المصور
كلمة (المصور) في اللغة اسم فاعل من الفعل صوَّر ومضارعه يُصَوِّر،...
المبالغة، ومجاوزة الحد في الشيء . ومن شواهده قول الشافعي رحمه الله : "والاقتصاد في المهر أحب إلي من المغالاة فيه ".
المبالغة، ومجاوزة الحد في الشيء.
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمُغَالاَةُ فِي اللُّغَةِ: الْمُبَالَغَةُ فِي الشَّيْءِ، وَمُجَاوَزَةُ الْحَدِّ فِيهِ. يُقَال: غَالَى بِالشَّيْءِ: اشْتَرَاهُ بِثَمَنٍ غَالٍ، وَيُقَال: غَالَيْتُ صَدَاقَ الْمَرْأَةِ: أَيْ أَغْلَيْتُهُ، وَمِنْهُ قَوْل عُمَرَ ﵁ " أَلاَ لاَ تُغَالُوا فِي صَدُقَاتِ النِّسَاءِ "، (1) وَأَصْل الْغَلاَءِ: الاِرْتِفَاعُ وَمُجَاوَزَةُ الْقَدْرِ فِي كُل شَيْءٍ (2) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى فِي الاِصْطِلاَحِ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (3) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الرُّخْصُ:
2 - الرُّخْصُ فِي اللُّغَةِ: ضِدُّ الْغَلاَءِ، مِنْ رَخُصَ الشَّيْءُ رُخْصًا فَهُوَ رَخِيصٌ مِنْ بَابِ قَرُبَ يُقَال: أَرْخَصَ اللَّهُ السِّعْرَ، وَيَتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ وَبِالتَّضْعِيفِ وَارْتَخَصْتُ الشَّيْءَ: اشْتَرَيْتُهُ رَخِيصًا (4) .
وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ لِهَذَا اللَّفْظِ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمُغَالاَةِ وَالرُّخْصِ هِيَ التَّضَادُّ.
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمُغَالاَةِ:
تَتَعَلَّقُ بِالْمُغَالاَةِ أَحْكَامٌ مِنْهَا:
الْمُغَالاَةُ فِي الْمَهْرِ
3 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَهْرِ حَدٌّ أَعْلَى مُقَدَّرٌ (5) ، فَحِينَمَا أَرَادَ عُمَرُ ﵁ تَحْدِيدَ الْمُهُورِ، نَهَى أَنْ يُزَادَ فِي الصَّدَاقِ عَلَى أَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَخَطَبَ النَّاسَ فِيهِ فَقَال: " أَلاَ لاَ تُغَالُوا فِي صَدَاقِ النِّسَاءِ، فَإِنَّهُ لاَ يَبْلُغُنِي عَنْ أَحَدٍ سَاقَ أَكْثَرَ مِنْ شَيْءٍ سَاقَهُ رَسُول اللَّهِ ﷺ أَوْ سِيقَ لَهُ إِلاَّ جَعَلْتُ فَضْل ذَلِكَ فِي بَيْتِ الْمَال، ثُمَّ نَزَل فَعَرَضَتْ لَهُ امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَكِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَوْ قَوْلُكَ؟ قَال: بَل كِتَابُ اللَّهِ، فَمَا ذَاكَ؟ قَالَتْ: نَهَيْتَ النَّاسَ آنِفًا أَنْ يُغَالُوا فِي صَدَاقِ النِّسَاءِ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُول فِي كِتَابِهِ { وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} (6) فَقَال عُمَرُ ﵁: كُل أَحَدٍ أَفْقَهُ مِنْ عُمَرَ، مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمِنْبَرِ فَقَال لِلنَّاسِ: إِنِّي كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ أَنْ تُغَالُوا فِي صَدَاقِ النِّسَاءِ أَلاَ فَلْيَفْعَل رَجُلٌ فِي مَالِهِ مَا بَدَا لَهُ " (7) .
وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ صَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِكَرَاهَةِ الْمُغَالاَةِ فِي الْمُهُورِ، بِمَعْنَى مَا خَرَجَتْ بِهَا عَنْ عَادَةِ أَمْثَالِهَا (8) .
وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يُسَنُّ تَخْفِيفُ الصَّدَاقِ وَعَدَمُ الْمُغَالاَةِ فِي الْمُهُورِ (9) ، لِقَوْلِهِ ﷺ: إِنَّ مِنْ يُمْنِ الْمَرْأَةِ تَيْسِيرَ خِطْبَتِهَا، وَتَيْسِيرَ صَدَاقِهَا، وَتَيْسِيرَ رَحِمِهَا. (10)
وَلِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: خَيْرُهُنَّ أَيْسَرُهُنَّ صَدَاقًا (11) فَفِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ دَلِيلٌ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ النِّكَاحِ مَعَ قِلَّةِ الْمَهْرِ، وَأَنَّ الزَّوَاجَ بِمَهْرٍ قَلِيلٍ مَنْدُوبٌ وَمَرْغُوبٌ إِلَيْهِ؛ لأَِنَّ الْمَهْرَ إِذَا كَانَ قَلِيلاً لَمْ يَسْتَصْعِبِ النِّكَاحَ مَنْ يُرِيدُهُ، فَيَكْثُرُ الزَّوَاجُ الْمَرْغُوبُ فِيهِ، وَيَقْدِرُ عَلَيْهِ الْفُقَرَاءُ، وَيَكْثُرُ النَّسْل الَّذِي هُوَ أَهَمُّ مَطَالِبِ النِّكَاحِ، بِخِلاَفِ مَا إِذَا كَانَ الْمَهْرُ كَثِيرًا، فَإِنَّهُ لاَ يَتَمَكَّنُ مِنْهُ إِلاَّ أَرْبَابُ الأَْمْوَال، فَيَكُونُ الْفُقَرَاءُ - الَّذِينَ هُمُ الأَْكْثَرُ فِي الْغَالِبِ - غَيْرَ مُزَوَّجِينَ، فَلاَ تَحْصُل الْمُكَاثَرَةُ الَّتِي أَرْشَدَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ ﷺ (12) .
وَقَال الشَّافِعِيُّ ﵁: وَالاِقْتِصَادُ فِي الصَّدَاقِ أَحَبُّ إِلَيْنَا (13) .
الْمُغَالاَةُ فِي الْكَفَنِ
4 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ تُكْرَهُ الْمُغَالاَةُ فِي الْكَفَنِ، لِمَا رَوَى عَلِيٌّ ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: لاَ تُغَالُوا فِي الْكَفَنِ، فَإِنَّهُ يُسْلَبُ سَلْبًا سَرِيعًا. (14)
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: الْمُرَادُ بِالْمُغَالاَةِ فِي الْكَفَنِ الزِّيَادَةُ عَلَى كَفَنِ الْمِثْل.
وَقَال النَّوَوِيُّ: يُسْتَحَبُّ تَحْسِينُ الْكَفَنِ، قَال أَصْحَابُنَا: وَالْمُرَادُ بِتَحْسِينِهِ بَيَاضُهُ وَنَظَافَتُهُ وَسُبُوغُهُ وَكَثَافَتُهُ لاَ كَوْنُهُ ثَمِينًا، لِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنِ الْمُغَالاَةِ الْمُتَقَدِّمِ.
وَقَال الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ: الثَّوْبُ الْغَسِيل أَفْضَل مِنَ الْجَدِيدِ، وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ: نَظَرَ أَبُو بَكْرٍ ﵁ إِلَى ثَوْبٍ كَانَ يُمَرَّضُ فِيهِ، فَقَال: " اغْسِلُوا هَذَا وَزِيدُوا عَلَيْهِ ثَوْبَيْنِ وَكَفِّنُونِي فِيهَا، قُلْتُ: إِنَّ هَذَا خَلِقٌ: قَال: الْحَيُّ أَحَقُّ بِالْجَدِيدِ مِنَ الْمَيِّتِ "، وَهَذَا كُلُّهُ يَدُل عَلَى رُخْصِ الْكَفَنِ (15) .
