العالم
كلمة (عالم) في اللغة اسم فاعل من الفعل (عَلِمَ يَعلَمُ) والعلم...
العربية
المؤلف | خالد بن علي أبا الخيل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الحديث الشريف وعلومه - المنجيات |
"لا حول ولا قوة إلا بالله" مأوى المهمومين ومُتنفس المكروبين، "لا حول ولا قوة إلا بالله" آهات المضطرين ومُستعان العاجزين، فلا تحول من الذل إلى العز، ولا من المعصية إلى الطاعة، ولا تحول من المرض إلى الشفاء، ومن الفقر إلى الغناء إلا بالله، ولا تحول من الفشل إلى النجاح، ومن الهزيمة إلى النصر والفلاح إلا بالله. فـ"لا حول ولا قوة إلا بالله" فيها التبرؤ من كل حول وقوة؛ من قوى البشر وعددٍ وعُددٍ ممَن كبر أو صغر، فالإنسان لا يستقل بحولٍ ولا بقوة، فلا يتحول من حالٍ إلى حال، ولا يقوى على حالٍ ومآل إلا بالله الكبير القوي المتعال.
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي منَّ علينا بكنز من كنوز الجنة، وجعله وقاية وحماية من كل إنسٍ وجِنة، وأشهد أن لا إله إلا الله؛ جعل من الكلام الطيب غرسٌ من غِراس الجنة، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ رغّب في كل ما يُدخل الجنة صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه لاسيما الأئمة الأربعة أهل السُنة المُتبعة..
أما بعد: عباد الله.. اتقوا ربكم حق التقوى، واسلكوا سبيل أهل التقوى تفوزوا وتُفلحوا وتَصلحوا وتُصلحوا.
أيها المسلمون.. حديثنا في هذه اللحظات عن فائدة عزيزة وكلمة جميلة ولطيفة جليلة، زهد فيها أناس، وتناساها آخرون بدون إحساس، كلمة عونٍ وصفاء، وقوةٍ ونماء، عند تحقيقها تتهاوى المشاق، وبالعمل بها تتيسر الأعمال، ليس لها وقتٌ محدود أو زمان معدود، كلمة عون الدنيا وكنز الأخرى أتدرون ما هي؟
إنها كلمة تقال أدبار الصلوات المكتوبات، وإذا تعسَّر المأمور، وادلهمت الأمور، وضاقت السبل، واشتدت المآزر انفرجت وانفسحت، وجعل الله بعد العسر يسرًا، والكرب فرجًا ومخرجًا.
إنها عنوان هذه الخطبة: "فتح الإله بفضل لا حول ولا قوة إلا بالله".
هذه الكلمة إخوة الإسلام والسُنة كلمة استسلام وإذعان وتفويضٌ واعترافٌ وإيمان وثقةٌ واعتمادٌ وتوحيدٌ وبراءةٌ من حول الإنسان، إنها كلمة تسمى "الحوقلة"، وتسمى "كلمة الإعانة"، من فضائلها الجميلة كونها كنزٌ من كنوز الجنة.. وهل هناك أعظم وأجلّ من هذه المنزلة.
ففي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال ليَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟" فقلت: بلى، فقال: "لا حول ولا قوة إلا بالله"، والاستفهام في قوله: "ألا أدلك" للتشويق والتفخيم والاهتمام والترسيخ وعلو المقام، فكما أن الكنز أنفس أموال العباد فـ"لا حول ولا قوة إلا بالله" أنفس ما يُعدّه العباد ليوم المعاد.
ومن فضائلها: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يُعلمها أصحابه، ففي مسلم جاء أعرابي إلى رسول الله فقال: علمني كلامًا أقوله، قال: "قل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان رب العالمين، لا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم".
وذات مرة يمرّ النبي -صلى الله عليه وسلم- على امرأة، وبين يديها نوى أو حصى تسبح به، قال: "ألا أخبركِ بما هو أيسر عليكِ من هذا أو أفضل؟ فقال: سبحان الله عدد ما خلق في الأرض، وسبحان الله عدد ما بين ذلك، وسبحان الله عدد ما هو خالق، والله أكبر مثل ذلك، والحمد لله مثل ذلك، ولا إله إلا الله مثل ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله، مثل ذلك" (رواه الترمذي وحسنه).
