المولى
كلمة (المولى) في اللغة اسم مكان على وزن (مَفْعَل) أي محل الولاية...
العربية
المؤلف | علي باوزير |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
ومن أسباب الشر التي عرفت واشتهر بها الناس، وتسامع الناس فيها بكل زمان ومكان، ورأوا أثرها في كل آن وحين، قضية الإصابة بالعين، هذا السبب الذي قدّره الله -سبحانه وتعالى- وجعله وسيلة لحصول الشر، عرفه الناس منذ القدم وليس من الزمن القريب.
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وبعد: أيها المسلمون عباد الله، خلق الله -سبحانه وتعالى- هذا الكون بكل ما فيه، خلق فيه الخير والشر، وخلق فيه النفع والضر، وجعل لكل منهما أسبابا، فهناك أسباب للخير، وهناك أسباب للشر، منها أسباب حسية يراها الناس ويحسونها، كالنار التي تحرق، والثياب التي تدفئ، فهذه أسباب حسية؛ وهناك أسباب أخرى كثيرة معنوية قد لا يراها الناس ولا يحسونها، ولكنهم يجدون أثرها، وهذا كله لحكمة بالغة يعلمها الله -تبارك وتعالى-، والله -سبحانه- يقول: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) [القمر:49].
ومن أسباب الشر التي عرفت واشتهر بها الناس، وتسامع الناس فيها بكل زمان ومكان، ورأوا أثرها في كل آن وحين، قضية الإصابة بالعين، هذا السبب الذي قدّره الله -سبحانه وتعالى- وجعله وسيلة لحصول الشر، عرفه الناس منذ القدم وليس من الزمن القريب.
هذا يعقوب -عليه السلام- يقول لأولاده: (يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ) [يوسف:67]، خشي -عليه السلام- عليهم العين، فقد كانوا أحد عشر رجلاً من خيرة الرجال هيئة وحسنا وجمالا.
جاء الإسلام فأكد هذا الأمر، وقرر أن العين حق، وأن لها أثرا ظاهرا لا ينكر. الله -سبحانه وتعالى- يقول لنبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-: (وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ) [القلم:51]، قال ابن كثير -رحمه الله-: (لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ)، أي: "ليعينونك بأبصارهم"، قال: "وهذه الآية دليل إصابتها، وأثرها حق، وقد جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة".
جاءت عدة أحاديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- تؤكد هذا المعنى، وقبل هذا قوله -سبحانه وتعالى- في سورة الفلق: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِن شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) [سورة الفلق]. ويدخل في هذا العائن الذي يصيب بعينه حسدا يدخل في هذه الآية.
وجاء في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن حبيبنا -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "العين حق"، أي أنها أمر متحقق، أمر ثابت لا يُنكر، أمر موجود لا يستطيع أحد تكذيبه.
وجاء -أيضا- في صحيح مسلم عن ابن عباس، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "العين حق، ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين"، لو كان هناك يخرج عن قدر الله لكانت هي العين، ولكن العين هي أيضا من قدر الله -تبارك وتعالى-.
أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن تأثيرات عجيبة وخطيرة في هذه العين، فقد جاء عنه -صلى الله عليه وسلم- كما يروي ذلك أبو ذر، أنه قال: "إن العين لتولع بالرجل بإذن الله حتى يصعد حالقا فيسقط منه"، أي: إن العين تصيب الرجل فتؤثر عليه حتى إنه يصعد مكانا مرتفعا فيسقط من هذا المكان المرتفع ويتردى منه، والعياذ بالله!.
وجاء عن جابر -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن العين لتدخل الرجل القبر، والجمل القدر"، تقتله فيدخل القبر بسببها، وتُدخل الجمل القدر، تصيبه فينحط حتى ييأس الناس منه فيذبحوه ليأكلوه ويوضع في القدر.
