البحث

عبارات مقترحة:

الطيب

كلمة الطيب في اللغة صيغة مبالغة من الطيب الذي هو عكس الخبث، واسم...

الشكور

كلمة (شكور) في اللغة صيغة مبالغة من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...

الرفيق

كلمة (الرفيق) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) من الرفق، وهو...

موعظة اليوم الآخر

العربية

المؤلف علي باوزير
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات - الحياة الآخرة
عناصر الخطبة
  1. كثرة الجرائم والمخالفات في هذا الزمان .
  2. غفلة المجرمين والعصاة عن اليوم الآخر .
  3. بعض أهوال اليوم الآخر .
  4. الحياة الحقيقية في الآخرة .
  5. إكثار القرآن من ذكر اليوم الآخر .

اقتباس

أكثر القرآن من الكلام عن اليوم الآخر، بل أكثر موضوع تكلم عنه القرآن بعد الكلام عن الإيمان بالله -تعالى-: الكلام عن اليوم الآخر، حتى تظل ذكراة ماثلة في النفوس، لا تغفل النفوس أبدًا عن اليوم الآخر، فيزجرهم عن غيهم، ويردهم إلى صوابهم، ويذكرهم إذا غفلوا...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

وبعد:

أيها المسلمون -عباد الله-: تعج وتمتلئ حياتنا اليومية بالكثير والعديد من المخالفات والأخطاء والانحرافات التي لا تخفى على أحد؛ ما بين جرائم كبرى، ومخالفات عظيمة، وبين جرائم أقل شأنًا، وأخف إثمًا، في قائمة طويلة، تعبر عن أزمة حقيقة نعيشها من سوء الأخلاق، وفساد الأعمال، وانحراف المقاصد والنيات، والجرأة على الموبقات والمهلكات، ليس عند الجميع، ولكن عند كثير والكثير هؤلاء يؤثرون جدًا على واقعنا.

الله -سبحانه وتعالى- يحكي في كتابه الكريم عن تسعة نفر فعلوا بقومهم فعلًا شنيعًا: (وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ * قَالُوا) [النمل: 48- 49]، وهم يتأمرون على نبيهم: (قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ * وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ * فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [النمل: 49 - 52].

تسعة نفر، تسببوا بدمار قومهم أجمعين، فكيف إذا كان هؤلاء التسعة؛ إذا كانوا تسعين؟ فكيف إذا كانوا تسعمائة؟ فكيف إذا كانوا تسعة ألف، كيف سيكون الحال؟ وكيف سيكون المآل؟!

والسؤال هنا -أيها الأحباب-: هل هؤلاء الذين يتجرؤون على المحرمات وعلى الموبقات والمهلكات، وعلى الجرائم المنكرات، هل هؤلاء يجهلون حرمة هذه الأفعال وقبحها وشناعتها؟ هل يجهلون أنها لا ترضي الله -سبحانه وتعالى-؟ هل يجهلون أنها تناقض دينه وشرعه وكتابه وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-؟

الناصحون ينصحون، والمتكلمون يصرحون، والخطباء بحت أًصواتهم على المنابر وهم يعرضون ويذكرون، ولكن ما هو مدى الاستجابة لهذه النصائح والمواعظ؟ لربما يتكلم الخطيب عن خطر المال الحرام! وفي أثناء الخطبة هناك من يسرق أحذية المصلين! وهناك من يسرق متاعهم وأغراضهم من جيوبهم! وهناك من يقوم بعد الصلاة ليكذب عليهم! ويدعي أنه محتاج! وهو ليس بمحتاج ليأكل أموالهم بالباطل!.

ثم بعد ذلك لا تسأل عما يكون من مخالفات وأفعال من الكثيرين بعد الخروج من الخطبة لنعلم -أيها الأحباب-، وهذا مثال يسير فحسب، لنعلم أن القضية ليست قضية جهل، وليست قلة علم، وليست عدم معرفة بحرمة هذه الأفعال، أو قبحها وشنعتها، إنما هي غفلة عظيمة نعيشها -أيها الأحباب- غفلة عن الدار الآخرة ، غفلة عن الدار الثانية التي سننتقل إليها بعد هذه الحياة الأولى، غفلة عن لقاء الله -جل وعلا-، والوقوف بين يديه غفلة عن البعث والنشور والحساب والجزاء الذي سيكون بعد ذلك.

ربنا -سبحانه وتعالى- ذكر المطففين الذين يتلاعبون في المكيال والميزان، فقال: (وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ) [المطففين: 1 - 3]، ثم طرح بعد ذلك سؤالًا مهما جدًا: (أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) [المطففين: 4 - 6].

