البحث

عبارات مقترحة:

المصور

كلمة (المصور) في اللغة اسم فاعل من الفعل صوَّر ومضارعه يُصَوِّر،...

المجيب

كلمة (المجيب) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أجاب يُجيب) وهو مأخوذ من...

المحيط

كلمة (المحيط) في اللغة اسم فاعل من الفعل أحاطَ ومضارعه يُحيط،...

حاجة الأمة إلى خلق الرحمة وبعض صورها

العربية

المؤلف أحمد عماري
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. أهمية الرحمة وفضلها وحاجة الناس إليها .
  2. بعض صور الرحمة بين الخلق .

اقتباس

الرحمة ركيزة من أهم الركائز التي يقوم عليها المجتمع المسلم بجميع أفراده، يستشعرون من خلالها معنى الوحدة والألفة، فيصيرون كالجسد الواحد، الذي يشتكي إذا اشتكى أحد أعضائه، ويتألم إذا تألم. المؤمن لا يكون إلا...

الخطبة الأولى:

الرحمة ركيزة من أهم الركائز التي يقوم عليها المجتمع المسلم بجميع أفراده، يستشعرون من خلالها معنى الوحدة والألفة، فيصيرون كالجسد الواحد، الذي يشتكي إذا اشتكى أحد أعضائه، ويتألم إذا تألم.

المؤمن لا يكون إلا رحيمًا بعباد الله، شفوقًا عليهم، محبًّا لهم، يحب لهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه.

المؤمن لا يكون متجبرا ولا متكبرا، ولا من الذين يحملون قلوبًا قاسية، لا تشفق ولا ترحم ولا تلين، قال تعالى: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) [الحديد: 16].

الرحمة والتراحم وصية المؤمن لأخيه، ودعاؤه له؛ قال سبحانه: (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ) [البلد: 17].

وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة -رَضي الله عنه- قال: قال رسول الله --صلى الله عليه وسلمَ--: "إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله، وليقل له أخوه أو صاحبه: يرحمك الله. فإذا قال يرحمك الله، فليقل: يهديكم الله ويصلح بالكم".

هكذا ينبغي أن يكون المجتمع المسلم، أن يتعامل أفراده بالرحمة فيما بينهم، وأن يتواصوا عليها. وأن يدعو بعضهم لبعض بالرحمة.

التراحم صفة تزرع في المجتمع المسلم الوحدة والألفة والتماسك؛ روى مسلم في صحيحه عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلمَ-: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى".

وأخرج أحمد والترمذي والحاكم عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلمَ-: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ شَرَفَ كَبِيرِنَا".

وأخرج الإمام أحمد عن النّعمان بن بشير -رضي الله عنهما- قال: قال النّبيّ -صلى الله عليه وسلمَ- على المنبر: "من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر النّاس لم يشكر الله، التّحدّث بنعمة الله شكر، وتركها كفر، والجماعة رحمة والفرقة عذاب".

التراحم خُلق يجعل المسلم مع أخيه كاليد مع العين؛ إذا تألمت اليد بكت العين، وإذا بكت العين مسحتها اليد.

فمَن مِن أفراد المجتمع المسلم اليوم يحس بآلام الآخرين، وتقلقه همومهم وأحزانهم ومشاكلهم.

هل يحس كل فرد منا الآن أن الذي يجلس إلى جانبه إنما هو بمثابة عضو من جسده؟ إنما هو أخوه؟

فما من معاملة من المعاملات، أو رابطة من الروابط الاجتماعية أو الإنسانية، إلا وأساسها وقوام أمرها الرحمة والتراحم.

فمن علاقة الإنسان بنفسه التي بين جنبيه وعلاقته بذويه وأهله، إلى علاقته بمجتمعه المحيط به، إلى معاملته لجميع خلق الله من إنسان أو حيوان، كل ذلك مبني على هذا الخلق الرفيع والسجية العظيمة.

من صور الرحمة بين الخلق: الرحمة بالنفس: أحوج شيء إلى رحمتك: نفسك التي بين جنبيك.

ومن رحمة المرء لنفسه: أن يمنعها من كل ما يؤذينا من الأمراض والمهالك، قال تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) [النساء: 29].