بل أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عما هو أكثر من هذا، أخبر أن أكثر من يموت من هذه الأمة إنما يموت بالعين، قال -صلى الله عليه وسلم- كما روى ذلك جابر -رضي الله عنه-، قال: "أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء الله وقدره بالعين".
هذه الأحاديث -أيها الأحباب- والآيات السابقة كلها تدل على إثبات العين، وأنها تصيب الإنسان بالضر بإذن الله -سبحانه وتعالى-، حاول بعض الناس أن ينكروا هذا الأمر ولكن هذه النصوص الصحيحة الصريحة ترد قولهم، وتدحض شبهتهم، وتثبت أن العين حق.
والعين -أيها الأحباب- تحصل إما من حسد يقع في القلب فينبعث فينطلق مع النظرة فيصيب بإذن الله بالشر، أو يكون عن نظرة استحسان وإن لم يكن هناك حسد، يرى الإنسان شيئا يعجبه فيصيبه بالعين وإن لم يكن حاسدا لصاحبه.
بل إن الإنسان قد يصيب نفسه بالعين إذا أعجب بنفسه ولم يبرّك ولم يتحرز من هذا، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا رأى أحدكم من نفسه أو ماله أو من أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة؛ فإن العين حق".
سليمان بن عبد الملك الخليفة الأموي المعروف نظر مرة في المرآة فأعجبته نفسه وأعجبه شبابه فقال: "كان محمد -صلى الله عليه وسلم- رسولا، وكان أبو بكر صديقا، وكان عمر فاروقا، وكان عثمان حبيبا، وأنا الملك الشاب"، فما مر عليه شهر إلا ومات. وهكذا العين، قد يصيب الإنسان بها نفسه قبل غيره.
وقد تقع العين من الإنسان الصالح التقي، حصل في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن عامر بن ربيعة -رضي الله عنه- مر على سهل بن حنيف -رضي الله عنه- وهو يغتسل، وكلاهما من الصحابة، فقال عامر لما رأى سهلا، وكان سهل رجلا جميلا حسنا، لما رآه يغتسل قال: "وَاللَّهِ مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ! وَلا جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ"، أي إن جمال سهل وحسن جلده أفضل من جلد امرأة مخبأة عذراء.
قال الراوي: "فربط سهل ولم يفق"، أغمي عليه مباشرة، فأتي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقيل: يا رسول الله، هل لك في سهل بن حنين؟ فوالله ما يرفع رأسه أبداً! فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "هل تتهمون به أحداً؟"، فقالوا: عامر بن ربيعة، فأتي به إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فتغيظ النبي -صلى الله عليه وسلم- عليه، أي: أغلظ له بالقول، وقال: "علام يقتل أحدكم أخاه؟"، بهذه الكلمات وبهذه النظرة، قال: "ألا بركت عليه؟"، هلا قلت: بارك الله لك، ما شاء الله. ثم أمره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يغتسل، فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح، ثم أخذ هذا الماء وصب على سهل -رضي الله عنه- فقام وكأنه لم يصبه شيء.
وهذا الحديث -أيها الأحباب- نستفيد منه ثلاث فوائد:
الفائدة الأولى: إن العين قد تقع من الرجل الصالح، فهذا عامر بن ربيعة صحابي فاضل، ولكن مع ذلك وقعت منه العين، فلا يقولن أحد إني إنسان صالح فلا يمكن أن تقع مني العين، بل ممكن أن تقع العين من الصالح التقي إذا لم يبرك ولم يدع بالخير والبركة لما رآه.
الفائدة الثانية: إن الشخص إذا رأى شيئا يعجبه من الآخرين فليبركه، فليقل: بارك الله لك، بارك الله في مالك، بارك الله في ولدك، بارك الله في بيتك، تأتي بهذه الكلمات الطيبة لهذا الدعاء المبارك، أو يقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، كما جاء في سورة الكهف في قصة الرجلين، قال لصاحبه: (وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ) [الكهف:39]. كان عروة بن الزبير -رضي الله عنه- إذا رأى شيئا يعجبه أو دخل حائطا من حيطانه، أي: بستانا من بساتينه، يقول: "ما شاء الله لا قوة إلا بالله".
