الشاكر
كلمة (شاكر) في اللغة اسم فاعل من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...
العربية
المؤلف | عمر بن عبد الله المقبل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - الأديان والفرق |
1/ آثار الزمن والطاعة على المؤمن 2/ أهمية محاسبة النفس بعد مواسم الطاعة 4/ كثرة المخالفات وضعفِ أثر عبادتنا 5/ وجوب اجتناب المعاصي 6/ خطورة منهج الخوارج وحرمة التفجيرات 7/ وجوب المحافظة على نعمة الأمن.
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله...، أما بعد:
فإن الإنسان إذا اعتاد مخالطة شيءٍ أثّر فيه ولا بد.. فمن خالط أهلَ الخير أو الشر تأثّر بهم، وظهر أثرُ خلطتهم عليه، وهكذا من عاش زمان الطاعة والعبادة، فلا بد أن يظهر أثرُ الزمن والطاعة عليه وإلا فإن ثمة خللاً!
وهكذا - المؤمن الناصح لنفسه - بعد مواسم التجارة مع الله، يفتّش عن أثر تلك المواسم عليه.. وها نحن نودّع رمضان.. فيا ترى: ما الذي أحدَثه رمضان فينا؟ وما الدروس التي استفدناها منه؟
وتأتي أهميةُ هذا التفتيش؛ لأنه صورة من صور محاسبة النفس، ولسبب آخر ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية: "إذا لم تجد للعمل حلاوةً في قلبك وانشراحاً فاتّهمه، فإن الرب –تعالى- شكور" (نقله عنه ابن القيم في "المدارج" في منزلة المراقبة، ينظر "تهذيبها" للعزي 1/ 498، ط. الرسالة، وينظر كلام ابن القيم في 1/360 فهو مهم. المستدرك على مجموع الفتاوى (1/ 153).
قال ابن القيم: "يعني: أنه لا بد أن يثيب العامل على عمله في الدنيا، من حلاوة يجدها في قلبه، وقوة وانشراحًا وقرةَ عين، فحيث لم يجد ذلك فعمله مدخول" (مدارج السالكين: 2/ 68).
ولهذا - يا عباد الله - يحرص الموفَّق على تفقد أثر أعماله عليه، ليبادر بالمحاسبة قبل أن يتفاجأ بأن أرباحه ضعيفة، وإن كنا نرجو لكل من عمل صالحاً أن يجد ثوابه عند ربه غير منقوص، لكن الشأن في البحث عن أكبر نسبة ربح في التعامل مع أكرم الأكرمين وأجود الأجودين -!
إن الإنسان ليتساءل - وبدهشة - والأمة تتخرج من هذه الجامعة الإيمانية الرمضانية: أين أثرها على حياتهم؟ وما التقدم الذي طرأ في طريق سيرهم إلى الله والدار الآخرة؟ وكم معصيةٍ أقلعوا عنها بعد هذا الموسم الإيماني العظيم؟
أيها المؤمنون: لقد حدثنا القرآن عن قوم كفار كانوا يلمسون أثر الطاعة على أنبيائهم، كما قال قوم شعيب له - وهو ينهاهم عن الشرك والتطفيف في الميزان -: (يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ)[هود: 87].
ونحن نقرأ في كتاب ربنا سبحانه: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) [العنكبوت: 45] فأين أثرها في أكثر المصلين!
وحتى يكون الإنسان منصفًا مع نفسه، فليتساءل: كم منعته صلاتُه عن منكرٍ ما زال مصراً عليه من سنوات، بل ربما عقودٍ من الزمن؟ أين أثر الصلاة وزواجر الوحيين على المرابي أو المتحايل عليه؟ وهل عاد القاطع لرحِمه لصِلَتها؟ وهل غضّ بصرَه من كان يطلقه فيما حرّم الله؟ وهل تابت المرأة التي تصلي من اللبس المحرم، والتزين المحرّم؟ في سلسلةٍ من المخالفات التي تجعل الإنسانَ الناصح لنفسه يعيد السؤال مرة أخرى: أين أثر الصلاة؟ وأين أثر رمضان؟ وأين أثر القرآن الذي سمعناه وقرأناه في رمضان؟
إنها مشكلة تحتاج إلى محاسبة، لمعرفة سببِ ضعفِ أثر عبادتنا علينا إلا من رحم الله!
