَائِزًا بِشَرْطِ التَّقَابُضِ، فَهَذَا مِثْلُهُ (18) .

هـ - أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ مَعْلُومًا الْعِلْمُ بِالرِّبْحِ ضَرُورِيٌّ، لأَِنَّهُ بَعْضُ الثَّمَنِ، وَالْعِلْمُ بِالثَّمَنِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْبُيُوعِ، فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مَجْهُولاً حَال الْعَقْدِ، لَمْ تَجُزِ الْمُرَابَحَةُ.
وَلاَ فَرْقَ فِي تَحْدِيدِ الرِّبْحِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِقْدَارًا مَقْطُوعًا أَوْ بِنِسْبَةٍ عَشْرِيَّةٍ فِي الْمِائَةِ، وَيُضَمُّ الرِّبْحُ إِلَى رَأْسِ الْمَال وَيَصِيرُ جُزْءًا مِنْهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ حَالًّا نَقْدِيًّا أَوْ مُقَسَّطًا عَلَى أَقْسَاطٍ مُعَيَّنَةٍ فِي الشَّهْرِ أَوِ السَّنَةِ مَثَلاً (19) .

الْحَطِيطَةُ وَالزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ:
8 - لَوِ اشْتَرَى شَخْصٌ سِلْعَةً وَانْعَقَدَ الْبَيْعُ عَلَى ثَمَنٍ مُسَمًّى ثُمَّ طَرَأَتْ زِيَادَةٌ أَوْ حَطٌّ عَلَى الثَّمَنِ الْمُسَمَّى، وَتَمَّ قَبُول هَذِهِ الزِّيَادَةِ أَوِ الْحَطِّ، ثُمَّ أَرَادَ الْمُشْتَرِي بَيْعَ السِّلْعَةِ مُرَابَحَةً فَهَل يُخْبِرُ بِالثَّمَنِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ؟ أَمْ أَنَّهُ يُخْبِرُ بِهِ بَعْدَ الزِّيَادَةِ أَوِ الْحَطِّ؟
فِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ: فَالزِّيَادَةُ أَوِ الْحَطُّ قَدْ يُتَّفَقُ عَلَيْهَا فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ أَوْ بَعْدَ لُزُومِ الْبَيْعِ، فَإِنْ حَصَل ذَلِكَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَهَذِهِ الزِّيَادَةُ أَوِ الْحَطُّ يُلْحَقُ بِالثَّمَنِ. قَال ابْنُ قُدَامَةَ: لاَ أَعْلَمُ مُخَالِفًا فِي ذَلِكَ (20) .
لَكِنَّ أَبَا عَلِيٍّ الطَّبَرِيَّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ يَقُول: إِذَا قُلْنَا يَنْتَقِل الْمِلْكُ بِالْعَقْدِ، فَإِنَّهُ لاَ يُلْحَقُ الزِّيَادَةُ وَالنَّقْصُ بِالثَّمَنِ الأَْوَّل (21) .
أَمَّا إِذَا كَانَتِ الزِّيَادَةُ وَالْحَطُّ قَدِ اتُّفِقَ عَلَيْهِ بَعْدَ لُزُومِ الْبَيْعِ:
فَقَدْ قَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ الزِّيَادَةَ الَّتِي يُعْطِيهَا الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ الأَْوَّل فِي الثَّمَنِ الأَْوَّل تَلْتَحِقُ بِأَصْل الْعَقْدِ فَيَبِيعُ الْمُشْتَرِي مُرَابَحَةً بِالثَّمَنِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مَعَ الزِّيَادَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَطَّ الْبَائِعُ الأَْوَّل عَنِ الْمُشْتَرِي شَيْئًا مِنَ الثَّمَنِ فَإِنَّ الْحَطَّ يَلْتَحِقُ بِالأَْصْل، فَإِذَا بَاعَ الْمُشْتَرِي مُرَابَحَةً فَإِنَّ ثَمَنَ الْمُرَابَحَةِ هُوَ الْبَاقِي بَعْدَ الْحَطِّ، وَكَذَلِكَ الْحَال لَوْ حَطَّ الْبَائِعُ الأَْوَّل عَنِ الْمُشْتَرِي بَعْدَمَا بَاعَهُ الْمُشْتَرِي مُرَابَحَةً، فَإِنَّ هَذَا الْحَطَّ يَلْحَقُ رَأْسَ الْمَال الَّذِي بَاعَ بِهِ مَعَ حَطِّ حِصَّتِهِ مِنَ الرِّبْحِ، لأَِنَّ الْحَطَّ يَلْتَحِقُ بِأَصْل الْعَقْدِ، وَقَضِيَّةُ الْحَطِّ مِنَ الرِّبْحِ أَنَّ الرِّبْحَ يَنْقَسِمُ عَلَى جَمِيعِ الثَّمَنِ، فَإِذَا حُطَّ شَيْءٌ مِنَ الثَّمَنِ فَلاَ بُدَّ مِنْ حَطِّ حِصَّتِهِ مِنَ الرِّبْحِ (22) .
