المليك
كلمة (المَليك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعيل) بمعنى (فاعل)...
من غاب، وانقطع خبرُه عن الناس، فلا يُعلَم حيٌّ هو، أو ميِّت . ومن شواهده قول المرداوي : "يجوز للورثة أن يصطلحوا على ما زاد عن نصيب المفقود ".
الضَّائِعُ، وَالفُقْدَانُ: الإِضَاعَةُ، يُقَالُ: فَقَدَ الشَّيْءَ يَفْقِدُهُ فَقْدًا وَفِقْدَانًا وَفُقُودًا أَيْ أَضَاعَهُ، وَيَأْتِي الفُقْدَانُ بِمَعْنَى: العَدَمِ، وَفَقَدْتُ المَالَ: عَدِمْتُهُ، وَالمَفْقُودُ: المَعْدومُ، وَأَصْلُ الفَقْدِ: ذَهَابُ الشَّيْءِ وَزَوَالُهُ، مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: فَقَدْتُ الشَّيْءَ فَقْدًا أَيْ ذَهَبَ عَنِّي، وَضِدُّ الفَقْدِ: الوُجُودُ وَالثُّبُوتُ، وَالفَاقِدُ: المَرْأَةُ يَموتُ وَلَدُهَا أَوْ زَوْجُهَا، وَالجَمْعُ: فَوَاقِدُ، وَالفَقْدُ أَيْضًا: أَنْ تَطْلُبَ الشَّيْءَ فَلا تَجِدُهُ، والتَّفقُّد: طَلَبُ مَا غَابَ عَنْكَ، يُقالُ: افتَقَدَهُ وَتَفَقَّده: طَلَبَهُ عِنْدَ غَيْبَتِهِ، وَالمَفْقُودُ المَطْلُوبُ عِنْدَ غَيْبَتِهِ، وَمِنْ مَعَانِي الفَقْدِ أَيْضًا: الضَّلاَلُ والخُسْرَانُ.
يَذْكُرُ الفُقَهَاءُ مُصْطَلَحَ (المَفْقُودِ) فِي كِتَابِ البُيُوعِ فِي بَابِ شُروطِ البَيْعِ ، وَكِتَابِ الوَصِيَّةِ فِي بَابِ أَحْكَامِ الوَصِيَّةِ ، وَكِتَابِ المَوَارِيثِ فِي بَابِ المِيرَاثِ بِالتَّقْدِيرِ.
فقد
الرَّجُلُ الذِي غَابَ وَانْقَطَعَ خَبَرُهُ وَخَفِيَ مَوْضِعُهُ وَلَا يُعْرَفُ أَنَّهُ حَيٌّ أَمْ مَيِّتٌ.
المَفْقُودُ هُوَ الغَائِبُ الذِي انْقَطَعَ خَبَرُهُ، فَلَمْ تُعْرَفُ حَيَاتُهُ أَوْ مَوْتُهُ، وَلاَ عِبْرَةَ بِمَعْرِفَةِ المَكَانِ أَوْ الجَهْلِ بِهِ، وَيُقَسِّمُ بَعْضُ الفُقَهَاءِ المَفْقُودَ إِلَى أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ: الأَوَّلُ: الْمَفْقُودُ فِي بِلاَدِ المُسْلِمِينَ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّعَ هَذَا النَّوْعَ إِلَى مَفْقُودٍ فِي زَمَانِ الوَبَاءِ، وَمَفْقُودٍ فِي غَيْرِهِ. الثَّانِي: المَفْقُودُ فِي بِلاَدِ الأَعْدَاءِ. الثَّالِثُ: المَفْقُودُ فِي قِتَال الْمُسْلِمِينَ مَعَ الْكُفَّارِ. الرَّابِعُ: المَفْقُودُ فِي قِتَال المُسْلِمِينَ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ. وَيُقَسِّمُهُ آخَرُونَ إِلَى قِسْمَيْنِ: الأَوَّل: مَنِ انْقَطَعَ خَبَرُهُ لِغَيْبَةٍ ظَاهِرُهَا السَّلاَمَةُ، كَالْمُسَافِرِ لِلتِّجَارَةِ أَوْ لِلسِّيَاحَةِ أَوْ لِطَلَبِ الْعِلْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. الثَّانِي: مَنِ انْقَطَعَ خَبَرُهُ لِغَيْبَةٍ ظَاهِرُهَا الْهَلاَكُ، كَالْجُنْدِيِّ الَّذِي يُفْقَدُ فِي الْمَعْرَكَةِ، وَرَاكِبِ السَّفِينَةِ الَّتِي غَرِقَتْ وَنَجَا بَعْضُ رُكَّابِهَا، وَمَنْ فُقِدَ فِي صَحْرَاءَ مُهْلِكَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. وَيَنْتَهِي الفُقْدَانُ إِمَّا بِعَوْدَةِ المَفْقودِ، وَإِمَّا بِالعِلِمِ بِمَوْتِهِ، وَإِمَّا بِانْقِضَاءِ مُدَّةٍ مُحَدَّدَةٍ من قِبَل القاضِي.
الضَّائِعُ وَالمَعْدومُ، وَأَصْلُ الفَقْدِ: ذَهَابُ الشَّيْءِ وَزَوَالُهُ، وَضِدُّ الفَقْدِ: الوُجُودُ وَالثُّبُوتُ، وَالفَقْدُ أَيْضًا: أَنْ تَطْلُبَ الشَّيْءَ فَلا تَجِدُهُ، وَالمَفْقُودُ المَطْلُوبُ عِنْدَ غَيْبَتِهِ.
من غاب، وانقطع خبرُه عن الناس، فلا يُعلَم حيٌّ هو، أو ميِّت.
* تهذيب اللغة : (53/9)
* معجم مقاييس اللغة : (4 /443)
* بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع : (196/9)
* رد المحتار على الدر المختار : (292/4)
* تاج العروس : (8 /503)
* معجم مقاييس اللغة : (4 /443)
* الـمغني لابن قدامة : 6 /448 - مغني الـمحتاج فـي شرح الـمنهاج : 3 /147 - مواهب الجليل شرح مختصر خليل : 4 /156 - الكافي لابن عبدالبر : 2 /567 - كشاف القناع : 4 /515 -
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمَفْقُودُ فِي اللُّغَةِ: الضَّائِعُ وَالْمَعْدُومُ، يُقَال: فَقَدَ الشَّيْءَ يَفْقِدُهُ فَقْدًا، وَفِقْدَانًا، وَفُقُودًا: ضَلَّهُ وَضَاعَ مِنْهُ، وَفَقَدَ الْمَال وَنَحْوَهُ: خَسِرَهُ وَعَدِمَهُ (1) .
وَالْمَفْقُودُ فِي الاِصْطِلاَحِ: غَائِبٌ لَمْ يُدْرَ مَوْضِعُهُ وَحَيَاتُهُ وَمَوْتُهُ، وَأَهْلُهُ فِي طَلَبِهِ يَجِدُّونَ، وَقَدِ انْقَطَعَ خَبَرُهُ وَخَفِيَ عَلَيْهِمْ أَثَرُهُ (2) .
أَنْوَاعُ الْمَفْقُودِ
2 - الْمَفْقُودُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ نَوْعٌ وَاحِدٌ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمَفْقُودَ عَلَى أَنْوَاعٍ:
الأَْوَّل: الْمَفْقُودُ فِي بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّعَ هَذَا النَّوْعَ إِلَى مَفْقُودٍ فِي زَمَانِ الْوَبَاءِ، وَمَفْقُودٍ فِي غَيْرِهِ.
الثَّانِي: الْمَفْقُودُ فِي بِلاَدِ الأَْعْدَاءِ.
الثَّالِثُ: الْمَفْقُودُ فِي قِتَال الْمُسْلِمِينَ مَعَ الْكُفَّارِ.
الرَّابِعُ: الْمَفْقُودُ فِي قِتَال الْمُسْلِمِينَ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ (3) . وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَالْمَفْقُودُ عِنْدَهُمْ قِسْمَانِ:
الأَْوَّل: مَنِ انْقَطَعَ خَبَرُهُ لِغَيْبَةٍ ظَاهِرُهَا السَّلاَمَةُ، كَالْمُسَافِرِ لِلتِّجَارَةِ أَوْ لِلسِّيَاحَةِ أَوْ لِطَلَبِ الْعِلْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
الثَّانِي: مَنِ انْقَطَعَ خَبَرُهُ لِغَيْبَةٍ ظَاهِرُهَا الْهَلاَكُ، كَالْجُنْدِيِّ الَّذِي يُفْقَدُ فِي الْمَعْرَكَةِ، وَرَاكِبِ السَّفِينَةِ الَّتِي غَرِقَتْ وَنَجَا بَعْضُ رُكَّابِهَا، وَالرَّجُل الَّذِي يُفْقَدُ مِنْ بَيْنِ أَهْلِهِ، كَمَنْ خَرَجَ إِلَى السُّوقِ أَوْ إِلَى حَاجَةٍ قَرِيبَةٍ فَلَمْ يَرْجِعْ، وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ أَيْضًا مَنْ فُقِدَ فِي صَحْرَاءَ مُهْلِكَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (4) .