الْمُغَالاَةُ فِي الْعِبَادَةِ:
5 - يَنْبَغِي أَنْ يَقْتَصِدَ الْمُسْلِمُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَأَنْ يَكُونَ وَسَطًا بَيْنَ الْغُلُوِّ وَالتَّفْرِيطِ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ، وَلاَ يُكَلِّفَ نَفْسَهُ بِمَا لاَ يُطِيقُ، لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ (16) ، وَلأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمَّا بَلَغَهُ خَبَرُ الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ قَال أَحَدُهُمْ: إِنِّي لاَ أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، وَقَال الثَّانِي: أَصُومُ وَلاَ أُفْطِرُ، وَقَال الثَّالِثُ: أَقُومُ وَلاَ أَنَامُ - خَطَبَ وَقَال: مَا بَال أَقْوَامٍ يَقُولُونَ كَذَا وَكَذَا، إِنِّي أُصَلِّي وَأَنَامُ، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي (1) .
وَعَنْ عَائِشَةَ ﵂ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ دَخَل عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا امْرَأَةٌ فَقَال: مَنْ هَذِهِ؟ قَالَتْ: فُلاَنَةُ تَذْكُرُ مِنْ صَلاَتِهَا، قَال: مَهْ عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ، فَوَاللَّهِ لاَ يَمَل اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا، وَكَانَ أَحَبُّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَا دَامَ صَاحِبُهُ عَلَيْهِ (2)
فَالأَْفْضَل لِلإِْنْسَانِ أَنْ لاَ يُجْهِدَ نَفْسَهُ بِالطَّاعَةِ وَكَثْرَةِ الْعَمَل، وَأَنْ لاَ يَغْلُوَ فِي الدِّينِ فَإِنَّهُ إِذَا فَعَل هَذَا مَل، ثُمَّ تَرَكَ، وَكَوْنُهُ يَبْقَى عَلَى الْعَمَل وَلَوْ قَلِيلاً مُسْتَمِرًّا عَلَيْهِ أَفْضَل (3) .
__________
(1) أثر عمر - ﵁ -: " ألا لا تغالوا في صدقات النساء ". أخرجه النسائي (5 / 117) والحاكم (2 / 177) ، واللفظ للحاكم، وصححه الحاكم.
(2) لسان العرب، والمصباح المنير، وترتيب القاموس، والمعجم الوسيط، والمغرب للمطرزي.
(3) حاشية الطحطاوي على الدر 1 / 370، والمجموع 5 / 195، وكشاف القناع 5 / 129.
(4) لسان العرب، والمصباح المنير.
(5) روضة الطالبين 7 / 249، وكشاف القناع 5 / 128 - 129، وحاشية الدسوقي 2 / 309.
(6) سورة النساء / 20.
(7) أثر عمر - ﵁ -: " ألا لا تغالوا في صداق النساء. . . " أخرجه البيهقي (7 / 233) وأعله بالانقطاع.
(8) حاشية الدسوقي على الدردير 2 / 309.
(9) روضة الطالبين 7 / 249، وكشاف القناع 5 / 128 - 129، وحاشية الدسوقي 2 / 309.
(10) حديث: " إن من يمن المرأة. . " أخرجه أحمد (6 / 77) والحاكم (2 / 181) من حديث عائشة، واللفظ لأحمد، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
(11) حديث: " خيرهن أيسرهن صداقًا ". رواه الطبراني في الكبير (11 / 78 - 79) ، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (4 / 281) ، قال: رواه الطبراني بإسنادين، في أحدهما جابر الجعفي وهو ضعيف وقد وثقه شعبة والثوري، وفي الآخر رجاء بن الحارث ضعفه ابن معين وغيره، وبقية رجالهما ثقات.
(12) نيل الأوطار 6 / 169 ط. دار الكتب العلمية ببيروت لبنان.
(13) المجموع 16 / 327، والأم 5 / 58.
(14) حديث: " لا تغالوا في الكفن. . " رواه البيهقي (3 / 403) في سننه الكبرى، وعند أبي داود (3 / 270) بلفظ " يسلبه ".
(15) حاشية ابن عابدين 1 / 578 ط مصطفى الحلبي، والمنتقى شرح الموطأ 2 / 7، والمجموع شرح المهذب 5 / 195 - 197، والقليوبي وعميرة 1 / 346، وعون المعبود 8 / 430، وكشاف القناع 2 / 104 - 105.
(16) حديث: " إياكم والغلو في الدين " رواه أحمد (1 / 215) والحاكم في مستدركه (1 / 446) ، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 238/ 38
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".