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: لَوْ تَجَاوَزَ الْبَائِعُ الأَْوَّل عَنْ نُقُودٍ زَائِفَةٍ ظَهَرَتْ فِي الثَّمَنِ الَّذِي اسْتَلَمَهُ وَرَضِيَ بِهَا وَلَمْ يَرُدَّهَا إِلَى الْمُشْتَرِي - يَعْنِي أَنَّهُ حَطَّهَا - وَكَذَلِكَ لَوْ وَهَبَ الْبَائِعُ الأَْوَّل شَيْئًا مِنَ الثَّمَنِ وَأَرَادَ هَذَا الْمُشْتَرِي أَنْ يَبِيعَ مُرَابَحَةً فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ لِمَنْ يَشْتَرِي مِنْهُ مَا تَجَاوَزَ عَنْهُ الْبَائِعُ أَوْ حَطَّهُ أَوْ وَهَبَ لَهُ إِذَا كَانَتِ الْهِبَةُ أَوِ الْحَطِيطَةُ مُعْتَادَةً بَيْنَ النَّاسِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُعْتَادَةً أَوْ وَهَبَ لَهُ جَمِيعَ الثَّمَنِ قَبْل الاِفْتِرَاقِ أَوْ بَعْدَهُ لَمْ يَجِبِ الْبَيَانُ، فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ مَا وَجَبَ بَيَانُهُ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْكَذِبِ، وَعَلَيْهِ فَإِنْ كَانَتِ السِّلْعَةُ قَائِمَةً وَحَطَّ الْبَائِعُ مُرَابَحَةً مَا وُهِبَ لَهُ مِنَ الثَّمَنِ دُونَ رِبْحِهِ لَزِمَتِ الْمُشْتَرِيَ وَهُوَ قَوْل سَحْنُونٍ وَالْقَوْل عِنْدَ أَصْبَغَ أَنَّهَا لاَ تَلْزَمُهُ حَتَّى يَحُطَّ رِبْحَهُ (23) .
وَالْقَوْل عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّ الزِّيَادَةَ أَوِ الْحَطَّ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ لاَ يَلْتَحِقُ بِأَصْل الْعَقْدِ لأَِنَّ ذَلِكَ هِبَةٌ وَتَبَرُّعٌ، وَهَذَا قَوْل زُفَرَ أَيْضًا.
وَيُضِيفُ الشَّافِعِيَّةُ: أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ إِنَّمَا يَكُونُ إِذَا كَانَتْ صِيغَةُ الْمُرَابَحَةِ: بِعْتُكَ بِمَا اشْتَرَيْتُ، أَمَّا إِذَا كَانَتِ الصِّيغَةُ: بِعْتُكَ بِمَا قَامَ عَلَيَّ فَإِنَّ الزِّيَادَةَ وَالْحَطَّ يُلْحَقُ بِرَأْسِ الْمَال فَيُخْبِرُ الْبَائِعُ بِهِ وَإِنْ حَطَّ الْبَائِعُ الأَْوَّل كُل الثَّمَنِ عَنِ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ الْبَيْعُ مُرَابَحَةً بِلَفْظِ: بِعْتُ بِمَا قَامَ عَلَيَّ، وَإِنَّمَا هُوَ يُقَدِّرُ ثَمَنًا وَلاَ يَجِبُ الإِْخْبَارُ عَنِ الْحَال، أَمَّا إِذَا جَرَى الْحَطُّ وَالزِّيَادَةُ بَعْدَ جَرَيَانِ الْمُرَابَحَةِ فَإِنَّ الْحَطَّ لاَ يَلْحَقُ الْمُشْتَرِيَ فِيهِ، وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَقَال بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ يَلْحَقُ كَمَا فِي التَّوْلِيَةِ وَالإِْشْرَاكِ (24) . وَقَرِيبٌ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ عَنِ الشَّافِعِيَّةِ نَجِدُهُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَيْضًا (25) .

نَمَاءُ الْمَبِيعِ
9 - إِنْ حَدَثَ فِي الْمَبِيعِ زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ كَالْوَلَدِ وَاللَّبَنِ وَالثَّمَرَةِ وَالصُّوفِ وَالْكَسْبِ، لَمْ يَبِعْهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (26) مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ: لأَِنَّ الزِّيَادَةَ الْمُتَوَلِّدَةَ مِنَ الْمَبِيعِ مَبِيعَةٌ عِنْدَهُمْ، حَتَّى تَمْنَعَ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا حِصَّةٌ مِنَ الثَّمَنِ لِلْحَال.
وَكَذَا لَوْ هَلَكَ نَمَاءُ الْمَبِيعِ بِفِعْل الْبَائِعِ أَوْ بِفِعْل أَجْنَبِيٍّ وَوَجَبَ الأَْرْشُ (التَّعْوِيضُ) لأَِنَّهُ صَارَ مَبِيعًا مَقْصُودًا يُقَابِلُهُ الثَّمَنُ، ثُمَّ الْمَبِيعُ بَيْعًا غَيْرَ مَقْصُودٍ لَمْ يَبِعْهُ مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ، فَالْمَبِيعُ مَقْصُودًا أَوْلَى، وَلَوْ هَلَكَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ لأَِنَّهُ إِنْ هَلَكَ طَرَفٌ مِنْ أَطْرَافِهِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، بَاعَهُ مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ، فَالْوَلَدُ أَوْلَى، لأَِنَّهُ مُلْحَقٌ بِالطَّرَفِ.
وَلَوِ اسْتَغَل الْوَلَدَ وَالأَْرْضَ، جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ، لأَِنَّ الزِّيَادَةَ الَّتِي لَيْسَتْ بِمُتَوَلِّدَةٍ مِنَ الْمَبِيعِ، لاَ تَكُونُ مَبِيعَةً بِالإِْجْمَاعِ، وَلِهَذَا لاَ يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ، فَلَمْ يَكُنْ بِبَيْعِ الدَّارِ أَوِ الأَْرْضِ حَابِسًا جُزْءًا مِنَ الْمَبِيعِ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يُبَيِّنُ الْبَائِعُ مُرَابَحَةً وِلاَدَةَ الدَّابَّةِ وَإِنْ بَاعَ وَلَدَهَا مَعَهَا، وَكَذَا الصُّوفُ إِنْ جُزَّ، فَإِنْ تَوَالَدَتِ الْغَنَمُ لَمْ يَبِعْ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ، وَإِنْ جُزَّ الصُّوفُ فَلْيُبَيِّنْهُ، سَوَاءٌ تَمَّ أَمْ لاَ، وَسَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهَا يَوْمَ الشِّرَاءِ أَمْ لاَ، لأَِنَّهُ إِنْ كَانَ يَوْمَئِذٍ تَامًّا، فَقَدْ صَارَ لَهُ حِصَّةٌ مِنَ الثَّمَنِ، فَهَذَا نُقْصَانٌ مِنَ الْغَنَمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَامًّا فَلَمْ يَنْبُتْ إِلاَّ بَعْدَ مُدَّةٍ تَتَغَيَّرُ فِيهَا الأَْسْوَاقُ، أَمَّا إِنْ حَلَبَ الْغَنَمَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ ذَلِكَ فِي الْمُرَابَحَةِ، لأَِنَّ الْغَلَّةَ بِالضَّمَانِ، إِلاَّ أَنْ يَطُول الزَّمَانُ أَوْ تَتَغَيَّرَ الأَْسْوَاقُ، فَلْيُبَيِّنْ ذَلِكَ (27) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ حَدَثَتْ مِنَ الْعَيْنِ فَوَائِدُ فِي مِلْكِهِ كَالْوَلَدِ وَاللَّبَنِ وَالثَّمَرَةِ لَمْ يَحُطَّ ذَلِكَ مِنَ الثَّمَنِ، لأَِنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ، وَإِنْ أَخَذَ ثَمَرَةً كَانَتْ مَوْجُودَةً عِنْدَ الْعَقْدِ أَوْ لَبَنًا كَانَ مَوْجُودًا حَال الْعَقْدِ، حَطَّ مِنَ الثَّمَنِ، لأَِنَّ الْعَقْدَ تَنَاوَلَهُ، وَقَابَلَهُ قِسْطٌ مِنَ الثَّمَنِ، فَأَسْقَطَ مَا قَابَلَهُ، وَإِنْ أَخَذَ وَلَدًا كَانَ مَوْجُودًا حَال الْعَقْدِ، فَإِنْ قُلْنَا: إِنَّ الْحَمْل لَهُ حُكْمٌ، فَهُوَ كَاللَّبَنِ وَالثَّمَرَةِ، وَإِنْ قُلْنَا: لاَ حُكْمَ لَهُ، لَمْ يَحُطَّ مِنَ الثَّمَنِ شَيْئًا (28) . وَوَافَقَ الْحَنَابِلَةُ (29) الشَّافِعِيَّةَ فِي النَّمَاءِ، فَقَالُوا: إِنْ تَغَيَّرَتِ السِّلْعَةُ بِزِيَادَةٍ لِنَمَائِهَا كَالسِّمَنِ وَتَعْلِيمِ صَنْعَةٍ، أَوْ يَحْصُل مِنْهَا نَمَاءٌ مُنْفَصِلٌ كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ وَالْكَسْبِ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَهَا مُرَابَحَةً، أَخْبَرَ بِالثَّمَنِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ، لأَِنَّهُ الْقَدْرُ الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ، وَإِنْ أَخَذَ النَّمَاءَ الْمُنْفَصِل، أَخْبَرَ بِرَأْسِ الْمَال، وَلَمْ يَلْزَمْهُ تَبْيِينُ الْحَال، وَرَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَبْيِينُ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَهُوَ قَوْل إِسْحَاقَ.

