الكبير
كلمة (كبير) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، وهي من الكِبَر الذي...
(الحمد): هو الثناء؛ تقول: حَمِدتُّه على شجاعتِه وإحسانه حمدًا: إذا أثنَيْتَ عليه، وهو نقيض الذم؛ قال ابن فارس: «الحاء والميم والدال: كلمةٌ واحدة، وأصل واحد، يدل على خلافِ الذمِّ. يقال: حَمِدتُّ فلانًا أحمَدُه. ورجلٌ محمود ومُحمَّد: إذا كثُرتْ خصالُه المحمودةُ غير المذمومة... ويقول العربُ: حُمَاداك أن تفعلَ كذا؛ أي: غايتُك وفعلُك المحمود منك غيرُ المذموم. ويقال: أحمَدتُّ فلانًا: إذا وجَدتَّه محمودًا؛ كما يقال: أبخَلْتُه: إذا وجَدتَّه بخيلًا، وأعجَزتُه: إذا وجَدتَّه عاجزًا؛ وهذا قياسٌ مطَّرد في سائر الصفات». انظر: "مقاييس اللغة" (2 /100)، "المصباح المنير" (1 /149).
ويقول الزَّبيدي: «(الحمد): الرِّضا، والجزاء، وقضاء الحق، وقد (حَمِدَه كسَمِعَه): شكَره وجزاه وقضى حقَّه، (حَمْدًا) بفتح فسكون، (ومَحمِدًا) بكسر الميم الثانية، (ومَحمَدًا) بفتحها... و(الحميد) من صفاتِ الله تعالى بمعنى: المحمودِ على كلِّ حال، وهو من الأسماء الحسنى». "تاج العروس" (8 /38-39).
هو اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على أن اللهَ تعالى محمودٌ في ذاتِه وأسمائه وصفاته، وشرعِه وقَدَرِه. انظر: "تفسير الطبري" (5 /570)، وأنه الذي يُحمَد في السَّراء والضَّراء، وفي الشِّدة والرخاء؛ لأنه (حكيمٌ)، لا يَجري في أفعاله الغَلَطُ، ولا يعترضه الخطأ؛ فهو محمودٌ على كلِّ حال. انظر: "شأن الدعاء" للخطابي (ص78).
وقد يكون (الحمد) صادرًا من اللهِ لذاته؛ أي أن يَحمَدَ نفسه، ويُثنِيَ على ذاته بكلامه؛ لاستحقاقِه ذلك؛ إذ هو أهلُ الثناء والحمد الخالص؛ لتقدُّسِ ذاتِه وصفاته وأفعاله من النقائص، وعلى هذا يكون اسمُ (الحميد) بمعنى (الحامد). انظر: "الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى" للقرطبي (1 /188).
ما دلَّت عليه اللغةُ يتفق مع ما اصطُلِح عليه في معنى اسم الله (الحميد) ولا يختلف؛ إذ جاءا كلاهما بمعنى خلافِ الذمِّ، وذكرِ الخصال المحمودة، إلا أن المعنى الاصطلاحيَّ يختصُّ بالله سبحانه؛ فهو الأحقُّ بـ(الحمد)؛ لجلالِه وكماله.
ورد اسمُ الله (الحميدُ) في كتاب الله في (17) موضعًا؛ جاء في (16) موضعًا منها مقترِنًا بأسماءٍ أخرى من أسمائه الحسنى؛ منها:
* قوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّآ أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ اْلْأَرْضِۖ وَلَا تَيَمَّمُواْ اْلْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِـَٔاخِذِيهِ إِلَّآ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِۚ وَاْعْلَمُوٓاْ أَنَّ اْللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ [البقرة: 267].
* وقوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا اْلنَّاسُ أَنتُمُ اْلْفُقَرَآءُ إِلَى اْللَّهِۖ وَاْللَّهُ هُوَ اْلْغَنِيُّ اْلْحَمِيدُ﴾ [فاطر: 15].
* وقوله تعالى: ﴿قَالُوٓاْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اْللَّهِۖ رَحْمَتُ اْللَّهِ وَبَرَكَٰتُهُۥ عَلَيْكُمْ أَهْلَ اْلْبَيْتِۚ إِنَّهُۥ حَمِيدٞ مَّجِيدٞ﴾ [هود: 73].
* وقوله تعالى: ﴿وَهُوَ اْلَّذِي يُنَزِّلُ اْلْغَيْثَ مِنۢ بَعْدِ مَا قَنَطُواْ وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُۥۚ وَهُوَ اْلْوَلِيُّ اْلْحَمِيدُ﴾ [الشورى: 28].
* وقوله تعالى: ﴿وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلَّآ أَن يُؤْمِنُواْ بِاْللَّهِ اْلْعَزِيزِ اْلْحَمِيدِ﴾ [البروج: 8].