3 - أَمَّا الأَْسِيرُ، الَّذِي لاَ يُدْرَى أَحَيٌّ هُوَ أَمْ مَيِّتٌ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ مَفْقُودًا فِي قَوْل الزُّهْرِيِّ (5) ، وَالْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ (6) .
وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ، فَلَمْ يَجْعَلُوا الأَْسِيرَ مَفْقُودًا وَلَوْ لَمْ يُعْرَفْ مَوْضِعُهُ وَلاَ مَوْقِعُهُ بَعْدَ الأَْسْرِ (7) ، إِلاَّ فِي قَوْل ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ بِأَنَّ الأَْسِيرَ الَّذِي تُعْرَفُ حَيَاتُهُ فِي وَقْتٍ مِنَ الأَْوْقَاتِ، ثُمَّ يَنْقَطِعُ خَبَرُهُ، وَلاَ يُعْرَفُ لَهُ مَوْتٌ وَلاَ حَيَاةٌ يُعْتَبَرُ مَفْقُودًا مِنَ النَّوْعِ الثَّانِي عِنْدَهُمْ (8) .
وَقَدِ اعْتَبَرَ الْحَنَفِيَّةُ الْمُرْتَدَّ الَّذِي لَمْ يَعُدْ أُلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَمْ لاَ مَفْقُودًا (9) .
وَلَمْ يَعْتَبِرِ الْمَالِكِيَّةُ الْمَحْبُوسَ الَّذِي لاَ يُسْتَطَاعُ الْكَشَفُ عَنْهُ مَفْقُودًا (10) .
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمَفْقُودِ:
يَتَعَلَّقُ بِالْمَفْقُودِ أَحْكَامٌ مُتَعَدِّدَةٌ مِنْهَا:
أ - زَوْجَةُ الْمَفْقُودِ 4 - مِنَ الثَّابِتِ شَرْعًا أَنَّ الْفِقْدَانَ لاَ يُؤَثِّرُ فِي عَقْدِ الزَّوَاجِ، لِذَلِكَ فَإِنَّ زَوْجَةَ الْمَفْقُودِ تَبْقَى عَلَى نِكَاحِهِ، وَتَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ فِي قَوْل الْفُقَهَاءِ جَمِيعًا، وَيَقَعُ عَلَيْهَا طَلاَقُهُ وَظِهَارُهُ وَإِيلاَؤُهُ، وَتَرِثُهُ وَيَرِثُهَا، مَا لَمْ يَنْتَهِ الْفِقْدَانُ (11) .
وَلَكِنْ إِلَى مَتَى تَبْقَى كَذَلِكَ؟ لَمْ يَأْتِ فِي السُّنَّةِ إِلاَّ حَدِيثٌ وَاحِدٌ هُوَ قَوْلُهُ ﵊: امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ امْرَأَتُهُ حَتَّى يَأْتِيَهَا الْخَبَرُ (12) ". وَهَذَا النَّصُّ الْمُجْمَل جَاءَ بَيَانُهُ فِي قَوْل عَلِيٍّ ﵁: بِأَنَّ امْرَأَةَ الْمَفْقُودِ تَبْقَى عَلَى عِصْمَته إِلَى أَنْ يَمُوتَ، أَوْ يَأْتِيَ مِنْهُ طَلاَقُهَا (13) .
وَبِهِ قَال ابْنُ مَسْعُودٍ ﵁ وَالنَّخَعِيُّ، وَأَبُو قِلاَبَةَ، وَالشَّعْبِيُّ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَالْحَكَمُ، وَحَمَّادٌ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَابْنُ شُبْرُمَةَ وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَبَعْضُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ (14) .
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ (15) ، وَالشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ (16) .
وَذَهَبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إِلَى أَنَّ امْرَأَةَ الْمَفْقُودِ تَتَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِينَ، ثُمَّ تَعْتَدُّ لِلْوَفَاةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةَ أَيَّامٍ، فَإِذَا انْقَضَتْ حَلَّتْ لِلأَْزْوَاجِ (17) .
وَبِهَذَا الْقَوْل قَال عُثْمَانُ، وَابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَلِيٍّ ﵃ (18) ، وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ (19) . وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ إِذَا فُقِدَ فِي الصَّفِّ عِنْدَ الْقِتَال تَرَبَّصَتِ امْرَأَتُهُ سَنَةً، وَإِذَا فُقِدَ فِي غَيْرِهِ تَرَبَّصَتْ أَرْبَعَ سِنِينَ (20) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمَفْقُودَ فِي بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ تَتَرَبَّصُ امْرَأَتُهُ أَرْبَعَ سِنِينَ، ثُمَّ تَعْتَدُّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ تَحِل لِلأَْزْوَاجِ، وَأَمَّا الْمَفْقُودُ فِي بِلاَدِ الأَْعْدَاءِ، فَإِنَّ زَوْجَتَهُ لاَ تَحِل لِلأَْزْوَاجِ إِلاَّ إِذَا ثَبَتَ مَوْتُهُ، أَوْ بَلَغَ مِنَ الْعُمْرِ حَدًّا لاَ يَحْيَا إِلَى مِثْلِهِ، وَهُوَ مُقَدَّرٌ بِسَبْعِينَ سَنَةً فِي قَوْل مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ، وَقَال مَالِكٌ مَرَّةً: إِذَا بَلَغَ ثَمَانِينَ سَنَةً، وَقَال ابْنُ عَرَفَةَ: إِذَا بَلَغَ خَمْسًا وَسَبْعِينَ سَنَةً وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَذَهَبَ أَشْهَبُ إِلَى أَنَّهُ يُعْتَبَرُ كَالْمَفْقُودِ فِي بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ.
أَمَّا الْمَفْقُودُ فِي قِتَال الْمُسْلِمِينَ مَعَ الْكَفَّارِ فَقَدْ قَال مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ بِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ كَالْمَفْقُودِ فِي بِلاَدِ الأَْعْدَاءِ، وَعَنْ مَالِكٍ: تَتَرَبَّصُ امْرَأَتُهُ سَنَةً، ثُمَّ تَعْتَدُّ، وَقِيل: هُوَ كَالْمَفْقُودِ فِي بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ.
وَأَمَّا الْمَفْقُودُ فِي قِتَال الْمُسْلِمِينَ بَعْضُهُمْ مَعَ بَعْضٍ فَقَدْ قَال مَالِكٌ، وَابْنُ الْقَاسِمِ: لَيْسَ فِي ذَلِكَ أَجَلٌ مُعَيَّنٌ، وَإِنَّمَا تَعْتَدُّ زَوْجَتُهُ مِنْ يَوْمِ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ، وَقِيل: تَتَرَبَّصُ سَنَةً ثُمَّ تَعْتَدُّ، وَقِيل: يُتْرَكُ ذَلِكَ لاِجْتِهَادِ الإِْمَامِ (21) . وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَعِنْدَهُمْ فِي الْمَفْقُودِ الَّذِي ظَاهِرُ غَيْبَتِهِ السَّلاَمَةُ قَوْلاَنِ:
الأَْوَّل: لاَ تَزُول الزَّوْجِيَّةُ مَا لَمْ يَثْبُتْ مَوْتُهُ.
الثَّانِي: أَنَّ زَوْجَتَهُ تَنْتَظِرُ حَتَّى يَبْلُغَ مِنَ الْعُمْرِ تِسْعِينَ سَنَةً فِي رِوَايَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّ الْمُدَّةَ مُفَوَّضَةٌ إِلَى رَأْيِ الإِْمَامِ وَالرِّوَايَةُ الأُْولَى هِيَ الْقَوِيَّةُ الْمُفْتَى بِهَا، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ.
وَمِنَ الْحَنَابِلَةِ مَنْ قَدَّرَ الْمُدَّةَ بِمِائَةٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً.
وَأَمَّا الْمَفْقُودُ الَّذِي ظَاهِرُ غَيْبَتِهِ الْهَلاَكُ، فَإِنَّ زَوْجَتَهُ تَتَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِينَ، ثُمَّ تَعْتَدُّ لِلْوَفَاةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ (22) .
بَدْءُ مُدَّةِ التَّرَبُّصِ
5 - تَبْدَأُ مُدَّةُ التَّرَبُّصِ مِنْ حَيْنِ رَفْعِ الأَْمْرِ إِلَى الْقَاضِي، وَهُوَ قَوْل عُمَرَ ﵁، وَعَطَاءٍ وَقَتَادَةَ، وَعَلَيْهِ اتَّفَقَ أَكْثَرُ مَنْ قَال بِالتَّرَبُّصِ (23) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ مَالِكٍ تَبْدَأُ مِنْ حِيْنِ الْيَأْسِ مِنْ وُجُودِ الْمَفْقُودِ بَعْدَ التَّحَرِّي عَنْهُ، وَهُوَ الْقَوْل الأَْظْهَرُ لِلشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ الْقَدِيمِ، وَرِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ (24) . وَقِيل: تَبْدَأُ الْمُدَّةُ مِنْ حِيْنِ الْغَيْبَةِ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ الْقَدِيمِ، وَالرِّوَايَةُ الأَْصَحُّ وَالصَّوَابُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ (25) .
وَهُنَاكَ نُصُوصٌ نُقِلَتْ عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ ﵃، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، جَاءَ فِيهَا ذِكْرُ مُدَّةِ التَّرَبُّصِ دُونَ تَحْدِيدِ مَتَى تَبْدَأُ (26) .
