الله
أسماء الله الحسنى وصفاته أصل الإيمان، وهي نوع من أنواع التوحيد...
العربية
المؤلف | عبد الملك بن محمد القاسم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | كتاب الجهاد - فقه النوازل |
الجهاد حصن الإِسلام وسياجه، وقوام الدين وعماده، ومعقل الدولة الأشب، وركن الأمة الركين، فيه حماية الذمار وصيانة الديار، وخضد شوكة العدو، وفلَّ حدهم، وإرهابهم وإذهاب ريحهم، وكبح جماح مطامعهم. وفيه قوة الإِسلام وعزته، ورهبة جانبه، وأمنه وطمأنينته، وشجو حساده، وغيظ عدوه، واتساع رقعة بلاده، وبسطة نفوذه، وقوة سلطانه ونفاذ كلمته ..
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102] (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1] (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70 - 71]
أما بعد:
فاتقوا الله -عباد الله-: فقد تخرمت الأعمار، ومضت الأيام، وأمامكم يوم مهول تشيب فيه الولدان، وتذهل كل مرضعة عما أرضعت، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد.
عباد الله: الجهاد حصن الإِسلام وسياجه، وقوام الدين وعماده، ومعقل الدولة الأشب، وركن الأمة الركين، فيه حماية الذمار وصيانة الديار، وخضد شوكة العدو، وفلَّ حدهم، وإرهابهم وإذهاب ريحهم، وكبح جماح مطامعهم.
وفيه قوة الإِسلام وعزته، ورهبة جانبه، وأمنه وطمأنينته، وشجو حساده، وغيظ عدوه، واتساع رقعة بلاده، وبسطة نفوذه، وقوة سلطانه ونفاذ كلمته، ما تركه قوم إلا ذلوا وذهبت ريحهم، وسيموا الخسف، وديثوا بالذلة والصغار وطمع فيهم عدوهم، وأمسوا على جناح خوف، وبمدرجة حتف، وباتوا غرباء في أوطانهم، لقمة كل جائع ونهبة كل طامع، يجوعون ليشبع أعداؤهم، ويعرون ليكتسي غاصبوهم، ويشقون ليسعد الطامعون فيهم.
ولنشر الدِّين ورفع رايته والدعوة إلى الله -عز وجل-، ورد كيد الكفار والمتربصين، قال الله تعالى: (انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) [التوبة: 41]، وقال تعالى: (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة: 111]
قال ابن كثير -رحمه الله-: "يخبر الله -تعالى- أنه عاوض عباده المؤمنين عن أنفسهم وأموالهم إذا بذلوها في سبيله بالجنة، وهذا من فضله وكرمه وإحسانه، فإنه قبل العوض عما يملكه بما يتفضل به على عباده المطيعين له؛ ولهذا قال الحسن البصري وقتادة: "بايعهم والله فأغلى ثمنهم".
وقال محمد بن كعب القرظي وغيره: "قال عبد الله بن رواحة -رضي الله عنه- لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعني ليلة العقبة: "اشترط لربك ولنفسك ما شئت! فقال: "أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم" قالوا: فما لنا إذا فعلن ذلك؟ قال: "الجنة" قالوا: ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل، فنزلت: (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم)".
وقال تعالى: (يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ) أي: سواء قَتَلوا أو قُتِلوا، أو اجتمع لهم هذا وهذا؛ فقد وجبت لهم الجنة، ولهذا جاء في الصحيحين: "وتكفل الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي وتصديق برسلي، إن توفاه أن يدخله الجنة، أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه، نائلاً ما نال من أجر أو غنيمة".
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) [الصف: 10-13].
في الحديث الذي رواه الإِمام مسلم أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف"، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "ما اغبرت قدما عبد في سبيل الله فتمسه النار" رواه البخاري.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله لا يفتر من صيام ولا صلاة حتى يرجع المجاهد في سبيل الله" متفق عليه.
وقال -صلى الله عليه وسلم- حاثًا على الجهاد، وما أعده الله للمجاهدين: "لغدوة في سبيل الله، أو روحة، خير من الدنيا وما فيها" متفق عليه.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سُئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أي الأعمال أفضل؟ قال: "إيمان بالله ورسوله" قيل: ثم ماذا؟ قال: "الجهاد في سبيل الله" قيل: ثم ماذا؟ قال: "حج مبرور" متفق عليه.
عباد الله: جعل الإسلام للجهاد ضوابط وقواعد سواءً في العهود والمواثيق أو غيرها.
قال سبحانه وتعالى: (وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا) [النحل: 91]
أمر الله -سبحانه- عباده بالوفاء بالعهود والمواثيق، ومن ذلك العهود المبرمة بين المسلمين والكفار، فنقضها ترك لتعظيم الله، وتهوين لشأن الدين، وتزهيد للكفار به، وذلك من المحرمات المنقصة لتوحيد العبد.