إن هذه الكلمة غرسٌ من غِراس الجنة، فمَن شاء فليستكثر ومَن شاء فليستقل، فعند أحمد عن أبي أيوب ليلة أسريَّ به "مرَّ على إبراهيم عليه الصلاة والسلام فقال: مَن معك يا جبريل؟ فقال: هذا محمد، فقال له إبراهيم: يا محمد مُرّ أمتك فليُكثروا من غِراس الجنة فإن تربتها طيبة وأرضها واسعة، فقال: وما غِراسها؟ قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله".
تقال هذه الكلمة دبر كل صلاة مكتوبة، وعند الخروج من المنزل وهي وقاية وكفاية وهداية، فعند أبي داوود والترمذي في جامعه "مَن قال إذا خرج من بيته: بسم الله توكلت على الله و"لا حول ولا قوة إلا بالله"، يقال له: هُديت وكُفيت ووقيت، وتنحى عنه الشيطان" ولأبي داوود: "فيقول الشيطان لشيطانٍ آخر: كيف لك برجلٍ قد هُديَّ وكُفيَّ ووقيّ".
و"لا حول ولا قوة إلا بالله" ولا حول ولا قوة على العبادة إلا بالله وذلك أن المرء إذا لم يُعنّ على العبادة فـ"لا حول ولا قوة إلا بالله"، ولهذا شُرِع لمجيب النداء عند قول المؤذن: حي على الصلاة.. حي على الفلاح أن يقول: "لا حول ولا قوة إلا بالله".
كما في مسلم من حديث عمر -رضي الله عنه- يقول ابن القيم رحمه الله: استبدال كلمة "حي على الصلاة.. حي على الفلاح" بكلمة "لا حول ولا قوة إلا بالله"، وهذا مقتضى الحكمة المطابقة لحال المؤذن والسامع، فإن كلمات الأذان ذكرٌ فسُنَّ للسامع أن يقولها وكلمة الحي علت دعاءٌ إلى الصلاة لمَن سمعه، فسُنَّ للسامع أن يستعين على هذه الدعوة بكلمة العبادة وهي "لا حول ولا قوة إلا بالله".
ومن ثوابها: أنها بابٌ من أبواب الجنة يقول سعد بن عبادة: مرَّ بيَّ النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد صليت فضربني برجله وقال: "ألا أدلك على بابٍ من أبواب الجنة؟ قلت: بلى، قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله" (رواه الترمذي وأحمد في مسنده).
هذا فضلها فما معناها؟ فكثيرٌ ممَن يرددها لا يُحققها ولا يقولها استشعارًا لمعناها فمعناها إخوة الإيمان كما قال النووي -رحمه الله-: "لا حول ولا قوة إلا بالله" كلمة استسلام وتفويضٌ إلى الله واعترافٌ بالإذعان له، وأنه لا صانع غيره ولا راد لأمره، وأن العبد لا يملك شيئًا من الأمر.
فمعناها: الجامع؛ أي: إذا تحول من حالٍ إلى حال ولا قوة على ذلك إلا بالله وهذا أجمع تعريف وأشمل ليشمل كل حال يتحول منه الإنسان دينًا أو دنيا، ونحوه لا حول في دفع الشر ولا قوة في تحصيل الخير إلا بالله، يقول القرطبي -رحمه الله-: "لا حول ولا قوة إلا بالله"؛ أي: ما اجتمع لك من المال فهو بقدرة الله وقوته، لا بقدرتك وقوتك، ولو شاء لنزع البركة منه فلم يجتمع.
وقال الخطابي -رحمه الله-: معناه: إظهار الفقر وطلب المعونة من الله على ما يُزاوله من الأمور. ويقول ابن دقيق العيد: "لا حول ولا قوة إلا بالله"، الحول والقوة غير مترادفين:
فالقوة: القدرة على الأشياء.
والحول: الاحتيال في تحصيله والمحاولة له.