وَذَهَبَ عُمَرُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عُمَرَ، ﵃، وَعَطَاءٌ وَإِسْحَاقُ إِلَى أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ أَنْ يُطَلِّقَ وَلِيُّ الْمَفْقُودِ زَوْجَتَهُ (27) ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ (28) .
وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ ﵃ أَنَّهُ لاَ حَاجَةَ لِطَلاَقِ الْوَلِيِّ، وَهُوَ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ وَالْمُتَّفِقُ مَعَ الْقِيَاسِ (29) ".
مَا يَجِبُ عَلَى زَوْجَةِ الْمَفْقُودِ بَعْدَ التَّرَبُّصِ
6 - يَجِبُ عَلَى زَوْجَةِ الْمَفْقُودِ بَعْدَ مُدَّةِ التَّرَبُّصِ أَنْ تَعْتَدَّ لِلْوَفَاةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةَ أَيَّامٍ وَهَذَا قَوْل عُمَرَ وَالصَّحَابَةِ وَالْعُلَمَاءِ الَّذِينَ أَخَذُوا بِقَوْلِهِ (30) .
وَلاَ تَحْتَاجُ الزَّوْجَةُ بَعْدَ مُدَّةِ التَّرَبُّصِ لِحُكْمٍ مِنَ الْحَاكِمِ بِالْعِدَّةِ، وَلاَ بِالزَّوَاجِ بَعْدَ انْقِضَائِهَا فِي قَوْل الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ (31) .
وَأَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، فَعَلَى الْقَوْل الْقَدِيمِ عِنْدَهُمْ فِيهِ وَجْهَانِ، وَالأَْصَحُّ أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنَ الْحُكْمِ (32) .
مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ بِالتَّفْرِيقِ:
7 - إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمَفْقُودِ وَزَوْجَتِهِ فَإِنَّ الْحُكْمَ يَنْفُذُ بِالظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ، وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (33) .
وَقِيل يَنْفُذُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَهُوَ قَوْل الْحَنَابِلَةِ (34) ".
وَلِهَذَا نَتَائِجُ فِي أَثَرِ ظُهُورِ الْمَفْقُودِ حَيًّا فِي نِكَاحِ الزَّوْجَةِ غَيْرَهُ (ر: ف 25 - 26) .
فَإِنْ تَزَوَّجَتِ امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ فِي وَقْتٍ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ فِيهِ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، لأَِنَّ حُكْمَ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا الأَْوَّل عَلَى حَالِهِ (35) .
وَلَوْ تَزَوَّجَتِ امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ قَبْل مُضِيِّ الزَّمَانِ الْمُعْتَبَرِ لِلتَّرَبُّصِ وَالْعِدَّةِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ مَيِّتًا أَوْ أَنَّهُ كَانَ قَدْ طَلَّقَهَا قَبْل ذَلِكَ بِمُدَّةٍ تَنْقَضِي فِيهَا الْعِدَّةُ لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ لأَِنَّهَا مَمْنُوعَةٌ مِنْهُ فَأَشْبَهَتِ الزَّوْجَةَ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَأَمَّا الْقَوْل الأَْصَحُّ عِنْدَهُمْ فَإِنَّ نِكَاحَهَا صَحِيحٌ (36) ، وَبِالْقَوْل الأَْوَّل لِلشَّافِعِيَّةِ أَخَذَ الْحَنَابِلَةُ (37) .
وَلَوِ ادَّعَتِ امْرَأَةٌ أَنَّهَا زَوْجَةٌ لِلْمَفْقُودِ، وَأَقَامَتْ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ لَمْ يُقْضَ لَهَا بِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، خِلاَفًا لِلْمَالِكِيَّةِ (38) ، وَمَبْنَى الْمَسْأَلَةِ قَائِمٌ عَلَى جَوَازِ الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ وَعَدَمِهِ.
ب - أَمْوَال الْمَفْقُودِ:
لِلْفِقْدَانِ أَثَرٌ ظَاهِرٌ فِي أَمْوَال الْمَفْقُودِ الْقَائِمَةِ، وَفِي اكْتِسَابِهَا بِالْوَصِيَّةِ، وَالإِْرْثِ، وَفِي إِدَارَةِ تِلْكَ الأَْمْوَال.
أَوَّلاً: فِي بَيْعِ مَال الْمَفْقُودِ
8 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَبِيعَ عَقَارَ الْمَفْقُودِ، وَلاَ الْعُرُوضَ الَّتِي لاَ يَتَسَارَعُ إِلَيْهَا الْفَسَادُ، وَأَمَّا مَا يَتَسَارَعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ كَالثِّمَارِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ، وَيَحْفَظُ ثَمَنَهُ (39) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى جِوَازِ بَيْعِ أَمْوَال الْمَفْقُودِ إِذَا قُضِيَ عَلَيْهِ بِدَيْنٍ أَوِ اسْتِحْقَاقٍ أَوْ ضَمَانِ عَيْبٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِمْ فِي جَوَازِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ (40)
ثَانِيًا: فِي قَبْضِ حُقُوقِ الْمَفْقُودِ
9 - لَيْسَ لِلْقَاضِي عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنْ يَأْخُذَ مَال الْمَفْقُودِ الَّذِي فِي يَدِ مُودِعِهِ، وَلاَ الْمَال الَّذِي فِي يَدِ الشَّرِيكِ الْمُضَارِبِ، لأَِنَّهُمَا نَائِبَانِ عَنِ الْمَفْقُودِ فِي الْحِفْظِ (41) ، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ لَهُ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، غَيْرَ أَنَّ ابْنَ عَابِدِينَ حَمَلَهُ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ رَأَى مَصْلَحَةً فِيهِ، كَمَا لَوْ كَانَ الْمَدِينُ غَيْرَ ثِقَةٍ (42) .
وَلَوْ أَنَّ الْمَدِينَ دَفَعَ الدَّيْنَ إِلَى زَوْجَةِ الْمَفْقُودِ أَوْ وَلَدِهِ، وَكَذَلِكَ الْمُسْتَأْجِرُ لَوْ دَفَعَ الأُْجْرَةَ، فَإِنَّ الذِّمَّةَ لاَ تَبْرَأُ مَا لَمْ يَأْمُرِ الْقَاضِي بِذَلِكَ، هَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (43) وَأَمَّا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فَإِنَّ دُيُونَ الْمَفْقُودِ لاَ تُدْفَعُ لِلْوَرَثَةِ، وَإِنَّمَا تُدْفَعُ لِلسُّلْطَانِ (44) . ثَالِثًا: فِي الإِْنْفَاقِ مِنْ مَال الْمَفْقُودِ
10 - مِنَ الثَّابِتِ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ زَوْجَةَ الْمَفْقُودِ تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ (ر: ف 4) ، وَهَذِهِ النَّفَقَةُ تَكُونُ فِي مَال الْمَفْقُودِ، بِذَلِكَ قَال الْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ (45) .
وَقَال ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄: تَسْتَدِينُ، فَإِنْ جَاءَ زَوْجُهَا أَخَذَتْ مِنْ مَالِهِ، وَإِنْ مَاتَ أَخَذَتْ مِنْ نَصِيبِهَا مِنَ الْمِيرَاثِ، وَبِهِ قَال النَّخَعِيُّ (46) ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَفْقُودِ مَالٌ، وَطَلَبَتِ الزَّوْجَةُ مِنَ الْقَاضِي الْحُكْمَ لَهَا بِالنَّفَقَةِ فَإِنَّهُ يُجِيبُهَا إِلَى ذَلِكَ، وَبِهِ قَال النَّخَعِيُّ، وَهُوَ قَوْلٌ لأَِبِي حَنِيفَةَ، وَفِي قَوْلٍ آخَرَ لَهُ: لاَ يُجِيبُهَا، وَهُوَ قَوْل شُرَيْحٍ، وَقَال زُفَرُ: يَأْمُرُهَا الْقَاضِي بِأَنْ تَسْتَدِينَ، وَتُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهَا (47) .
وَتَنْقَطِعُ النَّفَقَةُ بِمَوْتِ الْمَفْقُودِ، أَوْ بِمُفَارِقَتِهِ لَهَا فَإِنِ اسْتَمَرَّتْ بِقَبْضِ النَّفَقَةِ بَعْدَ أَنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مَاتَ أَوْ فَارَقَهَا ثُمَّ رَجَعَ، فَعَلَيْهَا أَنْ تُعِيدَ مَا قَبَضَتْهُ مِنْ تَارِيخِ الْمَوْتِ، أَوِ الْمُفَارِقَةِ (48) .
وَتَسْقُطُ النَّفَقَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ بِزَوَاجِ امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ مِنْ غَيْرِهِ (49) . وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ تَسْقُطُ بِتَفْرِيقِ الْحَاكِمِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا الْمَفْقُودِ، أَوْ بِزَوَاجِهَا مِنْ غَيْرِهِ (50) ،
وَيَجِبُ فِي مَال الْمَفْقُودِ نَفَقَةُ زَوْجَتِهِ فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ بِذَلِكَ قَال ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ ﵃، وَفِيهِ قَوْلاَنِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ (51) .