إِضَافَةُ الْمُشْتَرِي الأَْوَّل شَيْئًا إِلَى الْمَبِيعِ
- قَال الْحَنَفِيَّةُ: لاَ بَأْسَ بِأَنْ يُلْحَقَ بِرَأْسِ الْمَال أُجْرَةُ الْقَصَّارِ وَالصَّبَّاغِ وَالْغَسَّال وَالْفَتَّال وَالْخَيَّاطِ وَالسِّمْسَارِ وَسَائِقِ الْغَنَمِ وَالْكِرَاءِ، وَعَلَفِ الدَّوَابِّ، وَيُبَاعَ مُرَابَحَةً وَتَوْلِيَةً عَلَى الْكُل، اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ، لأَِنَّ الْعَادَةَ فِيمَا بَيْنَ التُّجَّارِ أَنَّهُمْ يُلْحِقُونَ هَذِهِ الْمُؤَنَ بِرَأْسِ الْمَال، وَيَعُدُّونَهَا مِنْهُ، وَعُرْفُ الْمُسْلِمِينَ وَعَادَتُهُمْ حُجَّةٌ مُطْلَقَةٌ، جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْمَوْقُوفِ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ. مَا رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ، وَمَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ سَيِّئًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ سَيِّئٌ (30) ثُمَّ إِنَّ الصَّبْغَ وَأَمْثَالَهُ يَزِيدُ فِي الْقِيمَةِ: وَالْقِيمَةُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الْمَكَانِ، وَيَقُول: قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا، وَلاَ يَقُول اشْتَرَيْتُهُ بِكَذَا، كَيْلاَ يَكُونَ كَاذِبًا. وَأَمَّا أُجْرَةُ الرَّاعِي وَالطَّبِيبِ وَالْحَجَّامِ وَالْخَتَّانِ وَالْبَيْطَارِ وَفِدَاءِ الْجِنَايَةِ وَمَا أَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ تَعْلِيمِ صَنَاعَةٍ أَوْ قُرْآنٍ أَوْ شِعْرٍ، فَلاَ يُلْحَقُ بِرَأْسِ الْمَال، وَيُبَاعُ مُرَابَحَةً وَتَوْلِيَةً عَلَى الثَّمَنِ الأَْوَّل الْوَاجِبِ بِالْعَقْدِ الأَْوَّل لاَ غَيْرَ، لأَِنَّ الْعَادَةَ مَا جَرَتْ مِنَ التُّجَّارِ بِإِلْحَاقِ هَذِهِ الْمُؤَنِ بِرَأْسِ الْمَال (31) .
وَوَافَقَ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى هَذَا، فَقَالُوا: وَحَسِبَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي رِبْحَ مَا لَهُ عَيْنٌ قَائِمَةٌ بِالسِّلْعَةِ، أَيْ مُشَاهَدَةٌ بِالْبَصَرِ، كَصَبْغٍ وَطَرْزٍ وَقَصْرٍ وَخِيَاطَةٍ وَفَتْلٍ لِحَرِيرٍ وَغَزْلٍ وَكَمْدٍ - بِسُكُونِ الْمِيمِ أَيْ: دَقِّ الثَّوْبِ لِتَحْسِينِهِ - وَتَطَرِّيهِ، أَيْ جَعْل الثَّوْبِ فِي الطَّرَاوَةِ لِيَلِينَ وَتَذْهَبَ خُشُونَتُهُ، وَكَذَا عَرْكُ الْجِلْدِ الْمَدْبُوغِ لِيَلِينَ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَيْنٌ قَائِمٌ كَأُجْرَةِ حَمْل وَشَدِّ وَطَيِّ ثِيَابٍ وَنَحْوِهَا حَسِبَ أَصْلَهُ فَقَطْ دُونَ رِبْحِهِ إِنْ زَادَ فِي الثَّمَنِ (32) .
وَكَذَلِكَ قَال الشَّافِعِيَّةُ: يَدْخُل فِي الثَّمَنِ أُجْرَةُ الْكَيَّال وَالدَّلاَّل وَالْحَارِسِ وَالْقَصَّارِ وَالرَّفَّاءِ وَالطَّرَّازِ وَالصَّبَّاغِ وَقِيمَةُ الصَّبْغِ وَسَائِرِ الْمُؤَنِ الْمُرَادَةِ لِلاِسْتِرْبَاحِ، قَائِلاً: قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا، وَلاَ يَقُول: اشْتَرَيْتُ بِكَذَا، أَوْ ثَمَنُهُ كَذَا، لأَِنَّ ذَلِكَ كَذِبٌ، لَكِنْ لَوْ قَصَّرَ بِنَفْسِهِ أَوْ كَال أَوْ حَمَل أَوْ تَطَوَّعَ بِهِ شَخْصٌ، لَمْ تَدْخُل أُجْرَتُهُ (33) .
وَعِبَارَةُ الْحَنَابِلَةِ: إِذَا عَمِل الْمُشْتَرِي الأَْوَّل عَمَلاً فِي السِّلْعَةِ، كَأَنْ يُقَصِّرَهَا أَوْ يَرْفُوهَا أَوْ يَجْعَلَهَا ثَوْبًا أَوْ يَخِيطَهَا، وَأَرَادَ أَنْ يَبِيعَهَا مُرَابَحَةً، أَخْبَرَ بِالْحَال عَلَى وَجْهِهِ، سَوَاءٌ عَمِل ذَلِكَ بِنَفْسِهِ أَوِ اسْتَأْجَرَ مَنْ عَمِل، وَهَذَا ظَاهِرُ كَلاَمِ أَحْمَدَ، فَإِنَّهُ قَال: يُبَيِّنُ مَا اشْتَرَاهُ وَمَا لَزِمَهُ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَقُول: تَحَصَّلَتْ عَلَيَّ بِكَذَا (34) .

تَعَيُّبُ الْمَبِيعِ أَوْ نَقْصُهُ
11 - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا حَدَثَ بِالسِّلْعَةِ عَيْبٌ فِي يَدِ الْبَائِعِ أَوْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَأَرَادَ أَنْ يَبِيعَهَا مُرَابَحَةً يُنْظَرُ: إِنْ حَدَثَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مُرَابَحَةً بِجَمِيعِ الثَّمَنِ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ، وَقَال زُفَرُ: لاَ يَبِيعُهَا مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ، وَإِنْ حَدَثَ بِفِعْلِهِ أَوْ بِفِعْل أَجْنَبِيٍّ لَمْ يَبِعْهُ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ بِإِجْمَاعِ الْحَنَفِيَّةِ (35) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يَجِبُ عَلَى بَائِعِ الْمُرَابَحَةِ تَبْيِينُ مَا يُكْرَهُ فِي ذَاتِ الْمَبِيعِ أَوْ وَصْفِهِ كَأَنْ يَكُونَ الثَّوْبُ مُحَرَّقًا أَوِ الْحَيَوَانُ مَقْطُوعَ عُضْوٍ وَتَغَيَّرَ الْوَصْفُ كَكَوْنِ الْعَبْدِ يَأْبَقُ أَوْ يَسْرِقُ، فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ مَا يُكْرَهُ فِي ذَاتِ الْمَبِيعِ أَوْ وَصْفِهِ كَانَ كَذِبًا أَوْ غِشًّا، فَإِنْ تَحَقَّقَ عَدَمُ كَرَاهَتِهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْبَيَانُ (36) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يَلْزَمُ الْبَائِعَ أَنْ يَصْدُقَ فِي بَيَانِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ بِآفَةٍ أَوْ جِنَايَةٍ تُنْقِصُ الْقِيمَةَ أَوِ الْعَيْنَ، لأَِنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ، وَلأَِنَّ الْحَادِثَ يَنْقُصُ بِهِ الْمَبِيعُ، وَلاَ يَكْفِي فِيهِ تَبْيِينُ الْعَيْبِ فَقَطْ لِيُوهِمَ الْمُشْتَرِيَ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ الشِّرَاءِ وَأَنَّ الثَّمَنَ الْمَبْذُول كَانَ فِي مُقَابَلَتِهِ مَعَ الْعَيْبِ، وَلَوْ كَانَ فِيهِ عَيْبٌ قَدِيمٌ اطَّلَعَ عَلَيْهِ بَعْدَ الشِّرَاءِ أَوْ رَضِيَ بِهِ وَجَبَ بَيَانُهُ أَيْضًا، وَلَوْ أَخَذَ أَرْشَ عَيْبٍ وَبَاعَ بِلَفْظِ: قَامَ عَلَيَّ حَطَّ الأَْرْشَ، أَوْ بِلَفْظِ: مَا اشْتَرَيْتُ، ذَكَرَ صُورَةَ مَا جَرَى بِهِ الْعَقْدُ مَعَ الْعَيْبِ وَأَخْذِ الأَْرْشِ، لأَِنَّ الأَْرْشَ الْمَأْخُوذَ جُزْءٌ مِنَ الثَّمَنِ، وَإِنْ أَخَذَ الأَْرْشَ عَنْ جِنَايَةٍ بِأَنْ قَطَعَ يَدَ الْمَبِيعِ، وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ وَنَقَصَ ثَلاَثِينَ، وَأَخَذَ مِنَ الْجَانِي نِصْفَ الْقِيمَةِ خَمْسِينَ، فَالْمَحْطُوطُ مِنَ الثَّمَنِ الأَْقَل مِنْ أَرْشِ النَّقْصِ وَنِصْفُ الْقِيمَةِ إِنْ بَاعَ بِلَفْظِ: قَامَ عَلَيَّ، وَإِنْ كَانَ نَقْصُ الْقِيمَةِ أَكْثَرَ مِنَ الأَْرْشِ كَسِتِّينَ حَطَّ مَا أَخَذَ مِنَ الثَّمَنِ ثُمَّ أَخْبَرَ مَعَ إِخْبَارِهِ بِقِيَامِهِ عَلَيْهِ بِالْبَاقِي بِنِصْفِ الْقِيمَةِ، وَإِنْ بَاعَ بِلَفْظِ: مَا اشْتَرَيْتُ ذَكَرَ الثَّمَنَ وَالْجِنَايَةَ (37) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِذَا تَغَيَّرَتِ السِّلْعَةُ بِنَقْصٍ كَمَرَضٍ أَوْ جِنَايَةٍ أَوْ تَلَفِ بَعْضِهَا أَوْ بِوِلاَدَةٍ أَوْ عَيْبٍ، أَوْ أَخَذَ الْمُشْتَرِي بَعْضَهَا كَالصُّوفِ وَاللَّبَنِ الْمَوْجُودِ وَنَحْوِهِ، أَخْبَرَ بِالْحَال عَلَى وَجْهِهِ، بِلاَ خِلاَفٍ، وَإِنْ أَخَذَ أَرْشَ الْعَيْبِ أَوِ الْجِنَايَةِ أَخْبَرَ بِذَلِكَ عَلَى وَجْهِهِ، كَمَا ذَكَرَ الْقَاضِي لأَِنَّ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي الصِّدْقِ وَنَفْيِ التَّغْرِيرِ بِالْمُشْتَرِي وَالتَّدْلِيسِ عَلَيْهِ، وَقَال أَبُو الْخَطَّابِ: يَحُطُّ أَرْشَ الْعَيْبِ مِنَ الثَّمَنِ، وَيُخْبِرُ بِالْبَاقِي: لأَِنَّ أَرْشَ الْعَيْبِ عِوَضُ مَا فَاتَ بِهِ، فَكَانَ ثَمَنُ الْمَوْجُودِ هُوَ مَا بَقِيَ، وَفِي أَرْشِ الْجِنَايَةِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا يَحُطُّهُ مِنَ الثَّمَنِ كَأَرْشِ الْعَيْبِ، وَالثَّانِي: لاَ يَحُطُّهُ كَالنَّمَاءِ (38) .

