البحث

عبارات مقترحة:

القاهر

كلمة (القاهر) في اللغة اسم فاعل من القهر، ومعناه الإجبار،...

الباطن

هو اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (الباطنيَّةِ)؛ أي إنه...

الحكيم

اسمُ (الحكيم) اسمٌ جليل من أسماء الله الحسنى، وكلمةُ (الحكيم) في...

الغفور

كلمة ( غفور ) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) نحو: شَكور، رؤوف، أَكول، وهي مشتقة من الفعل (غَفَرَ يغْفِرُ)، وأصله في اللغة: السَّتر، واسم (الغفور) هو من أسماء الله الحسنى ومعناه أن الله يستر ذنوب عباده عن الخلق في الدنيا، وفي الآخرة؛ فلا يحاسبهم بها يوم القيامة. وهو اسم ثابت لله في الكتاب والسنة، وعليه إجماع الأمة، والعقل دالٌّ عليه.

التعريف

التعريف لغة

(الغفور) صيغة مبالغة على وزن (فَعُول) من الجذر(غَفَرَ) ويجمع فروعَ هذا الجدر معنًى أصليٌّ واحد هو: السَّتْر، قال ابن فارس: «والمصدر الغَيْنُ والفاءُ والرّاءُ عُظْمُ بابِهِ (أي: مُعظَمه) السَّتْرُ، ثم يَشِذُّ عنه ما يُذكَرُ. فالغَفْرُ: السَّتْرُ. والغُفْرانُ والغَفْرُ بِمَعنًى. يُقالُ: غَفَرَ اللَّهُ ذَنْبَهُ غَفْرًا ومَغْفِرَةً وغُفْرانًا». "المقاييس" (4/385). ولذلك كانت العرب تقول: اصبغْ ثوبك بالسواد؛ فهو أغْفَرُ لِوَسَخه، أي: أكثر تغطيةً لوسخه، وأسْتَر له، ومنه أيضًا أُخِذَ لفظ (المِغْفَر) وهو غطاءٌ الرأس الذي يلبَسه المحاربُ عند اشتدادِ البأس، والغفور معناه: من يكثر وقوع المغفرة منه. انظر للاستزادة "اللسان" لابن منظور (5/3273).

التعريف اصطلاحًا

هو اسم من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة المغفرة لله الثابتة لله عز وجل، ومعناه هنا أن الله يستر على العبد ذنبه ومعصيته، فلا يظهران في الدنيا ولا في الآخرة، فهو يستر العبد فلا يفضحه بمعصيته بين الناس في الدنيا، ثم يستر عنه ذنبه في الآخرة ويغطيه فلا يحاسبه به، وهذه هي المغفرة المقترنة بالعفو، يقول القرطبي: «والستر يكون في الحال وفي المآل، وينقسم إلى ستر يقترن بالعفو وإسقاط الحق، وإلى تغطية القبيح عن اطلاع الغير إليه» "الأسنى" (1/155)، ويقول الحليمي في هذا: «ومنها الغفار: وهو المبالغ في الستر، فلا يشهِّرُ المذنب لا في الدنيا ولا في الآخرة.» "المنهاج" (1/201). وبهذا المعنى جاء حديث ابن عمر رضي الله عنه، الذي يرويه عنه التابعي صفوان بن محرز المازني فيقول: «بينما أنا أمشي مع ابن عمر رضي الله عنهما آخذا بيده، إذ عرض رجل، فقال: كيف سمعت رسول الله يقول في النجوى؟ فقال: سمعت رسول الله يقول: إن الله يُدْني المؤمنَ، فيضع عليه كَنَفه ويستره، فيقول: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم أي رب، حتى إذا قرره بذنوبه، ورأى في نفسه أنه هلك، قال: سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، فيُعطى كتاب حسناته، وأما الكفّار والمنافقون، فيقول الأشهاد: ﴿هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [هود: 18].» البخاري (2441).

العلاقة بين التعريفين اللغوي والاصطلاحي

المعنى الشرعي يوافق المعنى اللغوي، إلا أن المعنى اللغوي عام شامل لكل ما يستر ويغطي، والمعنى الشرعي مخصِّص للمعنى اللغوي فهو خاص بستر الذنوب للعباد مع التجاوز عنهم.

الصفة التي يدل عليها الاسم

يدل اسم الله (الغفور) على إثبات صفة المغفرة لله عز وجل.

الأدلة

القرآن الكريم

الغفور في القرآن الكريم
اسم الله تعالى (الغفور) من أكثر الأسماء الحسنى ورودًا في القرآن الكريم، فقد جاء في (91) موضعًا. وقد اقترن في (75) منها باسمه تعالى (الرحيم) سابقًا عليه، والعلاقة بين هذين الاسمين ظاهرة بيّنة لكل متأمّل؛ فإن الله عز وجلّ لما غفر الذنب، وأقال العثْرة، وأجار العبد من شرِّ معصيته في الدنيا والآخرة، كان ذلك من أعظم الرحمة، فاقتران هذين الاسمين إشارة إلى التلازم بينهما؛ لأن المغفرة رحمة وأيُّ رحمة! وأما عن سبب تقدم الرحيم على الغفور فيقال: إن المغفرة سلامة، والرحمةَ غنيمة، والسلامة تُطلب قبل الغنيمة، وأما في قوله تعالى في سورة سبأ: ﴿وهو الرحيم الغفور (2)﴾ فتقدمت الرحمة على المغفرة فيه لأن رحمة الله تشمل الخلق المكلفين وغيرهم من الحيوان، والمغفرة تخصُّ المكلفين، والعموم مقدَّمٌ على الخصوص. انظر "بدائع الفوائد" لابن القيم (1/112).

السنة النبوية

الغفور في السنة النبوية
· عن عبد الله بن عمرو عن النبي : «لو أنَّ العبادَ لم يُذنِبوا، خلق اللهُ عزَّ وجلَّ خَلقًا يُذنِبون، ثمَّ يَغفِرُ لهم، وهو الغفورُ الرَّحيم» البزار (2450)، والحاكم (7623) باختلاف يسير. · عن أسماء بنت يزيد أم سلمة الأنصارية أنَّها سمِعَتِ النَّبيَّ يقرأُ: «إنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنوبَ جَميعًا، ولا يُبالي، إنَّه هو الغَفورُ الرَّحيمُ». الترمذي (3237)، وأحمد (27613) واللفظ له. · عن بريدة بن الحصيب الأسلمي قال: كان استغفارُ نبيِّ اللهِ : «ربِّ اغفرْ لي وارحمْني وتبْ عليَّ إنَّكَ أنتَ التوابُ الغفورُ» ابن عدي في "الكامل في الضعفاء" (2/209). · وجاءت صفة المغفرة التي يدل عليها اسم (الغفّار) في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن سبب نزول أواخر سورة البقرة: «بل قولوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير». مسلم (125). حديث عائشة رضي الله عنه: «من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله؛ كره الله لقاءه». فقيل: يا رسول الله! كراهية لقاء الله كراهية الموت، كلنا نكره الموت؟ قال: «ذاك عند موته، إذا بشر برحمة الله ومغفرته؛ أحب لقاء الله …» النسائي (1734).

الإجماع

اسم الله (الغفور) اسم ثابت لله تعالى بالإجماع، قال القرطبي عن اسمي الغفور والغفّار «وأجمعت عليهما الأمة» "الأسنى" (1/164).

العقل

المغفرة تتضمن صفاتِ الكمال؛ كالصبر والحِلم والأناة وكرم الذات والصفات، ولا تحصل المغفرة إلا ممن هذه صفاته، وهي صفات ثابتة لله عز وجل بقياس الأولى، لأنها صفات كمال، وخلافها صفات نقص، ومن المعلوم أن كل كمال لا نقص فيه يكون لبعض الموجودات المخلوقة الُمحدثة فالرب الخالق هو أولى به، وكل نقص أو عيب يجب أن ينزَّه عنه بعض المخلوقات المحدثة فالرب الخالق هو أولى أن ينزَّه عنه. انظر "شرح الأصفهانية" لابن تيمية (ص74).

الآثار والمظاهر

الآثار السلوكية

لهذا الاسم آثار عظيمة في قلب المؤمن وسلوكه، منها: · المؤمن باسم الله (الغفور) دائمَ الإنابة والرجوع إلى الله، عديمَ اليأس والقنوط من رحمته، وهذا أثر بليغ وثمرة عظيمة للإيمان بهذا الاسم؛ إذ إن من أشد أسلحة الشيطان ضد العبد العاصي: التقنيط من رحمة الله، وحمله على الإياس من مغفرته وتوبته، وهو ما يورد العبد المهالك على الحقيقة، لأنه به يُتبع السيئة بالسيئة؛ إذ سيئته الأولى معصيته التي زلّت قدمه بها، وسيئته الثانية هي تأخير التوبة لله عز وجل أو عدم فعلها إثرَ المعصية، والمؤمن باسم الله (الغفور) بعيد عن هذا كله، فهو يعلم أن له ربًّا لو بلغت ذنوبه عنان السماء ثم أتاه مستغفرًا لغفر له ولم يُبالِ، ولو أتاه بقِرابِ الأرضِ خطايا، ثمَّ لقيه لا يشرِكُ به شيئًا لأتاه بقِرابِها مغفرةً ! أخرجه الترمذي (3540) واللفظ له، وأحمد (13493) مختصراً بمعناه، وكما قال جل جلاله: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53]. ولا بد من الإشارة إلى أنه لا ينبغي لهذا الاسم أن يؤدّي بالعبد إلى التجرُّؤ على الله ومبارزته بالمعاصي اغترارًا بعفوه ومغفرته، يقول ابن القيم في التفريق بين أهل الرجاء وأهل الغرور بالله: «﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [البقرة: 218]، فجعل هؤلاء أهل الرجاء لا الظالمين الفاسقين... فالعالِم يضع الرجاء مواضعه، والجاهل المغترُّ يضعه في غير مواضعه» "الجواب الكافي" (ص15). · نصيب المؤمن من هذا الاسم أن يتخلق بصفة العفو والصفح عن الناس، لأنه يعلم أن الله يحب العافين عن الناس من عباده، وهي من صفات المتقين كما قال جل وعلا: ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران: 134] · حضور محبة الله عز وجل في قلب المؤمن، بل والخجل منه جل جلاله أن يخالف أمره، ويتبغّضَ إليه بالمعصية وهو الذي يتودد إليه بالنِّعَم وهو الغني عنه، والعبد أفقر ما يكون إليه، أضف إلى ذلك كله أنه يغفر له ذنبه، ويوفقه للتوبة ويرزقها إياها، ثم يقبلها منه، فمن أدرك ذلك جاءت محبة الله في قلبه، وحمَدَ ربّه وشكره على اسمه (الغفور)، وهذا يورث اتّقاء معاصيه، واجتناب نواهيه، وفعل ما يرضيه.

المظاهر في الكون والحياة

اسم الله تعالى (الغفور) ظاهر أتم الظهور في عباده المكلَّفين، وهو الذي له المغفرة الشاملة التي وسعت ما يصدر من عباده من الذنوب، ولا سيَّما إذا أتوا بما يسبب المغفرة لهم من الاستغفار، والتوبة، والإيمان، والأعمال الصالحة فهو سبحانه يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، ومن عظيم مغفرته أنه مهما أسرف العبد على نفسه ثم تاب إليه ورجع، غفر له جميع جرمه: صغيره، وكبيره، وأنه جعل الإسلام يجُبُّ ما قبله، والتوبةَ تجبُّ ما قبلها، كما قال جل علا: ﴿قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أسْرَفُواْ عَلى أنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر: 53] انظر للاستزادة "شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة" للقحطاني (ص108-110).

أقوال أهل العلم

«وهو الغفور فلو أتى بقرابها***** من غير شرك بل من العصيان لاقاه بالغفران ملء قرابها *****سبحانه هو واسع الغفران» ابن قَيِّم الجَوْزِيَّة "النونية" (1/209)
«ومن صفاته (الغفور)، وهو من قولك: غفرت الشيء: إذا غطيته؛ كما يُقال: كَفَرْتُه: إذا غطيته. ويقال: كذا أغفر من كذا؛ أي: أستر» ابن قُتَيْبَة "تفسير غريب القرآن" (ص 14)
«غفور - كما ذكرت لك - من أبنية المبالغة؛ فالله جل جلاله غفور؛ لأنه يفعل ذلك لعباده مرة بعد مرة إلى ما لا يحصى، فجاءت هذه الصفة على أبنية المبالغة لذلك، وهو متعلق بالمفعول؛ لأنه لا يقع الستر إلا بمستور يُستر ويُغطى، وليست من أوصاف المبالغة في الذات، إنما هي من أوصاف المبالغة في الفعل» الزَّجَّاجي "اشتقاق أسماء الله" (ص 93)