11 - وَيَجِبُ فِي مَال الْمَفْقُودِ نَفَقَةُ الْفُقَرَاءِ مِنْ أَوْلاَدِهِ وَوَالِدِيهِ وَهُوَ قَوْل الْحَنَفِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ (52) ، وَالْمَالِكِيَّةِ غَيْرَ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ اشْتَرَطُوا لاِسْتِحْقَاقِ الأَْبَوَيْنِ النَّفَقَةَ أَنْ يَكُونَ قَدْ قَضَى بِهَا قَاضٍ قَبْل الْفَقْدِ (53) ، فَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَفْقُودَ مَيِّتٌ، وَاسْتَمَرَّ هَؤُلاَءِ بِقَبْضِ النَّفَقَةِ بَعْدَ ثُبُوتِ مَوْتِهِ، فَإِنَّهُمْ يَغْرَمُونَ مَا أُنْفِقَ عَلَيْهِمْ مِنْ يَوْمِ مَاتَ، لأَِنَّهُمْ وَرَثَةٌ (54) .
12 - وَتُسْتَوْفَى النَّفَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ لِلزَّوْجَةِ وَالأَْوْلاَدِ وَالْوَالِدَيْنِ مِنْ دَرَاهِمِ الْمَفْقُودِ وَدَنَانِيرِهِ وَمِنَ التِّبْرِ أَيْضًا، إِذَا كَانَ كُل ذَلِكَ تَحْتَ يَدِ الْقَاضِي، أَوْ كَانَ وَدِيعَةً، أَوْ دَيْنًا لِلْمَفْقُودِ، وَقَدْ أَقَرَّ الْوَدِيعُ وَالْمَدِينُ بِذَلِكَ، وَأَقَرَّا بِالزَّوْجِيَّةِ وَالنَّسَبِ (55) .
وَيَنْتَصِبُ الْوَدِيعُ وَالْمَدِينُ خَصْمًا فِي الدَّعْوَى، لأَِنَّ الْمَال تَحْتَ يَدِهِمَا، فَيَتَعَدَّى الْقَضَاءُ مِنْهُمَا إِلَى الْمَفْقُودِ، فَإِنْ كَانَ الْوَدِيعُ أَوِ الْمَدِينُ مُنْكِرًا لِلْوَدِيعَةِ أَوِ الدَّيْنِ أَوِ الزَّوْجِيَّةِ وَالنَّسَبِ، لَمْ يَصْلُحْ لِمُخَاصَمَةِ أَحَدٍ مِنْ مُسْتَحِقِّي النَّفَقَةِ، وَلاَ تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ ضِدَّهُ (56) .
وَلَيْسَ لِهَؤُلاَءِ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ مَال الْمَفْقُودِ الَّذِي يُخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادُ كَالثِّمَارِ، وَنَحْوِهَا، فَإِنْ بَاعُوهُ، فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ (57) .
وَلَيْسَ لَهُمْ بَيْعُ دَارِ الْمَفْقُودِ، وَلَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْ مَالِهِ سِوَاهَا، وَاحْتَاجُوا لِلنَّفَقَةِ (58) .
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مُسْتَحِقِّي النَّفَقَةِ كَفِيلاً، لاِحْتِمَال أَنْ يَحْضُرَ الْمَفْقُودُ، وَيُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى طَلاَقِ امْرَأَتِهِ، وَأَنَّهُ تَرَكَ لأَِوْلاَدِهِ مَالاً يَكْفِي لِنَفَقَتِهِمْ، وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ (59) .
وَالْقَضَاءُ عَلَى الْمَفْقُودِ بِالنَّفَقَةِ لِمُسْتَحِقِّيهَا لَيْسَ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا هُوَ تَمْكِينٌ لَهُمْ مِنْ أَخْذِ حَقِّهِمْ.
وَلاَ تَجِبُ عَلَى الْمَفْقُودِ نَفَقَةُ أَحَدٍ مِنْ أَقَارِبِ الْمَفْقُودِ غَيْرَ الَّذِينَ ذَكَرْنَا آنِفًا (60) .
رَابِعًا: فِي الْوَصِيَّةِ:
13 - تُوقَفُ الْوَصِيَّةُ لِلْمَفْقُودِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، حَتَّى يَظْهَرَ حَالُهُ، فَإِنْ ظَهَرَ حَيًّا قَبْل مَوْتِ أَقْرَانِهِ فَلَهُ الْوَصِيَّةُ، وَإِذَا حُكِمَ بِمَوْتِهِ رُدَّ الْمَال الْمُوصَى بِهِ إِلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي. (61)
وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ الْمَفْقُودَ قَدْ أَوْصَى لَهُ بِوَصِيَّةٍ وَجَاءَ مَوْتُ الْمَفْقُودِ أَوْ بَلَغَ مِنَ السِّنِينَ مَا لاَ يَحْيَا إِلَى مِثْلِهَا، وَالْمُوصَى لَهُ حَيٌّ، قَال الْمَالِكِيَّةُ: تُقْبَل الْبَيِّنَةُ، وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إِذَا كَانَتْ فِي حُدُودِ الثُّلُثِ، وَكَذَلِكَ الْحَال لَوْ أَوْصَى لَهُ قَبْل الْفَقْدِ، (62) وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أُصُولِهِمْ فِي جَوَازِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ.
خَامِسًا: فِي الإِْرْثِ:
14 - يُعْتَبَرُ الْمَفْقُودُ حَيًّا بِالنِّسْبَةِ لأَِمْوَالِهِ، فَلاَ يَرِثُ مِنْهُ أَحَدٌ، وَيَبْقَى كَذَلِكَ إِلَى أَنْ يَثْبُتَ مَوْتُهُ حَقِيقَةً، وَيُحْكَمَ بِاعْتِبَارِهِ مَيِّتًا، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ (ر: ف 20 - 21) .
15 - وَلاَ يَرِثُ الْمَفْقُودُ مِنْ أَحَدٍ، وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ وَقْفُ نَصِيبِهِ مِنْ إِرْثِ مُوَرِّثِهِ، وَيَبْقَى كَذَلِكَ إِلَى أَنْ يُتَبَيَّنَ أَمْرُهُ، وَيَكُونُ مِيرَاثُهُ كَمِيرَاثِ الْحَمْل، فَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ حَيٌّ اسْتَحَقَّ نَصِيبَهُ وَإِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ مَاتَ بَعْدَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ اسْتَحَقَّ نَصِيبَهُ مِنَ الإِْرْثِ كَذَلِكَ، وَإِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ مَاتَ قَبْل مَوْتِ مُوَرِّثِهِ أَوْ مَضَتِ الْمُدَّةُ، وَلَمْ يُعْلَمْ خَبَرُهُ، فَإِنَّ مَا أُوقِفَ مِنْ نَصِيبِهِ يُرَدُّ إِلَى وَرَثَةِ الْمُوَرِّثِ.
وَإِنْ كَانَ الْمَفْقُودُ مِمَّنْ يَحْجُبُ الْحَاضِرِينَ، لَمْ يُصْرَفْ إِلَيْهِمْ شَيْءٌ، بَل يُوقَفُ الْمَال كُلُّهُ.
وَإِنْ كَانَ لاَ يَحْجُبُهُمْ، يُعْطَى كُل وَاحِدٍ الأَْقَل مِنْ نَصِيبِهِ الإِْرْثِيِّ عَلَى تَقْدِيرِ حَيَاةِ الْمَفْقُودِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ مَوْتِهِ، مِثَال ذَلِكَ: رَجُلٌ مَاتَ عَنْ بِنْتَيْنِ، وَابْنٍ مَفْقُودٍ، وَابْنِ ابْنٍ، وَبِنْتِ ابْنٍ، وَطَلَبَتِ الْبِنْتَانِ الإِْرْثَ، فَإِنَّ فَرْضَهُمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الثُّلُثَانِ، لاَ يُدْفَعُ إِلَيْهِمَا، وَإِنَّمَا يُدْفَعُ إِلَيْهِمَا النِّصْفُ؛ لأَِنَّهُ أَقَل النَّصِيبَيْنِ، وَلاَ يُدْفَعُ شَيْءٌ لاَبْنِ الاِبْنِ، وَلاَ لِبِنْتِ الاِبْنِ، فَإِذَا مَضَتِ الْمُدَّةُ، وَحُكِمَ بِمَوْتِ الْمَفْقُودِ، أُعْطِيَتِ الْبِنْتَانِ السُّدُسَ، لِيَتِمَّ لَهُمَا الثُّلُثَانِ، وَأُعْطِيَ الْبَاقِي لأَِوْلاَدِ الاِبْنِ، لِلذَّكَرِ مِثْل حَظِّ الأُْنْثَيَيْنِ، وَعَلَى مَا سَبَقَ اتِّفَاقُ الْفُقَهَاءِ (63) إِلاَّ مَا ذُكِرَ مِنْ خِلاَفٍ فِي الْمَذْهَبِ الْحَنْبَلِيِّ حَوْل رَدِّ مَا أُوقِفَ مِنْ نَصِيبِ الْمَفْقُودِ الَّذِي لَمْ يُعْلَمْ خَبَرُهُ رَغْمَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ إِلَى وَرَثَةِ الْمُوَرِّثِ وَهَذَا قَوْلٌ فِي الْمَذْهَبِ، غَيْرَ أَنَّ الْقَوْل الأَْصَحَّ فِيهِ أَنَّهُ مِلْكٌ لِلْمَفْقُودِ، يُوَزَّعُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ، وَعَلَيْهِ الْمَذْهَبُ. (64)
16 - وَلَوِ ادَّعَى وَرَثَةُ رَجُلٍ أَنَّهُ فُقِدَ، وَطَلَبُوا قِسْمَةَ مَالِهِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ لاَ يَقْسِمُهُ حَتَّى تَقُومَ الْبَيِّنَةُ عَلَى مَوْتِهِ، وَتَكُونُ الدَّعْوَى بِأَنْ يَجْعَل الْقَاضِي مَنْ فِي يَدِهِ الْمَال خَصْمًا عَنِ الْمَفْقُودِ، أَوْ يُنَصِّبُ عَنْهُ قَيِّمًا فِي هَذِهِ الْوِلاَيَةِ. (65)
سَادِسًا: فِي إِدَارَةِ أَمْوَال الْمَفْقُودِ
تُدَارُ أَمْوَال الْمَفْقُودِ مِنْ قِبَل وَكِيلِهِ، أَوْ وَكِيلٍ يُعَيِّنُهُ الْقَاضِي.
