البحث

عبارات مقترحة:

المؤخر

كلمة (المؤخِّر) في اللغة اسم فاعل من التأخير، وهو نقيض التقديم،...

الوهاب

كلمة (الوهاب) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) مشتق من الفعل...

المتكبر

كلمة (المتكبر) في اللغة اسم فاعل من الفعل (تكبَّرَ يتكبَّرُ) وهو...

علامات اليقظة

العربية

المؤلف عبد العزيز بن عبد الله السويدان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات القرآن الكريم وعلومه - المنجيات
عناصر الخطبة
  1. آيات تبين شيئا من حال الغافلين .
  2. آيات تبرز صورا لليقظة في القلوب المؤمنة .
  3. وقفات مع تلك الصور .

اقتباس

هذه الآيات الخمس جاءت بعدما مر شيء من حال الغافلين، وهذه الآيات الخمس جمعن خمس صفات إيمانية غالية يحبها الله -تعالى-، هذه الصفات تدل على اليقظة، يقظة المؤمن، وهي -على التوالي-: الخشية التي تؤدي إلى التقوى، والإيمان بآيات الله التي هي توحيد الربوبية، وعدم إشراك الله بالعبادة الذي هو توحيد الألوهية، والوجل من حبوط العمل الذي مرده إلى الإخلاص، والمسارعة إلى الخيرات التي هي تسخير الوقت للعمل الصالح.

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِلّ له، ومَن يُضْلِلْ فلا هاديَ له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

في سورة "المؤمنون" يقول -جل وعلا-: (فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ * أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَّا يَشْعُرُونَ) [المؤمنون:54-56]

الغمرة هي المستوى من الماء الذي يغمر فيه قامة الإنسان، وضربت الغمرة مثلا لما هم فيه من جهل وضلال، إنهم مغمورون فيه من ذلك الجهل والضلال، هذه فئة من الناس.

بعد هذه الصورة، صورة الغفلة والغمرة في القلوب الضالة، يبرز القرآن صورة اليقظة والحذر في القلوب المؤمنة، يقول -سبحانه- بعد هذه الآية: (إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) [المؤمنون:57-61].

هذه الآيات الخمس جاءت بعدما مر شيء من حال الغافلين، وهذه الآيات الخمس جمعن خمس صفات إيمانية غالية يحبها الله -تعالى-، هذه الصفات تدل على اليقظة، يقظة المؤمن، وهي -على التوالي-: الخشية التي تؤدي إلى التقوى، والإيمان بآيات الله التي هي توحيد الربوبية، وعدم إشراك الله بالعبادة الذي هو توحيد الألوهية، والوجل من حبوط العمل الذي مرده إلى الإخلاص، والمسارعة إلى الخيرات التي هي تسخير الوقت للعمل الصالح.

صفات جميلة جليلة تزيد وتقل في الإنسان المؤمن بحسب جهده، وبحسب كمال هذه الصفات فيه يكون الارتقاء والقرب من الله، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون!.

أيها الإخوة: الخشية في قوله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ)، هذه الخشية تزداد بزيادة الإيمان وتنخفض بانخفاضه، وتزداد مع العلم بالله -جل وعلا- وتنقص مع قلة العلم به -سبحانه-؛ وقد ربط القرآن بين العلم والخشية في قوله -تعالى-: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) [فاطر:28].

أخرج أحمد في الزهد عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: "ليس العلم بكثرة الرواية، ولكن العلم الخشية". ماذا تُحدث هذه الخشية في النفس؟ تحدث الإشفاق. من خشية ربهم مشفقون.

والإشفاق هو رقة الخوف، خوف برحمة، فالذي تستحكم خشية الله في قلبه تراه مشفقا، أي: خائفا على نفسه من الانتكاس أو الفتور، نسأل الله السلامة والعافية، راحما إياها، ومشفقا على عمله من شوائب الشرك والرياء، ومشفقا على وقته من الضياع، وهكذا هو في جميع شأنه، فهو دائم المتابعة لقلبه ولعمله ولوقته، يستمتع بنور الإيمان، وبطمأنينة في قلبه جعلها الله -عز وجل- راكزة فيه، مع ملاحظته لذلك النور الذي لا تجتاحه الظلمة، هذا هو المشفق.

ولذلك يتذكر أهل الجنة -جعلنا الله وإياكم من أهلها- يتذكرون هذا الإشفاق وهم في الجنة، لما أقبل (بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ * قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ) [الطور:25-27]، يحمدون الله على ذلك الإشفاق الذي أورثهم به الجنة، ويحمدونه على زوال الخوف في الجنة: (فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)، نسأل الله من فضله!.