تَعَدُّدُ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ:
12 - إِذَا اشْتَرَى شَخْصٌ ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ مَثَلاً، ثُمَّ بَاعَهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ، أَخْبَرَ عِنْدَ بَيْعِهِ ثَانِيَةً مُرَابَحَةً أَنَّهُ بِعَشَرَةٍ وَذَلِكَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَجُمْهُورِ الْحَنَابِلَةِ وَالصَّاحِبَيْنِ (أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ) لأَِنَّهُ صَادِقٌ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ تُهْمَةٌ وَلاَ تَغْرِيرٌ بِالْمُشْتَرِي، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَرْبَحْ فِيهِ. وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ وَالْقَاضِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ وَأَصْحَابُهُ: لاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ مُرَابَحَةً إِلاَّ أَنْ يُبَيِّنَ أَمْرَهُ، أَوْ يُخْبِرَ أَنَّ رَأْسَ مَالِهِ عَلَيْهِ خَمْسَةٌ وَيَقُول: قَامَ عَلَيَّ بِخَمْسَةٍ، لأَِنَّ الْمُرَابَحَةَ تُضَمُّ فِيهَا الْعُقُودُ، فَيُخْبِرُ بِمَا تَقُومُ عَلَيْهِ، كَمَا تُضَمُّ أُجْرَةُ الْقَصَّارِ وَالْخَيَّاطِ (39) .

ظُهُورُ الْخِيَانَةِ فِي الْمُرَابَحَةِ
13 - إِذَا ظَهَرَتِ الْخِيَانَةُ فِي الْمُرَابَحَةِ بِإِقْرَارِ الْبَائِعِ فِي عَقْدِ الْمُرَابَحَةِ، أَوْ بِبُرْهَانٍ عَلَيْهَا أَوْ بِنُكُولِهِ عَنِ الْيَمِينِ، فَإِمَّا أَنْ تَظْهَرَ فِي صِفَةِ الثَّمَنِ أَوْ فِي قَدْرِهِ.
فَإِنْ ظَهَرَتْ فِي صِفَةِ الثَّمَنِ: بِأَنِ اشْتَرَى شَيْئًا نَسِيئَةً، ثُمَّ بَاعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الأَْوَّل، وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ نَسِيئَةً، ثُمَّ عَلِمَ الْمُشْتَرِي، فَلَهُ الْخِيَارُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (40) إِنْ شَاءَ أَخَذَ الْمَبِيعَ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ، لأَِنَّ الْمُرَابَحَةَ عَقْدٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الأَْمَانَةِ، إِذْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ اعْتَمَدَ عَلَى أَمَانَةِ الْبَائِعِ فِي الإِْخْبَارِ عَنِ الثَّمَنِ الأَْوَّل، فَكَانَتْ صِيَانَةُ الْبَيْعِ الثَّانِي عَنِ الْخِيَانَةِ مَشْرُوطَةً دَلاَلَةً، فَإِذَا لَمْ يَتَحَقَّقِ الشَّرْطُ ثَبَتَ الْخِيَارُ، كَمَا فِي حَالَةِ عَدَمِ تَحَقُّقِ سَلاَمَةِ الْمَبِيعِ عَنِ الْعَيْبِ. وَكَذَا إِذَا لَمْ يُخْبِرْ أَنَّ الشَّيْءَ الْمَبِيعَ كَانَ بَدَل صُلْحٍ فَلِلْمُشْتَرِي الثَّانِي الْخِيَارُ، وَإِنْ ظَهَرَتِ الْخِيَانَةُ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ فِي الْمُرَابَحَةِ، بِأَنْ قَال: اشْتَرَيْتُ بِعَشَرَةٍ، وَبِعْتُكَ بِرِبْحِ كَذَا، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ اشْتَرَاهُ بِتِسْعَةٍ، فَقَال أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ: الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ: إِنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، لأَِنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَرْضَ بِلُزُومِ الْعَقْدِ إِلاَّ بِالْقَدْرِ الْمُسَمَّى مِنَ الثَّمَنِ، فَلاَ يَلْزَمُ بِدُونِهِ، وَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ، لِوُجُودِ الْخِيَانَةِ، كَمَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ بِعَدَمِ تَحَقُّقِ سَلاَمَةِ الْمَبِيعِ عَنِ الْعَيْبِ.