وجاء في موضعٍ واحد مُفرَدًا؛ وهو قوله تعالى: ﴿وَهُدُوٓاْ إِلَى اْلطَّيِّبِ مِنَ اْلْقَوْلِ وَهُدُوٓاْ إِلَىٰ صِرَٰطِ اْلْحَمِيدِ﴾ [الحج: 24].
* ورد اسمُ الله (الحميدُ) في حديثٍ واحد عن النبيِّ ﷺ:
- عن عبدِ الرحمنِ بن أبي ليلى، قال: «لَقِيَني كعبُ بنُ عُجْرةَ، فقال: ألَا أُهدِي لك هديَّةً سَمِعْتُها مِن النبيِّ ﷺ؟ فقلتُ: بلى، فأَهْدِها لي، فقال: سأَلْنا رسولَ اللهِ ﷺ فقُلْنا: يا رسولَ اللهِ، كيف الصلاةُ عليكم أهلَ البيتِ؛ فإنَّ اللهَ قد علَّمَنا كيف نُسلِّمُ عليكم؟ قال: «قولوا: اللهمَّ صلِّ على مُحمَّدٍ وعلى آلِ مُحمَّدٍ؛ كما صلَّيْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ؛ إنك حميدٌ مَجيدٌ، اللهم بارِكْ على مُحمَّدٍ وعلى آلِ مُحمَّدٍ؛ كما بارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ؛ إنك حميدٌ مَجيدٌ». أخرجه البخاري (3370)، ومسلم (406).
* وجاء فضلُ حمدِ الله تعالى في كثيرٍ من النصوص؛ من ذلك:
- عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه، أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال: «مَن قال: لا إلهَ إلا اللهُ، وَحْدَه لا شريكَ له، له المُلْكُ وله الحمدُ، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ، في يومٍ مائةَ مرَّةٍ: كانت له عَدْلَ عَشْرِ رقابٍ، وكُتِبتْ له مائةُ حسنةٍ، ومُحِيتْ عنه مائةُ سيِّئةٍ، وكانت له حِرْزًا مِن الشيطانِ يومَه ذلك حتى يُمسِيَ، ولم يأتِ أحدٌ بأفضَلَ ممَّا جاءَ به، إلا أحدٌ عَمِلَ أكثَرَ مِن ذلك». أخرجه البخاري (3293).
- عن أبي مالكٍ الأشعَريِّ رضي الله عنه، قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: «الطُّهورُ شَطْرُ الإيمانِ، والحمدُ للهِ تملأُ الميزانَ، وسُبْحانَ اللهِ والحمدُ للهِ تَملأانِ أو تملأُ ما بين السمواتِ والأرضِ، والصلاةُ نورٌ، والصدقةُ برهانٌ، والصبرُ ضياءٌ، والقرآنُ حُجَّةٌ لك أو عليك، كلُّ الناسِ يغدو؛ فبايِعٌ نفسَه فمُعتِقُها، أو مُوبِقُها». أخرجه مسلم (223).
- عن جابرِ بن عبدِ اللهِ رضي الله عنهما، قال: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ ﷺ يقولُ: «أفضَلُ الذِّكْرِ: لا إلهَ إلا اللهُ، وأفضَلُ الدُّعاءِ: الحمدُ للهِ». أخرجه الترمذي (3383).
* والأحاديث الواردة في حمدِ الله والثناء عليه كثيرةٌ مشهورة.
اسمُ الله (الحميدُ) ثابتٌ بالإجماع؛ قال القُرْطُبي: «وأجمَعتْ عليه الأمَّةُ». "الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى" (1 /187).
اسمُ (الحميد) يدلُّ على استحقاقِ الله للثناءِ على ذاتِه وصفاته وأفعاله، ولما كانت جميعُها كاملةً كمالًا لا يشُوبُه نقصٌ بوجه من الوجوه، كان الحمدُ كاملًا لله؛ فيكون استحقاقُ اللهِ للحمدِ أكثَرَ وأعظم من استحقاقِ غيره له؛ فيثبُتُ اسمُ (الحميد) لله تعالى.
الإيمانُ باسم الله (الحميد) يُثمِر في قلب العبد آثارًا عظيمة؛ منها:
* تعظيمُ العبد للهِ عز وجل؛ فعلمُه أن اللهَ هو المستحِقُّ للحمدِ كلِّه على سبيل الشمول يُورِثه تعظيمَ الله؛ كما يقول أهلُ اللغة في قوله تعالى: ﴿اْلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ اْلْعَٰلَمِينَ﴾ [الفاتحة: 2]: إن اللامَ في (الحمد) للاستغراق؛ أي: هو الذي له جميعُ المحامد، وليس ذلك لأحدٍ سِواه، ولا يُحصي العبدُ الثناءَ على ربِّه؛ بل هو كما أثنى على نفسِه. ومما يُورِث هذا التعظيمَ أيضًا: أن يَعلَم العبدُ أن اللهَ مستغنٍ عن حمدِ عباده له؛ فهو مستحِقٌّ للحمد؛ سواءٌ وُجِد مَن يَحمَد أو لم يوجد، يقول ابنُ القيِّم: «(الحميد) هو الذي له مِن صفاتِ وأسباب الحمد ما يقتضي أن يكونَ محمودًا وإن لم يَحمَدْهُ غيرُه؛ فهو حميدٌ في نفسه، والمحمودُ مَن تعلَّق به حمدُ الحامدين، وهكذا المَجيد والمُمجَّد، والكبير والمُكبَّر، والعظيم والمُعظَّم». "جلاء الأفهام" (ص316).
