الحسيب
(الحَسِيب) اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على أن اللهَ يكفي...
العربية
المؤلف | صالح بن فوزان الفوزان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الزكاة |
إن الزكاة تجب في أربعة أنواع من المال هي: الأثمان وعروض التجارة وبهيمة الأنعام والخارج من الأرض. فتجب في النقدين الذهب والفضة، وما يقوم مقامهما من الأوراق النقدية المستعملة في هذا الزمان. وتجب في عروض التجارة، وهي السلع المعروضة للبيع في الدكاكين والمعارض وغيرها من الأقمشة والأطعمة والأشربة وتوابعها، والسيارات والمكائن ومواد البناء وقطع الغيار، وغير ذلك من الآليات. وكذا الأراضي والبنايات المعدة للبيع والتجارة. وكذا المواشي المعدة للبيع والتجارة ..
الحمد لله الذي جعل الزكاة أحد أركان الإسلام. وأوجبها في مال الأغنياء طهرة لهم من البخل والشح والآثام. ومواساة لذوي الحاجة من الفقراء والأرامل والأيتام. أحمده على نعمة الإسلام. وأشكره على مزيد فضله وإحسانه على الدوام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، حث على أداء الزكاة وحذر من منعها والتساهل في أدائها. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: أيها الناس اتقوا الله واهتموا بأداء الزكاة.
أيها المسلمون: إن مقام الزكاة في الإسلام عظيم، فهي أحد أركان الإسلام وهي قرينة الصلاة في كثير من آي القرآن. وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يهتم بها اهتماماً خاصاً فيبعث السعادة لقبضها من الأغنياء، وجبايتها لإيصالها إلى مستحقيها وتبرئة ذمم الأغنياء من مسؤوليتها، وسار على ذلك خلفاؤه الراشدون؛ وعندما هم بعض القبائل بمنع الزكاة بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- قاتلهم الخليفة الأول أبو بكر الصديق رضي الله عنه حتى أخضعهم لحكم الله، وقال: لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة.
عباد الله: من جحد وجوب الزكاة فهو كافر مرتد عن دين الإسلام يستتاب، فإن تاب وأقر بوجوبها وأداها وإلا قتل لأنه مكذب لله ولرسوله ولإجماع المسلمين. ومن منعها بخلاً مع إقراره بوجوبها أخذت منه قهراً وأدب أدباً رادعاً. فإن لم يمكن أخذها منه إلا بقتاله قوتل لاتفاق الصحابة على قتال ما نعي الزكاة.
أيها المسلمون: هذه عقوبة ما نعي الزكاة في الدنيا مع ما قد يعاقبون به من تلف أموالهم بالآفات السماوية من حريق وغيره. وأما عقوبتهم في الآخرة؛ فاسمعوا من كلام ربكم عز وجل وسنة نبيكم -صلى الله عليه وسلم- قال الله تعالى: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ).
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مُثِّل له يوم القيامة شجاعاً أقرع -وهو الثعبان- له زبيبتان يطوقه يوم القيامة فيأخذ بلهزمتيه -أي: بشدقيه- فيقول: أنا مالك أنا كنزك، ثم لا هذه الآية" أخرجه البخاري.
وقال تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لانْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ).
وثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في صحيح البخاري ومسلم أنه قال: "ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي حقها، إلا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جبينه وجنباه وظهره. كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي الله بين الناس، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار".
قال ابن مسعود رضي الله عنه: لا يوضع دينار على دينار ولا درهم على درهم، ولكن يوسع جلده حتى يوضع كل دينار ودرهم على حدته.
عباد الله: إن الكنز الذي توعد الله صاحبه هو المال الذي لا تؤدى زكاته، وليس المراد بالكنز هنا المال المدفون كما قد يفهم بعض الناس. قال بن عمر: ما أُدّي زكاته فليس بكنز، وإن كان تحت سبع أرضين وما كان ظاهراً لا تؤدي زكاته فهو كنز. وقال عمر بن الخطاب: أيما مال أديت زكاته فليس بكنز وإن كان مدفوناً في الأرض. وأيما مال تؤد زكاته فهو كنز يكوى به صاحبه، وإن كان على وجه الأرض.
أيها المسلمون: إن الزكاة تجب في أربعة أنواع من المال هي: الأثمان وعروض التجارة وبهيمة الأنعام والخارج من الأرض. فتجب في النقدين الذهب والفضة، وما يقوم مقامهما من الأوراق النقدية المستعملة في هذا الزمان. وتجب في عروض التجارة، وهي السلع المعروضة للبيع في الدكاكين والمعارض وغيرها من الأقمشة والأطعمة والأشربة وتوابعها، والسيارات والمكائن ومواد البناء وقطع الغيار، وغير ذلك من الآليات. وكذا الأراضي والبنايات المعدة للبيع والتجارة. وكذا المواشي المعدة للبيع والتجارة.
وتجب الزكاة أيضاً في الخارج من الأرض من الحبوب والثمار وفي بهيمة الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم بشروط واعتبارات معروفة في كتب الفقه. والذي يهمنا الآن معرفة زكاة النوعين الأولين -النقود وعروض التجارة، لأنهما يغلب وجودهما بأيدي أهل المدن. فأما النقود فإنها إذا بلغت نصاباً فأكثر، وتم لها حول وهي بيد صاحبها وجب فيها ربع العشر. ومقدار النصاب من الفضة بالريال الفضي السعودي: ستة وخمسون ريالاً أو ما يعادلها من الورق النقدي. ونصاب الذهب بالجنيه السعودي: أحد عشر جنيها وثلاثة أسباع جنيه. والربح حولُه حولُ رأس المال، فلا يبتدأ له حول جديد بل يتبع رأس المال في ذلك.