الفائدة الثالثة: من أهم وسائل علاج العين بعد وقوعها ومعرفة العائن أن يؤتى بهذا العائن ويؤمر بالاغتسال فيغسل أطرافه، يغسل وجهه ويغسل يديه ويغسل رجليه ويغسل داخلة إزارة، أي: طرف إزاره الذي من الداخل، يغسله في إناء، ثم يصب على الشخص المصاب، فإن هذا -بإذن الله- ينفعه ويدفع عنه أثر العين.
هذا إذا عرف العائن، وينبغي لمن وقع منه مثل هذا الأمر ألا يستكبر أو يستنكف أو يعاند ويرفض أن يغتسل، بعض الناس إذا طُلب منه أن يغتسل وقد عرف أنه هو الذي أصاب بالعين يرفض، يظن أن هذا عيب في حقه أو هذا إساءة إليه، والحق أن هذا ليس بإساءة وليس بعيب، فالإصابة بالعين خطأ من جنس الأخطاء التي تقع من أي إنسان، وإذا أخطأ الإنسان خطأ بغير قصد فإنه مطالب بتصحيح خطئه وإصلاح ما أفسده، ولا يكون هذا إساءة إليه، ولا يكون هذا عيبا ولا نقصا في حقه، فقد وقع هذا ممن هو خير، بعض صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وإذا رفض الإنسان أن يغتسل وقد طلب منه هذا فإنه يخشى عليه من الإثم؛ لأن شفاء هذا المريض والمصاب يتوقف -بإذن الله- على هذا الاغتسال، ودفع الضرر عن المسلم واجب، فإذا رفض فإنه قد يأثم بمثل هذا.
أما إذا لم يعرف من هو العائن فإن العلاج يكون بالرقية الشرعية من القرآن الكريم ومن السنة النبوية والأدعية الثابتة، ومن ذلك رقية جبريل -عليه السلام- للنبي -صلى الله عليه وسلم- لما جاءه وقال: "بسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك، بسم الله أرقيك". وهذا من أحسن ما يرقى به المعيون. وهناك أدعية وأذكار أخرى ورُقَى أخرى كلها صحيح نافع بإذن الله -سبحانه وتعالى-
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارا به وتوحيدا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما مزيدا.
وبعد: أيها الأحباب الكرام، هناك أسباب ووسائل تقي الإنسان بإذن الله -عز وجل- من العين قبل وقوعها.
من هذه الأسباب، أولا: المحافظة على الأذكار، أذكار الصباح وأذكار المساء وأذكار النوم والاستيقاظ؛ فإنها حصن حصين يتحصن به المسلم من العين والشيطان.
وإذا كان الإنسان مواظبا على هذه الأذكار فإنه يحفظ بإذن الله -عز وجل-، وفيها أجر وثواب عظيم، علاوة على ما فيها من الحفظ والصيانة للمسلم.
فالمحافظة عليها مطلوبة من الإنسان، ليس فقط لمجرد دفع العين، بل كذلك لأجل أن يكون على صلة دائمة بالله -سبحانه وتعالى-، أن يكون لسانه رطبا دائما بذكر الله -عز وجل-، ولأجل الثواب العظيم الذي يترتب على هذه الأذكار.
الأمر الثاني: المحافظة على صلاة الفجر، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَن صلى الصبح فهو في ذمة الله، ومن كان في ذمة الله فلا سبيل للشيطان إليه أبداً".
الأمر الثالث: الاستعاذة بالله -عز وجل- من شر العين؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول، كما روت ذلك عنه عائشة -رضي الله عنها-، يقول: "استعيذوا بالله من العين".