* محبةُ الله عز وجل محبةً لا يشارِكُه فيها أحدٌ من الخَلق؛ ويَلزم من هذه المحبةِ: الإخلاصُ لله تعالى، وصدقُ التوجُّه إليه، والاعتماد عليه، والقيام بأوامره، واجتناب نواهيه.
وإذا اجتمَع في قلبِ العبد تعظيمُ الله عز وجل ومحبتُه: أدى ذلك إلى الإكثار من ذكرِه وشكره؛ فالمحبُّ دائمُ الذِّكر لمحبوبه.
فعلى المؤمنِ باسم الله (الحميد) أن يُكثِرَ ذِكْرَ اللهِ تعالى آناء الليل وأطراف النهار، خاصةً بالأذكار التي تتضمن حَمْدَه سبحانه والثناءَ عليه.
اسمُ الله (الحميدُ) ظاهرٌ أشدَّ الظهور في الكونِ والحياة؛ لأن جميعَ الموجودات تُسبِّح بحمد الله، وتُثنِي عليه، إلا مَن كفَر بالله من أهل التكليف من الثَّقَلَينِ (الجِنِّ والإنس)؛ يقول جل وعلا: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ اْلسَّمَٰوَٰتُ اْلسَّبْعُ وَاْلْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّۚ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِۦ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْۚ﴾ [الإسراء: 44]، قال ابنُ كثيرٍ في تفسيرِ الآية: «وقوله: ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِۦ﴾؛ أي: وما مِن شيءٍ من المخلوقات إلا يُسبِّح بحمدِ الله، ﴿وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْۚ﴾؛ أي: لا تَفقَهون تسبيحَهم أيها الناسُ؛ لأنها بخلاف لُغَتِكم.
وهذا عامٌّ في الحيواناتِ والنبات والجماد، وهذا أشهَرُ القولين؛ كما ثبَت في "صحيح البخاري" عن ابن مسعودٍ: أنه قال: «كنَّا نَسمَعُ تسبيحَ الطعامِ وهو يؤكَلُ»، وفي حديث أبي ذَرٍّ: أن النبيَّ ﷺ أخَذَ في يدِه حصَيَاتٍ، فسُمِعَ لهنَّ تسبيحٌ كحنينِ النحل، وكذا يدُ أبي بكرٍ وعُمَرَ وعثمانَ رضي الله عنهم أجمعين، وهو حديثٌ مشهور في المسانيد». "تفسير ابن كثير" (5 /79).
«(الحميد) هو المستحِقُّ لأن يُحمَدَ؛ لأنه جل ثناؤه بدَأ فأوجَد، ثم جمَع بين النِّعْمتَينِ الجليلتَينِ: الحياةِ والعقلِ، ووالى بين مِنَحِه، وتابَع آلاءَه ومِنَنَه حتى فاتت العَدَّ، وإن استُفرِغَ فيها الجَهد؛ فمَن ذا الذي يستحِقُّ الحمدَ سِواه؟ بل له الحمدُ كلُّه لا لغيرِه، كما أن المَنَّ منه لا مِن غيرِه».
الحَلِيمي "المنهاج" (1 /202).
«فإن اللهَ سبحانه أخبَر أن له الحمدَ، وأنه حميدٌ مَجيد، وأن له الحمدَ في الأُولى والآخرة، وله الحُكْمَ، ونحوَ ذلك من أنواعِ المحامد».
ابن تَيْمِيَّة "مجموع الفتاوى" (6 /83-84).
«فإنه المحمودُ على ما خلَقه، وأمَر به، ونهى عنه:
* فهو المحمودُ على طاعات العباد ومعاصيهم، وإيمانِهم وكفرهم.
* وهو المحمودُ على خَلْقِ الأبرار والفُجَّار، والملائكة والشياطين، وعلى خَلْقِ الرُّسل وأعدائهم.
* وهو المحمودُ على عدلِه في أعدائه، كما هو المحمودُ على فضلِه وإنعامه على أوليائه.
فكلُّ ذرةٍ من ذرات الكون شاهدةٌ بحمدِه؛ ولهذا سبَّح بحمدِه السمواتُ السَّبع والأرضُ ومَن فيهنَّ، ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِۦ﴾ [الإسراء: 44]».
ابن قَيِّم الجَوْزِيَّة "طريق الهجرتين" (1 /239).