أ - الْوَكِيل الَّذِي عَيَّنَهُ الْمَفْقُودُ:
17 - مَنْ كَانَ لَهُ وَكِيلٌ، ثُمَّ فُقِدَ فَإِنَّ الْوِكَالَةَ تَبْقَى صَحِيحَةً؛ لأَِنَّ الْوَكِيل لاَ يَنْعَزِل بِفَقْدِ الْمُوَكِّل.
وَلِهَذَا الْوَكِيل أَنْ يَحْفَظَ الْمَال الَّذِي أَوَدَعَهُ الْمَفْقُودُ، وَلَيْسَ لأَِمِينِ بَيْتِ الْمَال أَنْ يَنْزِعَهُ مِنْ يَدِهِ.
وَأَمَّا قَبْضُ الدُّيُونِ الَّتِي أَقَرَّ بِهَا غُرَمَاءُ الْمَفْقُودِ، وَقَبْضُ غَلاَّتِ أَمْوَالِهِ، فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ.
وَذَهَبَ ابْنُ عَابِدِينَ إِلَى أَنَّ لِوَكِيل الْمَفْقُودِ حَقُّ قَبْضِ الدِّيُونِ وَالْغَلاَّتِ مَا دَامَ قَدْ وُكِّل بِذَلِكَ (66) .
وَلِلْحَنَابِلَةِ فِي قَبْضِ وَكِيل الْمَفْقُودِ لِلْغَلاَّتِ قَوْلاَنِ. (67)
وَلَيْسَ لِمَنْ كَانَ وَكِيلاً بِعَمَارَةِ دَارِ الْمَفْقُودِ أَنْ يُعَمِّرَهَا إِلاَّ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ، فَلَعَلَّهُ مَاتَ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ التَّصَرُّفُ لِلْوَرَثَةِ (68) ".
ب - الْوَكِيل الَّذِي يُعَيِّنُهُ الْقَاضِي:
18 - إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَفْقُودِ وَكِيلٌ فَإِنَّ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يُنَصِّبَ لَهُ وَكِيلاً.
وَهَذَا الْوَكِيل يَتَوَلَّى جَمْعَ مَال الْمَفْقُودِ وَحِفْظِهِ وَقَبْضِ كُل حُقُوقِهِ مِنْ دُيُونٍ ثَابِتَةٍ وَأَعْيَانٍ وَغَلاَّتٍ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ إِلاَّ بِإِذْنِ الْقَاضِي فِي الْحُقُوقِ الَّتِي لِلْمَفْقُودِ، وَفِي الْحُقُوقِ الَّتِي عَلَيْهِ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَوَافَقَهُمُ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْجُمْلَةِ (69) .
وَلاَ تُسْمَعُ الدَّعْوَى بِحَقٍّ عَلَى الْمَفْقُودِ، وَلاَ تُقْبَل الْبَيِّنَةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، غَيْرَ أَنَّ الْقَاضِيَ إِنْ قَبِل ذَلِكَ، وَحَكَمَ بِهِ، نَفَذَ حُكْمُهُ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى قَبُول الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمَفْقُودِ.
وَلَوْ طَلَبَ وَرَثَةُ الْمَفْقُودِ مِنَ الْحَاكِمِ نَصْبَ وَكِيلٍ عَنْهُ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَجِيبَ لِذَلِكَ. (70) انْتِهَاءُ الْفِقْدَانِ: يَنْتَهِي الْفِقْدَانُ بِإِحْدَى الْحَالاَتِ الآْتِيَةِ:
الْحَالَةُ الأُْولَى: عَوْدَةُ الْمَفْقُودِ
19 - إِذَا ظَهَرَ أَنَّ الْمَفْقُودَ حَيٌّ، وَعَادَ إِلَى وَطَنِهِ، فَقَدِ انْتَهَى الْفِقْدَانُ، لأَِنَّ الْمَفْقُودَ مَجْهُول الْحَيَاةِ أَوِ الْمَوْتِ، وَبِظُهُورِهِ انْتَفَتْ تِلْكَ الْجَهَالَةُ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ.
(ر: ف 25 - 26) .
الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: مَوْتُ الْمَفْقُودِ:
20 - إِذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ الْمَفْقُودَ قَدْ مَاتَ فَقَدِ انْتَهَتْ حَالَةُ الْفِقْدَانِ، لِزَوَال الْجَهَالَةِ الَّتِي كَانَتْ تُحِيطُ حَيَاتَهُ أَوْ مَوْتَهُ، وَعَلَى ذَلِكَ اتِّفَاقُ الْفُقَهَاءِ. (71)
وَلاَ بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ مَوْتِهِ أَمَامَ الْقَاضِي، غَيْرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ لَمْ يَشْتَرِطُوا صُدُورَ حُكْمٍ بِذَلِكَ. (72)
وَيُمْكِنُ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَدَّعُوا مَوْتَ الْمَفْقُودِ، وَيُقَدِّمُوا الْبَيِّنَةَ لإِِثْبَاتِ ذَلِكَ، وَيَخْتَارُ الْقَاضِي وَكِيلاً عَنِ الْمَفْقُودِ يُخَاصِمُ الْوَرَثَةَ، فَإِذَا أَثَبَتَتِ الْبَيِّنَةُ مَوْتَهُ، قَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ. (73) وَيُقَسَّمُ مِيرَاثُ الْمَفْقُودِ بَيْنَ الأَْحْيَاءِ مِنْ وَرَثَتِهِ يَوْمَ مَوْتِهِ، وَعَلَيْهِ اتِّفَاقُ الْفُقَهَاءِ، لأَِنَّ شَرْطَ التَّوْرِيثِ بَقَاءُ الْوَارِثِ حَيًّا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ. (74)
21 - أَمَّا مِيرَاثُ الزَّوْجَةِ فَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ كَمَا يَلِي: ذَهَبَ الشَّعْبِيُّ إِلَى أَنَّ زَوْجَةَ الْمَفْقُودِ الَّتِي تَزَوَّجَتْ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ مَيِّتٌ فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ مِنْهُ، وَهِيَ تَرِثُهُ. (75)
وَفِي الْمَذْهَبِ الْمَالِكِيِّ تَفْصِيلٌ: فَإِنْ جَاءَ مَوْتُهُ قَبْل أَنْ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، فَإِنَّهَا تَرِثُهُ.
وَإِنْ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا الثَّانِي، وَوَرِثَتْ مِنْ زَوْجِهَا الْمَفْقُودِ.
وَإِنْ تَزَوَّجَتْ وَجَاءَ مَوْتُهُ قَبْل الدُّخُول وَرِثَتْهُ، وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَاسْتَقْبَلَتْ عِدَّتَهَا مِنْ يَوْمِ الْمَوْتِ.
وَإِنْ جَاءَ مَوْتُ الْمَفْقُودِ بَعْدَ دُخُول الثَّانِي، لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا، وَلاَ إِرْثَ لَهَا.
أَمَّا إِنْ كَانَ زَوَاجُ الثَّانِي قَدْ وَقَعَ فِي الْعِدَّةِ مِنَ الأَْوَّل الْمُتَوَفَّى، فَإِنَّهَا تَرِثُهُ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا الثَّانِي. (76)
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ تَرِثُ الزَّوْجَةُ مِنْ زَوْجِهَا الْمَفْقُودِ الَّذِي ثَبَتَ مَوْتُهُ إِنْ لَمْ تَتَزَوَّجْ، أَوْ كَانَتْ تَزَوَّجَتْ وَلَمْ يَدْخُل بِهَا الثَّانِي، وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهَا لاَ تَرِثُ مِنْهُ.
فَإِنْ دَخَل بِهَا الثَّانِي، وَكَانَ الزَّوْحُ الأَْوَّل قَدْ قَدِمَ وَاخْتَارَهَا ثُمَّ مَاتَ، فَإِنَّهَا تَرِثُهُ وَيَرِثُهَا، وَلَوْ مَاتَ الثَّانِي لَمْ تَرِثْهُ، وَلَمْ يَرِثْهَا، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْل اخْتِيَارِهَا - وَقُلْنَا بِأَنَّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ - فَإِنَّهَا تَرِثُ الزَّوْجَ الثَّانِي وَيَرِثُهَا، لاَ تَرِثُ الزَّوْجَ الأَْوَّل وَلاَ يَرِثُهَا.
