الرب
كلمة (الرب) في اللغة تعود إلى معنى التربية وهي الإنشاء...
الموضعُ المبْنِيُّ المحيطُ بالكعبة المعظمة بمكة المكرمة . ومن أمثلته وجوب التوجه في الصلاة نحو المسجد الحرام . ومن شواهده قوله تَعَالَى : ﱫﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﱪ البقرة :144
يَرِدُ اطْلاَقُ لَفْظِ (المَسْجِدِ الحَرامِ) فِي كِتابِ الصِّيامِ فِي بَابِ الاعْتِكافِ، وَكِتابِ الزَّكاةِ فِي بَابِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، وَكِتابِ الحَجِّ فِي بَابِ المَوَاقِيتِ، وَكِتابِ الأَيْمانِ وَالنُّذورِ.
الموضعُ المبْنِيُّ المحيطُ بالكعبة المعظمة بمكة المكرمة.
* إعلام الساجد باحكام المساجد : ص29 - تـهذيب الأسـماء واللغات : 152/4 - المطلع على ألفاظ المقنع : ص158 - إعلام الساجد باحكام المساجد : ص29 -
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمَسْجِدُ - بِكَسْرِ الْجِيمِ - فِي اللُّغَةِ: مَوْضِعُ السُّجُودِ مِنْ بَدَنِ الإِْنْسَانِ، وَبَيْتُ الصَّلاَةِ (1) .
وَالْمَسْجِدُ شَرْعًا هُوَ كُل مَوْضِعٍ مِنَ الأَْرْضِ لِقَوْلِهِ ﷺ جُعِلَتْ لِي الأَْرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا (2) ، ثُمَّ إِنَّ الْعُرْفَ خَصَّصَ الْمَسْجِدَ بِالْمَكَانِ الْمُهَيَّأِ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ (3) .
وَالْمَسْجِدُ الْحَرَامُ فِي الاِصْطِلاَحِ - كَمَا قَال النَّوَوِيُّ - قَدْ يُرَادُ بِهِ الْكَعْبَةُ فَقَطْ، وَقَدْ يُرَادُ بِهِ الْمَسْجِدُ حَوْلَهَا مَعَهَا، وَقَدْ يُرَادُ بِهِ مَكَّةُ كُلُّهَا مَعَ الْحَرَمِ حَوْلَهَا، وَقَدْ جَاءَتْ نُصُوصُ الشَّرْعِ بِهَذِهِ الأَْقْسَامِ (4) .
وَسُمِّيَ الْمَسْجِدُ حَرَامًا لأَِنَّهُ لاَ يَحِل انْتِهَاكُهُ فَلاَ يُصَادُ عِنْدَهُ وَلاَ حَوْلَهُ وَلاَ يُخْتَلَى مَا عِنْدَهُ مِنَ الْحَشِيشِ -.
قَال الْعُلَمَاءُ: وَأُرِيدَ بِتَحْرِيمِ الْبَيْتِ سَائِرُ الْحَرَمِ (5) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْمَسْجِدُ النَّبَوِيُّ
2 - الْمَسْجِدُ النَّبَوِيُّ هُوَ الْمَسْجِدُ الَّذِي بَنَاهُ رَسُول اللَّهِ ﷺ فِي مَوْقِعِهِ الْمَعْرُوفِ بِالْمَدِينَةِ حِينَ قَدِمَ مُهَاجِرًا إِلَيْهَا مِنْ مَكَّةَ، وَهُوَ ثَانِي الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ (6) .
وَالصِّلَةُ أَنَّ كُلًّا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ مِنَ الْمَسَاجِدِ الَّتِي تُشَدُّ إِلَيْهَا الرِّحَال وَيُضَاعَفُ فِيهَا الأَْجْرُ.
ب - الْمَسْجِدُ الأَْقْصَى
3 - الْمَسْجِدُ الأَْقْصَى هُوَ الْمَسْجِدُ الْمَعْرُوفُ فِي مَدِينَةِ الْقُدْسِ وَقَدْ بُنِيَ عَلَى سَفْحِ الْجَبَل، وَيُسَمَّى بَيْتَ الْمَقْدِسِ أَيِ الْبَيْتُ الْمُطَهَّرُ الَّذِي يُتَطَهَّرُ فِيهِ مِنَ الذُّنُوبِ.
(ر: الْمَسْجِدُ الأَْقْصَى) .
وَالصِّلَةُ أَنَّ كُلًّا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الأَْقْصَى مِنَ الْمَسَاجِدِ الَّتِي تُشَدُّ إِلَيْهَا الرِّحَال وَيُضَاعَفُ فِيهَا الأَْجْرُ.
بِنَاءُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
4 - أَوَّل مَسْجِدٍ وُضِعَ عَلَى الأَْرْضِ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ، وَهُوَ مَسْجِدُ مَكَّةَ (7) ، كَمَا قَال اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ أَوَّل بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ} (8) ، وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ ﵁ قَال: قُلْتُ: يَا رَسُول اللَّهِ أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَْرْضِ أَوَّل؟ فَقَال: الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَال: الْمَسْجِدُ الأَْقْصَى، قُلْتُ وَكَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَال: أَرْبَعُونَ عَامًا (9) .
قَال ابْنُ الْجَوْزِيِّ: إِنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ كَانَ صَغِيرًا وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ جِدَارٌ إِنَّمَا كَانَتِ الدُّورُ مُحْدِقَةً بِهِ، وَبَيْنَ الدُّورِ أَبْوَابٌ يَدْخُل النَّاسُ مِنْ كُل نَاحِيَةٍ فَضَاقَ عَلَى النَّاسِ الْمَسْجِدُ فَاشْتَرَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ﵁ دُورًا فَهَدَمَهَا، ثُمَّ أَحَاطَ عَلَيْهِ جِدَارًا قَصِيرًا، ثُمَّ وَسَّعَ الْمَسْجِدَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ ﵁ وَاشْتَرَى مِنْ قَوْمٍ، ثُمَّ زَادَ ابْنُ الزُّبَيْرِ ﵄ فِي الْمَسْجِدِ وَاشْتَرَى دُورًا وَأَدْخَلَهَا فِيهِ، وَأَوَّل مَنْ نَقَل إِلَيْهِ أَسَاطِينَ الرُّخَامِ وَسَقَفَهُ بِالسَّاجِ الْمُزَخْرَفِ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، ثُمَّ زَادَ الْمَنْصُورُ فِي شِقِّهِ الشَّامِيِّ ثُمَّ زَادَ الْمَهْدِيُّ، وَكَانَتِ الْكَعْبَةُ فِي جَانِبٍ فَأَحَبَّ أَنْ تَكُونَ وَسَطًا فَاشْتَرَى مِنَ النَّاسِ الدُّورَ وَوَسَطَهَا (10) .
ثُمَّ تَوَالَتِ الزِّيَادَاتُ فِيهِ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا.
الْمُفَاضَلَةُ بَيْنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمَسَاجِدِ
5 - صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ أَعْظَمَ الْمَسَاجِدِ حُرْمَةً الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ ثُمَّ مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ ثُمَّ مَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ الْجَوَامِعُ ثُمَّ مَسَاجِدُ الْمَحَال ثُمَّ مَسَاجِدُ الشَّوَارِعِ ثُمَّ مَسَاجِدُ الْبُيُوتِ (11) .
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ عَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ أَفْضَل الْمَسَاجِدِ وَيَلِيهِ مَسْجِدُ مَكَّةَ وَيَلِيهِ مَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ (12) .
شَدُّ الرِّحَال إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
6 - الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ هُوَ أَحَدُ الْمَسَاجِدِ الثَّلاَثَةِ الَّتِي تُشَدُّ إِلَيْهَا الرِّحَال، وَفِي الْحَدِيثِ: لاَ تُشَدُّ الرِّحَال إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُول ﷺ وَالْمَسْجِدِ الأَْقْصَى (13) . هَذَا الْحَدِيثُ يَدُل عَلَى فَضِيلَةِ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ وَمَزِيَّتِهَا لِكَوْنِهَا مَسَاجِدِ الأَْنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ، وَلأَِنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ قِبْلَةُ النَّاسِ وَإِلَيْهِ حَجُّهُمْ، وَمَسْجِدُ الرَّسُول ﷺ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى وَالْمَسْجِدُ الأَْقْصَى كَانَ قِبْلَةَ الأُْمَمِ السَّابِقَةِ، وَأُولَى الْقِبْلَتَيْنِ (14) .
تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
7 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ أَوَّل مَا يَبْدَأُ بِهِ دَاخِل الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الطَّوَافُ مُحْرِمًا أَوْ غَيْرَ مُحْرِمٍ دُونَ الصَّلاَةِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ، أَوْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِيَّةِ وَلَوِ الْوِتْرَ، أَوْ سُنَّةً رَاتِبَةً، أَوْ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ، فَيُقَدِّمُ الصَّلاَةَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ عَلَى الطَّوَافِ (15) .
قَال الْمُنْلاَ عَلِيٌّ: مَنْ دَخَل الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ لاَ يَشْتَغِل بِتَحِيَّةِ لأَِنَّ تَحِيَّةَ هَذَا الْمَسْجِدِ الشَّرِيفِ هِيَ الطَّوَافُ لِمَنْ عَلَيْهِ الطَّوَافُ أَوْ أَرَادَهُ، بِخِلاَفِ مَنْ لَمْ يُرِدْهُ، أَوْ أَرَادَ أَنْ يَجْلِسَ فَلاَ يَجْلِسُ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْوَقْتُ مَكْرُوهًا (16) .
وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ عَابِدِينَ أَنَّهُ لاَ يُصَلِّي مُرِيدُ الطَّوَافِ لِلتَّحِيَّةِ أَصْلاً لاَ قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ، وَلَعَل وَجْهَهُ انْدِرَاجُهَا فِي رَكْعَتَيْهِ (17) .
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي حَقِّ الآْفَاقِيِّ، وَكَذَلِكَ الْمَكِّيُّ الْمَأْمُورُ بِالطَّوَافِ الطَّوَافُ، وَأَمَّا الْمَكِّيُّ الَّذِي لَمْ يُؤْمَرْ بِطَوَافٍ وَلَمْ يَدْخُلْهُ لأَِجْل الطَّوَافِ، بَل لِلْمُشَاهَدَةِ أَوْ لِلصَّلاَةِ أَوْ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، فَتَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ فِي حَقِّهِ الصَّلاَةُ (18) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ الصَّلاَةُ وَتَحِيَّةَ الْبَيْتِ الطَّوَافُ، وَلَيْسَ الطَّوَافُ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ (19) ، وَلَكِنْ تَدْخُل التَّحِيَّةُ فِي رَكْعَتَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا (20) .
وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الصَّلاَةُ وَتُجْزِئُ عَنْهَا الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الطَّوَافِ (21) .
وَنَقَل ابْنُ مُسْدِيٍّ فِي " إِعْلاَمِ النَّاسِكِ " عَنْ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يُحَيِّي الْمَسْجِدَ أَوَّلاً بِرَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَقْصِدُ الطَّوَافَ (22) .
فَضْل الصَّلاَةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
8 - إِنَّ صَلاَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَل مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْمَسَاجِدِ (23) ، رَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ﵄ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي أَفْضَل مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلاَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَصَلاَةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَل مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ (24) .
ثُمَّ إِنَّ التَّضْعِيفَ الْمَذْكُورَ يَرْجِعُ إِلَى الثَّوَابِ وَلاَ يَتَعَدَّى إِلَى الإِْجْزَاءِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ كَمَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ فَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ صَلاَتَانِ فَصَلَّى فِي أَحَدِ الْمَسْجِدَيْنِ (الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوِ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ) صَلاَةً لَمْ تُجْزِئْ إِلاَّ عَنْ وَاحِدَةٍ (25) .
9 - وَالْفُقَهَاءُ مُتَّفِقُونَ عَلَى فَضِيلَةِ الْفَرْضِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَلَى الْفَرْضِ فِي غَيْرِهِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي شُمُول هَذَا الْفَضْل الْفَرْضَ وَالنَّفْل.
قَال الْفَاسِيُّ الْمَالِكِيُّ: إِنَّ الْفَضْل يَخْتَصُّ بِالْفَرْضِ وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِنَا وَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ (26) ، وَنَقَل ابْنُ عَابِدِينَ قَوْل الْفَاسِيِّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعَقِّبَ عَلَيْهِ، وَنَسَبَ الْعَيْنِيُّ هَذَا الْقَوْل إِلَى الطَّحَاوِيِّ أَيْضًا (27) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَذْهَبِ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْمُضَاعَفَةَ لاَ تَخْتَصُّ بِالْفَرِيضَةِ بَل تَعُمُّ النَّفْل وَالْفَرْضَ، قَال الزَّرْكَشِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَذْهَبَ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْمَسْأَلَةِ: وَهُوَ لاَزِمٌ لِلأَْصْحَابِ مِنِ اسْتِثْنَائِهِمُ النَّفْل بِمَكَّةَ مِنَ الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ لأَِجْل زِيَادَةِ الْفَضِيلَةِ (28) .
وَقَال الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ الْحَنْبَلِيُّ: ظَاهِرُ الأَْخْبَارِ أَنَّ النَّفْل فِي الْبَيْتِ أَفْضَل، قَال عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: أَفْضَل الصَّلاَةِ صَلاَةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلاَّ الْمَكْتُوبَةَ (29) ، قَال: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُمْ إِلاَّ النِّسَاءَ لأَِنَّ صَلاَتَهُنَّ فِي بُيُوتِهِنَّ أَفْضَل، وَالأَْخْبَارُ مَشْهُورَةٌ فِي ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلاَمِ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ (30) .
