النصير
كلمة (النصير) في اللغة (فعيل) بمعنى (فاعل) أي الناصر، ومعناه العون...
العربية
المؤلف | عمر بن عبد الله المقبل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - أركان الإيمان |
كان أهلُ العلم يستدلون على حرمةِ الشيء بلعن الملائكة أو بامتناعها من دخول ذلك المكان ونحو ذلك، وفي المقابل: يَستدلون على فضل الشيء واستحبابه والحثّ عليه بكون الملائكة تحضره أو تُحبه، أو تدعو لصاحبه، ولقد حفلت النصوصُ النبوية التي بيّن النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- فيها أن مَن فعل شيئاً كان في معيّة الملائكة، أو أحبَّته، أو شهِدتْ له، أو رحِمَه اللهُ، أو غفر له؛ حفلت بعددٍ كثير من المواضع التي تَستجلب معيةَ هؤلاء العباد الكرام، أو تستجلب دعاءهم، ومن ذلك:
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله....، أما بعد:
فإن الله تعالى أنشأ من خلقه مَن لا يَعصيه قط، استعملهم في ذلك، وفي وظائف أخرى كثيرة، أولئك هم الملائكة الكرام، الذين خُلقوا من نور - كما قال -صلى الله عليه وسلم- (صحيح مسلم ح: 2996)، والذين قال الله عنهم: (لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)[التحريم: 6].
وقال عنهم: (وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُون)[الأنبياء: 19، 20]، وقال عنهم: (فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ)[فصلت: 38]، إلى غير ذلك من النصوص التي تبيّن عظيمَ منزلتهم، وتنوّع وظائفِهم التي خلقهم اللهُ لأجلها.
ولمّا كانت الملائكةُ الكرام بهذه المكانة والمثابة؛ كان أهلُ العلم -رحمة الله عليهم- يستدلون على حرمةِ الشيء بلعن الملائكة أو بامتناعها من دخول ذلك المكان ونحو ذلك، وفي المقابل: يَستدلون على فضل الشيء واستحبابه والحثّ عليه بكون الملائكة تحضره أو تُحبه، أو تدعو لصاحبه، ونحو ذلك، كقوله -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه مسلم: «ألا تَصفُّون كما تَصُف الملائكة عند ربها؟» فقلنا: يا رسول الله! وكيف تصُفّ الملائكة عند ربها؟ قال: «يُتِمُّون الصفوف الأُوَلٍ، ويتراصون في الصف» (صحيح مسلم ح: 430)، وفي صحيح مسلم عن حذيفة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فُضِّلنا على الناس بثلاث: جُعلت صفوفُنا كصفوف الملائكة..." (صحيح مسلم ح: 522) الحديث.
أيها المؤمنون: لقد حفلت النصوصُ النبوية التي بيّن النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- فيها أن مَن فعل شيئاً كان في معيّة الملائكة، أو أحبَّته، أو شهِدتْ له، أو رحِمَه اللهُ، أو غفر له؛ حفلت بعددٍ كثير من المواضع التي تَستجلب معيةَ هؤلاء العباد الكرام، أو تستجلب دعاءهم، ومن ذلك:
1) البقاء في المصلى: ففي الصحيحين أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "الملائكةُ تصلي على أحدِكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه، ما لم يُحدِث، تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه"(صحيح البخاري ح: 445)، وفي لفظ لمسلم: "ما لم يُؤْذِ فيه، ما لم يُحدِث فيه"(صحيح مسلم ح: 649).
2) مَن وافق تأمينُه تأمينَ الملائكة: ففي الصحيحين: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا أمَّن الإمامُ فأمِّنوا؛ فإنه من وافق تأمينُه تأمينَ الملائكة غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه" (صحيح البخاري ح:780)، صحيح مسلم ح:410).
3) حضور مجالس الذِّكر: يقول -صلى الله عليه وسلم- – كما في الصحيحين أيضًا -: "إن لله ملائكة يطوفون في الطُّرق يلتمسون أهلَ الذكر، فإذا وجدوا قومًا يذكرون اللهَ تَنَادَوا: هلمُّوا إلى حاجتكم..." (صحيح البخاري ح:6408، صحيح مسلم ح: 6408). الحديث.
