الحكيم
اسمُ (الحكيم) اسمٌ جليل من أسماء الله الحسنى، وكلمةُ (الحكيم) في...
العربية
المؤلف | عبد المجيد بن عبد العزيز الدهيشي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
إن إنجاءَ الأهل ووقايتهم من النار، تكون بتعليمهم ما يَلزمهم من طاعة الله -سبحانه- وتحذيرهم من معاصيه، وبالحرص الدائب على إبعاد وسائل الشر والإفساد عنهم، وما أكثرها في هذا الزمان، ألا وإنَّ من أهم ما ينبغي تعليمه للأهل والعيال: إيضاح حدود الله -تعالى-، التي لا يجوز تعدِّيها، وتَبيين أحكام الله -تعالى- التي...
الخطبة الأولى:
لقد جُبِلت النفوس على حبِّ الخير، والسعي إليه، كما جُبِلت على التجافي عمَّا فيه مَضرة أو أذًى، وهذه فطرة إلهيَّة وغريزة إنسانية، لا يَنفكُّ عنها ابن آدمَ، بل كل دابَّة في الأرض كذلك.
وما ظنُّكم -يا عباد الله- لو وقَع حريق في طرف بيت أحدٍ من الناس، وفيه أهله وعياله، أيقف مكتوفَ اليدين، يتأمَّل هذا الحريق، ويَعجب من سرعة التهام النار لِما أمامها، ويَدَع أهله وعياله وشأنَهم؟ أم أنه سيَهرع مذعورًا مُرْعَبًا، محاولاً إطفاء النار إن استطاعَ، باذلاً جُهده في إنقاذ أهله، مُشفقًا على عياله أن تمسَّهم النار، فتُصيبهم بأذًى، أو تلُحق بهم عاهةً تدومُ، بل قد يضحِّي بالمال والغالي والنفيس في سبيل نجاة نفسه، وإنجاء أهله وعياله؟
إنَّ الجواب معلوم بلا شكٍّ، هذا في نار الدنيا التي قد لا تَدوم، وقد يُشفى مَن ألَمَّت به، فما ظنُّكم بنار عظيمة مُوقَدة، وقودها الناس والحجارة، قال الله -تعالى- عنها: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)[التحريم: 6].
إنَّ تَبعة المسلم في نفسه، وفي أهله تَبعة ثقيلة رهيبة، فالنار هناك وهو متعرِّض لها، هو وأهله، وعليه أن يحولَ دون نفسه وأهله، ودون هذه النار التي تَنتظر هناك، إنها نارٌ فظيعة مُستعرة: (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ).
الناس فيها كالحجارة سواء، في مهانة الحجارة، وفي رخصِ الحجارة، وفي قذف الحجارة، دون اعتبار ولا عناية، وما أفظعها من نار تلك التي تُوقَد بالحجارة، وما أشده من عذابٍ هذا الذي يَجمع إلى شدَّة اللذع المَهانةَ والحقارة، وكلُّ ما بهذه النار فظيع رهيبٌ: (عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ) تتناسب طبيعتهم مع طبيعة العذاب الذي هم به مُوكَّلون: (لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ).
وعلى المسلم أن يقيَ نفسه، وأن يقي أهله من هذه النار، وعليه أن يحولَ بينها وبينهم، قبل أن تَضيع الفرصة، ولا ينفع الاعتذار، فها هم أولاء الذين كفروا يَعتذرون وهم عليها وقوفٌ، فلا يُؤبه لاعتذارهم، بل يواجِهون بالتيئيس: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)[التحريم : 7].
فكيف يقي المؤمنون أنفسَهم وأهليهم من هذه النار؟
إن الله -سبحانه- يُبيِّن هذا الطريق، ويطمع عباده فيما عنده من المغفرة والتوبة، فيقول بعد هذه الآية مباشرة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[التحريم: 8].
وبين هذين المصيرين مصيرُ أهل النار، ومصير أهل الجنة، يقف المسلم بنفسه وأهله، فمن أراد الجنة، فليَعمل لأجلها، وليَسلك طريقها، وإلاَّ فالنار هناك نارٌ مُستعرة، وقودها الناس والحجارة، وما أسعد المؤمن حين يَصطحب معه أهله في جنات النعيم، إن هم صلحوا وأطاعوا: (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ)[الرعد : 23].
إنَّ نجاة العبد من هذه النار، تحصل بطاعة الله -سبحانه-، والبعد عن مناهيه، وإن إنجاءَ الأهل ووقايتهم من هذه النار العظيمة، تكون بتعليمهم ما يَلزمهم من طاعة الله -سبحانه- وتحذيرهم من معاصيه، وبالحرص الدائب على إبعاد وسائل الشر والإفساد عنهم، وما أكثرها في هذا الزمان، ألا وإنَّ من أهم ما ينبغي تعليمه للأهل والعيال، إيضاح حدود الله -تعالى-، التي لا يجوز تعدِّيها، وتَبيين أحكام الله -تعالى- التي تهمُّهم وتتعلق بهم، ولا سيَّما النساء والبنات، فقد يمنعهنَّ الحياء عن السؤال وطلب الفَهم، أو لا تَجد مَن يُعينها على معرفة أحكام الله -تعالى-، في ظلِّ غفلة الأب والزوج الذي يظنُّ عدم الحاجة إلى ذلك، أو أنَّ هذه الأمور مما لا يَخفى على أحد، وتَكمن الخطورة فيما لو تعلَّق الجهل بأحكام العقيدة، ونواقض الإسلام، فلرُبما خرَج مسلم من الدين من حيث لا يشعر؛ لارتكابه ما يُناقضه مما لا يُعذَر فيه المسلم بالجهل.
فاتَّقوا الله -أيها المؤمنون-، وتفقَّدوا من حولكم من الأهل والعيال، فإنكم مسؤولون عنهم: "كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيَّته؛ الإمام راعٍ ومسؤول عن رعيَّته، والرجل راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيَّته" [مُتفق عليه].
بل إنَّه يقول مُحذِّرًا عاقبة الإهمال والتساهل: "ما من عبدٍ يَسترعيه الله رعيَّة، يموت يوم يموت وهو غاشٌّ لرعيَّته، إلا حرَّم الله عليه الجنة" [مُتفق عليه].
فكونوا على حذرٍ من ذلك -يا عباد الله-، وأدُّوا الأمانة التي حُمِّلتم إيَّاها: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[الأنفال: 27].
اللهمَّ أعنَّا على ذِكرك.
(رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ)[الفرقان : 74].
الخطبة الثانية:
أمَّا بعدُ:
فاتَّقوا الله ربَّكم، وأطيعوه تُفلحوا وتَسعدوا.
أيها المؤمنون: إن الحاجة ماسَّة إلى تعليم الأهل والعيال ما يُمكِّنهم من أداء ما أوجَب الله عليهم، ولا سيَّما ما قد يَخفى على الكثير منهم، ومن ذلك ما يتعلَّق بالبلوغ، وكيف أنَّ المسلم والمسلمة مسؤولٌ عن نفسه متى ما وصَل سنَّ البلوغ.
وإنَّ أهم ما تحتاج إليه الفتاة في بداية بلوغها: أن تُدرك أحكام البلوغ، وتعرف العلامات الشرعية له، وأن تعلمَ أحكام الطهارة والغُسل من الجنابة، وأن تَفقه الأحكام المتعلقة بالحَيْض من وجوب تَرْك الصلاة والصوم، وأنها تقضي الصوم لا الصلاة، ونحو ذلك من المسائل المتعلِّقة بأمور النساء، فقد يمنعهنَّ الحياء عن السؤال، وهذا واجبُ الأب والأم، أن يقوما بتعليم أولادهما ما يهمُّهم.
وإن وسائل تعليم هذه الأمور كثيرة مُيسَّرة بحمد الله، فمن ذلك: إحضار الأشرطة والكُتيِّبات المناسبة، التي تتعرَّض لهذه الموضوعات بأسلوب واضحٍ مناسب.
ومن ذلك: الحرص على البرنامج الإذاعي المهم: "نور على الدرب".
ولو صارَحت الأم ابنتها في مثل هذه الأمور، لكان حسنًا، ولا حياء في الدين.
اللهمَّ أصلِح لنا دينَنا، اللهمَّ أصلِح ذريَّاتنا، وأقِرَّ أعينَنا بهم، واجمَعنا بهم ووالدينا في جنات النعيم، والحمد لله ربِّ العالمين.