وَإِنْ مَاتَتْ قَبْل اخْتِيَارِ الزَّوْجِ الأَْوَّل، فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ، فَإِنِ اخْتَارَهَا وَرِثَهَا، وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْهَا وَرِثَهَا الثَّانِي.
وَهَذَا كُلُّهُ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ.
وَاخْتَارَ الشَّيْخُ ابْنُ قُدَامَةَ أَنَّهَا لاَ تَرِثُ زَوْجَهَا الثَّانِي، وَلاَ يَرِثُهَا بِحَالٍ إِلاَّ أَنْ يُجَدِّدَ لَهَا عَقْدًا، أَوْ لاَ يَعْلَمُ أَنَّ الأَْوَّل كَانَ حَيًّا، وَمَتَى عَلِمَ أَنَّ الأَْوَّل كَانَ حَيًّا وَرِثَهَا وَوَرِثَتْهُ، إِلاَّ أَنْ يَخْتَارَ تَرْكَهَا، فَتَبِينَ مِنْهُ بِذَلِكَ، فَلاَ تَرِثُهُ وَلاَ يَرِثُهَا. وَعَلَى الْقَوْل بِأَنَّ الْحُكْمَ بِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ يُوقِعُ التَّفْرِيقَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا تَرِثُ الثَّانِي وَيَرِثُهَا، وَلاَ تَرِثُ الأَْوَّل وَلاَ يَرِثُهَا.
وَأَمَّا عِدَّتُهَا، فَمَنْ وَرَثَتْهُ اعْتَدَّتْ لِوَفَاتِهِ عِدَّةَ الْوَفَاةِ. (77)
الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: اعْتِبَارُ الْمَفْقُودِ مَيِّتًا
22 - يُعْتَبَرُ الْمَفْقُودُ مَيِّتًا حُكْمًا بِمُضِيِّ مُدَّةٍ عَلَى فَقْدِهِ، أَوْ بِبُلُوغِهِ سِنًّا مُعَيَّنَةً.
فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يُحْكَمُ بِمَوْتِ الْمَفْقُودِ إِذَا لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْ أَقْرَانِهِ فِي بَلَدِهِ، لاَ فِي جَمِيعِ الْبُلْدَانِ، وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَهُمْ.
غَيْرَ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي السِّنِّ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ يَمُوتَ فِيهَا الأَْقْرَانُ، فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: هِيَ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً، وَهَذَا مَا اخْتَارَهُ الْقُدُورِيُّ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِائَةُ سَنَةٍ، وَقَال مُحَمَّدُ بْنُ حَامِدٍ الْبُخَارِيُّ: هِيَ تِسْعُونَ سَنَةً، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهَا سَبْعُونَ سَنَةً، وَمِنْهُمْ مَنْ قَال: بِأَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةُ مَتْرُوكَةٌ إِلَى اجْتِهَادِ الإِْمَامِ، وَيُنْظَرُ إِلَى شَخْصِ الْمَفْقُودِ وَالْقَرَائِنِ الظَّاهِرَةِ. (78)
وَلِعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ خِلاَفٌ فِي التَّرْجِيحِ بَيْنَ هَذِهِ الأَْقْوَال فَمِنْهُمْ مَنْ قَال: الْفَتْوَى عَلَى التِّسْعِينَ سَنَةً وَهُوَ الأَْرْفَقُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَال: الْفَتْوَى عَلَى الثَّمَانِينَ، وَاخْتَارَ ابْنُ الْهُمَامِ السَّبْعِينَ سَنَةً، وَمِنْهُمْ مَنْ قَال بِأَنَّ تَفْوِيضَ الْمُدَّةِ إِلَى الإِْمَامِ هُوَ الْمُخْتَارُ وَالأَْقْيَسُ. (79)
وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، فَقَدْ ذَكَرْنَا مَذْهَبَهُمْ قَبْلاً.
(ر: ف 4) .
وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ، فَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ أَنَّ تَقْدِيرَ تِلْكَ السِّنِّ مَتْرُوكٌ لاِجْتِهَادِ الإِْمَامِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَدَّرَهُ بِاثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ سَنَةً، أَوْ بِسَبْعِينَ، أَوْ بِثَمَانِينَ، أَوْ بِمِائَةٍ، أَوْ بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً. (80)
23 - فَإِذَا انْقَضَتِ الْمُدَّةُ الْمَذْكُورَةُ جَرَى تَقْسِيمُ مِيرَاثِ الْمَفْقُودِ بَيْنَ وَرَثَتِهِ الْمَوْجُودِينَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي اعْتُبِرَ فِيهِ مَيِّتًا، لاَ بَيْنَ الَّذِينَ مَاتُوا قَبْلَهُ، فَكَأَنَّهُ مَاتَ حَقِيقَةً فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، بِهَذَا قَضَى عُمَرُ وَعُثْمَانُ ﵄، (81) وَهُوَ قَوْلٌ لِلْحَنَفِيَّةِ، وَقَوْلٌ لِلْمَالِكِيَّةِ، (82) وَهُوَ الْقَوْل الأَْصَحُّ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَفِي الْقَوْل الآْخَرِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: يُقَسَّمُ الْمِيرَاثُ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الزَّوْجَةِ إِذَا كَانَ الْمَفْقُودُ يَغْلِبُ عَلَيْهِ الْهَلاَكُ (83) وَفِي قَوْلٍ لِلْحَنَفِيَّةِ، وَفِي الْقَوْل الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَفِي الْمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَفِي قَوْلٍ لِلْحَنَابِلَةِ: أَنَّ مِيرَاثَ الْمَفْقُودِ يُعْطَى لِوَرَثَتِهِ الأَْحْيَاءِ يَوْمَ الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ، (84) إِلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ قَالُوا: إِذَا مَضَتْ مُدَّةٌ زَائِدَةٌ عَلَى مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الْمَفْقُودَ لاَ يَعِيشُ فَوْقَهَا، وَحَكَمَ الْقَاضِي بِمَوْتِهِ مِنْ مُضِيِّ تِلْكَ الْمُدَّةِ السَّابِقَةِ عَلَى حُكْمِهِ بِزَمَنٍ مَعْلُومٍ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ، وَيُعْطَى الْمَال لِمَنْ كَانَ وَارِثُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَإِنْ كَانَ سَابِقًا عَلَى الْحُكْمِ. (85)
وَتَعْتَدُّ امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ عِدَّةَ الْوَفَاةِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي جَرَى فِيهِ تَقْسِيمُ مِيرَاثِهِ. (86) (ر: ف 5)
24 - وَلاَ بُدَّ مِنَ الْحُكْمِ بِاعْتِبَارِهِ مَيِّتًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي الْمَذْهَبِ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيَّةُ. (87) وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، غَيْرَ أَنَّ الْقَوْل الأَْصَحَّ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ لاَ يَحْتَاجُ إِلَى حُكْمٍ بِاعْتِبَارِهِ مَيِّتًا، وَهُوَ قَوْلٌ لِلْحَنَفِيَّةِ، وَلِلْمَالِكِيَّةِ (88) ".
وَأَمَّا طَبِيعَةُ الْحُكْمِ بِاعْتِبَارِهِ الْمَفْقُودَ مَيِّتًا، فَلِلْفُقَهَاءِ فِيهِ خِلاَفٌ، فَهُوَ مُنْشِئٌ لِلْحَالَةِ الْجَدِيدَةِ الَّتِي أَصْبَحَ عَلَيْهَا الْمَفْقُودُ عِنْدَ مَنْ قَال بِوُجُوبِ صُدُورِ الْحُكْمِ، وَهُوَ مُظْهِرٌ عِنْدَ مَنْ قَال بِعَدِمِ وُجُوبِ الْحُكْمِ (ر: ف 6) .
وَلِهَذَا الْخِلاَفِ نَتَائِجُ مُهِمَّةٌ جِدًّا، فَعَلَى الْقَوْل بِأَنَّ الْحُكْمَ مُنْشِئٌ لاَ تَسْتَطِيعُ الزَّوْجَةُ أَنْ تَبْدَأَ عِدَّةَ الْوَفَاةِ، وَلاَ أَنْ تَتَزَوَّجَ إِلاَّ بَعْدَ صُدُورِهِ.
وَكَذَلِكَ فَإِنَّ أَمْوَال الْمَفْقُودِ لاَ تُوَزَّعُ إِلاَّ بَيْنَ الْوَرَثَةِ الْمَوْجُودِينَ يَوْمَ صُدُورِ الْحُكْمِ لاَ قَبْلَهُ، كَأَنَّ الْمَفْقُودَ قَدْ مَاتَ حَقِيقَةً فِي الْيَوْمِ الْمَذْكُورِ.
