البحث

عبارات مقترحة:

الفتاح

كلمة (الفتّاح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من الفعل...

المجيد

كلمة (المجيد) في اللغة صيغة مبالغة من المجد، ومعناه لغةً: كرم...

الرحيم

كلمة (الرحيم) في اللغة صيغة مبالغة من الرحمة على وزن (فعيل) وهي...

المزاح المذموم إما ثقيل وإما كذب

العربية

المؤلف صالح بن مقبل العصيمي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المهلكات - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. ذم المزاح المؤذي .
  2. صور من المزاح المذموم .
  3. مفاسد المقالب والكاميرا الخفية .
  4. بعض أشكال المزاح الممقوت. .

اقتباس

وُوصَلَ الأَمْرُ بِالبَعْضِ مِنْهُمْ إِلَى أَنْ يَقُومَ بِسَحْبِ أَصْحَابِهِ وَهُمْ نِيَامٌ، وَيَرْبِطَهُمْ فِي السَّيَّارَةِ، ثمَّ يَسْحَبُهُمْ بِطَرِيقَةٍ جُنُونِيَّةٍ؛ فَيُعَرِّضُهُمْ لِلخَطَرِ، فَتُقَطِّعُ الصَّحْرَاءُ أَجْسَادَهُمْ، وَقَدْ تَضْرِبُ الصُّخُورُ رُؤُوسَهُمْ؛ فَتَقْتُلُهُمْ. مَوَاقِفُ تَقْشَعِرُّ مِنْهَا الأَبْدَانُ، وَتَحَارُ فِيهَا العُقُولُ، وَتَجْعَلُكَ تَتَسَاءَلُ مُتَحَيِّرًا: أَيَصْنَعُ ذَلِكَ إِنْسَانٌ عَاقِلٌ، أَوْ مَنْ ذَاقَ يَوْمًا نِعْمَةَ العَقْلِ؟ لَا وَرَبِي، لَا يَصْنَعُهَا عَاقِلٌ بَلْ إِنَّ المَجْنُونَ خَيْرٌ مِنْ هَذَا العَاقِلِ، بَلْ وَلَا يَصْنَعُهَا عَدْوٌ عَاقِلٌ. وَهُنَاكَ حَوَادِثُ أَشَدُّ وَأَشْنَعُ، وَلَسْتَ بِصَدَدِ إِحْصَائِهَا...

الخطبة الأولى:

إنَّ الحمدَ للهِ؛ نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.

أمَّا بَعْدُ.. فَاتَّقُوا اللهَ- عِبَادَ اللهِ- حقَّ التَّقْوَى؛ واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِّ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-، وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

عِبَادَ اللهِ: فَزِعَ أَهْلُ المَدِينَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَانْطَلَقَ النَّاسُ لِلَبَحْثِ عَنْ مَصْدَرِ الصَّوْتِ الْمُفْزِعِ، فَاسْتَقْبَلَهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَيْثُ سَبَقَ النَّاسَ إِلَى مَعْرِفَةِ مَصْدَرِ الصَّوْتِ الْمُفْزِعِ، وَهُوَ يَقُولُ: "لَنْ تُرَاعُوا لَنْ تُرَاعُوا، لَقَدْ وَجَدْتُهُ بَحْرًا" (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

فَمَا أَرْأَفَ النَّبِيَّ، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَهُوَ لَا يُحِبُّ أَنْ يُرَوَّعَ أَصْحَابُهُ، وَلَا أَنْ يُصِيبَهُمْ مَا يُحْزِنَهُمْ؛ فَانطَلَقَ بِنَفْسِهِ لِيَتَأَكَّدَ مِنْ مَصْدَرِ هَذَا الصَّوْتِ، الَّذِي اِرْتَاعَتْ لأَجْلِهِ الْقُلُوبُ، فَوَجَدَ أَنَّهُ صَوْتٌ قَدْ صَدَرَ مِنْ فَرَسٍ، وَلَيْسَ بصَوْتِ عَدُوٍّ؛ فالنَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَا يُحِبُّ أَنْ يَتَرَوَّعَ أَصْحَابُهُ، وَلَا أَنْ يُرَوِّعَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا.

وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَصْحَابَهُ -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ- كَانُوا فِي مَسِيرٍ، فَنَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَانْطَلَقَ بَعْضُهُمْ إِلَى نَبْلٍ مَعَهُ فَأَخَذَهَا، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ الرَّجُلُ فَزِعَ، فَضَحِكَ الْقَوْمُ، فَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهُمْ: "مَا يُضْحِكُكُمْ؟"، فَقَالُوا: أَخَذْنَا نَبْلَ هَذَا فَفَزِعَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا" (رَوَاهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ).

وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا يَأْخُذَنَّ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ صَاحِبِهِ لَعِبًا جَادًّا، وَإِذَا أَخَذَ أَحَدُكُمْ عَصَا أَخِيهِ، فَلْيَرْدُدْهَا عَلَيْهِ" (رَوَاهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ).

فَهَكَذَا يُرَبِّي النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَصْحَابَهُ، وَيَرْتَفِعُ بِهِمْ عَنْ سَفَاسِفِ الأُمُورِ وَمُحْتَقَرِهَا، وَيَسْمُو بِهِمْ، عَنْ كُلِّ مَا يُكَدِّرُ صَفْوَهُمْ، وَيُفَرِّقُ جَمْعَهُمْ. فَالنَّهْيُ فِي الْحَدِيثِ عَنِ الأَخْذِ جَادًّا ظَاهِرٌ؛ لأَنَّهُ سَرِقَةٌ، وَأَمَّا النَّهْيُ عَنِ الأَخْذِ لَعِبًا؛ فَلأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ، بَلْ هُوَ سَبَبٌ لِإدْخَالِ الْغَيْظِ وَالأَذَى عَلَى صَاحِبِ الْمَتَاعِ الْمُرَوَّعِ.

وَضَرَبَ الرَّسُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْعَصَا عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ؛ لأَنَّهَا أَقَلُّ شَيْءٍ يُرْتَاعُ عِنْدَ اِخْتِفَائِهِ؛ فمَا هُوَ أَثْمَنُ وَأَهْمُّ مِنْهَا يَدْخُلُ فِي الَّنهْيِ مِنْ بَابِ أَوْلَى.

فَيَدْخُلُ فيِ النَّهْيِ مَثَلًا مَنْ أَخَذَ مَحْفَظَةَ نُقُودِ غَيْرِهِ، وَمَفَاتِيحَ سَيَّارَتِهِ، وَأَجْهِزَتَهُ الإِلِكْتُرُونِيَّةَ، وهَذِهِ أَكْثَرُ الأَشْيَاءِ الَّتِي يَدْخُلُ فِيهَا الْمُزَاحُ الْمَذْمُومُ مِنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ.

فَمَا يُسْمَّى بِالْمَقَالِبِ، أَوِ الْكَامِيَرا الْحَفِّيَّةِ، أَوْ سَمِّهَا مَا شِئْتِ؛ يُعَدُّ مِنَ الْمِزَاحِ الثَّقِيلِ، وَالَّذِي فِيهِ تَرْوِيعٌ مُخِيفٌ، يَصِلُ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ لِمُسْتَوى الْجَرِيمَةِ؛ فَيَزْرَعُونَ الْبسَمْةَ عَلَى شِفَاهِهِمْ عَلَى حِسَابِ شِفَاهٍ أَصَابَهَا الْخَوْفُ وَالْفَزَعُ، وَكَادَ التَّرْويعُ أَنْ يَقْتُلَهَا.

ثُمَّ تَجِدُ مَنْ صَنَعَ ذَلِكَ الْمَوْقِفَ، يُضْحَكُ مِلْأَ فِيهِ، وَيَفْحَصُ الأَرْضَ بِقَدَمَيْهِ، بَلْ قَدْ يَسْتَلْقِي مِنْ شَدَّةِ الضَّحِكِ عَلَى قَفَاهُ. ضَحِكٌ جَاءَ عَلَى حِسَابِ كَرَامَةِ، وَصِحَّةِ، وَعَقْلِ، وَعِرْضِ؛ آخَرِينَ. بَلْ قَدْ يَكُونُ مَنْ صَنْعَ هَذَا الْمَوْقِفَ مِنْ أَخَصِّ أَصْحَابِهِ، وَبِئْسَتِ الصَّحْبَةُ هَذِهِ.

عِبَادَ اللَّهِ، وَهَذِهِ الْمُسَمّاةُ بِالْمَقَالِبِ لَا تَخْرُجُ عَنْ أَنْ تَكُونَ: إِمَّا كَذِبًا؛ وَهُوَ حَرامٌ بِالْاِتِّفَاقِ، وَتَزْدَادُ إِثْمًا إِذَا كَانَتْ بِقَصْدِ إِضْحَاكِ الآخَرِينَ، وَيَشْتَدُّ إِثْمُهَا إِذَا صَاحَبَهَا تَرْوِيعٌ لِلْمُسْلِمِينَ؛ فَاِشْتَدَّتْ حُرْمَتُهَا لِهَذِهِ الأَسْبَابِ الثَّلَاثَةِ.

وَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يُخْفِي سَيَّارَةَ أَوْ هَاتِفَ صَاحِبِهِ وَيُرَوِّعُهُ؛ فَيَفْزَعُ صَاحِبُهُ بِالْبَحْثِ عَنْهَا وَإذَا سَأَلَهُ عَنْ مَكَانِهَا نَفَى عَلْمَهُ بِهِ؛ رَغْمَ مَعْرِفَتِهِ بِمَكَانِهَا؛ لِأَنَّهُ هُوَ َمَنْ أَخْفَاهَا، أَوْ سَاعَدَ فِي إِخْفَائِهَا؛ وَهَذَا كَذِبٌ صَرِيحٌ، وَزادَ عَلَى هَذَا الْكَذِبِ تَرْوِيعُهُ لَهُ.

بَلْ إِنَّ بَعْضَهُمْ أَطْعَمَ أَصْحَابَهُ مِنَ اللُّحُومِ الْمُحَرَّمَةِ بِدَعْوَى الْمِزَاحِ. بَلْ لَقَدْ تَسَبَّبَ هَذَا الْمِزَاحُ الثَّقِيلُ فِي ِهَدْمِ بُيُوتٍ، وَتَشْتِيتِ أُسَرٍ؛ فَكَمْ مِنِ اِمْرَأَةٍ طُلِّقَتْ بِسَبَبِهِ!

وَكَمْ تَخَاصَمَ زَوْجَانِ وَتهَاجَرَا بِسَبَبِهِ؛ وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَحَدَهُمْ يَسْتَمِعُ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُكَلِّمُ زَوْجَتَهُ فِي الْجَوَّالِ، فَيَتَحَدَّثُ بِصَوْتٍ، مُحَاكِيًا صَوْتَ أُنْثَى؛ لِيُوهِمَ زَوْجَةَ صَاحِبِهِ أَنَّ بجِوَارِ زَوْجِهَا أُنْثَى، لَا تَعْلَمُ هَلْ هِيَ بَغِيٌّ أَوْ زَوْجَةٌ أُخْرَى؛ فَيَدُبُّ بَيْنَهُمَا الشِّقَاقُ وَالْخِلاَفُ.

وَاُنْظُرْ -يا رَعَاكَ اللهُ- إِلَى الْمُخَالَفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي اِرْتَكَبَهَا مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ الْمَوْقِفَ بِدَعْوَى الْمِزَاحِ: فَفَضْلًا عَمَّا تَسَبَّبَ فِيه مِنْ شِقَاقٍ وَخِلَافٍ بَيْنَ زَوْجَيْنِ، وَصَدْعٍ قَدْ لَا يَلْتَئِمُ؛ فَهُوَ يُقَلِّدُ صَوْتُ اِمْرَأَةٍ، وَهَذَا مُحَرَّمٌ قَطْعًا، وَفَاعِلُهُ مَلْعُونٌ بِنَصِّ السُّنَّةِ؛ فَالرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "لَعَنَ الْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَلَعَنَ الْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ" (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

وَبَعْضُهُمْ يَقَعُ فِي التَّزْوِيرِ لِيُفْسِدَ الْبُيُوتَ؛ حَيْثُ يَطْبَعُ بِطَاقَاتِ زَوَاجٍ مُزَوَّرَةٍ لِأَحَدِ أَصْحَابِهِ، وَيُرْسِلُهَا لِبَيْتِ صَاحِبِهِ؛ لِيُوهِمَ زَوْجَتَهُ أَنَّهُ قَدْ تَزَوَّجَ عَلَيهَا.

وُوصَلَ الأَمْرُ بِالبَعْضِ مِنْهُمْ إِلَى أَنْ يَقُومَ بِسَحْبِ أَصْحَابِهِ وَهُمْ نِيَامٌ، وَيَرْبِطَهُمْ فِي السَّيَّارَةِ، ثمَّ يَسْحَبُهُمْ بِطَرِيقَةٍ جُنُونِيَّةٍ؛ فَيُعَرِّضُهُمْ لِلخَطَرِ، فَتُقَطِّعُ الصَّحْرَاءُ أَجْسَادَهُمْ، وَقَدْ تَضْرِبُ الصُّخُورُ رُؤُوسَهُمْ؛ فَتَقْتُلُهُمْ.

