العربية
المؤلف | عبيد بن عساف الطوياوي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المهلكات - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
الشماتة صفة مذمومة، وعادة سيئة، حرمها الإسلام، وهي الفرح ببلية الغير، والسرور بما يصيب المسلم، من مصائب الدين والدنيا. إذا جاء في قلبك سرور أو فرح بما أصيب به أخيك، وصرت تتحدث بمصابه في مجالسك، ليعلم من كان لا يعلم، ولتخرج شيئا مما في نفسك، فهذه هي الشماتة، هذه هي تلك الصفة المذمومة، والعادة السيئة. اسأل نفسك وأن تتحدث عن عيوب ومصائب المسلمين، هل هناك مصلحة من حديثك، أم أنك فقط تتحدث لتشفي غيظ نفسك، وحقد قلبك !
الخطبة الأولى:
الحمد لله غافر الزلات، ومقيل العثرات، أهل الكرم والسماح، الغني الذي من فضله العطايا ترتقب، والمصائب في جنب أجره تحتسب، العليم الفتاح. أحمده حمدا يليق بكريم وجهه، وبعظيم سلطانه، فالق الإصباح، وخالق الأرواح.
وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، أرسله بالهدى والصلاح، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد عباد الله: اتقوا الله -عز وجل- بفعل أوامره، والبعد عن ما نهاكم عنه، فقد قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، فاتقوا الله - يا عباد الله – (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً) و(يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) و(يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً) [الطلاق: 2- 4]، جعلني الله وإياكم من عباده المتقين.
أيها الإخوة المؤمنون: الشماتة صفة مذمومة، وعادة سيئة، حرمها الإسلام، وهي الفرح ببلية الغير، والسرور بما يصيب المسلم، من مصائب الدين والدنيا.
إذا جاء في قلبك - أخي المسلم - سرور أو فرح بما أصيب به أخيك، وصرت تتحدث بمصابه في مجالسك، ليعلم من كان لا يعلم، ولتخرج شيئا مما في نفسك، فهذه هي الشماتة، هذه هي تلك الصفة المذمومة، والعادة السيئة.
اسأل نفسك - يا عبد الله - وأن تتحدث عن عيوب ومصائب المسلمين، هل هناك مصلحة من حديثك، أم أنك فقط تتحدث لتشفي غيظ نفسك، وحقد قلبك !
إذا ما الدهر جر على أناس | كلاكله أناخ بآخرين |
فقل للشامتين بنا أفيقوا | سيلقى الشامتون كما لقينا |
الشماتة ليست من صفات أهل الإيمان، إنما هي صفة من أبرز صفات المنافقين، الذين يكنون العداوة والبغضاء لعباد الله المؤمنين، كما أخبر عنهم الخبير بأحوالهم، العليم بما تكنه صدورهم: (إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا) [آل عمران: 120]، فكلامك في مجالسك العامة والخاصة، عن سيئة أصابت أخيك المسلم، من غير فائدة شرعية، فيه دليل على فرحك فاحذر - يا عبد الله - أحذر ففي الحديث الذي رواه الترمذي وحسنه، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك ".
أيها الإخوة: إن هذه الصفة الذميمة، ما وقعت في مجتمع إلا ومزقته، وما وجدت في أناس إلا نشرت بينهم العداوة والبغضاء، ولذلك هارون -عليه السلام- لما رجع موسى إلى قومه، ووجدهم قد اتخذوا عجلاً يعبدونه من دون الله، وأخذ برأس أخيه يجره إليه، قال هارون لموسى: (ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [الأعراف: 150]، والنبي -صلى الله عليه وسلم-، كان يتعوذ من هذه الصفة القبيحة لخطورتها، وسوء نتائجها، ففي الحديث الذي رواه البخاري، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتعوذ من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء".
بل - أيها الإخوة - كان النبي -صلى الله عليه وسلم- ينهى أصحابه عن الشماتة، ويحذرهم مغبتها، ويوضح لهم خطورتها، ففي الحديث الذي رواه الدارمي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه -صلى الله عليه وسلم- سأل عن أحد أصحابه فقال: "أين فلان؟" فغمزه رجل منهم فقال: إنه وإنه، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أليس قد شهد بدرا؟" قالوا: بلى. قال -صلى الله عليه وسلم-: "فلعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم".
يعني أحذر، لا تعدد عيوب أخيك، لا تغمزه بعيوبه، لا تذكر مثالبه، فإن له حسنات، وله أعمال تقربه إلى الله -عز وجل-، وما عبت على أخيك، قد وقعت بما هو أكبر وأعظم منه، يكفي إنك اغتبته، ذكرته بما يكره، وارتكبت كبيرة حرمها الله -عز وجل- ونهى عنها في كتابه: (وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ) [الحجرات: 12].
وفي الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أتدرون ما الغيبة؟" قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "ذكرك أخاك بما يكره" قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته".
فلتحذر - أخي المسلم - هذه الكبيرة، هذه الرذيلة، التي تجمع عددا من الكبائر والرذائل، وتتضمن الكثير من المخالفات والجرائم، يكفي - أخي - أن الذي يشمت بإخوانه المسلمين، ويفرح بمصائبهم، لا يحبه الله -عز وجل-، بل يسخط عليه، ويبغضه -عز وجل-، ويكفي أن فيها الدليل الواضح على انتزاع الرحمة من قلبه، والعلامة الفارقة التي تدل على سوء خلقه، بل يخشى عليه - وهذا أمر وارد - أن يقع بما وقع فيه أخوه الذي يشمت به، ويعيره بذنوبه ومعاصيه.
ففي الحديث الذي حسنه الترمذي، عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من عير أخاه بذنب، لم يمت حتى يعمله" فاتقوا الله عباد الله، وأحبوا لإخوانكم ما تحبون لأنفسكم، واسألوا الله السلامة والعافية.
فكلنا خطاء وخير الخطائين التوابون، فلعل أخيكم، الذي تأكلون لحمه في مجالسكم، وقع بذلك الخطأ غفلة منه، أو جهلاً، أو سيطرة عليه شهواته، أو أغواه جليس سوء، مثل أولئك الذين تأكلون لحمه بينهم ولا ينكرون عليكم، ومن يدري لعله تاب وندم وأقلع وقبل الله توبته، إن كنتم صادقين حريصين على ما يرضي الله، ولا تقبلون مخالفة أمره، ادعوا له بالهداية، ناصحوه بينكم وبينه، استروه، ففي الحديث الصحيح: "ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة"، وفي الحديث الحسن يقول -صلى الله عليه وسلم-: "من رأى عورة فسترها كان كمن استحيا موءودة من قبرها".
أسأل الله أن يهدي ضالَّ المسلمين؛ إنه سميع مجيب أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.
أيها المسلمون: يوم الأحد القادم يوافق الرابع عشر من شهر فبراير، وفي هذا اليوم من كل سنة ميلادية، يحتفل عباد الصليب ومن تأثر بهم، فيما يسمونه بعيد الحب، يجعلون هذا اليوم عيدا لهم، يظهرون فيه أفراحهم، يلبسون فيه اللون الأحمر ويتبادلون فيه الورود الحمراء، ويوزعون فيه بطاقات التهاني، وبعض الصور الخاصة في هذه المناسبة، ويقيمون فيه السهرات والحفلات المختلطة، ويسمونه بيوم الحب أو الفالنتاين داي، وقد يتأثر بهذا العيد، وتلك الاحتفالات، بعض المسلمين، وخاصة من يصدق عليهم قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-، قال: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لتتبعن سنن الذين من قبلكم، شبرًا بشبر وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم"، يقول الراوي: قلنا يا رسول الله: اليهود والنصارى؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: "فمن"، يعني نعم اليهود والنصارى.
فبعض المسلمين - أيها الإخوة - وخاصة مع وجود هذه القنوات التي ينقل بعضها فساد العالم، والبدع والمنكرات، قد يضن أن ما يقومون به فعلاً مشروعًا، وعملاً مقبولاً، فيشاركهم في هذا العيد فيكون وبالاً عليه وعلى عقيدته وأعماله الصالحة.
سئلت -أيها الإخوة- اللجنة الدائمة للإفتاء عن هذا العيد، وكان السؤال كالتالي:
يحتفل بعض الناس في اليوم الرابع عشر من شهر فبراير من كل سنة ميلادية بيوم الحب "فالنتاين داي"، ويتهادون الورود الحمراء ويلبسون اللون الأحمر ويهنئون بعضهم، وتقوم بعض محلات الحلويات بصنع حلويات باللون الأحمر، ويرسم عليها قلوب، وتعمل بعض المحلات إعلانات على بضائعها التي تخص هذا اليوم، فما رأيكم؟
فأجابت اللجنة: يحرم على المسلم الإعانة على هذا العيد أو غيره من الأعياد المحرمة بأي شيء من أكل أو شرب أو بيع أو شراء أو صناعة أو هدية أو مراسلة أو إعلان أو غير ذلك، لأن ذلك كله من التعاون على الإثم والعدوان ومعصية الله ورسوله، والله جل وعلا يقول: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [المائدة: 2].
ويجب على المسلم الاعتصام بالكتاب والسنة في جميع أحواله، لا سيما أوقات الفتن وكثرة الفساد، وعليه أن يكون فطنا حذرا من الوقوع في ضلالات المغضوب عليهم والضالين والفاسقين الذين لا يرجون لله وقارا ولا يرفعون بالإسلام رأسا، وعلى المسلم أن يلجأ إلى الله تعالى بطلب هدايته والثبات عليها، فإنه لا هادي إلا الله، ولا مثبت إلا هو سبحانه، وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
أيها الإخوة: فلنتق الله -عز وجل- ولنحذر هذا العيد المحرم، ولنخالف اليهود والنصارى ففي الحديث يقول -صلى الله عليه وسلم-: "من تشبه بقوم فهو منهم".
ألا وصلوا على البشير النذير والسراج المنير فقد أمركم بذلك اللطيف الخبير فقال جل من قائل عليمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب: 56]، فاللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا محمد، صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، وارض اللهم عن صحابته الغرر، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن بقية الصحابة أجمعين، وعن التابعين وتابعي التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم إنا نسألك نصر الإسلام وعز المسلمين، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، واحمي حوزة الدين واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في أوطاننا، واستعمل علينا خيارنا، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم إنا نسألك وأنت في عليائك، وأنت الغني ونحن الفقراء إليك، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، غيثا مغيثا، هنيئا مريئا، سحا غدقا، نافعا غير ضار، عاجلا غير آجل، اللهم اسق بلادك وعبادك وبهائمك، اللهم انشر رحمتك على بلدك الميت.
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على وافر نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر و الله يعلم ما تصنعون.