ومن ذلك أن يعوذ الرجل أولاده وأبناءه، فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يفعل ذلك مع الحسن والحسين، كان يعوذهما ويقول: "إن أباكما"، يعني إبراهيم -عليه السلام-، "كان يعوذ بهما إسماعيل وإسحاق"، كان يقول: "أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة"، هذه التعويذة يعوذ بها الأطفال والصبيان فتحفظهم بإذن الله -عز وجل- من العين والشيطان.
رابعا: أيها الأحباب، إذا خشي الإنسان من العين خشي على بعض ما أنعم الله -عز وجل- عليه به من مال أو ولد، خشي عليه من العين، فإنه يمكنه أن يكتم شيئا من هذه النعمة ويخفيها؛ يعقوب -عليه السلام- قال لأولاده بأن يدخلوا من أبواب متفرقة لأنهم إذا دخلوا من باب واحد ظهر من اجتماعهم حسنهم وجمالهم، فإذا تفرقوا من الأبواب لن يلتفت الناس إليهم.
عثمان -رضي الله عنه- رأى مرة طفلا حسنا جميلا كان دائما يُصاب بالعين، فقال عثمان: "دُسُّوا نونته"، والنونة هي النقرة في الذقن. ودسوها، أي: سودوها؛ فإذا اسودت لم يظهر حسنه وجماله، فإذا خشي الإنسان من العين لا بأس أن يلجأ إلى مثل هذا الأمر، ولكن ليس على الدوام؛ فإن الله -سبحانه- يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، وليس من المستحسن من العبد أن يكتم نعمة الله -عز وجل- عليه، فالله -عز وجل- يقول: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) [الضحى:11]؛ ولكن، إن خشي في بعض الأحوال فلا بأس أن يكتم وأن يخفي شيئا من هذه النعمة عن الناس.
خامسا: المحافظة على طاعة الله -عز وجل-، القيام بالواجبات وترك المحرمات، فإنه من أعظم وسائل الحفظ التي يحفظ العبد بها في نفسه وماله وولده، يقول -صلى الله عليه وسلم- لابن عباس -رضي الله عنه-: "احفظ الله يحفظك"، احفظ الله: احفظ أوامره، واحفظ حدوده وشرائعه، فإذا فعلت ذلك حفظك الله -عز وجل- في نفسك ومالك وولدك.
وهذان يتيمان في قرية نائية يرسل الله -سبحانه وتعالى- رسولين ونبيين من أنبيائه لأجل أن يقيما جدارا كان تحته كنز لهما؛ لماذا؟ لأن أباهما كانا صالحا! (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا) [الكهف:82]، فحفظ الله له مال ذريته بصلاحه وحفظه لحدود الله -تبارك وتعالى-.
وأهم ما يكون -أيها الأحباب- أن يتوكل الإنسان على الله، وأن يعتمد ويلتجئ إلى الله، وأن يجعل ثقته كلها بالله -سبحانه وتعالى-، أن يوقن بأنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له: (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا) [التوبة:51]، أن يوقن بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فيتوكل على الله تمام وغاية التوكل، فإذا توكل على الله كفاه؛ (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق:3]، إذا توكلت على الله حقا وصدقا كفاك كل شر وسوء ومكروب، ودفع عنك العين والجن والشيطان، وحفظك في نفسك ومالك وولدك.
وبعض الناس قد تغلّب عليه وسواس العين، وأصبح يعيش في هاجس العين، يخشى في كل شيء من العين، ويخشى على كل شيء من العين، وإذا أصابه أي شر أو سوء أو مكروه قال هذا بسبب العين، فليس عنده تفسير للأمور إلا الإصابة بالعين، وهذا خطأ ومبالغة ووساوس تفسد على الإنسان حياته، وتفسد على الإنسان معيشته، وتجعله في هم وغم دائم مستمر.
المسلم يتوكل على الله، ويعتمد ويلتجئ إلى الله، ويسير ويمضي في حياته في قدر الله -عز وجل- عليه، سواء كان بعين أو بغيرها، بل التوسط محمود والتوازن في هذه الأمور مطلوب.
ومن الأمور التي ينبغي التنبيه عليها -أيها الأحباب- أن بعض الناس يبادر إلى اتهام الآخرين، فإذا حصل له شيء وإذا عرف أنه قد أصيب بعين يبادر إلى اتهام فلان أو فلان من الناس دون برهان أو دليل أو بينة، وهذا لا يجوز، فإن الله -سبحانه وتعالى- يقول: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا) [الأحزاب:58].
فاتهام الآخرين لا يكون إلا بدليل وبينة، ولكن لأن بعض الناس قد أصبح في وسواس دائم من هذا الأمر أصبح يشك في كل من حوله، ولا يتورع من اتهام الآخرين دون حق أو برهان، وقد أدى هذا إلى كثير من المشاكل والفتن بين الناس بسبب مثل هذا التعجل في اتهام الآخرين.
وفي المقابل -أيها الأحباب- من عرف نفسه أنه يصيب بالعين، وهذا موجود عند بعض الناس، فإنه لا يجوز له أن يتعمد إيذاء الآخرين، ولا يجوز له أن يتقصد إصابة المسلمين؛ فإن هذا من الأذى العظيم، وإثمه عند الله -تبارك وتعالى- كبير، بل يجب عليه أن يمسك نفسه وأن يكف أذاه عن المسلمين، فإذا رأى شيئا يعجبه فليبادر بقول: "بارك الله لك"، بقول: "ما شاء الله"، وليحاول -قدر المستطاع- أن يبتعد عن إيذاء المسلمين بعينه.
وإذا أتلف شيئاً بعينه فإنه يضمنه ويدفع قيمة ما أتلفه؛ لأنه هو المتسبب في ذلك، بل إن العلماء -أيها الأحباب- يذكرون أن من عرف بالعين ولا يستطيع أن يضبط نفسه فإن الدولة تبعده عن الناس وتحجزه في مكان بعيد عن الناس، تعطيه مؤونته وما يكفيه لحياته ومعيشته لكن بعيدا عن الناس حتى لا يؤذي المسلمين بعينه.
وأخيرا -أيها الأحباب- لا ينبغي أن تستخدم الوسائل الغير مشروعة في علاج العين، كتعليق الحروز والتمائم وتعليق الأحذية ونحوها أكرم الله السامعين، فإن هذه وسائل محرمة لا تنفع ولا تدفع ولا ترفع شرا ولا بلاء، بل إن النبي -صلى الله عليه وسلم- سماها شركا فقال -صلى الله عليه وسلم-: "من تعلق تميمة فقد أشرك"، والتميمة التي تعلق من أجل دفع العين ونحوه سواء كانت تعلق على الأجساد أو تعلق في البيوت أو تعلق في السيارات أو في غيرها من الأموال، فمن تعلق تميمة فقد أشرك.
وأشد من هذا أن يذهب المسلم إلى السحرة والمشعوذين والدجالين الكذابين، وما أكثرهم! لا كثرهم الله! فإن الذهاب إليهم حسرة وندامة، ولن يجد الإنسان عندهم خيرا ولا عافية، وإنما يضيع دينه، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من أتى كاهنا أو عرافا فسأله فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد".
فلا يضيع الإنسان دينه بالذهاب إلى هؤلاء الكذابين الذين لن يجد عندهم خيرا ولا شفاء ولا عافية، ولا خير ولا عافية ولا شفاء إلا باللجوء إلى الله، وتوحيد الله -سبحانه وتعالى-، والاعتصام به وحده: (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ) [النمل:62]
نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يدفع عنا شر كل ذي شر، نسأله -سبحانه وتعالى- أن يدفع عنا شر الشيطان، ومس الجان، وأذى العين، وغيرها من الشرور.