العفو
كلمة (عفو) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعول) وتعني الاتصاف بصفة...
العربية
المؤلف | عبدالسلام بن برجس آل عبدالكريم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
لقد اعتنى الشارع الحكيم بالمولود عنايةً عظيمةً فائقة؛ فرتَّب له أحكامًا وآدابًا؛ لِيَكُونَ الإسلام والالتزامُ به أوَّلَ ما يُلامِسُ جسدَهُ في هذه الحياة؛ تفاؤلاً بِتَمَسُّكِهِ به في بَقِيَّةِ مراحِلِ حياتِهِ. ولقد تساهل كثير من المسلمين بهذه الآداب والأحكام؛ فلم يرعوها مع مواليدهم؛ مما...
الخطبة الأولى:
عباد الله: لقد اعتنى الشارع الحكيم بالمولود عنايةً عظيمةً فائقة؛ فرتَّب له أحكامًا وآدابًا؛ لِيَكُونَ الإسلام والالتزامُ به أوَّلَ ما يُلامِسُ جسدَهُ في هذه الحياة؛ تفاؤلاً بِتَمَسُّكِهِ به في بَقِيَّةِ مراحِلِ حياتِهِ.
ولقد تساهل كثير من المسلمين بهذه الآداب والأحكام؛ فلم يرعوها مع مواليدهم؛ مما كان سببًا لِفُشُوِّ كثيرٍ من البدعِ والعوائدِ المنكرةِ في هذا الباب.
فَحَرِيٌّ بالمسلم أن يتعلمَ هذه الآدابَ والأحكامَ، وأن يرعاها مع مواليدِه؛ طلبًا للثواب مِنَ الله -جَلَّ جَلاَلُهُ-، وإحياءً لسنة المصطفى -صلى الله عليه وسلم-.
فمن تلك الآداب: استحبابُ بِشَارَةِ مَن رُزِقَ ولدًا وتَهْنِئَتِهِ بذلك، قال الله -جَلَّ وَعَلاَ-: (وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْراَهِيمَ * إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلامًا قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ * قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ * قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ * قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ) [الحجر: 51 - 55]، وقال تَعَالَى: (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا) [مريم: 7]، وقال: (فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى) [آل عمران: 39].
ولما كانت البشارة تُسْعِدُ العبدَ المسلم وتُفْرِحُه استُحِبَّ للمسلم أن يُدْخِلَ على أخيه المسلمِ السرورَ، وأن يُعْلِمَهُ بما يُفْرِحُهُ؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أَفْضَلُ الأعْمَال أَنْ تُدْخِلَ عَلَى أَخِيكَ الْمُؤْمِنِ سُرُورًا" (أخرجه ابن أبي الدنيا وغيره وهو حديث حسن)، فإن فاتَتْهُ الْبِشَارَةُ اسْتُحِبَّ له التَّهْنِئَةُ. والفرْقُ بين البشارة والتهنئة: أن البشارة إعلامٌ له بما يَسُرُّهُ، والتهنئةَ دعاءٌ له بالخير فيه والبركة فيه بعد أن يَعْلَمَهُ.
وقد كان الحسن البصري -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- يعلِّم أصحابه أن يقولوا في تهنئة المولود: "بُورِكَ لك في الْمَوْهُوبِ، وشَكَرْتَ الْوَاهِبَ، وبلَغ رُشْدَه، ورُزِقْتَ بِرَّه" وإن قال غير هذه العبارة فحَسَنٌ.
ومن الآداب: تَحْنِيكُ الصَّبِيِّ؛ فإن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-كان يؤتى بالصِّبيانِ فَيُحَنِّكُهُمْ ويدعو لَهُم بالبركة (والتحنيك هو أن يُلَيِّنَ الْمُحَنِّكُ تَمْرَةً في يدِهِ، ثم يَدْلُكُ بها حَنَكَ الْمَولُودِ)، ويقوم بهذا العمل والد المولود أو والدتُه، أو أحدٌ من أهل العلم والصلاح والاستقامة.
أما مضغ التمرة من المحنك في فمه فهذا خاص بالنبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن بركته عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ مُتَحَقِّقَةٌ، فإن فعل ذلك والد المولود أو والدته فلا بأس إن شاء الله، وهو ظاهر فعل الإمام أحمد -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-.
ومن الآداب: تسمية المولود، إن شاء في اليوم الأول؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وُلِدَ لِيَ اللَّيْلَةَ غُلاَمٌ فَسَمَّيْتُهُ بِاسْمِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ"، وإن شاء في اليوم السابع؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كُلُّ غُلاَمٍ رَهِينَةٌ بِعَقِيقَتِهِ، تُذْبَحُ يَوْمَ سَابِعِهِ، وَيُسَمَّى فِيهِ، وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ".
وينبغي للمسلم أن يراعيَ الأسماءَ المستحبَّة في الشرع كعبد الله وعبد الرحمن؛ لقوله عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: "أَحَبُّ الأسْمَاء إِلَى اللَّهِ: عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ".
وكأسماء الأنبياء -صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ-، لقوله عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: "تَسَمَّوْا بِأَسْمَاءِ الأنْبِيَاء".
وكأسماء الصحابة والمعروفين من أهل العلم بالاستقامة والصلاح؛ كما هو دأب السلف الصالح -رَضِيَ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُمْ-.
وعليه أن يجتنب الأسماء المكروهة كَيَسَار ورَبَاح وأفْلَح ونَجِيح، وما جرى مجرى هذه الأسماء.
وعليه أن يجتنب الأسماء المحرَّمة اجتنابًا كاملاً كعبد النبي وعبد الحسين، ونحو ذلك من الأسماء.
أما السِّقط فإنه يُسَمَّى؛ لأنه يُبعث يوم القيامة، ويُدْعَى باسمه ،ذكر ذلك ابن قدامة -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-، ولا يصح في الباب حديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
ومن الآداب أيضًا: حَلْقُ شَعْرِ الصبي، والتَّصَدُّقُ بِوَزْنِهِ فِضَّةً؛ لأمْرِ النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك، وقد رجَّح الحنابلةُ اختصاصَ الحلق بالذكر دون الأنثى، ويكون الحلق يوم سابع من الولادة.
ومن الآداب أيضًا: الْخِتَان، وهو واجب في حَقِّ الذكر، مَكْرُمَةٌ وسُنَّة في حَقِّ الأنثى.
ويجب ببلوغ الصبي؛ لأن ببلوغه تَجِبُ عليه الأحكام، وما لا يَتِمُّ الواجبُ إلا به؛ فهو واجِبٌ.
ومن الآداب أيضًا: العَقِيقَة؛ وهي الشاة التي تذبح عن المولود، وتسمية بعض العامة لها (تميمة) لا أصل له في الشرع، وهي (أي: العقيقة) سنةٌ مؤكَّدة في أصح أقوال أهل العلم، وليست بواجبة؛ لما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "مَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَنْسِكَ عَنْهُ؛ فَشَاتَانِ عَنِ الْغُلاَمِ، وَشَاةٌ عَنِ الْجَارِيَةِ".
وذبحُها أفضل من التصدق بثمنها ولو زاد.
والسنةُ شاتان عن الغلام، وشاة عن الجارية؛ كما جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
والأفضل أن يراعي في العقيقة ما يراعى في الأضحية من حيث السن، ومن حيث الصفات الجسمية في الأضحية.
ووقت العقيقة هو اليوم السابع من الولادة، فإن فات ففي اليوم الرابع عشر، فإن فات ففي اليوم الحادي والعشرين، فإن فات ذبح في أي يوم شاء؛ على الصحيح من أقوال أهل العلم -رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى-.
وللمسلم أن يصرف العقيقة في أي شيء أراد، وفي أي مصرف أراد، لكنَّ الأفضل كما نص الإمام أحمد وغيره من المحققين أن يطبخها، وأن يدعو إليها الأقارب والمساكين والجيران.
ومن كَبر ولم يَعُقَّ عنه والده فلا يعق هو عن نفسه في قول أهل العلم -رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى-، فإن عَقَّ عنه والده وهو كبير فلا بأس بذلك إن شاء الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-.
الخطبة الثانية:
أيها الأحبة: هناك عوائدُ وبدعٌ فَشَتْ في بعض الناس تتعلق بالمواليد، يجب على المسلم أن يحاربها، وإذا كان قد وقع فيها أن يتخلص منها؛ لأنها إثمٌ وحُوبٌ كبير؛ فمن ذلك: ما يسمى بـ"عيد الميلاد"، وهي بدعة أجنبية، وفدت إلينا عن الغربيين وأذنابهم، وهي بدعة نتنة؛ فهي افتراء على الله، وتَقَوُّلٌ على شَرْعِهِ، وإحداثٌ في دين الله ما لم يأذن به الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-؛ فيَجِبُ على المسلمِ أن ينكر هذه الظاهرة، وأن يُحَذِّر مِنَ الوقوعِ فيها.
ومن ذلك: تسمية بعض أبناء المسلمين بأسماء الغربيين الكافرين، وأسماء المغنين والمغنيات المشهورين، وهذه -وايم الله- ظاهرة سيئة خطرة جدًّا، تنم عن ضعف العقيدة، وعن ضعف الإيمان بالله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وعن ضعف شخصية هذا الْمُسَمِّي، وعدم اعتزازه بدينه وما كان عليه سلفه الصالح.
ومن ذلك أيضًا: تَبَرُّم وتشاؤم كثير من الناس عندما يولد لهم بنت، وهذا هو حال أهل الجاهلية -عافانا الله وإياكم من ذلك-، وايم الله لا يدري المسلم أيهما خير: الولد أو البنت؛ فعليه أن يَقْبَلَ ما جاءه من الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بكل رضا وتسليم؛ فإنه أحرى أن يُؤَدِّيَ شُكْرَ نعمةِ الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- عليه.