ولعل من أكبر الأسباب التي قلّلت أو حالت دون وجود أثر حسنٍ لتلك الطاعات التي يقوم بها كثيرٌ من الناس، هو سببٌ غفل عنه كثير ممن وفّقوا للطاعات، إنه: التساهل في الذنوب - صغارها وكبارها - اغتراراً بما عندهم من طاعات، أو بعض الصالحات! أو أن تلك المعصية صغيرة، وليست من الكبائر؟
إن مثل هؤلاء كمثل فلاح يزرع، ويجتهد طوال موسم الزرع، ثم لما جاء موسم الحصاد، وجد أن زرعه قليل الفائدة والجدوى، ولم يستفد من زرعه! لماذا؟ لقد هذا كان الفلاح مشغولاً بالزرع، لكنه كان غافلاً عن الحشائش والآفات التي تؤثر على سلامة الزرع!
لنتأمل - يا عباد الله - هذين الأثرين عن صحابيين جليلين؛ لندرك حقيقة هذا السبب:
الأول: قول ابن مسعود رضي الله عنه عند البخاري قال: "إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا!"( صحيح البخاري ح6308).
سبحان الله! هل تخيلت حالةَ إنسانٍ يخشى من وقوع جبل على رأسه، أيكون مطمئناً؟ أيكون مرتاحاً؟ أتراه يضحك والجبل يوشك أن يقع عليه؟
والسؤال: من منا إذا أذنب - ذنبا صغيرا فضلاً عن الكبيرة - يعيش هذه الحالة؟
أما الأثر الثاني: فهو قول أنس رضي الله عنه - كما في البخاري -: "إنكم لتعملون أعمالا هي أدق في أعينكم من الشعر، إن كنا لنعدها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من الموبقات"(صحيح البخاري ح: 6492) أي: من المهلكات!
الله أكبر.. أي مقارنة بين الشَّعر وبين الموبقات؟! والله لو قال: إنكم لتعملون أعمالا هي في أعينكم من الصغائر، لكان الأمر مفزعاً، فكيف والأمر أشد من ذلك؟!
ولك أن تتساءل: ما هذه الموبقات التي خوطب بها ذلك الجيل الفاضل - جيل التابعين -؟ ولا أدري! لو كان أنسٌ حياً في عصرنا، فما الكلمة التي يمكن أن يضعها بدلاً من كلمة (الشَّعر)؟
أيها المسلمون: إنها نصوص وكلمات تؤكد على قضية يجب أن تكون واضحة - إن كنا نريد أن نجد لأعمالنا الصالحة أثراً -: أن عمل الصالحات وحده لا يكفي، بل لا بد من اجتناب المعاصي، وإلا كنا كذاك الزارع الذي زرع وأغفل مكافحة الحشائش المهلكة لزرعه! أو كالذي يملأ خزان الماء، وينسى الصنابير مفتوحة، فمتى يمتلئ خزانُه؟
إن سورة الفاتحة تُعلمنا أن الاستقامة على الدين، والهداية التامة لا تتم إلا بأمرين متلازمين: العمل بالطاعات، واجتناب المعاصي والسيئات، فإن الله تعالى أمرنا بسؤال الهداية في كل ركعة، وأمرنا بالاستعاذة من طريق المغضوب عليهم والضالين، لأن الاستقامة لا تتم إلا بذلك.
اللهم كما سلمتنا لرمضان، فتسلمه منا متقبلاً، وسامحنا عن زللنا وتقصيرنا ..
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة..ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة...
الخطبة الثانية:
الحمد لله، أما بعد:
فلا شيء يعلو هذه الأيام على أحداث التفجيرات الأخيرة التي استهدفت أمن بلادنا الغالية في أواخر رمضان، وعلى الأخصّ التفجير الذي وقع في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرب مسجده الشريف.
هذا الحدث الذي هزّ المسلمين في العالم، والذي لستُ بحاجة هنا لبيان شناعة هذا الجرم، فهو أمرٌ مركوز في فطرة كل مسلم، لكن ما الدرس الذي يجب أن نستفيد منه؟
مع مرارة هذا الحادث الأليم، والجرم العظيم، إلا أنه حمَل في طياته جوانب حسنة، تختصر آلاف الكلمات والخطب، التي يريد الإنسانُ قولها في التحذير من هذا المنهج الخبيث منهج الخوارج، وفي التحذير من هذه الجماعات الإرهابية المجرمة وعلى رأسها - اليوم - داعش.