وَأَمَّا مَنْ قَال بِأَنَّ الْحُكْمَ مُظْهِرٌ، فَإِنَّ عِدَّةَ الزَّوْجَةِ تَبْدَأُ مِنْ تَارِيخِ انْتِهَاءِ مُدَّةِ التَّرَبُّصِ، أَوْ مِنْ بُلُوغِ الْمَفْقُودِ السِّنَّ الَّتِي لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَحْيَا بَعْدَهَا، وَأَنَّ مِيرَاثَ الْمَفْقُودِ يُقَسَّمُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ الأَْحْيَاءِ فِي ذَلِكَ التَّارِيخِ، وَلاَ عِبْرَةَ لِصُدُورِ الْحُكْمِ. أَثَرُ ظُهُورِ الْمَفْقُودِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ
إِنْ ظَهَرَ الْمَفْقُودُ حَيًّا بَعْدَ الْحُكْمِ بِاعْتِبَارِهِ مَيِّتًا، فَإِنَّ لِذَلِكَ آثَارًا بِالنِّسْبَةِ لِزَوْجَتِهِ، وَبِالنِّسْبَةِ لأَِمْوَالِهِ.
أَوَّلاً: بِالنِّسْبَةِ لِزَوْجَتِهِ:
25 - لِلْفُقَهَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلاَفٌ:
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمَفْقُودَ إِنْ عَادَ، وَلَمْ تَكُنْ زَوْجَتُهُ قَدْ تَزَوَّجَتْ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، فَإِنْ تَزَوَّجَتْ فَلاَ سَبِيل لَهُ عَلَيْهَا، وَفِي قَوْلٍ آخَرَ: إِنَّ زَوْجَتَهُ لَهُ. (89)
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الْمَفْقُودَ إِنْ عَادَ قَبْل نِكَاحِ زَوْجَتِهِ غَيْرَهُ، فَهِيَ زَوْجَتُهُ، وَهَذَا هُوَ الْقَوْل الْمَشْهُورُ الْمَعْمُول بِهِ، فَإِنْ عَادَ بَعْدَ النِّكَاحِ، فَعَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ:
الأُْولَى: إِنْ عَادَ قَبْل الدُّخُول، فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا الثَّانِي، وَأَمَّا إِنْ عَادَ بَعْدَ الدُّخُول، فَالثَّانِي عَلَى نِكَاحِهِ، وَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ.
الثَّانِيَةُ: إِنْ عَادَ الْمَفْقُودُ، فَوَجَدَ زَوْجَتَهُ قَدْ تَزَوَّجَتْ فَلاَ سَبِيل لَهُ عَلَيْهَا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ دُخُولٌ.
وَقَدْ أَخَذَ بِكُلٍّ مِنَ الرِّوَايَتَيْنِ طَائِفَةٌ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَقَال ابْنُ الْقَاسِمِ، وَأَشْهَبُ بِأَنَّ أَقْوَى الْقَوْلَيْنِ مَا جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ (90) وَهِيَ مَذْكُورَةٌ فِي الْمُوَطَّأِ (91)
وَقَوْل الشَّافِعِيَّةِ يَخْتَلِفُ بَيْنَ الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ:
فَفِي الْقَوْل الْقَدِيمِ: إِنْ قَدِمَ الْمَفْقُودُ بَعْدَ زَوَاجِ امْرَأَتِهِ، فَفِي عَوْدَتِهَا إِلَيْهِ قَوْلاَنِ، وَقِيل يُخَيَّرُ الأَْوَّل بَيْنَ أَخْذِهَا مِنَ الثَّانِي، وَتَرْكِهَا لَهُ وَأَخْذِ مَهْرِ الْمِثْل مِنْهُ.
وَفِي الْقَوْل الْجَدِيدِ: هِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى نِكَاحِ الْمَفْقُودِ، فَإِنْ تَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، تَعُودُ لِلأَْوَّل بَعْدَ انْتِهَاءِ عِدَّتِهَا مِنَ الثَّانِي. (92)
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْمَفْقُودَ إِنْ قَدِمَ قَبْل أَنْ تَتَزَوَّجَ امْرَأَتُهُ، فَهِيَ عَلَى عِصْمَتِهِ.
فَإِنْ تَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ، وَلَمْ يَدْخُل بِهَا، فَهِيَ زَوْجَةُ الأَْوَّل فِي رِوَايَةٍ، وَهِيَ الصَّحِيحُ، وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ يُخَيَّرُ.
فَإِنْ دَخَل بِهَا الثَّانِي، كَانَ الأَْوَّل بِالْخِيَارِ، إِنْ شَاءَ أَخَذَ زَوْجَتَهُ بِالْعَقْدِ الأَْوَّل، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ مَهْرَهَا وَبَقِيَتْ عَلَى نِكَاحِ الثَّانِي.
فَإِنِ اخْتَارَ الْمَرْأَةَ، وَجَبَ عَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ مِنَ الثَّانِي قَبْل أَنْ يَطَأَهَا الأَْوَّل، وَلاَ حَاجَةَ لِطَلاَقِهَا مِنْهُ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ. وَقِيل: تَحْتَاجُ إِلَى طَلاَقٍ.
وَإِنِ اخْتَارَ تَرْكَهَا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ الثَّانِي بِالْمَهْرِ الَّذِي دَفَعَهُ هُوَ، وَفِي رِوَايَةٍ: يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْمَهْرِ الَّذِي دَفَعَهُ الثَّانِي، وَالأَْوَّل هُوَ الصَّوَابُ.
وَفِي رُجُوعِ الزَّوْجِ الثَّانِي عَلَى الْمَرْأَةِ بِمَا دَفَعَهُ لِلأَْوَّل رِوَايَتَانِ، وَعَدَمُ الرُّجُوعِ هُوَ الأَْظْهَرُ وَالأَْصَحُّ.
وَيَجِبُ أَنْ يُجَدِّدَ الزَّوْجُ الثَّانِي عَقْدَ زَوَاجِهِ إِنِ اخْتَارَ الأَْوَّل تَرْكَ الزَّوْجَةِ لَهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ.
وَقِيل: لاَ يَحْتَاجُ إِلَى ذَلِكَ، وَهُوَ الْقِيَاسُ. (93)
فَإِنْ رَجَعَ الْمَفْقُودُ بَعْدَ مَوْتِ الزَّوْجَةِ عَلَى عِصْمَةِ الثَّانِي فَلاَ خِيَارَ لَهُ، وَهِيَ زَوْجَةُ الثَّانِي ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَهُوَ يَرِثُهَا وَلاَ يَرِثُهَا الأَْوَّل، وَقَال بَعْضُهُمْ: يَرِثُهَا. (94)
وَقَدْ جَعَل بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ التَّخْيِيرَ لِلْمَرْأَةِ، فَإِنْ شَاءَتِ اخْتَارَتِ الأَْوَّل، وَإِنْ شَاءَتِ اخْتَارَتِ الثَّانِيَ، وَأَيُّهُمَا اخْتَارَتْ، رَدَّتْ عَلَى الآْخَرِ مَا أَخَذَتْ مِنْهُ. (95) ثَانِيًا: بِالنِّسْبَةِ لأَِمْوَالِهِ:
26 - لِلْفُقَهَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلاَفٌ: ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمَفْقُودَ إِنْ عَادَ حَيًّا، فَإِنَّهُ لاَ يَرْجِعُ عَلَى زَوْجَتِهِ وَأَوْلاَدِهِ بِمَا أَنْفَقُوهُ بِإِذْنِ الْقَاضِي وَإِنْ بَاعُوا شَيْئًا مِنَ الأَْعْيَانِ ضَمِنُوهُ. (1) وَيَأْخُذُ أَيْضًا مَا بَقِيَ فِي أَيْدِي الْوَرَثَةِ مِنْ أَمْوَالِهِ، وَلاَ يُطَالَبُ بِمَا ذَهَبَ، سَوَاءٌ أَظَهَرَ حَيًّا قَبْل الْحُكْمِ بِاعْتِبَارِهِ مَيِّتًا، أَمْ بَعْدَهُ. (2)
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ يَرْجِعُ بِجَمِيعِ تَرِكَتِهِ، وَلَوْ بَعْدَ تَقْسِيمِهَا عَلَى الْوَرَثَةِ. (3)
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يَأْخُذُ الْمَفْقُودُ مَا وَجَدَ مِنْ أَعْيَانِ أَمْوَالِهِ وَأَمَّا مَا تَلِفَ، فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَى الْوَرَثَةِ فِي الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ فِي الْمَذْهَبِ، وَفِي الرِّوَايَةِ الأُْخْرَى غَيْرُ مَضْمُونٍ، وَقَدِ اخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ. (4)
__________
(1) الصحاح، والقاموس المحيط، وتاج العروس.
(2) المبسوط 11 / 34، 38، وحاشية الدسوقي 2 / 479.
(3) القوانين الفقهية ص 144 - 145، والكافي لابن عبد البر 2 / 567 - 569، والتاج والإكليل بهامش مواهب الجليل 4 / 156 وما بعدها، ومواهب الجليل 4 / 156 وما بعدها.
(4) المغني لابن قدامة 6 / 365 - 366، 8 / 95 - 96 - مطبعة الإمام، وكشاف القناع 4 / 515، 5 / 487، ومطالب أولي النهى 4 / 630 - 631.
(5) فتح الباري 11 / 351 - البابي الحلبي.