الْمُرَادُ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي تُضَاعَفُ فِيهِ الصَّلاَةُ
10 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمُضَاعَفَةَ تَعُمُّ جَمِيعَ حَرَمِ مَكَّةَ (31) ، فَقَدْ وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَال: بَيْنَمَا ابْنُ الزُّبَيْرِ يَخْطُبُنَا إِذْ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَل مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلاَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَصَلاَةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ تَفْضُل بِمِائَةٍ، قَال عَطَاءٌ فَكَأَنَّهُ مِائَةُ أَلْفٍ، قَال: قُلْتُ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ هَذَا الْفَضْل الَّذِي يُذْكَرُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحْدَهُ أَوْ فِي الْحَرَمِ؟ قَال: بَل فِي الْحَرَمِ، فَإِنَّ الْحَرَمَ كُلَّهُ مَسْجِدٌ (32) .
وَقَال ابْنُ مُفْلِحٍ: ظَاهِرُ كَلاَمِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنَّهُ نَفْسُ الْمَسْجِدِ، وَمَعَ هَذَا فَالْحَرَمُ أَفْضَل مِنَ الْحِل، فَالصَّلاَةُ فِيهِ أَفْضَل (33) .
وَقَال الزَّرْكَشِيُّ: يَتَحَصَّل فِي الْمُرَادِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي تُضَاعَفُ فِيهِ الصَّلاَةُ سَبْعَةُ أَقْوَالٍ.
الأَْوَّل: أَنَّهُ الْمَكَانُ الَّذِي يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ الإِْقَامَةُ فِيهِ.
الثَّانِي: أَنَّهُ مَكَّةُ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ الْحَرَمُ كُلُّهُ إِلَى الْحُدُودِ الْفَارِقَةِ بَيْنَ الْحِل وَالْحَرَمِ، قَالَهُ عَطَاءٌ وَقَدْ سَبَقَ مِثْلُهُ عَنِ الْمَاوَرْدِيِّ وَغَيْرِهِ، وَقَال الرُّويَانِيُّ: فُضِّل الْحَرَمُ عَلَى سَائِرِ الْبِقَاعِ فَرُخِّصَ فِي الصَّلاَةِ فِيهِ فِي جَمِيعِ الأَْوْقَاتِ لِفَضِيلَةِ الْبُقْعَةِ وَحِيَازَةِ الثَّوَابِ الْمُضَاعَفِ، وَقَال الزَّرْكَشِيُّ: وَهَذَا فِيهِ تَصْرِيحٌ بِهَذَا الْقَوْل. الرَّابِعُ: أَنَّهُ الْكَعْبَةُ، قَال الزَّرْكَشِيُّ وَهُوَ أَبْعَدُهَا.
الْخَامِسُ: أَنَّهُ الْكَعْبَةُ وَالْمَسْجِدُ حَوْلَهَا، وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي اسْتِقْبَال الْقِبْلَةِ.
السَّادِسُ: أَنَّهُ جَمِيعُ الْحَرَمِ وَعَرَفَةَ، قَالَهُ ابْنُ حَزْمٍ.
السَّابِعُ: أَنَّهُ الْكَعْبَةُ وَمَا فِي الْحَجَرِ مِنَ الْبَيْتِ، وَهُوَ قَوْل صَاحِبِ الْبَيَانِ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيَّةِ (34) .
وَحَكَى الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ خِلاَفَ الْفُقَهَاءِ فِي مَكَانِ الْمُضَاعَفَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الصَّلاَةِ، وَرَجَّحَ أَنَّ الْمُضَاعَفَةَ تَخْتَصُّ بِمَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ (35) .
تَقَدُّمُ الْمَأْمُومِ عَلَى الإِْمَامِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
11 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا صَلَّى الإِْمَامُ خَارِجَ الْكَعْبَةِ وَتَحَلَّقَ الْمُقْتَدُونَ حَوْلَهَا جَازَ لِمَنْ فِي غَيْرِ جِهَتِهِ أَنْ يَكُونَ أَقْرَبَ إِلَيْهَا مِنْهُ، لاَ لِمَنْ كَانَ فِي جِهَتِهِ، لأَِنَّ التَّقَدُّمَ وَالتَّأَخُّرَ إِنَّمَا يَظْهَرُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِهَةِ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يُسْتَحَبُّ لِلإِْمَامِ أَنْ يَقِفَ خَلْفَ الْمَقَامِ، وَيَقِفَ الْمَأْمُومُونَ مُسْتَدِيرِينَ بِالْكَعْبَةِ، بِحَيْثُ يَكُونُ الإِْمَامُ أَقْرَبَ إِلَى الْكَعْبَةِ مِنْهُمْ، فَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَقْرَبَ إِلَيْهَا مِنْهُ وَهُوَ فِي جِهَةِ الإِْمَامِ فَفِي صِحَّةِ صَلاَتِهِ قَوْلاَنِ: الْجَدِيدُ بُطْلاَنُهَا، وَالْقَدِيمُ صِحَّتُهَا.
وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ جِهَتِهِ فَطَرِيقَانِ: الْمَذْهَبُ: الْقَطْعُ بِصِحَّتِهَا وَهُوَ نَصُّهُ فِي الأُْمِّ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ.
وَالثَّانِي فِيهِ الْقَوْلاَنِ، حَكَاهُ الأَْصْحَابُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ (36) .
الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
12 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُمْنَعُ الْمَارُّ دَاخِل الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، لِمَا رُوِيَ عَنِ الْمُطَّلِبِ ابْنِ أَبِي وَدَاعَةَ ﵁: أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ ﷺ يُصَلِّي مِمَّا يَلِي بَابَ بَنِي سَهْمٍ وَالنَّاسُ يَمُرُّونَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا سُتْرَةٌ (37) ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الطَّائِفِينَ فِيمَا يَظْهَرُ لأَِنَّ الطَّوَافَ صَلاَةٌ فَصَارَ كَمَنْ بَيْنَ يَدَيْهِ صُفُوفٌ مِنَ الْمُصَلِّينَ (38) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَرُمَ الْمُرُورُ إِنْ كَانَ لَهُ مَنْدُوحَةٌ وَصَلَّى لِسُتْرَةِ، وَإِلاَّ جَازَ، هَذَا إِذَا كَانَ الْمَارُّ غَيْرَ طَائِفٍ، وَأَمَّا هُوَ فَلاَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا، ثُمَّ إِنْ كَانَ لَهُ سُتْرَةٌ كُرِهَ حَيْثُ كَانَ لِلطَّائِفِ مَنْدُوحَةٌ (39) .
وَنَصَّ الرَّمْلِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَصَّرَ الْمُصَلِّي، بِأَنْ وَقَفَ فِي قَارِعَةِ الطَّرِيقِ أَوْ بِشَارِعٍ أَوْ دَرْبٍ ضَيِّقٍ أَوْ نَحْوِ بَابِ مَسْجِدٍ كَالْمَحَل الَّذِي يَغْلِبُ مُرُورُ النَّاسِ بِهِ فِي وَقْتِ الصَّلاَةِ وَلَوْ فِي الْمَسْجِدِ كَالْمَطَافِ، وَكَأَنْ تَرَكَ فُرْجَةً فِي صَفِّ إِمَامِهِ فَاحْتِيجَ لِلْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْهِ لِفُرْجَةِ قَبْلَهُ فَلاَ يَحْرُمُ الْمُرُورُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، وَلَوْ فِي حَرِيمِ الْمُصَلَّى وَهُوَ قَدْرُ إِمْكَانِ سُجُودِهِ، خِلاَفًا لِلْخَوَارِزْمِيِّ، بَل وَلاَ يُكْرَهُ عِنْدَ التَّقْصِيرِ (40) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: الْمُصَلِّي بِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ لاَ يَرُدُّ الْمَارَّ بَيْنَ يَدَيْهِ، قَال أَحْمَدُ: لأَِنَّ مَكَّةَ لَيْسَتْ كَغَيْرِهَا لأَِنَّ النَّاسَ يَكْثُرُونَ بِهَا وَيَزْدَحِمُونَ فَمَنْعُهُمْ تَضْيِيقٌ عَلَيْهِمْ، وَلأَِنَّهُ ﷺ صَلَّى بِمَكَّةَ وَالنَّاسُ يَمُرُّونَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا سِتْرٌ.
وَأَلْحَقَ الْمُوَفَّقُ بِمَكَّةَ سَائِرَ الْحَرَمِ لِمُشَارَكَتِهِ لَهَا فِي الْحُرْمَةِ.
وَقَال الرَّحِيبَانِيُّ: إِنَّمَا يَتَمَشَّى كَلاَمُ الْمُوَفَّقِ فِي زَمَنِ حَاجٍّ لِكَثْرَةِ النَّاسِ وَاضْطِرَارِهِمْ إِلَى الْمُرُورِ، وَأَمَّا فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْحَجِّ فَلاَ حَاجَةَ لِلْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي لِلاِسْتِغْنَاءِ عَنْهُ، وَكَلاَمُ أَحْمَدَ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الصَّلاَةِ فِي الْمَطَافِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ وَهُوَ مُتَّجَهٌ (41) .
