المعطي
كلمة (المعطي) في اللغة اسم فاعل من الإعطاء، الذي ينوّل غيره...
العربية
المؤلف | خالد بن سعود الحليبي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
حين نتلفَّت من حولنا نجد أن الله -تعالى- امتنَّ علينا بنعمٍ لا نطيق حتى تَعدادها، دينٌ هو أعظم دين، فيه سعادة الدارين، ونبي هو خاتم النبيين وأعظمهم عند الله، يحبنا ويشفع لنا، ولا يرضى وواحد من أمته في النار، وأمن واستقرار، تتطلع إليه الدول والديار، وحكم بما أنزل الحكيم المتعال، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وصحةٌ وعافية تتحفز لها...
الخطبة الأولى:
ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد، ولك الشكر كله أوله وآخره، على كل نعمة أنعمت بها علينا من قديم أو حديث.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله -عباد الله- وأطيعوه يسبغ عليكم نعمه، ويجدد لكم آلاءه، ويزيدكم من فضله: (يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الأنفال: 29].
و"الحمد رأس الشكر، ما شكرَ اللهَ عبدٌ لا يحمده" [كما في الحديث الحسن، والحديث صححه الألباني في الجامع الصغير برقم: 3835].
وبالشكر تُحفظ النعم، يقول الله المنعم المتفضل: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم: 7].
وعدٌ ربانيٌ بالزيادة للشاكرين، ووعيدٌ من الجبار بالعذاب للكافرين بنعمه، الجاحدين فضل الله عليهم.
وحين نتلفَّت من حولنا نجد أن الله -تعالى- امتنَّ علينا بنعمٍ لا نطيق حتى تَعدادها، دينٌ هو أعظم دين، فيه سعادة الدارين، ونبي هو خاتم النبيين وأعظمهم عند الله، يحبنا ويشفع لنا، ولا يرضى وواحد من أمته في النار، وأمن واستقرار، تتطلع إليه الدول والديار، وحكم بما أنزل الحكيم المتعال، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وصحةٌ وعافية تتحفز لها المشافي والأدوية في متناول الغني والفقير، وخيرات وثمرات تجبى من كل مكان في العالم، وتعليم في كل التخصصات، وعلى كل المستويات، وبعثات إلى كل جامعات العالم، ونشر للتوحيد والعلوم الشرعية والدعوة إلى الله بكل الوسائل: (وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [إبراهيم: 34].
لقد اكتشف حتى غير المسلمين "قوة الشكر" وأثره في إحداث طاقة عظيمة في نفس الإنسان، وتنظير روحه وتوقيتها، يقول الخبير "جيمس راي": "إن قوة الشكر كبيرة جداً، فأنا أبدأ يومي كلما استيقظت صباحاً بعبارة "الحمد لله"؛ لأنني وجدتها مفيدة جداً وتمنحني طاقة عظيمة! ليس هذا فحسب، بل إنني أشكر الله على كل صغيرة وكبيرة، وهذا سرّ نجاحي أنني أقول "الحمد لله" وأكررها مراراً طيلة اليوم! نبينا -عليه الصلاة والسلام- الذي كان يبدأ يومه بعد الاستيقاظ مباشرة بحمد الله -تعالى- فيقول: "الحمد لله"، فقد جاء في الحديث الذي رواه الشيخان أن رسول الله -صلى الله عليه وسلمَ- كان إذا انتبه من الليل قال: "الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور" [متفق عليه]، وكان صلى الله عليه وسلمَ: "إذا جاء أمر يُسَرُّ به حمد الله ساجدًا شكر الله" كما في الحديث الصحيح [النوافح العطرة: 235].
لقد وجد هؤلاء المبدعون أن الامتنان والشكر للآخرين أسهلَ الطرق للنجاح، فعندما يقدم لك أحد معروفاً صغيراً، فإنك عندما تشكره تشعر بقوة في داخلك تحفزك للقيام بالمزيد من الأعمال الخيرة، يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: "ومن صنع إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه" [رواه أبو داود وصححه الألباني].
وعندما تمارس عادة "الشكر" لمن يؤدي إليك معروفاً فإنك تعطي دفعة قوية من الطاقة لدماغك ليحثك على تقديم مزيدٍ من الأعمال النافعة؛ لأن الدماغ يُقارن ويُقلّد ويقتدي بالآخرين وبمن تثق بهم.
ولذلك تتحفزُ لديك القدرة على جذب الشكر لك من قبل الآخرين، وأسهل طريقة لتحقيق ذلك أن تقدم عملاً نافعاً لهم.
وفي دراسة حديثة تبين أن الامتنان والشكر يؤدي إلى السعادة وتقليل الاكتئاب وأن ممارسة الشكر والإحساس الدائم بفضل الله -تعالى- يزيد من قدرة النظام المناعي للجسم! ووجدوا أن للشكر تأثيراً محفزاً لطاقة الدماغ الإيجابية، مما يساعد الإنسان على مزيد من الإبداع وإنجاز الأعمال الجديدة. فكل مَن شكرته حفَّزته لزيادة العمل الذي شكرته عليه، وهذا ينطبق على كل الأحوال، وكل المستويات، فالراعي مع رعيته، والوالد مع ولده، والزوج مع زوجته، والمدير مع موظفيه، وهكذا.
بل إن الشكر يؤدي إلى السعادة وإلى استقرار الحالة العاطفية وإلى صحة نفسية وجسدية أفضل.
فالذين يمارسون الشكر هم أكثر تفاؤلاً، وأكثر تمتعاً بالحياة، بل إن مستوى النوم لديهم أفضل!
إن هذه المنافع العظيمة للشكر لدليل على ربنا -عزَّ وجل- لنا حين حثنا على الشكر وأمرنا به: (أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) [لقمان: 12].