"لا حول ولا قوة إلا بالله" سبب لصرف البلاء وإزالة اللأوى جلابة للنِعم دفاعة للنقم علاجٌ ودواء، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "لا حول ولا قوة إلا بالله تحمل الأثقال وتُكابد الأهوال ويُنال رفيع الأحوال".
وقال ابن القيم -رحمه الله-: "وهذه الكلمة لها تأثيرٌ عجيب في معاناة الأشغال الصعبة، وتحمل المشاق والدخول على الملوك وركوب الأهوال، ولها أيضًا تأثيرٌ عجيبٌ في دفع الفقر". وسمعت شيخ الإسلام يذكر أثرًا في هذا؛ وهو أن الملائكة لما أمروا بحمل العرش قالوا: يا ربنا كيف نحمل عرشك وعليه عظمتك وجلالك؟ فقال: قولوا "لا حول ولا قوة إلا بالله". فلما قالوها حملوه. وأسند الترمذي عن صفوان بن سُليم قال: ما نهض ملكٌ من الأرض حتى قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله".
إذا ضاقت بك الطرق واشتد المأزق فقل: "لا حول ولا قوة إلا بالله".
إذا تراكمت عليك الديون وكثر المُطالبون فقل: "لا حول ولا قوة إلا بالله".
إذا عظم الخطب واشتد الكرب فقل: "لا حول ولا قوة إلا بالله".
إذا بُليت بالمعاصي والقلب القاسي فقل: "لا حول ولا قوة إلا بالله"، إذا كثرت الفتن وتوالت المحن فقل: "لا حول ولا قوة إلا بالله".
إذا هممت بالطاعة وفعل العبادة فقل: "لا حول ولا قوة إلا بالله".
إذا عجزت عن المأمور وثقل عليك المفروض فقل: "لا حول ولا قوة إلا بالله".
إذا تثاقلت عن قيام الليل والوتر وقراءة القرآن والصلاة والبر وصلة الأرحام والإحسان إلى الجيران وصنع المعروف للناس فقل: "لا حول ولا قوة إلا بالله".
"لا حول ولا قوة إلا بالله" دليلٌ على الإخلاص والخلاص، وقطع العلائق عن الخلائق وجميع الأشخاص.
"لا حول ولا قوة إلا بالله" مأوى المهمومين ومُتنفس المكروبين، "لا حول ولا قوة إلا بالله" آهات المضطرين ومُستعان العاجزين، فلا تحول من الذل إلى العز، ولا من المعصية إلى الطاعة، ولا تحول من المرض إلى الشفاء، ومن الفقر إلى الغناء إلا بالله، ولا تحول من الفشل إلى النجاح، ومن الهزيمة إلى النصر والفلاح إلا بالله.
فـ"لا حول ولا قوة إلا بالله" فيها التبرؤ من كل حول وقوة؛ من قوى البشر وعددٍ وعُددٍ ممَن كبر أو صغر، فالإنسان لا يستقل بحولٍ ولا بقوة، فلا يتحول من حالٍ إلى حال، ولا يقوى على حالٍ ومآل إلا بالله الكبير القوي المتعال.
قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي لا قوة إلا بالله ولا عز ولا إعانة إلا بالله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه ممَن آمن بالله..
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، أيها المسلمون.. "لا حول ولا قوة إلا بالله" القائم بقدرته على جميع الأشياء الذي يتضعضع في جانب قوته جميع الأقوياء.
"لا حول ولا قوة إلا بالله" الذي حبا بالقوة والعصمة مَن حبا وأحال مَن شاء عن منهج طاعته فعاد مفتول الشباب.
"لا حول ولا قوة إلا بالله" الذي ليس للأشياء دون قوته ثبات، ولو تركها لحالت عن موضوعاتها وإدخالها الشتات.
"لا حول ولا قوة إلا بالله" الذي اخترع بقوته الحوادث ويُحيل بقدرته العالم ومَن فيه، فيكون هو الوارث.
"لا حول ولا قوة إلا بالله" الذي تألق هذا النظام بقدرته وأنتج، وبقدرته عرج ما عرج، وخرج من الأرض ما خرج.