وَقَال أَبُو يُوسُفَ: لاَ خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي، وَلَكِنْ يَحُطُّ قَدْرَ الْخِيَانَةِ، وَهُوَ دِرْهَمٌ وَحِصَّتُهُ مِنَ الرِّبْحِ، وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ عَشَرَةِ أَجْزَاءٍ مِنْ دِرْهَمٍ، لأَِنَّ الثَّمَنَ الأَْوَّل أَصْلٌ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ، فَإِذَا ظَهَرَتِ الْخِيَانَةُ تَبَيَّنَ أَنَّ تَسْمِيَةَ قَدْرِ الْخِيَانَةِ لَمْ تَصِحَّ، فَتَلْغُو التَّسْمِيَةُ فِي قَدْرِ الْخِيَانَةِ وَيَبْقَى الْعَقْدُ لاَزِمًا بِالثَّمَنِ الْبَاقِي (41) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ كَذَبَ الْبَائِعُ بِالزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ، لَزِمَ الْمُبْتَاعَ الشِّرَاءُ إِنْ حَطَّهُ الْبَائِعُ عَنْهُ وَحَطَّ رِبْحَهُ أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يَحُطَّهُ وَرِبْحَهُ عَنْهُ، خُيِّرَ الْمُشْتَرِي بَيْنَ الإِْمْسَاكِ وَالرَّدِّ (42) . وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: وَلْيَصْدُقِ الْبَائِعُ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ وَالأَْجَل وَالشِّرَاءِ بِالْعَرَضِ وَبَيَانِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ، فَلَوْ قَال: بِمِائَةٍ، فَبَانَ بِتِسْعِينَ، فَالأَْظْهَرُ أَنَّهُ يَحُطُّ الزِّيَادَةَ وَرِبْحَهَا وَأَنَّهُ لاَ خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي (43) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: لاَ يَفْسُدُ الْبَيْعُ بِالإِْخْبَارِ بِخِلاَفِ الْوَاقِعِ فِي الثَّمَنِ، وَإِنَّمَا يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ قَبُول الْمَبِيعِ بِالثَّمَنِ أَوِ الرَّدِّ وَفَسْخِ الْعَقْدِ، أَيْ يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بَيْنَ أَخْذِ الْمَبِيعِ وَالرَّدِّ، لأَِنَّ الْمُشْتَرِيَ دَخَل عَلَيْهِ ضَرَرٌ فِي الْتِزَامِهِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ كَالْمَعِيبِ، أَمَّا الإِْخْبَارُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى رَأْسِ الْمَال فَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالزِّيَادَةِ وَحَطِّهَا مِنَ الرِّبْحِ (44) .

الْبَيْعُ مُرَابَحَةً لِلآْمِرِ بِالشِّرَاءِ
- نَصَّ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ: إِذَا أَرَى الرَّجُل الرَّجُل السِّلْعَةَ، فَقَال: اشْتَرِ هَذِهِ، وَأُرْبِحُكَ فِيهَا كَذَا، فَاشْتَرَاهَا الرَّجُل، فَالشِّرَاءُ جَائِزٌ وَالَّذِي قَال: أُرْبِحُكَ فِيهَا بِالْخِيَارِ، إِنْ شَاءَ أَحْدَثَ فِيهَا بَيْعًا، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ.
وَهَكَذَا إِنْ قَال: اشْتَرِ لِي مَتَاعًا وَوَصَفَهُ لَهُ، أَوْ مَتَاعًا أَيَّ مَتَاعٍ شِئْتَ، وَأَنَا أُرْبِحُكَ فِيهِ، فَكُل هَذَا سَوَاءٌ، يَجُوزُ الْبَيْعُ الأَْوَّل، وَيَكُونُ فِيمَا أَعْطَى مِنْ نَفْسِهِ بِالْخِيَارِ، وَسَوَاءٌ فِي هَذَا مَا وَصَفَ، إِنْ كَانَ قَال: ابْتَعْهُ وَأَشْتَرِيهِ مِنْكَ بِنَقْدٍ أَوْ دَيْنٍ، يَجُوزُ الْبَيْعُ الأَْوَّل، وَيَكُونُ بِالْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ الآْخَرِ، فَإِنْ جَدَّدَاهُ جَازَ.
وَإِنْ تَبَايَعَا بِهِ عَلَى أَنْ أَلْزَمَا أَنْفُسَهُمَا الأَْمْرَ الأَْوَّل، فَهُوَ مَفْسُوخٌ مِنْ قِبَل شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ تَبَايَعَاهُ قَبْل تَمَلُّكِ الْبَائِعِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ عَلَى مَخَاطِرِهِ أَنَّكَ إِذَا اشْتَرَيْتَهُ عَلَى كَذَا، أُرْبِحُكَ فِيهِ كَذَا (1) .