ومن رحمة المرء لنفسه: أن يحميها من عذاب الله وسخطه وعقابه، قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم: 6]، وقال عز وجل: (وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) [البقرة: 281].

أحوج الناس إلى رحمتك أولادك؛ أبناؤك وبناتك، ارحمهم بالرفق بهم، بالتودد إليهم، بحسن تربيتهم ورعايتهم؛ روى البخاري ومسلم عن أبي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلمَ- الحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وَعِنْدَهُ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِسًا، فَقَالَ الأَقْرَعُ: إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلمَ- ثُمَّ قَالَ: "مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ".

وفي الصحيحين أيضا عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلمَ- فَقَالَ: تُقَبِّلُونَ الصِّبْيَانَ؟ فَمَا نُقَبِّلُهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلمَ-: "أَوَ أَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ؟".

فارحم أبناءك في الدنيا ليرحمك الله في آخرتك، روى البخاري في صحيحه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلمَ-: "مَا مِنَ النَّاسِ مُسْلِمٌ، يَمُوتُ لَهُ ثَلاَثَةٌ مِنَ الوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُوا الحِنْثَ، إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ".

وأخرج الإمام أحمد عن جابر بن عبد الله -رَضي الله عَنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلمَ-: "مَنْ كُنَّ لَهُ ثَلاَثُ بَنَاتٍ؛ يُؤْويهِنَّ وَيَرْحَمُهُنَّ وَيَكْفُلُهُنَّ، وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ الْبَتَّةَ"، قال: قيل: يا رسول الله فإن كانتِ اثنتين؟ قال: "وإن كانتِ اثنتين"، قال: فرأى بعض القوم أن لو قال له: واحدة؟ لقال واحدة.

ولقد كانت رحمتُه صلى الله عليه وسلمَ تتجاوز حدود أولاده وأحفاده إلى بقية الأطفال والموالي؛ فقد روى البخاري في صحيحه عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلمَ- يَأْخُذُنِي فَيُقْعِدُنِي عَلَى فَخِذِهِ، وَيُقْعِدُ الحَسَنَ عَلَى فَخِذِهِ الأُخْرَى، ثُمَّ يَضُمُّهُمَا، ثُمَّ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ ارْحَمْهُمَا فَإِنِّي أَرْحَمُهُمَا".

وفي الصحيحين واللفظ لمسلم عَنْ أَبِى قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلمَ- يَؤُمُّ النَّاسَ، وَأُمَامَةُ بِنْتُ أَبِي الْعَاصِ -وَهيَ ابْنَة زَيْنَبَ بِنْتِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلمَ- عَلَى عَاتِقِهِ فَإِذَا رَكَعَ وَضَعَهَا، وَإِذَا رَفَعَ مِنَ السُّجُودِ أَعَادَهَا.

وكثير من الناس اليوم جبار متكبر يرى أن من المهانة أن يدنو من الأطفال ويمسح على رؤوسهم وَيُقَبّلهم، أما الرسول -صلى الله عليه وسلمَ- فقد كان رحيمًا بالأطفال، رفيقا بهم؛ روى البخاري في صحيحه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلمَ-: "إِنِّي لَأَقُومُ إِلَى الصَّلاَةِ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاَتِي كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ".

وأخرج النسائي وابن حبان وابن خزيمة والبيهقي عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلمَ- يُصَلِّي فَإِذَا سَجَدَ وَثَبَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عَلَى ظَهْرِهِ، فَإِذَا أَرَادُوا أَنْ يَمْنَعُوهُمَا أَشَارَ إِلَيْهِمْ؛ أَنْ دَعُوهُمَا. فَلَمَّا صَلَّى وَضَعَهُمَا فِي حِجْرِهِ ثُمَّ قَالَ: "مَنْ أَحَبَّنِي فَلْيُحِبَّ هَذَيْنِ".