أَفْضَلِيَّةُ صَلاَةِ الْعِيدِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
13 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ إِلَى نَدْبِ إِيقَاعِ صَلاَةِ الْعِيدِ بِالْمُصَلَّى فِي الصَّحْرَاءِ، وَقَيَّدَ الشَّافِعِيَّةُ أَفْضَلِيَّةَ الصَّلاَةِ فِي الصَّحْرَاءِ بِمَا إِذَا كَانَ مَسْجِدُ الْبَلَدِ ضَيِّقًا.
وَاسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ صَلاَةَ الْعِيدِ بِمَكَّةَ، فَمَنْ كَانَ بِمَكَّةَ فَإِيقَاعُهُ صَلاَةَ الْعِيدِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَل لِلْمَزَايَا الَّتِي تَقَعُ فِيهِ لِمَنْ يُصَلِّي الْعِيدَ وَهِيَ النَّظَرُ وَالطَّوَافُ الْمَعْدُومَانِ فِي غَيْرِهِ (42) ، لِخَبَرِ يُنَزِّل اللَّهُ عَلَى أَهْل الْمَسْجِدِ مَسْجِدِ مَكَّةَ كُل يَوْمٍ عِشْرِينَ وَمِائَةَ رَحْمَةً: سِتِّينَ مِنْهَا لِلطَّائِفِينَ، وَأَرْبَعِينَ لِلْمُصَلِّينَ، وَعِشْرِينَ مِنْهَا لِلنَّاظِرِينَ (43) .
نَذْرُ الإِْتْيَانِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
14 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي أَصَحِّ الطَّرِيقَيْنِ إِلَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ إِتْيَانَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ لِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: نَذَرَتْ أُخْتِي أَنْ تَمْشِيَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ، وَأَمَرَتْنِي أَنْ أَسْتَفْتِيَ لَهَا النَّبِيَّ ﷺ فَاسْتَفْتَيْتُهُ، فَقَال ﷺ: لِتَمْشِ وَلْتَرْكَبْ (44) ، وَلأَِنَّ مُطْلَقَ كَلاَمِ النَّاذِرِينَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا ثَبَتَ لَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ، وَالْعُرْفُ قَصْدُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَيُحْمَل نَذْرُهُ عَلَيْهِ (45) .
وَقَيَّدَ الْمَالِكِيَّةُ لُزُومَ الْمَشْيِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمَا إِذَا نَذَرَ النَّاذِرُ الْمَشْيَ لَهُ لِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، أَوْ لِصَلاَةٍ فِيهِ فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلاً (46) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا لَزِمَهُ الْمَشْيُ مَشَى مِنْ حَيْثُ نَذَرَ الْمَشْيَ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ مَحَلًّا مَخْصُوصًا فَمِنَ الْمَكَانِ الْمُعْتَادِ لِمَشْيِ الْحَالِفِينَ بِالْمَشْيِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَكَانًا مُعْتَادًا لِلْحَالِفِينَ فَمِنْ حَيْثُ حَلَفَ أَوْ نَذَرَ وَأَجْزَأَ الْمَشْيُ مِنْ مِثْلِهِ فِي الْمَسَافَةِ، وَجَازَ رُكُوبٌ لِحَاجَةٍ كَأَنْ يَرْجِعَ لِشَيْءِ نَسِيَهُ أَوِ احْتَاجَ إِلَيْهِ كَمَا يَجُوزُ لَهُ الرُّكُوبُ فِي الطَّرِيقِ لِبَحْرٍ اعْتِيدَ رُكُوبُهُ لِلْحَالِفِينَ أَوِ اضْطُرَّ إِلَى رُكُوبِهِ، وَيَسْتَمِرُّ مَاشِيًا لِتَمَامِ طَوَافِ الإِْفَاضَةِ أَوْ تَمَامِ السَّعْيِ إِنْ كَانَ سَعْيُهُ بَعْدَ الإِْفَاضَةِ (47) .
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ مَنْ قَال: عَلَيَّ الْمَشْيُ إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ لأَِنَّ الْتِزَامَ الإِْحْرَامِ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ عَلَيْهِ، وَلاَ يُمْكِنُ إِيجَابُهُ بِاعْتِبَارِ اللَّفْظِ فَامْتَنَعَ أَصْلاً (48) .