وتجب الزكاة في النقود سواء كانت بيده أو كانت ديوناً له في ذمم الناس. فتجب الزكاة في الدين على مليء باذل وجب إخراج زكاته كل سنة مع زكاة ما بيده. وإن كان الدين على معسر أو على مماطل ويخشى أن لا يتمكن من استيفائه، فهذا يزكيه إذا قبضه لعام واحد على الصحيح.
وأما عروض التجارة، وهي السلع المعدة للبيع -كما سبق- فيقومها بما تساوي عندما يتم الحول عليها أو على ثمنها الذي اشتراها به. فإن حولها حينئذ حول ثمنها -سواء كانت قيمتها التي تقدر لها عند رأس الحول بقدر ثمنها الذي اشتراها به أم أقل أم أكثر ويخرج ربع عشر قيمتها. وإن كان له مساهمة في أرض، فإنه يسأل كم تساوي تلك الأرض عند تمام الحول. ثم يخرج زكاة نصيبه منها.
ويجب على أهل البقالات والآليات وقطع الغيار وتجار الأقمشة أن يحصوها إحصاء دقيقاً ويقوموها بما تساوي عند تمام الحول، ثم يخرجوا ربع عشر قيمتها.
ويجب على المسلم أن يتقي الله في ذلك ويحاسب نفسه محاسبة الشريك الشحيح لشريكه لإخراج الزكاة. وأما الأراضي والدور والدكاكين والسيارات المعدة للاستعمال فلا زكاة فيها. والمعدة للآجار لا زكاة فيا أيضاً وإنما تجب الزكاة في أجرتها إذا حال عليها الحول. وبلغت نصاباً بنفسها أو بضمها إلى ما بيده.
أيها المسلمون: لقد بين الله مصارف الزكاة بقوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) فلا يجوز صرفها لغير هذه الأصناف الثمانية ولا يجزئ. فلا بد لك -أيها المسلم- من أمرين:
الأول: إخراج الزكاة بالوفاء والتمام.
والثاني: صرفها في مصرفها الشرعي بأن تدفعها لأحد هذه الأصناف الثمانية. فيعطي منها الفقراء والمساكين، وهم من لا دخل لهم أو لهم دخل لا يكفيهم. فيعطون كفايتهم أو تمام كفايتهم لمدة عام حتى يأتي عام الزكاة الثاني. ويعطي منها الغارم لإصلاح ذات البين، وهو من تحمل حمالة لإطفاء فتنة بين قبيلتين من المسلمين مثلاً. ويعطي منها الغارم لنفسه، وهو من عليه دين لا يقدر على سداده فيعطى من الزكاة ما يسدد به دينه. ويعطى منها ابن السبيل وهو المسافر الذي نفذ ما بيده أوضاع أو سرق، فيعطى من الزكاة ما يوصله إلى بلده وإن كان غنياً في بلده.
أيها المسلم: لا تجعل الزكاة وقاية لمالك. بأن تدفعها لمن له عليك حق بدل حقّه، ولا تبطل صدقتك بالمن والأذى، واحمد الله واشكره إذا رزقك هذا المال. واعلم أن هذه الزكاة تنمي مالك وتطهره وتزيده بركة، وتطهر نفسك من الشح والبخل وتورث الرحمة والمودة بين المسلمين، وتحصن مالك وتحفظه من الآفات، وهي سبب لدفع البلاء والأسقام. وهي تسبب دعاء المسلمين لك بالخير والبركة فأطب بها نفسك ولا يضق بها صدرك.
وأنتم -يا من تسألون الناس وتأخذون الزكاة- اعلموا أنها لا تحل لغني عنده ما يكفيه لمدة عام، ولا تحل لقوي في بدنه يقدر على الاكتساب والحرفة. فمن أخذها منكم وهو غني عنها لا يريد أكلها وإنما يريد جمع الدراهم والتكثر بها، أو أخذها وهو قوي في بدنه قادر على الاكتساب فإنما يأخذ حراماً وسحتاً، ويأخذ جمراً وعذاباً من جهنم. وقد صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن الذي يسأل الناس تكثراً -أي: ليس به حاجة وإنما يريد تكثير ماله- فإنما يسأل جمراً، وأنه يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم. ويأتي يوم القيامة وقد أثرت مسألته خدوشاً في وجهه.
وكثير من هؤلاء المتسولين يكذب على الله وعلى خلقه، فيظهر أمام الناس بمظهر الفقير وهو غني، ويظهر أمام الناس بمظهر المريض العاجز وهو قوي معافى، ويظهر أمام الناس بمظهر المصاب بالآفات من العرج والعمى وهو سليم. وهؤلاء إن خفي أمرهم على الناس فلا يخفى على الله. إنهم لا يخافون الله ولا يبالون بالكذب، وقد نزع الحياء منهم فصاروا يضايقون المسلمين في مساجدهم وفي بيوتهم وأسواقهم. وهؤلاء يجب على الحكومة أن تأخذ على أيديهم وتردعهم عن فعلهم القبيح، لأنهم مستحقون للعقوبة العاجلة والآجلة. نسأل الله العافية والسلامة.
اللهم أغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).