ثم تأتي الصفة الثانية: (وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ)، أي: يؤمنون بآياته الكونية والشرعية وأنه ربها وخالقها، فهذا هو توحيد الربوبية، فلا يجري شيء في الكون إلا بأمره وعلمه، وأمره -سبحانه- محفوف بكمال العدل والحكمة، قال -تعالى-: (اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) [الرعد:2].

الصفة الثالثة: قوله -تعالى-: (وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ) [المؤمنون:59]، توحيد الألوهية، إنا إذا آمنا بآياته -سبحانه- وآمنا بأنه قد تفرد بالخلق والرعاية والرزق والتوفيق والتمكين والنصر، وآمنا بأنه قد تفرد بملك الدنيا والآخرة؛ فهل من العدل بعد هذا أن نعبد غيره؟ وهل من العدل بعد هذا أن نشرك معه غيره في العبادة فندعو غيره؟ ونستغيث بغيره؟ ونطلب الرزق من غيره؟ ونطلب التوفيق من غيره؟ ونطلب من غيره ما لا يقدر عليه إلا هو -سبحانه-؟ اللهم لا؛ بل هو من الظلم، ولذلك سمي الشرك ظلما عظيما، قال -تعالى-: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان:13].

ولكن الله -تعالى- كمل في حلمه وصبره، ولولا هذا الكمال لهلكنا جميعا، يقول -سبحانه-: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا) [فاطر:45]، وفي حديث أبي موسى في صحيح مسلم يقول -صلى الله عليه وسلم-: "لَا أَحَدَ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى يَسْمَعُهُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ! إِنَّهُ يُشْرَكُ بِهِ وَيُجْعَلُ لَهُ الْوَلَدُ ثُمَّ هُوَ يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ!". إذاً؛ فالشرك بعيد عن صفات اليقظة.

أيها الإخوة: بعد الخشية والتقوى ورعاية توحيد الربوبية والإلوهية تأتي الصفة الرابعة التي هي في قوله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) [المؤمنون:60]، قلوبهم وجلة، والوجل هو مقدمة الخوف، كما في قوله -تعالى-: (وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْراَهِيمَ * إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلامًا قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ) [الحجر:51-52]؛ فدخولهم على إبراهيم وهم غرباء حرك مقدمات الخوف في قلبه، وهكذا الحال في كل من بلغ في الإخلاص مبلغا عاليا، يكون قبل وأثناء وبعد أدائه العبادة في حالة من الترقب لأي خلل يأتي على الصدق والإخلاص فيه.

هذه الحالة أثر من آثار منزلة الإحسان، وهي المنزلة التي يعبد المؤمن فيها ربه كأنه يراه، كما في حديث أبي هريرة في البخاري وعمر بن الخطاب في مسلم -رضي الله عنهما- لما سأل جبريل النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: أخبرني عن الإحسان، قال: "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك".

في سنن الترمذي بإسناد صحيح، تقول أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها وأرضاها- سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن هذه الآية: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) [المؤمنون:60]، قلتُ: هم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال: "لا يا بنت الصديق! ولكنهم يصومون ويصلون ويتصدقون، وهم يخافون ألا يقبل منهم، (أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ)".

استشعار الرجوع إلى الله في قوله: (أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) هو دليل يقظة القلب، فالقلب اليقظ هو الذي يحسب حساب الآخرة فيرى الرجوع إلى الله حاضرا حيا في ضميره، فهو لا ينسى قوله -تعالى-: (وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ)، ولا ينسى قوله -تعالى-: (وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) [البقرة:281].

أما صاحب القلب الغافل المغمور فهو الذي لا يبالي بتبعات عمله وليس في باله الرجوع إلى الله، اللهم إلا بشكل سطحي معرفي، أما حضور ذلك في قلبه فلا!.

الصفة الخامسة والأخيرة في الآيات قوله -تعالى-: (أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) [المؤمنون:61]، طبيعة من توفرت فيهم تلك الصفات العزيزة المبادرة والمسارعة، فوقتهم أثمن من أن يضيع معظمه في لهو ولعب، فلا كسل عن الطاعة في حياتهم، ولا انتظار للخير أن يأتيهم وهو قاعدون، لا، بل هم الذين يبحثون عنه ويتطلعون إليه، فتراهم في طليعة من يسارع إلى الأعمال الصالحة بأنواعها؛ ومن ثم سبقت لهم من الله سابقة السعادة، نسأل الله أن نكون من السعداء.

معاشر الإخوة: لعلنا ونحن نقرأ سورة "المؤمنون" إذا وصلنا لهذه الصفات الإيمانية أن نقف عندها، ونتفكر فيها، وندعو الله أن يحققها في نفوسنا، ونقول: اللهم إنا نسألك من فضلك.

اللهم اغفر لنا وارحمنا...