فَإِذَا رَحِمْتَ فَأَنْتَ أُمٌّ أَوْ أَبٌ

هَذَانِ فِي الدُّنْيَا هُمَا الرُّحَمَاءُ

وَإِذَا أَخَذْتَ الْعَهْدَ أَوْ أَعْطَيْتَهُ

فَجَمِيعُ عَهْدِكَ ذِمَّةٌ وَوَفَاءُ

وَإِذَا غَضِبْتَ فَإِنَّمَا هِيَ غَضْبَةٌ

فِي الْحَقِّ لا كِبْرٌ وَلا ضَغْنَاءُ

ثم انظر إلى رحمته صلى الله عليه وسلمَ عند فقد أحد الأطفال الصغار، كانت عيناه تدمعان شفقة ورحمة، في الصحيحين عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: "كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلمَ- إِذْ جَاءَهُ رَسُولُ إِحْدَى بَنَاتِهِ، يَدْعُوهُ إِلَى ابْنِهَا فِي المَوْتِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلمَ-: "ارْجِعْ إِلَيْهَا فَأَخْبِرْهَا أَنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى، فَمُرْهَا فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ"، فَأَعَادَتِ الرَّسُولَ أَنَّهَا قَدْ أَقْسَمَتْ لَتَأْتِيَنَّهَا، فَقَامَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلمَ- وَقَامَ مَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، فَدُفِعَ الصَّبِيُّ إِلَيْهِ وَنَفْسُهُ تَقَعْقَعُ كَأَنَّهَا فِي شَنٍّ، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هَذَا؟ قَالَ: "هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ".

وأخرج البخاري في صحيحه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: "دَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلمَ- عَلَى أَبِي سَيْفٍ القَيْنِ، وَكَانَ ظِئْرًا لِإِبْرَاهِيمَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ-، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلمَ- إِبْرَاهِيمَ، فَقَبَّلَهُ، وَشَمَّهُ، ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلمَ- تَذْرِفَانِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: "يَا ابْنَ عَوْفٍ إِنَّهَا رَحْمَةٌ"، ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِأُخْرَى، فَقَالَ صلى الله عليه وسلمَ: "إِنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، وَالقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلاَ نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ".

الخطبة الثانية:

أحوج الناس إلى رحمتك وشفقتك وإحسانك وبرّك: أقرب الناس إليك، الوالدان: الأم والأب، فارحمهما ولا تعذبهما، وسامحهما ولا تؤاخذهما، وأكرمهما ولا تُهنهما، وتواضع لهما ولا تتكبر عليهما، فتلك وصية من الله إليك؛ قال سبحانه: (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) [الإسراء: 24].

يحتاجان إلى رحمتك خاصة عند المشيب والكبر، إذا خارت قواهما وصار البياض في شعورهما، والتهبت بالأحاسيس مشاعرهما، فهما عند ذلك أحوج ما يكونان إلى عطفك ورحمتك وحلمك، قال سبحانه: (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا) [الإسراء: 23].

يحتاج الوالدان إلى رحمة الأولاد وهما بين القبور، ينتظران البعث بعد النشور، فما أحوجهما في ذلك اليوم إلى دعوة صالحة منك، ترفعها إلى الله -جَل جلاله- أن يفسح لهما في قبريهما، فقد صارا غرباء سفر لا يُنتظرون، ورهناء ذنوب لا يُفكون ولا يطلقون، فارفع الأكف الصادقة إلى الله أن يرحمهما، روى مسلم في صحيحه عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلمَ- قَالَ: "إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ".

وأخرج الإمام أحمد في مسنده وابن ماجة في سننه -واللفظ له- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلمَ- قَالَ: "إِنَّ الرَّجُلَ لَتُرْفَعُ دَرَجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ: أَنَّى هَذَا؟ فَيُقَالُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ".

ارحمهما بالتصدق عليهما بعد مماتهما؛ ففي الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلمَ-: "إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا، وَأَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، فَهَلْ لَهَا أَجْرٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قَالَ: "نَعَمْ".

ارحمهما بقضاء دينهما ونذرهما؛ ففي الصحيحين عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلمَ-، فَقَالَتْ: إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَحُجَّ، أَفَأَحُجَّ عَنْهَا؟ قَالَ: "نَعَمْ، حُجِّي عَنْهَا، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ؟" قَالَتْ: نَعَمْ، فَقَالَ: "اقْضُوا اللَّهَ الَّذِي لَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ أَحَقُّ بِالوَفَاءِ".

وفي الصحيحين أيضا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا؟ فَقَالَ: " لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكَ دَيْنٌ، أَكُنْتَ قَاضِيَهُ عَنْهَا؟" قَالَ نَعَمْ، قَالَ: "فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى".