الجبار
الجَبْرُ في اللغة عكسُ الكسرِ، وهو التسويةُ، والإجبار القهر،...
عن صفوان بن يَعْلَى: أنَّ يَعْلَى قال لعمر رضي الله عنه: أَرِني النبيَّ ﷺ حِين يُوحَى إليه، قال: «فبيْنَما النبي ﷺ بالجِعِرَّانة، ومعه نَفَرٌ من أصحابه، جاءه رجل فقال: يا رسول الله، كيف ترى في رجل أحْرَم بعمرة، وهو مُتَضَمِّخٌ بطِيب, فسكت النبيُّ ﷺ ساعة، فجاءه الوحْي، فأشار عمر رضي الله عنه إلى يَعْلَى، فجاء يَعْلَى وعلى رسول الله ﷺ ثوْب قد أُظِلَّ به، فأَدخَل رأسه، فإذا رسول الله ﷺ مُحْمَرُّ الوجه، وهو يَغِطُّ، ثم سُرِّيَ عنه، فقال: «أين الذي سأل عن العمرة؟» فأُتي برجل، فقال: «اغسل الطِّيبَ الذي بِكَ ثلاث مرات، وانزِعْ عنك الجُبَّة، واصنع في عُمرتك كما تصنعُ في حَجَّتك» قلت لعطاء: أراد الإنقاء حين أمره أن يغسل ثلاث مرات؟ قال: «نعم».
[صحيح.] - [متفق عليه.]
قال يعلى بن أمية لعمررضي الله عنهما: أخبرني عن النبي ﷺ إذا جاءه الوحي لأراه في أثناء ذلك وأتعرف على كيفية نزوله عليه. فبينما النبي ﷺ بالجعرانة -وهو موضع بين مكة والطائف، يحرم منه مريد العمرة لمن كان بمكة- إذ جاءه رجل فأخبره أنه أحرم بعمرة وهو متلطخ بالطيب في ثوبه وبدنه فماذا يفعل؟ فسكت النبي ﷺ عن إجابته، ولم يجبه فورًا بعد سؤاله، فجاءه الوحي فأشار عمر بيده ليعلى لكي يحضر عند النبي ﷺ ويرى كيفية نزول الوحي عليه، فجاء يعلى وكان على رأس رسول الله ﷺ ثوب قد أُظِل به، فأدخل رأسه من تحت الثوب، فرأى رسول الله ﷺ محمر الوجه، تتردد أنفاسه بصوت مسموع، ثم انقطع عنه نزول الوحي فهدأت نفسه. فقال للرجل: كرر غسل الطيب الذي بك ثلاث مرات، فأمره بإزالة أثر الطيب عن بدنه وثوبه، وأمره بخلع الجبة لأنها مخيط، وأن يصنع في عمرته كما يصنع في حجته من اجتناب الطيب وغيره؛ لأن محظورات الحج والعمرة واحدة.
الجِعِرَّانة | مكان بين الطائف ومكة وهو إلى مكة أقرب. |
مُتَضَمِّخ | متلطخ. |
يَغِطُّ | ينفخ. |
نفر من أصحابه | جماعة منهم. |
ثوب قد أظل به | أي: جعل الثوب له كالظلة يستظل به. |
سُرِّيَ عنه | كُشف عنه شيئًا بعد شيء بالتدريج. |
الجُبَّة | لباس واسع كالعباءة. |
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".