وحب نبينا -صلى الله عليه وسلمَ- لقومه، و "من لا يشكر الناسَ لا يشكر الله" [كما في الحديث الذي رواه الترمذي: 1954، وصححه الألباني].
فهل سنكون ممن قال الله -تعالى- فيهم: (وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ: 13].
اللهم لك الحمد ولك الشكر، ربنا اغفر لنا تقصيرنا في حقك، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
الخطبة الثانية:
اللهم لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد على حمدنا إياك، لك الحمد على كل نعمة أنعمت بها علينا في قديم أو حديث، أو حاضر أو غائب، لك الحمد حمدًا يليق بعظمتك وجلالك.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحابته، ومن استن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله -عباد الله- وأطيعوه.
لقد كشف لنا الخبراء الغربيون: بأن اعتياد شكر الله -تعالى- كل صباح، ثم شكر الناس خلال ممارسة الأعمال اليومية لكل عمل أو معروف يقدّمونه، وخلال أيام قليلة سيشعر بقوة غريبة وجديدة من نوعها تسهل طريقة النجاح للشاكر، هذا ما قالوه، وهو ما سبقهم إليه نبي الرحمة والنجاح -صلى الله عليه وسلمَ- حين يروى عنه في الحديث أنه قال: "من قال حين يصبح اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر، فقد أدّى شكر يومه ومن قال ذلك حين يمسي فقد أدى شكر ليلته" [رواه أبو داود وضعفه الألباني].
تبين للباحثين أن معظم الذين حققوا نجاحات علمية أو عملية أو تجارية كانوا يشكرون الناس على أي عمل يقدمونه لهم، وكانوا كثيري الامتنان والإحساس بفضل الآخرين عليهم، ولا ينكرون هذا الفضل بعد نجاحهم.
إن هؤلاء يفكرون كثيرًا في نجاحات الدنيا، ولكن الإسلام يريد لنا الخير في هذه الدنيا وما بعدها، وهذه ميزة الإسلام أنه يحقق لك السعادة حتى عندما تأتي لحظة الموت، ففي حالة المرض نجد المؤمن يشكر الله ويحمده لأنه يعلم أن هذا المرض سيكون سبباً في المغفرة ومزيد من رحمة الله -تعالى-، وأعظم سورة في القرآن هي الفاتحة وهي التي لا تصح الصلاة إلا بها، وتبدأ بعد البسملة بـ "الحمد لله رب العالمين"، وهي الشافية من الأمراض بإذن الله -تعالى-، وكان النبي يبدأ خطبته بالحمد لله، فالحمد لله كلمة عظيمة لا يدرك أسرارها إلا من يكررها ويستشعر عظمتها! يقول الرسول -صلى الله عليه وسلمَ-: "الحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض" [رواه مسلم].
ويقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) [البقرة: 172].
ويذكرنا الله بنعمه وفضله علينا، ولكن معظم الناس غافلون عن الشكر وفوائده، يقول تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ) [البقرة: 243]، ويقول تعالى: (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا) [النساء: 147]، فشكر الله -عز وجل- يكون من خلال كرمه وفضله ورزقه لنا، وشكرنا لله -تعالى- يكون من خلال التزامنا بتعاليمه وطاعة أوامره والانتهاء عما نهى عنه، ولذلك فإن الله جعل الشكر صفة له فقال: (وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا) [النساء: 147].
وكذلك جعل الشكر صفة لأنبيائه -عليهم السلام- فقال في حق سيدنا إبراهيم: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [النحل: 121 - 122].
والشكور من أسماء الله الحسنى، وهذا الاسم يحمل إشارة مهمة وهي -أيها الإنسان- أنت لست أفضل من الخالق -تبارك وتعالى-، فإذا كان الله -تعالى- هو "الشكور" فماذا عنك -أيها الإنسان-؟
وسبحان اللهَ كلما ازداد المؤمن إيماناً ازداد شكراً للناس، قال تعالى عن نفسه: (لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) [فاطر: 30].
ويصل المؤمن إلى الجنة، فيشكر الله الغفور الشكور على هذه النعم، فيقول: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ) [فاطر:34].
اللهم اجعلنا بك مؤمنين، لك عابدين، لك شاكرين، وتب علينا واغفر لنا أجمعين.
اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، واحم حوزة الدين، وأتم علينا نعمك ظاهرة وباطنة.
اللهم احفظ وأصلح وسدد ولي أمرنا وسائر أولياء أمور المسلمين، اللهم اجعل عملهم في رضاك وابتغاء وجهك.
اللهم أبعد عنهم بطانة السوء، وأهلَ المنكرات، واجعل بلادنا وكل بلاد المسلمين آمنة مطمئنة يا رب العالمين.
اللهم أرد بنا وبإخواننا المسلمين في كل مكان خيرًا، واجعل ولاية المسلمين فيمن خافك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم احقن دماءهم، وردهم إلى دينك ردًّا جميلاً، اللهم أرهم الحق حقًّا وارزقهم اتباعه، وأرهم الباطل باطلاً وارزقهم اجتنابه.
اللهم إنا نعوذ بك من الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلادنا خاصة، وبلاد المسلمين عامة، إنك سميع الدعاء، اللهم انصر إخواننا المجاهدين في كل مكان، وارحم ضعفاءهم، اللهم احقن دماء المسلمين في فلسطين وليبيا واليمن والبحرين وسوريا والأردن وسائر بلاد المسلمين.
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد بن عبد الله وآله الأطهار، وارض اللهم عن صحابته الأبرار، ومن اتبع سنته إلى يوم الدين يا عزيز يا غفار.