وفي صحيح مسلم، قال -صلى الله عليه وسلم-: «لا يقعد قومٌ يذكرون اللهَ -عز وجل- إلا حفَّتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم اللهُ فيمن عنده» (صحيح مسلم ح: 2700).
ومن أعظم وأفضل مجالس الذِّكر التي تحضرها الملائكةُ: خطبة الجمعة، ففي الصحيحين عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «مَن اغتسل يوم الجمعة غُسل الجنابة، ثم راح فكأنما قرّب بدَنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرّب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرّب كبشًا أقْرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرّب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرّب بيضة، فإذا خرج الإمامُ حضرت الملائكةُ يستمعون الذِّكر» (صحيح البخاري ح: 881، صحيح مسلم ح: 850).
4) وإذا أوشك الروح على مفارقة البدن حضرت الملائكةُ لتؤمِّن على الدعاء: ففي صحيح مسلم عن أم سلمة -رضي الله عنها-، قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا حضرتم المريضَ أو الميت، فقولوا خيرًا؛ فإن الملائكة يؤمِّنون على ما تقولون...» (صحيح مسلم ح: 919) الحديث.
5) وعندما تمتد اليدُ للنفقة، فقد أصابت دعوةَ الملائكة: ففي الصحيحين: عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من يوم يُصبح العبادُ فيه، إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدُهما: اللهم أعط منفِقًا خلَفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تَلَفا" (صحيح البخاري ح: 1442، صحيح مسلم ح: 1010)، فهنيئًا للمنفقين الذين تصبِّحهم دعوات الملائكة بالخلَف من الله تعالى.
6) وعند الزيارة في الله، تدعو الملائكة لزائر أخيه: لما في صحيح مسلم عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أن رجلا زار أخًا له في قرية أخرى، فأرصد اللهُ له على مدْرجته ملَكًا، فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخًا لي في هذه القرية، قال: هل لك عليه مِن نعمة تَرُبُّها (تربها: أي تقوم بإصلاحها وتنهض إليه بسبب ذلك)؟ قال: لا، غير أني أحببته في الله عز وجل، قال: فإني رسول الله إليك، بأن اللهَ قد أحبَّك كما أحببتَه فيه"(صحيح مسلم ح: 2567).
الله أكبر! يا له من فضل عظيم! وهذا الفضل لا يختص بالانتقال من قرية إلى قرية، بل يشمل التنقل داخل الأحياء والحواري، ما دام الدافع لذلك هو المحبة في الله جل وعلا.
أيها الأحبة.. ومما يستجلب به المسلم دعاءَ الملائكة له:
7) الدعاء للمسلم بظهر الغيب: ففي صحيح مسلم، عن أبي الدرداء -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من عبدٍ مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب، إلا قال الملك: ولَكَ بمثل" (صحيح مسلم ح: 2732).
فهذا حديث عظيم ينبغي للمؤمن أن يستحضره وهو يدعو لإخوانه المسلمين، فإنه ما من دعوة يدعو بها لإخوانه المسلمين إلا وهو رابح فيها على كل حال؛ فإما أن يستجيب الله دعوته ببركة إخلاصه وصدقه، وإما أن يوفقه الله لذلك ببركة تأمين الملك.
أيها المؤمنون.. ومن المواضع التي تحتشد فيها الملائكة بالدعاء:
8) زيارة المريض: ففي مسند أحمد - بسند صحيح - عن عليّ -رضي الله عنه- قال: "إذا عاد الرجلُ أخاه المسلم، مشى في خرافة الجنة حتى يجلس، فإذا جلس غمرته الرحمة، فإن كان غدوة صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يُمسي، وإن كان مساء صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح"( مسند أحمد ح: 612)، و"خِرافة الجنة" بكسر الخاء: أي في اجتناء ثمر الجنة).
وهذا القول من عليّ -رضي الله عنه- له حكم الرفع؛ إذ هذا الفضل العظيم لا يمكن أن يقوله مِن عنده، بل أخذه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
هذه -يا عباد الله- مواضع، تصحبُكم فيها الملائكة، وتدعو لكم فيها وتستغفر لكم؛ فاجتهدوا في تحرّيها وتتبّعها تُفلحوا وتَظفروا.
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة....