الواحد
كلمة (الواحد) في اللغة لها معنيان، أحدهما: أول العدد، والثاني:...
العربية
المؤلف | عبد الله الواكد |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
حب الأوطان غرسة في الوجدان، ونبتة في الجنان، وجبلة طبع الله النفوس عليها، فمنذ أن يولد الإنسان وقلبه متعلق بوطنه وبأمته، يألف بلده وموطنه، يألف أرضه وسماءه وترابه وماءه، ولا غرابة في ذلك وحب الأرض قد...
الخطبة الأولى:
الحمد لله ما امتدت لمسألته أكف الضعفاء، وخرت لعبادته جباه الأتقياء، وقامت بشريعته همم الأصفياء، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحابته أجمعين.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
أيها المسلمون:
بلادي وإن جارت علي عزيزة | وأهلي وإن ضنوا علي كرام |
هو شعور كم خفقت به القلوب وكم شمخت به الأفئدة! هو حنين يزلزل المكامن هو شوق يلهب المشاعر! هو شيء لا يمكن وصفه، أطلق قرائح الشعراء! وأسال محابر الأدباء! وأبكى عيون الأوفياء! إنه الحب الذي لم تخل منه مشاعر الأنبياء! إنه الود الذي ملئت به قلوب الأصفياء! إنه حب الأوطان -يا عباد الله-، فإذا أردت أن تعرف الرجل فانظر كيف تحننه إلى أوطانه وتشوقه إلى إخوانه؟
حب الأوطان غرسة في الوجدان، ونبتة في الجنان، وجبلة طبع الله النفوس عليها، فمنذ أن يولد الإنسان وقلبه متعلق بوطنه وبأمته، يألف بلده وموطنه، يألف أرضه وسماءه وترابه وماءه، ولا غرابة في ذلك وحب الأرض قد اقترن بحب النفس في كتاب الله، قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ) [النساء: 66]، وقال تعالى في آية أخرى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) [الممتحنة: 8].
وقد كان للمهاجرين -رضي الله عنهم- من الفضائل بسبب هجرتهم وتضحيتهم بأوطانهم وتفضيلهم للدين على الوطن، وفي حديث عبد الله بن عدي -رضي الله عنه- عند الترمذي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في مكة: "إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت".
ولما ذهب في بداية نزول الوحي إلى ورقة بن نوفل، وقال له: "هذا الناموس الذي نزل على موسى" إلى أن قال: "ويخرجك قومك من بلدك؟" قال صلى الله عليه وسلم: "أو مخرجي هم؟" كأنها ثقلت عليه صلى الله عليه وسلم.
أيها الناس: البشر يألفون أرضهم ووطنهم ولو كانت بلاقع موحشة، غبراء مقفرة، يستريح لها إذا أتاها، ويحن لها إذا غاب عنها، يدافع عنها إذا انتقصت، ويذب عنها إذا لمزت، هذه الوطنية بمفهومها السامي وبمدلولها الرامي.
أما نحن -أيها المسلمون-: فنحب أوطاننا ونغار عليها ونحافظ عليها، ونخشى عليها، وندافع عنها بكل ما نملك.
ووالله إن هذه المشاعر حين نبوح بها، بل وحينما نعلنها غير مستغربة فهي مشاعر البراءة، ومشاعر الإنسانية، ومشاعر الصدق والوفاء، ولكن الذي نستغربه من شوه معنى الوطنية، وجعلها مفهوما معارضا للولاء للدين، فسبحان الله كيف تقيم الدين إذا لم يكن لك وطن؟ ومتى كان الإسلام يغير انتماء الشعوب إلى أراضيهم وأوطانهم وقبائلهم، فبلال الحبشي، وصهيب الرومي، وسلمان الفارسي، لم يحل الإسلام بينهم وبين انتماءاتهم لشعوبهم وأوطانهم و "سلمان منا آل البيت" فأي فخر حازه أولئك بدخولهم لدين الله؟
أيها المسلم الكريم: أنت تنتمي في المقام الأول لأسرتك ثم لعشيرتك ثم لمجتمعك ثم لوطنك، ثم لأمتك، ثم لأمة الإسلام قاطبة، ولا تعارض بين هذه الانتماءات، بل ولا مساومة عليها.