هذا السؤال الذي نضعه لكل متجرأ على حرمات الله: ألا تظن أنك مبعوث ليوم عظيم، يوم توقف فيه بين يدي رب العالمين، يوم توزن فيه أعمالك، وتحاسب وتجازى على سيئاتك؟ ستسأل سؤالًا عسيرًا، وستحاسب حسابًا غير يسير.

فما فائدة الإيمان باليوم الآخر؟ إذا كان الإنسان غافلًا عن هذا اليوم غير متذكر للموقف العظيم فيه غير متهيأ أو مستعد للسؤال الذي يكون فيه: (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ) [الأنبياء: 1 - 3] مشغولون، معرضون، لا تحسن الذكرى، ولا تنفع الموعظة في هذه القلوب.

أليس هذا -أيها الأحباب- حال الكثير منا ممن يستمع الذكرى من الله -تبارك وتعالى- والمواعظ، فلا يلتفت إليها، ولا يبالي بها، وكأن الأمر لا يعنيه، وكأن الموت لا يأتيه، وكأنه لن يوقف في هذا الموقف العظيم، فإذا جاء أمر الله، وحان الأجل، وقبضت الأرواح، وأوقف العباد بين يدي الله، ونشرت الصحائف، وظهرت الأعمال: (يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى) [الفجر: 23]، وما تنفعه الذكرى في ذلك الموقف وقد انتهى وقت العمل، وجاء وقت الحساب: (وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) [مريم: 39].

بماذا سيعتذر؟ وماذا عساه أن يقول: هل سيقول غلبتني شهوتي؟ هل سيقول فتتني المال؟ هل سيقول غرتني الحياة الدنيا وغرني طول الأمل؟ هل سيقول ضعفت نفسي أمام الشهوات والملذات؟ كما حكى سبحانه وتعالى عن أهل النار أنهم يقولون: (قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا) [المؤمنون:106]، تغلبت علينا أنفسنا، وتغلبت علينا شهواتنا وملذاتنا، حتى أوصلتنا إلى هذا المصير: (قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ) [المؤمنون: 106 - 107]، فماذا يقول لهم الرب -تبارك وتعالى-؟ (قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ) [المؤمنون: 108]، أعذار غير مقبولة، ومبررات واهية، ألم تأتكم المواعظ والآيات؟ (أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ) [المؤمنون: 105]؟ (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ) [الملك: 8]؟ (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ * لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ) [الزخرف: 77 - 78].

جاءتكم الآيات وكانت تتلى عليكم، فما كنتم إليها تلتفتون؟ رأيتم ماذا فعل الله -عز وجل- بالظالمين؟ وكيف أهلك المجرمين، فما اعتبرتم بهذا ولا اتعظتم: (أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ * وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ) [إبراهيم: 44 - 45] هذا كله، ثم بعد ذلك يأتي ليعتذر بمثل هذه الأعذار الواهية؟!

قف -أيها الحبيب- دعنا نقف مع مشهد سيقفه كل متجرأ على حدود الله، كل مستهتر ومستخف بأمر الله سيقف هذا الموقف: (حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ * فَإِن يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ) [فصلت: 20 - 24].

لو أردوا الرجوع، لو قالوا: يا رب أعدنا إلى الدنيا لنصلح ما أفسدنا فيها لا يقبل هذا منهم، ولا يعادوا إليها أبدًا، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "عجبت من مجادلة العبد لربه يوم القيامة، يقول: يا رب" هذا العبد المجترأ على حرمات الله، هذا العبد الظالم لنفسه يجادل ربه يوم القيامة، يقول: "يا رب ألم تكن وعدتني أنك لا تظلمني؟ قال: بلى، قال: فإني لا أقبل شهيدًا علي إلا من نفسي، يقول له الله -تبارك وتعالى-: أو لست أكفي شاهدًا عليك، أو ليس الملائكة الكرام الكاتبون قد شهدوا عليك؟ فيردد كلامه: لا أقبل علي شاهدًا إلا من نفسي، فيختم الله -عز وجل- على فيه، ويأمر أركانه، يأمر جوارحه وأعضاءه، فتتكلم، وتشهد عليه بما عمل، فيقول: سحقًا لكن وبعدًا، فعنكن كنت أناضل".

لأجل متعة هذا الجسد، لأجل راحة هذه الأعضاء، لأجل شهواتها وملذاتها، لأجل رغباتها ونزواتها؛ أكلت الحرام، واعتديت على الناس، وأجرمت في حق الله -تبارك وتعالى-، وتركت الواجبات، وتجرأت على المحرمات، كل ذلك من أجل هذه الأعضاء، فإذا بها تخذله يوم القيامة، وتشهد عليه بما عمل وصنع وقدم.

وَيُجْمَعُ الْخَلْقُ لِيَوْمِ الْفَصْلِ

جَمِيعُهُمْ عُلْوِيُّهُمْ وَالسُّفْلِي

فِي مَوْقِفٍ يَجِلُّ فِيهِ الْخَطْبُ

وَيَعْظُمُ الْهَوْلُ بِهِ وَالْكَرْبُ

وَأُحْضِرُوا لِلْعَرْضِ وَالْحِسَابِ

وَانْقَطَعَتْ عَلَائِقُ الْأَنْسَابِ

وَارْتَكَمَتْ سَجَائِبُ الْأَهْوَالِ

وَانْعَجَمَ الْبَلِيغُ فِي الْمَقَالِ

وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْقَيُّومِ

وَاقْتُصَّ مِنْ ذِي الظُّلْمِ لِلْمَظْلُومِ

وَسَاوَتِ الْمُلُوكُ لِلْأَجْنَادِ

وَجِيءَ بِالْكِتَابِ وَالْأَشْهَادِ

وَشَهِدَتِ الْأَعْضَاءُ وَالْجَوَارِحُ

وَبَدَتِ السَّوْءَآتُ وَالْفَضَائِحُ

وَابْتُلِيَتْ هُنَالِكَ السَّرَائِرْ

وَانْكَشَفَ الْمَخْفِيُّ فِي الضَّمَائِرْ

وَنُشِرَتْ صَحَائِفُ الْأَعْمَالِ

تُؤْخَذُ بِالْيَمِينِ وَالشِّمَالِ

طُوبَى لِمَنْ يَأْخُذُ بِالْيَمِينِ

كِتَابَهُ بُشْرَى بِحُورٍ عِينِ

وَالْوَيْلُ لِلْآخِذِ بِالشِّمَالِ

وَرَاءَ ظَهْرٍ لِلْجَحِيمِ صَالِي

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارًا به وتوحيدًا، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا مزيدًا.

وبعد:

أيها الأحباب الكرم: يوم القيامة يوم عظيم، والدار الآخرة هي الحياة الحقيقة: (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) [العنكبوت: 64]، أعد الله -عز وجل- ما فيها ليثيب به من أطاعه، ويعاقب به من عصاه، وجعل الإيمان بها ركنًا من أركان الإيمان، حتى يظل الإنسان دائمًا مستحضرًا لها، مستشعرًا خطرها وعظمتها، فتحجزه عن الموبقات، وتمنعه عن الملهلكات، فلا تفتنه الدنيا بغرورها، ولا تخدعه بزينتها، فيعمل بمراد الله -سبحانه وتعالى-، ويحقق طاعته، فيكون من المستحقين لثوابه وجنته.

وقد أكثر القرآن من الكلام عن اليوم الآخر، بل أكثر موضوع تكلم عنه القرآن بعد  الكلام عن الإيمان بالله -تعالى-: الكلام عن اليوم الآخر، حتى تظل ذكراة ماثلة في النفوس، لا تغفل النفوس أبدًا عن اليوم الآخر، فيزجرهم عن غيهم، ويردهم إلى صوابهم، ويذكرهم إذا غفلوا.

اقرؤوا -أيها الأحباب- افتحوا القرآن، واقرؤوا في سوره وآياته، اقرؤوا في أول سورة الحج: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) [الحج: 1 - 2].

اقرؤوا في آخر سورة هود: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ * وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لِأَجَلٍ مَّعْدُودٍ * يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ) [هود: 103 - 108].

اقرؤوا -أيها الأحباب- في آخر سورة الواقعة: (فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) [الواقعة: 83 - 96].

اقرؤوا -أيها الأحباب- كتاب الله -سبحانه وتعالى-، اقرؤوا سورة الصافات، وسورة الرحمن، وسورة الطور، وسورة الحاقة، وإبراهيم، وآخر مريم، وآخر طه، وآخر المؤمنون، وسورة الفرقان، ويس وص، وق والذاريات، والزلزلة والعاديات، والتكاثر والتكوير، والإنشقاق؛ كلها كلام الله -عز وجل-، كلها آيات القرآن، تذكرنا بذلك الموقف العظيم، تذكرنا بذلك اليوم الآخر حتى لا نغفل عنه، حتى لا تقسو القلوب، حتى لا تعرض عن أمر علام الغيوب، حتى لا تفسد أحوالهم، حتى لا تضطرب معايشهم، حتى لا يعظم الفساد بينهم.

هذا اليوم الآخر موعظة الله -عز وجل- لنا: (ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ) [الزمر: 16].

جاء في القرآن مفصلًا مبينًا: (وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ) [الأعراف: 52 - 53].

جعلني الله وإياكم من الناجين، جعلني الله وإياكم من أهل جنة النعيم، جعلني الله وإياكم من عباده المخلصين.

اللهم اغفر ذنوبنا...