الباطن
هو اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (الباطنيَّةِ)؛ أي إنه...
العربية
المؤلف | عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المهلكات - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
كم هو قبيحٌ في الرجل أن يتخلى عن رجولته وأن يباين ويجانب ذكوريته؛ فيميل إلى صفاتٍ وهيئاتٍ وأعمالٍ ولباسٍ وزينة لا يتناسب إلا مع المرأة ورقَّتِها وأنوثتِها، وكم هو قبيحٌ بالمرأة أن تكون مترجِّلة، أن تسترجل، أن تذهب في صفاتها وأعمالها ولباسها وهيئتها إلى ما لا يصلح ولا يليق إلا بالرجل؛ وهذه الفَعلة من الرجل أو المرأة تُعدُّ من العظائم ومن كبائر الذنوب، لأن هذا يُعدُّ خللًا عظيمًا ومحادةً لله في شرعه جل في علاه وفي قدَره سبحانه وتعالى...
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمد لله؛ نحمدُه ونستعينُه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا؛ من يهده اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمَّة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فما ترك خيرًا إلا دلَّ الأمة عليه، ولا شرًا إلا حذَّرها منه؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعد أيها المؤمنون: اتقوا الله تعالى ربكم، وراقبوه سبحانه في جميع أعمالكم مراقبة عبدٍ يعلمُ أن ربَّه يسمعُه ويراه.
أيها المؤمنون: تبارك الله أحسن الخالقين؛ خلَق الخلْق بإتقان، وأوجده بإحكام، خلَق الزوجين الذكر والأنثى، وخَلْقهما من آياته العظام الدالَّة على كمال خلْقه وعظيم تدبيره وجميل حكمته جلَّ في علاه.
أيها المؤمنون: لقد جعل الله عز وجل لكلٍّ من الزوجين الذكر والأنثى من المزايا والخصائص والصفات ما يناسب كلًّا منهما؛ ولهذا وجب على كل منهما أن يعيَ خلْقه وتكوينه، وصفاتِه وهيئاته، وما يليق به وما يتناسب مع خلقه وجبلَّته وفطرته، ولا يتطلَّع كلٌّ من الزوجين إلى صفات الآخر وخصائصه ومزاياه، (وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ)[النساء:32]؛ يجب على الرجل أن يعي رجولته وذكوريته وما يتناسب معها من خصائص وصفات وميِّزات، ويجب على المرأة أن تعي ذلك تمامًا في خصائصها وصفاتها وميِّزاتها.
أيها المؤمنون: إن للرجل أعمالًا لا تليق إلا به، وللمرأة أعمالًا لا تليق إلا بها، وللرجل صفات لا تليق إلا به، وللمرأة صفات لا تليق إلا بها، وللرجل لباسٌ لا يليق إلا به، وللمرأة لباسٌ لا يليق إلا بها؛ ميَّز الله بينهما خلْقًا وخُلقا، صفةً وهيئة، وظيفةً وأعمالا، فلكلٍّ من الصفات والمزايا ما يخصه ويليق به.
أيها المؤمنون: وإن من عظيم المحرمات وكبير الموبقات وعظيم الذنوب والخطايا أن يتشبَّه هذا بتلك أو هذه بذاك؛ فإن هذا من كبائر الذنوب وعظائم الآثام. روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: «أن النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَعَنَ المخَنَّثِينَ مِنَ الرِّجَالِ، وَالمُتَرَجِّلاَتِ مِنَ النِّسَاءِ»، وفي رواية له: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ».
وروى ابن ماجه في سننه عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: «أَنَّ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَعَنَ الْمَرْأَةَ تَتَشَبَّهُ بِالرِّجَالِ، وَالرَّجُلَ يَتَشَبَّهُ بِالنِّسَاءِ».
وروى أبو داود في سننه عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: «أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَعَنَ الرَّجُلَ يَلْبَسُ لِبْسَةَ الْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةَ تَلْبَسُ لِبْسَةَ الرَّجُلِ».
والأحاديث في هذا المعنى عن نبينا -صلى الله عليه وسلم- كثيرة.
أيها المؤمنون: كم هو قبيحٌ في الرجل أن يتخلى عن رجولته وأن يباين ويجانب ذكوريته؛ فيميل إلى صفاتٍ وهيئاتٍ وأعمالٍ ولباسٍ وزينة لا يتناسب إلا مع المرأة ورقَّتِها وأنوثتِها، وكم هو قبيحٌ بالمرأة أن تكون مترجِّلة، أن تسترجل، أن تذهب في صفاتها وأعمالها ولباسها وهيئتها إلى ما لا يصلح ولا يليق إلا بالرجل؛ وهذه الفَعلة من الرجل أو المرأة تُعدُّ من العظائم ومن كبائر الذنوب، لأن هذا يُعدُّ خللًا عظيمًا ومحادةً لله في شرعه جل في علاه وفي قدَره سبحانه وتعالى.
يجب على الرجل أن يحافظ على الصفات التي تليق بمقامه ومكانته ورجولته وذكوريته، ويجب على المرأة أن تحافظ على الصفات التي تتناسب مع أنوثتها، لا يخرج هذا عن جبلَّته، ولا هذه عن جبلَّتها فيكون الخلل العظيم الذي يترتب عليه من الفساد العريض والشر المستطير ما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى.
أيها المؤمنون: إن كثيرًا من الفساد والانحلال في الأخلاق والقيم والمبادئ يرجع إلى خللٍ في الإنسان من حيث ما يتناسب مع جبلَّته وفطرته، وكم يقع في كثير من المجتمعات من فسادٍ عريض بسبب ما يحدث في الفطَر والجبلَّة من تغيير، وهذا مبتغى الشيطان وغايته من الإنسان؛ أن يحرِفه عن فطرته، وأن يبعِده عن جبلَّته، وأن يجعله شاذًّا منحرفا بعيدًا غاية البعد عمَّا خُلق له؛ ولهذا -عباد الله- من وفَّقه الله عز وجل للإيمان والرضا والاستقامة ومجاهدة النفس على طاعة الرب والبُعد عن سفساف الأخلاق ورديء الأعمال فاز في حياته هذه فوزًا عظيما ذكَرًا كان أو أنثى، (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل:97].
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله كثيرًا، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المؤمنون عباد الله: (اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].
أيها المؤمنون: إن في الصفات والأخلاق صفاتٍ عظيمة وأخلاقٍ جليلةٍ كريمة، وفي الصفات والأخلاق صفاتٍ ذميمة وأخلاقٍ مشينة، والمؤمن التقي ميَّزه الله تبارك وتعالى بكريم الأخلاق وجميل الصفات، وحظُّه منها بحسب حظِّه من الإيمان قوةً وضعفا، وليستعِذ عبدُ الله المؤمن من سيء الأخلاق ورديئها وشنيع الصفات وذميمها، وليسأل ربه التوفيق لصالحها وكريمها، وفي الدعاء المأثور: «اللهم اهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ، لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا، لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ».
وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56].
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد. وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين؛ أبى بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنَّة نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم. اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم كن لهم ناصرًا ومعينا، وحافظًا ومؤيدا. اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين. اللهم وفِّق ولي أمرنا لهداك وأعِنه على طاعتك يا حي يا قيوم، وسدِّده في أقواله وأعماله.
اللهم آتِ نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها. اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى. اللهم اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهم وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. ربنا إنَّا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننَّ من الخاسرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
سبحان ربك ربِّ العزَّة عمَّا يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.