مَوَاقِفُ تَقْشَعِرُّ مِنْهَا الأَبْدَانُ، وَتَحَارُ فِيهَا العُقُولُ، وَتَجْعَلُكَ تَتَسَاءَلُ مُتَحَيِّرًا: أَيَصْنَعُ ذَلِكَ إِنْسَانٌ عَاقِلٌ، أَوْ مَنْ ذَاقَ يَوْمًا نِعْمَةَ العَقْلِ؟ لَا وَرَبِي، لَا يَصْنَعُهَا عَاقِلٌ بَلْ إِنَّ المَجْنُونَ خَيْرٌ مِنْ هَذَا العَاقِلِ، بَلْ وَلَا يَصْنَعُهَا عَدْوٌ عَاقِلٌ. وَهُنَاكَ حَوَادِثُ أَشَدُّ وَأَشْنَعُ، وَلَسْتَ بِصَدَدِ إِحْصَائِهَا، وَلَكِنْ ذَكَرْتُهَا مِنْ بَابِ ضَرْبِ الأَمْثِلَةِ؛ فَلِنَتَّقِ اللهَ بِأَنْفُسِنَا.

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ، وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ فَاِسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخُطْبةُ الثَّانيةُ:

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً.

أمَّا بَعْدُ: فَاِتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.

عُبَّادَ اللهِ: كَمْ مِنْ رِجَالٍ اِسْتَغَلُّوا طِيبَةَ بَعْضِ رِفَاقِهِمْ، وَسَلَامَةَ صُدُورِهِمْ، وَضَعْفَ شَخْصِيَّاتِهِمْ، أَوْ ضَحَالَةَ تَفْكِيرِهِمْ، أَوْ قِلَّةَ جَاهِهِمْ، أَوْ قِلَّةَ ذَاتِ يَدِهِمْ؛ فَأَدْخَلُوا عَلَيْهِمْ بِهَذَا المِزَاحِ الْمُحَرَّمِ همُومًا وَغُمُومًا لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللهُ، وَرَوَّعُوهُمْ أَيَّمَا تَرْوِيعٍ!

أَيَظُنُّ أُولَئِكَ، الَّذِينَ رَوَّعُوا أَصْحَابَهُمْ أَنَّ أَفْعَالَهُمْ الْمُشِينَةَ السَّيِّئَةَ سَتَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْسِيَّةً، وَلَيْسَتْ ذُنُوبًا عَلَيْهِمْ مَحْصِيَّةً؟! قَالَ اللهُ تَعَالَى: (أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [المجادلة: 5].

عِبَادَ اللهِ: إِذَا سَوَّلَتْ لأَحَدِنَا نَفْسُهُ أَنْ يَفْعَلَ مِثْلَ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ الْمُحَرَّمَةَ؛ فَلْيُذَكِّرْهَا بِاللهِ، وَلْيَقُلُ لَهَا: (إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) [الأنعام: 15]، وَلْيُذَكِّرِ الْجُلَسَاءُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِحُرْمَةِ هَذِهِ الأَفْعَالِ.

وَلْيَتَذَكَّرْ قَوْلَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ" (رواه البخاري). وقوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ).

فَمَنْ صَنَعَ هَذِهِ الْمَوَاقِفَ؛ لَا يَرْضَى قَطْعًا أَنْ يُسْحَبَ بِالصَّحْرَاءِ، وَلَا أَنْ تُفْسَدَ عَلَيْهِ زَوْجُه، وَلَا أَنْ تُخْفَى عَلَيْهِ حَاجَتُهُ..

وَقَدْ يَقُولُ قَائِلٌ: إِنَّ بَعْضَ هَؤُلَاءِ الأَصْحَابِ يَرْضَوْنَ بِمَثَلِ هَذِهِ الأَفْعَالِ، وَهِيَ دُيُونٌ؛ يَرُدُّهَا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ؛ فَيُقَالُ لَهُمْ: المُوَافَقَةُ عَلَى أَمْرِ حَرَّمَةُ الشَّرْعُ؛ لَا يَعْنِي حَلَّهُ؛ فَآكِلُ الرِّبَا وَمُوَكِلُهِ قُدْ تَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ الفِعْلِ المُحَرَّمِ، فَهَلْ يُصْبِحُ هَذَا الفِعْلُ الْمُحَرَّمُ حَلَالًا لِمُجَرَّدِ رِضَاهُمْ؟! رَزَقَنَا اللهُ الْخَوْفَ مِنَ الْجَلِيلِ، وَالفِقْهَ فِي الدِّينِ.

الَّلهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ، وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، الَّلهُمَّ اجْعَلْهُ سِلْمًا لِأْوْلِيَائِكَ، حَرْباً عَلَى أَعْدَائِكَ، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَأَقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ.

اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مَا سَأَلَكَ مِنْهُ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ، ونَسْتَعِيذُ بِكَ مِمَّا اسْتَعَاذَ مِنْهُ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ، رَبَّنَا وآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ. وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...