وهنا أجد من النصح أن أذكّر بما قلته في أكثر من مناسبة من على هذا المنبر، وأوجه رسالتي لإخواني وأبنائي الشباب، فأقول لكل شاب: ها قد رأيت اليوم بعينك شيئاً من آثار هذا المنهج الخبيث!
ألم تسأل نفسك: بأي كتاب أم بأية سنة يبادر الإنسان لقتل نفسه في وسط تجمعات الناس؟ وقرب أماكن العبادة؟ ليقتل أنفسا معصومة الدم؟ وفيهم أطفال وربما نساء.
ألم تسأل نفسك يا بني: إذا كان هؤلاء يريدون نصراً للإسلام، فلماذا تركوا النصيري المجرم، واليهودي المحتل، واتجهوا لهذا البلد الآمن الذي شرّفه الله برعاية الحرمين الشريفين؟!
ولماذا سلمت إيران من أعمالهم الإجرامية - التي يدّعون شرعيتها - ووصلت إلى أقدس البقاعِ، مسجد النبي صلى الله عليه وسلم؟ ماذا بقي يا بني بعد قصد المسجد النبوي الشريف؟
ألم تسأل نفسك يا بني: كيف جنّد أعداء بلادك - الذين يحسدونها على أمنها ورغد العيش التي هي فيه - كيف جنّدوا شبابها وأبناءها ليكونوا قنابل متحركة تقتل نفسها، وتسعى لزعزعة أمن البلاد التي يقصدها الملايين، حيث شرفها الله بالحرمين الشريفين!
سل نفسك يا بني: لماذا قتلوا أهل الإسلام، وتركوا أهل الأوثان؟
سل نفسك يا بني: بأي دينٍ وخلق وإنسانية يقتل الإنسانُ أمّه؟ ويطعن والده وشقيقه؟
سل نفسك يا بني: أي تشويه أحدثه هؤلاء للإسلام؟ وكم أضرّوا بالدعوة؟ وألّبوا الأعداء على بلاد الإسلام؟
والله لو بذل أعداء الإسلام المليارات لتشويه صورة الإسلام، ما استطاعوا أن يصلوا لهذا المستوى الذي صنعه هؤلاء الخوارج المارقون!
يا بني.. إن نعمة الأمن التي نعيشها في بلادنا لا يمكن أن تقدّر بثمن.. يذهب أحدنا إلى مسجده، ومقرّ عمله، بل يسير مئات الكيلو مترات لا يخاف إلا الله، هذه النعمة فرضٌ علينا جميعاً أن نرعاها، وأن نحافظ عليها، بكل ما أوتينا من قوّة، وأن نقطع الطريق على المتربصين بأمننا واجتماعنا ووحدتنا، ولنتذكر هذه الآية جيداً: (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[الأنفال: 26].
يا بني.. والله لقد مضى علينا زمانٌ كان أحدنا يتحدث عن نعمة الأمن ووجوب الحفاظ عليها، وهو لم يرَ ما حوله من البلاد التي سُلبت هذه النعمة، أما اليوم، فإننا نتحدث عن الأمن ونحن جميعاً نرى ما حولنا من الدول التي تغيرت فيها الأحوال، وتقطعت بأهلها السُّبل، وتفرقت فيها جماعة المسلمين، وأزهقت الأرواح، وأريقت الدماء، ورُوّعَ الآمنون، حتى انتشرت هذين اليومين مقاطع مصورة لعراقيين - وبعضهم من الشيعة - يتمنون وقت الرئيس السابق صدام حسين! فمن لم يعتبر بذلك، فمتى يعتبر؟ ومن لم يدرك أن مآلات أعمال هذه الفئات الضالة المجرمة هي ذات المآلات في بعض الدول من حولنا، فمتى يدرك؟!
اللهم اكفنا شر الأشرار.. وكيد الفجار.. اللهم عليك بداعش ومن يقف وراءها، اللهم عليك بالخوارج جميعا.. اللهم اكسر قرنهم، وخيّب سعيهم، واكشف أسرارهم، واهتك أستارهم.
اللهم من أراد أمننا وبلادنا واجتماعنا ووحدتنا وشبابنا بسوء، اللهم أشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره..
اللهم احفظ شباب المسلمين من كيدهم، وبصرهم بخبثهم وضلالهم، واحفظهم من مراتع الشبهات والشهوات.