وَلِلتَّفْصِيل (ر: نَذْرٌ) .
حَاضِرُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ:
15 - قَال الْقُرْطُبِيُّ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ - بَعْدَ الإِْجْمَاعِ عَلَى أَنَّ أَهْل مَكَّةَ وَمَا اتَّصَل بِهَا مِنْ حَاضِرِيهِ - وَقَال الطَّبَرِيُّ: بَعْدَ الإِْجْمَاعِ عَلَى أَهْل الْحَرَمِ. قَال ابْنُ عَطِيَّةَ: وَلَيْسَ كَمَا قَال - فَقَال بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: مَنْ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ فَهُوَ حَضَرِيٌّ، وَمَنْ كَانَ أَبْعَدَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ بَدَوِيٌّ، فَجَعَل اللَّفْظَةَ مِنَ الْحَضَارَةِ وَالْبَدَاوَةِ.
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ: هُمْ أَهْل مَكَّةَ وَمَنْ فِي حُكْمِهِمْ مِنْ أَهْل دَاخِل الْمَوَاقِيتِ (49) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ الْمُعْتَمَدِ الْمُخْتَارِ إِلَى أَنَّ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ مِنَ الْحَرَمِ.
وَفِي الْقَوْل الْمُقَابِل لِلأَْصَحِّ: حَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ (50) .
وَقَال ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الإِْشْرَافِ: حَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ هُمْ أَهْل مَكَّةَ وَأَهْل ذِي طُوًى: وَقَال مُجَاهِدٌ وَطَاوُسٌ: هُمْ أَهْل الْحَرَمِ (51) .
دُخُول الْكَافِرِ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ
16 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ إِلَى أَنَّ الْكَافِرَ لَيْسَ لَهُ دُخُول الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِحَالٍ (52) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} (53) .
وَيَقْرُبُ مِنْ هَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ إِذْ أَنَّهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ الْكَافِرَ يُمْنَعُ مِنْ دُخُول الْمَسْجِدِ مُطْلَقًا وَإِنْ أَذِنَ لَهُ مُسْلِمٌ مَا لَمْ تَدْعُ ضَرُورَةٌ لِدُخُولِهِ كَعِمَارَةِ (54) ، وَقَالُوا: إِنَّ الآْيَةَ: {فَلاَ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} عَامَّةٌ فِي سَائِرِ الْمُشْرِكِينَ وَسَائِرِ الْمَسَاجِدِ، وَبِذَلِكَ كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عُمَّالِهِ، وَنَزَعَ فِي كِتَابِهِ بِهَذِهِ الآْيَةِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} (55) ، وَدُخُول الْكُفَّارِ فِيهَا مُنَاقِضٌ لِتَرْفِيعِهَا (56) .
وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِدُخُول أَهْل الذِّمَّةِ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَسَائِرَ الْمَسَاجِدِ (57) .
__________
(1) المصباح المنير.
(2) حديث: " جعلت لي الأرض طهورا ومسجدا " أخرجه مسلم (1 / 371) من حديث أبي هريرة.
(3) إعلام الساجد بأحكام المساجد للزركشي ص27 - 28.
(4) تهذيب الأسماء واللغات 4 / 152، وانظر إعلام الساجد ص59 وما بعدها، وتفسير القرطبي 8 / 104.
(5) المطلع على أبواب المقنع ص158، 188، والمصباح المنير.
(6) إعلام الساجد 223 وما بعدها، وتحفة الراكع والساجد 131 وما بعدها.
(7) إعلام الساجد ص29، وتفسير القرطبي 4 / 137.
(8) سورة آل عمران / 96.
(9) حديث أبي ذر قلت: " يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أول. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 6 / 407) ومسلم (1 / 370) .
(10) مثير العزم الساكن إلى أشرف الأماكن لأبي الفرج بن الجوزي 1 / 358 نشر دار الراية.
(11) الأشباه والنظائر لابن نجيم ص371 نشر دار ومكتبة الهلال.
(12) كفاية الطالب الرباني 2 / 32 - 33 نشر دار المعرفة.
(13) حديث: " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 3 / 63) ومسلم (2 / 1014) من حديث أبي هريرة واللفظ للبخاري.
(14) الفتاوى الهندية 1 / 265، وكفاية الطالب الرباني 2 / 33 ط دار المعرفة، وعمدة القاري 7 / 253 ط دار الفكر، وفتح الباري 3 / 65 ط. السلفية.
(15) فتح القدير 2 / 181 ط الأميرية.
(16) حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ص215، وحاشية ابن عابدين 1 / 457.
(17) حاشية ابن عابدين 1 / 457.
(18) حاشية الصاوي مع الشرح الصغير 1 / 406 - 407.
(19) إعلام الساجد ص107.
(20) مغني المحتاج 1 / 223، 484.
(21) كشاف القناع 2 / 477.
(22) إعلام الساجد 115، ومثير العزم الساكن إلى أشرف الأماكن لابن الجوزي 1 / 359، وتحفة الراكع والساجد ص 29.
(23)
(24) حديث: " صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه. . . ". أخرجه ابن ماجه (1 / 450 - 451) وصحح إسناده البوصيري في مصباح الزجاجة (1 / 250) وقال أصله في الصحيحين من حديث أبي هريرة، وفي مسلم وغيره من حديث ابن عمر.
(25) تحفة الراكع والساجد ص30، وانظر عمدة القاري 7 / 257، وفتح الباري 3 / 68.
(26) شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام 1 / 82.
(27) حاشية ابن عابدين 2 / 187، وعمدة القاري 7 / 257.
(28) إعلام الساجد 124، وتحفة الراكع والساجد 29.
(29) حديث: " أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة ". أخرجه البخاري (فتح الباري 2 / 214) من حديث زيد بن ثابت.
(30) تحفة الراكع والساجد ص 29 - 30.
(31) حاشية ابن عابدين 2 / 188، وشفاء الغرام بأخبار البلد الحرام 1 / 80، وتحفة الراكع والساجد ص30، وإعلام الساجد بأحكام المساجد ص119.
(32) حديث عطاء بن أبي رياح قال: " بينما ابن الزبير يخطبنا. . . ". أخرجه أبو داود الطيالسي في المسند (ص195) ، وأخرج أحمد (4 / 5) الشطر المرفوع منه فقط، وفيه في آخره: " تفضل بمائة صلاة في هذا " وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (4 / 6) وعزاه إلى الطبراني في الكبير وقال: رجاله رجال الصحيح.
(33) تحفة الراكع والساجد ص 30.
(34) إعلام الساجد 120 - 121.
(35) المرجع السابق ص120.
(36) المجموع 4 / 299 - 300.
(37) حديث المطلب بن أبي وداعة: " أنه رأى النبي ﷺ يصلي مما يلي باب بني سهم. . . ". أخرجه أبو داود (2 / 518) وفي إسناده جهالة.
(38) حاشية ابن عابدين 1 / 427، 2 / 172.
(39) حاشية الصاوي مع الشرح الصغير 1 / 336 - 337.
(40) نهاية المحتاج 2 / 53 - 54.
(41) مطالب أولي النهى 1 / 482.
(42) غنية المتملي شرح منية المصلي ص571 - 572، وحاشية ابن عابدين 1 / 557، والفتاوى الهندية 1 / 150، والشرح الصغير مع حاشية الصاوي عليه 1 / 529، والمجموع 5 / 4، والمغني 2 / 372، وتحفة الراكع والساجد ص108.
(43) حديث: " ينزل الله على أهل المسجد مسجد مكة كل يوم عشرين ومائة رحمة. . . ". أخرجه الطبراني في الأوسط (7 / 169) من حديث ابن عباس، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (3 / 292) وذكر أن فيه راوياً متروكاً.
(44) حديث عقبة بن عامر: " نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 4 / 79) ومسلم (3 / 1264) .
(45) الشرح الصغير 2 / 255 - 256، والهداية 2 / 90 - 91 ط مصطفى الحلبي، والبناية 5 / 315 - 316، وإعلام الساجد ص208، وتحفة الراكع والساجد ص123.
(46) الشرح الصغير 2 / 255.
(47) الشرح الصغير 2 / 256.
(48) الهداية 2 / 90 - 91 ط. الحلبي، وانظر البناية 5 / 315 - 316.
(49) تفسير القرطبي 2 / 404، وحاشية ابن عابدين 2 / 197، وجواهر الإكليل 1 / 172.
(50) حاشية القليوبي على شرح المحلي 2 / 128.
(51) تحفة الراكع والساجد ص63.
(52) نهاية المحتاج 8 / 86، وإعلام الساجد للزركشي ص173، والمغني 8 / 531، والدر المختار 3 / 275، وتفسير القرطبي 8 / 105، وأحكام أهل الذمة 1 / 184 - 187.
(53) سورة التوبة / 28.
(54) الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 1 / 139.
(55) سورة النور / 36.
(56) تفسير القرطبي 8 / 104 - 105.
(57) الفتاوى الهندية 5 / 246، والبناية 9 / 372، وتكملة فتح القدير 8 / 130 ط. الأميرية.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 235/ 37