"لا حول ولا قوة إلا بالله" الذي بقوته فلق الإصباح وفلق الحب والنوى، وفرق بين الأجسام والأرواح.
"لا حول ولا قوة إلا بالله" الذي هو مثبت لما شاء وناسخ وبقوته ثبتت السماوات واستقرت الأرض الجبال الرواسخ.
"لا حول ولا قوة إلا بالله" الذي بنى السماوات بأيد، وأرسى الأرض بالجبال فأمسكها عن الميل.
"لا حول ولا قوة إلا بالله" الذي أمره في كل شيءٍ نافذ وكل موجودٍ فلقدرته مستلمٌ وبه معتصمٌ ولائذ.
"لا حول ولا قوة إلا بالله" القوي المتين القادر الذي في قدرته يتصرف كل واردٍ وصادر.
"لا حول ولا قوة إلا بالله" الذي جلَّ بقدرته وعز وأمسك العرش ومَن حوله بقوته فقرَّ وما اهتز.
"لا حول ولا قوة إلا بالله" الذي بسط لبسيطه بقوته بسطًا، ورفع السماوات بقدرته وبها يحطها حطا.
"لا حول ولا قوة إلا بالله" الذي هو للأشياءِ وبقوته حافظ، الممتنع بحجاب قدرته عن أن يصل إليه طرفُ لاحظ.
"لا حول ولا قوة إلا بالله" الذي هو لكل شيء بقدرته مالك، وبقوته استطاع على إمساك النار مالك.
"لا حول ولا قوة إلا بالله" الذي له القوة والحول، وهو الممتنع في سلطانه فلا يدور عليه شهرٌ ولا حول.
"لا حول ولا قوة إلا بالله" العلي العظيم الذي أمسك بقدرته العرش العظيم، وأجرى النجوم على المنهج القويم.
"لا حول ولا قوة إلا بالله" القوي السلطان الذي لا يستقل لسلطانه مكانٌ ولا زمان.
"لا حول ولا قوة إلا بالله" الذي هو بالقوة مختص، وكل موجودٍ سواه يُخامره الوهن والنقص.
"لا حول ولا قوة إلا بالله" الذي بقوته ارتفع وامتنع وتعزز بقدرته فخضع له كل شيءٍ وخنع.
"لا حول ولا قوة إلا بالله" الذي لا شيء لقدرته بالغ وبقوته جرت في أفلاكها النجوم والشمس والقمر بازغ.
"لا حول ولا قوة إلا بالله" الذي أمد مَن شاء بقوة من نوره واصطفى، وأشعل في قلبه سراج التوفيق فما انطفأ، "لا حول ولا قوة إلا بالله" الذي شد بقوته الأشياء وتاق وهو ينقصها إذا شاء بقدرته فتفرق بعد التئامها افتراقا.
"لا حول ولا قوة إلا بالله" الذي بقوته رفع السماوات، دون أن يجعل لها عمدًا ولا أُسَّ وبقوته دحى البسيطة وأثبت عليها الجبال وأرسى.
"لا حول ولا قوة إلا بالله" الحامل بقوته للعرش وما حول العرش والمُجري بها القلم في اللوح لينقش ما شاء من النقص.
"لا حول ولا قوة إلا بالله" الذي ليس لقدرته منتهى الذي يقيم ما شاء بقوته بعدما وهن ووهى.
"لا حول ولا قوة إلا بالله" الذي جعل جبريل شديد القوى فبقوته يعلو إذا علا ويهوي إذا هوى.
"لا حول ولا قوة إلا بالله" الذي بقوته أمسك السماوات والأرض أن تزولا، وبقوته يُحل نظام العالم إذا شاء فيُصبح محلولاً.
"لا حول ولا قوة إلا بالله" الذي قام كل شيء وبقدرته يُفني ويُحيي كل ميت وحي.
هذا وأسأل الله الكريم، رب العرش العظيم؛ أن يرزقنا تحقيق "لا حول ولا قوة إلا بالله"، وأن يشغل ألسنتنا بـ"لا حول ولا قوة إلا بالله".
والله أعلم