وَهَذَا مُصَرَّحٌ بِهِ أَيْضًا لَدَى الْمَالِكِيَّةِ، حَيْثُ قَالُوا: مِنَ الْبَيْعِ الْمَكْرُوهِ: أَنْ يَقُول: أَعِنْدَكَ كَذَا وَكَذَا تَبِيعُهُ مِنِّي بِدَيْنٍ؟ فَيَقُول: لاَ، فَيَقُول: ابْتَعْ ذَلِكَ، وَأَنَا أَبْتَاعُهُ مِنْكَ بِدَيْنٍ، وَأُرْبِحُكَ فِيهِ، فَيَشْتَرِي ذَلِكَ، ثُمَّ يَبِيعُهُ مِنْهُ عَلَى مَا تَوَاعَدَا عَلَيْهِ (2) .
__________
(1) الصحاح للجوهري.
(2) الهداية مع فتح القدير 6 / 494، ودرر الحكام 2 / 180، وبدائع الصنائع 7 / 3193 ط. الإمام بالقاهرة، والقوانين الفقهية لابن جزي ص263، والشرح الصغير 3 / 215، ومغني المحتاج 2 / 77، والمهذب 1 / 382 - ط. ثالثة.
(3) القوانين الفقهية لابن جزي ص263.
(4) الشرح الصغير 3 / 215.
(5) فتح القدير شرح الهداية 6 / 495.
(6) درر الحكام 2 / 180، والمراجع السابقة.
(7) سورة البقرة / 275.
(8) سورة النساء / 29.
(9) فتح القدير 6 / 497، والمهذب 1 / 382 - ط. ثالثة، والمغني 4 / 199 - ط الرياض.
(10) الشرح الصغير 3 / 215 وما بعدها، ومواهب الجليل للحطاب 4 / 488 وما بعدها.
(11) المغني 4 / 199 - ط. الرياض، ومغني المحتاج 2 / 77.
(12) بدائع الصنائع 7 / 3197 - ط. الإمام بالقاهرة.
(13) بدائع الصنائع 7 / 3193 - 3197 ط. الإمام أو 5 / 220 - 222 - ط أولى مصر، والمغني 4 / 199 - ط. الرياض، ومغني المحتاج 2 / 77، وجواهر الإكليل 2 / 57.
(14) بدائع الصنائع 5 / 221، فتح القدير 5 / 254، والبحر الرائق 6 / 118.
(15) الخرشي 5 / 172، ومنح الجليل 2 / 182.
(16) فتح العزيز 9 / 11، ومغني المحتاج 2 / 79.
(17) المغني والشرح الكبير 4 / 263، وكشاف القناع 3 / 232.
(18) المبسوط 13 / 82، 89، وبدائع الصنائع 5 / 222.
(19) بدائع الصنائع 7 / 3195 - ط. الإمام، والشرح الصغير 3 / 215، ومغني المحتاج 2 / 77 وما بعدها، والمغني 4 / 199 - ط. الرياض.
(20) المغني والشرح الكبير 4 / 260.
(21) المهذب 1 / 296.
(22) بدائع الصنائع 5 / 222.
(23) الخرشي 5 / 176 - 177، ومنح الجليل 2 / 188.
(24) المهذب 1 / 296، وفتح العزيز 9 / 10، ومغني المحتاج 2 / 78، وانظر رأي زفر في بدائع الصنائع 5 / 223.
(25) المغني والشرح الكبير 4 / 260، والإنصاف 4 / 441.
(26) بدائع الصنائع 5 / 223، 224.
(27) التاج والإكليل للمواق بهامش الحطاب 4 / 493.
(28) المهذب 1 / 296 - ط. ثالثة.
(29) المغني 4 / 201 - ط. الرياض.
(30) حديث: " ما رأى المسلمون حسنًا. . . ". أخرجه أحمد (1 / 379) ، وحسنه السخاوي في المقاصد الحسنة (ص367) .
(31) بدائع الصنائع 5 / 223، وفتح القدير 6 / 498.
(32) الشرح الصغير 3 / 217، ومواهب الجليل للحطاب 4 / 489 وما بعدها.
(33) مغني المحتاج 2 / 78، والمهذب 1 / 295.
(34) المغني 4 / 201.
(35) بدائع الصنائع 5 / 223.
(36) الدسوقي 3 / 164.
(37) مغني المحتاج 2 / 79.
(38) المغني 4 / 201.
(39) فتح القدير 6 / 501 - ط. بيروت، والمهذب 1 / 296 - ط. ثالثة، والمغني 4 / 205 - ط. الرياض، ومواهب الجليل للحطاب والمواق بهامشه 4 / 493.
(40) بدائع الصنائع 7 / 3206 - ط. الإمام، وفتح القدير 6 / 507.
(41) المبسوط 13 / 86، وبدائع الصنائع 7 / 3206 - ط. الإمام وما بعدها - ط. أولى، وفتح القدير 5 / 256، والدر المختار 4 / 163.
(42) الشرح الصغير 3 / 224.
(43) مغني المحتاج 2 / 79.
(44) المغني 4 / 198 وما بعدها 206.

الموسوعة الفقهية الكويتية: 318/ 36