(6) المبسوط 11 / 38، والفتاوى الهندية 2 / 299، 6 / 456، ومغني المحتاج 3 / 26، وشرح المحلي 3 / 149، والمغني 6 / 365، 366، 8 / 95 - 96.
(7) المدونة الكبرى 2 / 456 - دار صادر، وشرح الخرشي 4 / 149.
(8) الكافي 2 / 568.
(9) الدر المختار 4 / 292.
(10) التاج والإكليل بهامش مواهب الجليل 4 / 155، ومواهب الجليل 4 / 155.
(11) المبسوط 11 / 38، 39، والبناية على الهداية 6 / 60، والفتاوى الهندية 2 / 300، والمدونة 2 / 451، ومواهب الجليل 4 / 156 - 157، والأم 5 / 239 - 240، دار المعرفة، ومغني المحتاج 3 / 398، والمغني 8 / 104.
(12) حديث: " امرأة المفقود امرأته حتى يأتيها الخبر ". أخرجه الدارقطني (3 / 312) عن المغيرة بن شعبة، وضعفه الزيلعي في نصب الراية (3 / 473) .
(13) أثر علي في امرأة المفقود أخرجه عبد الرزاق في المصنف (7 / 90) بلفظ: هي امرأة ابتليت فلتصبر حتى يأتيها موت أو طلاق.
(14) المغني 8 / 95، وفتح الباري 11 / 352.
(15) المبسوط 11 / 35، وبدائع الصنائع 6 / 196.
(16) الوجيز للغزالي 2 / 99، ومغني المحتاج 3 / 397.
(17) مصنف ابن أبي شيبة، 4 / 237، ونصب الراية 3 / 472، والمحلى 7 / 164، وفتح الباري 11 / 352.
(18) فتح الباري 11 / 352.
(19) مغني المحتاج 3 / 397.
(20) فتح الباري 11 / 350، ومصنف عبد الرزاق 7 / 189.
(21) المدونة 2 / 451، 452، والتاج والإكليل بهامش مواهب الجليل 4 / 156، 160، 161، وحاشية الدسوقي 2 / 479، 483.
(22) المغني 6 / 366، 8 / 95 - 96، وكشاف القناع 4 / 515، 6 / 487، 489.
(23) مصنف عبد الرزاق 7 / 86، 90، وفتح الباري 11 / 352.
(24) التاج والإكليل بهامش مواهب الجليل 4 / 156، والمهذب 2 / 146، والمغني 8 / 98.
(25) مغني المحتاج 3 / 397، ومطالب أولي النهى 5 / 568.
(26) فتح الباري 11 / 352، ومصنف عبد الرزاق 7 / 85، 89.
(27) مصنف عبد الرزاق 7 / 86 - 90، ونصب الراية 3 / 472.
(28) المغني 8 / 97 - 98، والفروع 5 / 545 - 546.
(29) المغني 8 / 98، وكشاف القناع 6 / 488.
(30) مطالب أولي النهى 5 / 569، وفتح الباري 11 / 352.
(31) التاج والإكليل بهامش مواهب الجليل 4 / 157، والشرح الكبير 2 / 480، وكشاف القناع 6 / 488، ومطالب أولي النهى 4 / 631، 5 / 569.
(32) المهذب 2 / 146، ومغني المحتاج 3 / 397.
(33) المصادر السابقة.
(34) المغني 8 / 99، ومطالب أولي النهى 5 / 569.
(35) التاج والإكليل بهامش مواهب الجليل 4 / 158، والمهذب 2 / 146، والمغني 8 / 103.
(36) شرح المحلي 4 / 51، ومغني المحتاج 3 / 398.
(37) مطالب أولي النهى 5 / 570، وكشاف القناع 6 / 488.
(38) المبسوط 11 / 45، ومواهب الجليل 4 / 156.
(39) بدائع الصنائع 6 / 196 - 197.
(40) مواهب الجليل 4 / 156.
(41) بدائع الصنائع 6 / 196.
(42) المدونة 2 / 455، وحاشية ابن عابدين 4 / 293.
(43) المبسوط 11 / 43.
(44) المدونة 2 / 454 - 455، ومواهب الجليل 4 / 156.
(45) حاشية ابن عابدين 4 / 295، واللباب 2 / 216، والتاج والإكليل 4 / 157، وشرح الخرشي 4 / 150، ومطالب أولي النهى 5 / 569.
(46) المغني 7 / 495، ومصنف عبد الرزاق 7 / 194.
(47) المبسوط 11 / 42 - 43.
(48) شرح الخرشي 4 / 150، والمغني 8 / 100.
(49) مغني المحتاج 3 / 398.
(50) المغني 8 / 101، والفروع 5 / 548.
(51) المغني 8 / 101، ومطالب أولي النهى 5 / 569، والتاج والإكليل بهامش مواهب الجليل 4 / 157، ومواهب الجليل 4 / 157.
(52) المبسوط 11 / 39، ومغني المحتاج 3 / 446 - 449.
(53) المدونة 2 / 452، التاج والإكليل بهامش مواهب الجليل 4 / 160.
(54) المدونة 2 / 452، وشرح الخرشي 4 / 150.
(55) المبسوط 11 / 39 - 41، والبناية 6 / 61 - 64.
(56) المبسوط 11 / 41، وبدائع الصنائع 6 / 197.
(57) المبسوط 11 / 40.
(58) المبسوط 11 / 39.
(59) بدائع الصنائع 6 / 196، والمدونة 2 / 452.
(60) المبسوط 11 / 38، 39، 40، وبدائع الصنائع 6 / 197.
(61) المبسوط 11 / 43، 44 - 45، والبناية شرح الهداية 6 / 70.
(62) المدونة 2 / 456.
(63) حاشية الطحطاوي على الدر 2 / 509، 510، واللباب 2 / 217، والمدونة 2 / 453، والتاج والإكليل بهامش مواهب الجليل 4 / 161 - 162، 6 / 423 - 424، والمغني 6 / 365 - 368، 376، والفروع 5 / 35 - 37.
(64) المحرر 1 / 407، والفروع 5 / 37.
(65) المبسوط 11 / 38.
(66) البحر الرائق 5 / 176، حاشية ابن عابدين 4 / 293.
(67) كشاف القناع 4 / 519، والفروع 5 / 38.
(68) حاشية ابن عابدين 4 / 293.
(69) البحر الرائق 5 / 176، وتبيين الحقائق 3 / 310، 311، والتاج والإكليل 4 / 160، ومواهب الجليل 4 / 156.
(70) المدونة 2 / 456، والمبسوط 11 / 41، 42، والفتاوى الهندية 2 / 301.
(71) شرح السراجية ص 221، والمدونة 2 / 452، والوجيز 1 / 267، والمغني 6 / 366.
(72) حاشية البجيرمي 3 / 260، وحاشية القليوبي 3 / 149.
(73) المبسوط 11 / 38، وحاشية ابن عابدين 4 / 297.
(74) المبسوط 30 / 54، والبناية 6 / 69، والمدونة 2 / 452، والتاج والإكليل بهامش مواهب الجليل 4 / 162، ومغني المحتاج 3 / 27، وحاشية الشرقاوي 2 / 211، والمغني 6 / 366.
(75) فتح الباري 11 / 352.
(76) التاج والإكليل 4 / 158، 162، ومواهب الجليل 4 / 157، 158.
(77) المغني 8 / 102، ومطالب أولي النهى 5 / 572.
(78) المبسوط 11 / 35 - 36، وبدائع الصنائع 6 / 197، والزيلعي 3 / 311، والبحر الرائق 5 / 178.
(79) الدر المنتقى 1 / 713، والبناية 6 / 69، والبحر الرائق 5 / 178، وفتح القدير 5 / 374، وتبيين الحقائق 3 / 312.
(80) مغني المحتاج 3 / 26 - 27، وحاشية البجيرمي 3 / 260.
(81) مصنف عبد الرزاق 7 / 85 - 86.
(82) الفتاوى الهندية 2 / 300، وحاشية الطحطاوي على الدر 2 / 509 - 510، والمدونة 2 / 452، والتاج والإكليل 4 / 162.
(83) المغني 6 / 365، 366، 8 / 103، وكشاف القناع 4 / 516، 6 / 488، والعذب الفائض 2 / 86، 87.
(84) المبسوط 30 / 55، ومواهب الجليل 4 / 161، وحاشية البجيرمي 3 / 260، والوجيز 1 / 167.
(85) فتح الوهاب 2 / 9، ومغني المحتاج 3 / 27.
(86) بدائع الصنائع 6 / 197.
(87) الدر المختار 4 / 297، والشرح الكبير 2 / 483، ومغني المحتاج 3 / 27.
(88) حاشية الدسوقي 4 / 487، وحاشية ابن عابدين 4 / 297، والمغني 6 / 365، 366.
(89) حاشية ابن عابدين 2 / 300.
(90) المدونة 2 / 449، 450، 451، ومواهب الجليل 4 / 157، والشرح الكبير 2 / 480.
(91) الموطأ 2 / 28.
(92) مغني المحتاج 3 / 397 - 398، وحاشية القليوبي 4 / 51.
(93) المحرر 2 / 106، والمغني 8 / 98 - 100.
(94) كشاف القناع 6 / 489، والفروع 5 / 548.
(95) الفروع 5 / 548.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 267/ 38
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".