وقد وجه -صلى الله عليه وسلم- بتوجيهات عظيمة، ووصايا رفيعة لهذه الشعيرة العظيمة؛ منها: ما رواه بريدة -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أمر أميرًا على جيش أو سرية؛ أوصاه بتقوى الله -تعالى- وبمن معه من المسلمين خيرًا! فقال: "اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر لله، اغزوا، ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدًا، وإذا لقيت عدوك من المشركين، فادعهم إلى ثلاث خلال أو خصال، فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم، وكف عنهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك؛ فاقبل منهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين، وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا منها، فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين، يجري عليهم حكم المسلمين، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا فاسألهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبوا، فاستعن بالله وقاتلهم؛ وإذا حاصرت أهل حصن، فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه، فلا تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه، ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك، فإنكم أن تخفروا ذممكم وذمة أصحابكم، أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة نبيه، وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله، فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا" رواه مسلم.
أوصى الرسول -صلى الله عليه وسلم- قائد الجيش بوصايا عظيمة:
الأولى: تقوى الله -عز وجل- والإِحسان إلى من معه والرفق بهم.
الثاني: الاستعانة بالله عند بدء القتال.
الثالث: قتال الكفار لتكون كلمة الله هي العليا، لا لطلب المال، أو الجاه.
الرابع: عدم الغلول والغدر والتمثيل وقتل من لا يستحق ذلك: كالصبيان، النساء، والمرضى، وكبار السن، وما لم يحصل منهم قتال، أو تدبير، وهذه الوصية النبوية العظيمة جمعت ما يسمى اليوم: "بحقوق الإِنسان" التي يتبجح بها الغرب الكافر ولا يطبقها.
الخامس: أن يدعو الكفار إلى ثلاث خصال: أن يدعوهم إلى الإِسلام، فإذا قبلوا فلهم الهجرة إلى المدينة، ويكون لهم ما للمهاجرين من الغنيمة والفيء، وعليهم ما على المهاجرين من الجهاد والنصرة، وإن بقوا في بلادهم مع ترك الجهاد فليس لهم من الغنيمة والفيء شيء، فإن أبوا الإِسلام، دفعوا الجزية، فإن أبوا الإِسلام والجزية يُقاتلوا؛ ليكون الدين كله لله.
وحذر -صلى الله عليه وسلم- قائد الجيش عندما يحاصر الكفار في حصونهم،
فيطلب الكفار منه أن يجعلوا لهم عهد الله وعهد نبيه -صلى الله عليه وسلم- ألا يجعل لهم ذلك؛ خشية نقضه ممن لم يعرف حق الوفاء بالعهد كبعض الأعراب، ولكن يجعـل لهم عهده، وعهد أصحابه؛ لأن نقض عهد الخلق؛ أهون من نقض عهد الله وعهد نبيه -صلى الله عليه وسلم-.
وإذا طلب الكفار من المسلمين النزول على حكم الله، فإن على المفاوض المسلم -إذا كانت المسألة اجتهادية- أن ينزلهم على حكمه، فيحكم فيهم بما يرى أنه الأصلح للمسلمين؛ والسبب أنه لا يعلم هل أصاب فيهم حُكم الله أم لا؟!
إن الواجب على أهل الإِسلام الوفاء بالعهود والمواثيق، والحذر من نقضها والتهاون بها؛ لأن ذلك من المحرمات المنقصة لتوحيد العبد.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [التوبة: 33]
بارك الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، فرض لنا الشرائع، وأنزل علينا الكتاب المبين، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ نبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله -عباد الله-: وأعدوا العدة كما أمركم ربكم: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ) [الأنفال: 60]
أيها الناس: قال ابن تيمية -رحمه الله-: "والجهاد -باتفاق العلماء- أفضل من الحج والعمرة، ومن صلاة التطوع، وصوم التطوع، ونفع الجهاد لفاعله ولغيره في الدين والدنيا، وهو مشتمل على جميع العبادات الظاهرة والباطنة: محبة الله، والإِخلاص له، والتوكل عليه، وتسليم النفس والمال له، والصبر والزهد، وذكر الله".
وسُئل أيضًا عن رجل قدم يريد الغزو ولم يحج، فنزل على قوم ثبطوه عن الغزو، وقالوا: إنك لم تحج تريد الغزو؟ قال أبو عبد الله -أي الإِمام أحمد-: "يغزو ولا عليه، فإن أعانه الله حج، ولا نرى بالغزو قبل الحج بأسًا".
قال أبو العباس: "هذا مع أن الحج واجب على الفور عنده، لكن تأخيره لمصلحة الجهاد؛ كتأخير الزكاة الواجبة على الفور لانتظار قوم أصلح من غيرهم، أو لضرر أهل الزكاة".
قال -صلى الله عليه وسلم-: "من طلب الشهادة صادقًا أعطيها ولو لم تُصبه" رواه مسلم. قال الحسن: "إن لكل طريق مختصرًا، ومختصر طريق الجنة الجهاد"، وقال شيخ الإسلام: "ومن كان كثير الذنوب، فأعظم دوائه الجهاد في سبيل الله".
ولهذا كان السلف يتسابقون إلى ساحات الوغى، ومواطن الجهاد، وأطراف الثغور، رغبة فيما عند الله -عز وجل- رغم ما يصيبهم.
قال معاوية بن قرة: "أدركت ثلاثين رجلاً من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، ما منهم إلا من طَعَنَ أو طُعِنَ، أو ضَرَب أو ضُرِبَ مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".
هذا، وصلوا وسلموا.