لقد صور الجاهلون أو المغرضون أن التمسك بالشريعة والولاء لها لا يتفق مع مفهوم الوطنية من خلال مصادمة بعض أحكام الشريعة بالمطالب الوطنية، وهذا خلل وسوء فهم، فالوطنية هي مفهوم ضمن الشريعة الإسلامية، وضمن الدين: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء: 92] حتى الكفار وغير المسلمين في بلاد الإسلام حفظ لهم الإسلام حقوق المواطنة، لكي لا يجرؤ أحد على ظلمهم والتعدي عليهم.
أيها الأحبة المسلمون: وإن من مقتضيات حب الوطن والانتماء إليه هو: حبه والافتخار به، وصيانته والدفاع عنه، والنصيحة له، والحرص على سلامته، واحترام أفراده وجماعته، وتوقير علمائه وإجلالهم لمكانتهم العلمية، وطاعة ولاة أمره بالمعروف، والمحافظة على موارده ومرافقه ومكتسباته.
الدفاع عن الوطن -أيها المسلمون- مطلب شرعي، وواجب وطني، والموت في سبيل ذلك شهامة وشجاعة وشهادة، ولله الحمد والمنة، ففي الوقت الذي يذود فيه الشرفاء والأوفياء من أهل هذه البلاد عن بلادهم وأوطانهم باللسان والسنان، تجد بكل أسف قلة ممن غرهم في ولائهم لدينهم ولوطنهم الأفكار الهدامة، والآراء المنكوسة، والمناهج المنحرفة، فراحوا ينخرون بمقدرات بلادهم، ومكتسباتها وأمنها ومبادئها، قولا وعملا، ومنهم من ينتقصوننا ويثربون علينا ويسخرون من احتشامنا وتمسكنا بديننا، يسخرون أقلامهم وعقولهم لتمزيق لحمتنا، وتشتيت شملنا، وتقطيع أواصر الأمة الإسلامية والعربية إلى أشلاء وفرق وأحزاب، ليسهل على الأعداء النيل من هذه الأمة وإذلال شعوبها، وما أكثرهم -لا كثرهم الله- في القنوات ووسائل التواصل الاجتماعي، والانترنت، فليحذر أحدنا كلما جاءه من معسول العنوان، ومنمق العبارة، أن ينشره، فيكون معول هدم، وأداة تمزيق، إنما نكون جميعا حراسا أمناء على ثغور هذه الأمة، ومن هذه الثغور: ثغور الانترنت نرد على من أساء إلى الأمة بحكمة وعقل، ونناصح من أخطأ في حق علمائنا وأفرادنا وجماعاتنا، فنحن -ولله الحمد والمنة- كنا عربا متشتتين، فجمعنا الله على هذا الدين وعلى سنة محمد -صلى الله عليه وسلم-، فأصبحنا بنعمته إخوانا، فإن تمزقنا وتشتتنا إلى غير كتاب الله وسنة محمد -صلى الله عليه وسلم- ضعفت شوكتنا، ولانت قناتنا، وهذا ما يريده الأعداء.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) [آل عمران: 103].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثانية:
أيها المسلمون: تأملوا أنفسكم وأنتم في هذ المسجد من قبائل شتى، ومن أعراق مختلفة، ومن دول متعددة، اجتمعتم لخطبة وصلاة الجمعة، أليس دين الله الذي جمعكم؟ بل أليس دين الله الذي أمركم بالاجتماع ونهاكم عن الفرقة؟
فالزموا ما أنعم الله به عليكم من ثمار هذا الدين العظيم، وتمسكوا بسنة محمد -صلى الله عليه وسلم-، قال صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ".
وصلوا وسلموا على النبي العربي الأمي الذي بعثه الله رحمة بكم، وشفقة عليكم، صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا.