الحق
كلمة (الحَقِّ) في اللغة تعني: الشيءَ الموجود حقيقةً.و(الحَقُّ)...
العربية
المؤلف | عمر بن عبد الله بن مشاري المشاري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التوحيد |
إنَّ الناظر في حال الأمة الإسلامية اليوم يعلم يقينا أنَّ ما أصابها بسبب ذنوبها وأعظمها عدم تحقيق العبودية لله -تعالى-, والخلل الحاصل في العقيدة حيث تنتشر الشركيات في بلاد المسلمين -إلا ما رحم الله-, ودعاء غير الله وطلب الشفاعة من المقبور؛ سواء كان وليَّاً أو غيره, وما بُني عليها من أضرحة والدعاء عندها وطلب شفاء المريض, وتفريج الكروب, وما يُقدَّم لها من القرابين...
الخطبة الأولى:
الحمدلله الذي خلقنا لعبادته وهدانا للإسلام وما كنَّا لنهتديَ لولا أن هدانا الله, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, الإله الحق المبين الذي لا معبود حقٌّ سواه, وأشهد أنَّ محمدا رسول الله, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم, أما بعد:
فيا أيها الناس: إنَّ توحيد الله هو إفراده بالعبادة وهو الذي بُعثت لأجله الرسل قال تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) [النساء: 36], قال السعدي -رحمه الله-: "يأمر -تعالى- عباده بعبادته وحده لا شريك له، وهو الدخول تحت رق عبوديته، والانقياد لأوامره ونواهيه، محبة وذلا وإخلاصا له، في جميع العبادات الظاهرة والباطنة, وينهى عن الشرك به شيئا؛ لا شركا أصغر ولا أكبر، لا ملكا ولا نبيا ولا وليا ولا غيرهم من المخلوقين الذين لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، بل الواجب المتعين إخلاص العبادة لمن له الكمال المطلق من جميع الوجوه، وله التدبير الكامل الذي لا يَشرُكُه ولا يُعينه عليه أحد".
عباد الله: إنَّ الناظر في حال الأمة الإسلامية اليوم يعلم يقينا أنَّ ما أصابها بسبب ذنوبها وأعظمها عدم تحقيق العبودية لله -تعالى-, والخلل الحاصل في العقيدة حيث تنتشر الشركيات في بلاد المسلمين -إلا ما رحم الله-, ودعاء غير الله وطلب الشفاعة من المقبور؛ سواء كان وليَّاً أو غيره, وما بُني عليها من أضرحة والدعاء عندها وطلب شفاء المريض, وتفريج الكروب, وما يُقدَّم لها من القرابين من أناس عمَّهم الجهل وألفوا استمرارهم على الغي, قال الله -تعالى- عن هؤلاء وأمثالهم: (إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) [فاطر: 14].
فيجب على العلماء والدعاة دعوتُهم وبيان الحق لهم وبيان ضلال مسلكهم ووقوعهم في الشرك الذي حارب النبي -صلى الله عليه وسلم- عليه المشركين, قال -تعالى-: (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ) [الزمر: 3], قال ابن جرير الطبري -رحمه الله-: "والذين اتخذوا من دون الله أولياء يَتَوَلَّوْنَهُم، ويعبدونهم من دون الله، يقولون لهم: ما نعبدكم أيها الآلهة إلا لتقربونا إلى الله زُلْفَى، قربة ومنزلة، وتشفعوا لنا عنده في حاجاتنا... وبسنده -رحمه الله- إلى مجاهد أنَّه قال: قريش تقوله للأوثان، ومن قبلهم يقولُه للملائكة ولعيسى ابن مريم ولعُزَير".
وقال الشيخ ابن باز -رحمه الله-: "توحيد العبادة هو الذي أنكره المشركون الأولون، وينكره المشركون اليوم، ولا يؤمنون به، بل عبدوا مع الله سواه، فعبدوا الأشجار والأحجار وعبدوا الأصنام، وعبدوا الأولياء والصالحين، واستغاثوا بهم، ونذروا لهم وذبحوا لهم، إلى غير هذا مما يفعله عباد القبور وعباد الأصنام والأحجار وأشباههم، وهم بذلك مشركون كفار، إذا ماتوا على ذلك لم يغفر لهم".
عباد الله: إنَّ من أهمِّ المهمات وأعظم الواجبات لإصلاح حال الأمة الإسلامية وانتصارِها على أعدائها الدعوة إلى العقيدة الصحيحة, وإقامة الحجة على من وقع في هذا الشرك؛ فالدعاء عبادة لا يجوز صرفها لغير الله, قال -تعالى-: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) [الجن: 18], وقال -تعالى-: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) [الحج: 62], وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ", ثُمَّ قَرَأَ: (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) [غافر: 60].
أيها المسلمون: وكذلك من الشرك تقديم القرابين للأضرحة والقبور؛ والذبح عبادة لا يجوز صرفها لغير الله -تعالى-, قال -عز وجل-: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام: 162، 163].
أيها المسلمون: إنَّ الواجب على الدعاة إلى الله من العلماء والمصلحين أن يُعطوا أول اهتمامهم بالدعوة إلى العقيدة الصحيحة ونبذ ما خالفها, فإنَّه لَمَّا بَعَثَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى نَحْوِ أَهْلِ اليَمَنِ قَالَ لَهُ: "إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ -تعالى-" (متفق عليه), وهذا أمر نبوي لمعاذ -رضي الله عنه- ويدخل في هذا الأمر جميع العلماء والدعاة.
وأنتم ترون -يا عباد الله- كثرة العلماء في العالم الإٍسلامي ولكنَّ القليلَ منهم من يهتمُّ بالدعوة إلى التوحيد, وهذا مكمن خللٍ, ومدخلٌ كبيرٌ ورئيسٌ من مداخل الضعف الذي ابتليت به الأمة الإسلامية؛ فإنَّ الشرك أعظم ذنب عُصي الله به, وهو الذي لا يغفره الله, والذي يُشرك في عبادة ربه عند تلك الأضرحة والقبور فإنَّه لا تنفعه أعماله الصالحة, وإن صلى وزكَّى وصام وحج قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا) [النساء: 48].
وكذلك فإنَّ الذي يشرك في عبادة ربه لا ينال شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم-, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ القِيَامَةِ؟, قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لاَ يَسْأَلُنِي عَنْ هَذَا الحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ؛ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الحَدِيثِ, أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلا اللَّهُ، خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ، أَوْ نَفْسِهِ" (أخرجه البخاري).
قال الشيخ ابن باز -رحمه الله- عن معنى لا إله إلا الله: "لا معبود حق إلا الله, فكل ما عبد من دون الله من بشر أو ملك أو جني أو غير ذلك فكلُّه معبود بالباطل, والمعبود بالحق هو الله وحده, كما قال -سبحانه-: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) [الحج: 62], وقد سبق بيانُ أنَّ الله -سبحانه- خلق الثقلين لهذا الأصل الأصيل وأمرهم به, وأرسل به رسله وأنزل به كتبه, فتأمل ذلك جيدا وتدبره كثيراً ليتضح لك ما وقع فيه أكثر المسلمين من الجهل العظيم بهذا الأصل الأصيل, حتى عبدوا مع الله غيره, وصرفوا خالص حقه لسواه, فالله المستعان".
أيها المسلمون: إنَّ المفهوم الأعظم لعودة الدين ومراجعة المسلمين له هو العودة إلى العقيدة الصحيحة, ومراجعة ما عليه المسلمون في هذا الزمن من الخلل العقدي الكبير الذي يضرب بأطنابه في العالم الإسلامي, إلا ما كان في هذه الدولة السعودية المباركة بفضل الله أولا وآخراً, ثم لأثر دعوة التوحيد والسنة؛ دعوة الإمام المجاهد الشيخ المجدِّد محمد بن عبدالوهاب, ومناصرة الإمام محمد بن سعود لها -رحمهما الله وجمعنا بهما ووالدينا في الجنة وجزاهما الله خير الجزاء-, فقد حفظ الله لهذه البلاد عقيدتها وسلَّمها من مظاهر الشرك.
عباد الله: إنَّ القوة الحقيقية هي قوة التوحيد فإذا تمسَّك المسلمون بالعقيدة الصحيحة فإنَّهم محفوظون بحفظ الله ووارثون للأرض, كما وعدهم الله بذلك في قوله -تعالى-: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ * إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ) [الأنبياء: 105، 106].
عباد الله: إنَّ في صلاح عقيدة المسلمين صلاحٌ لحالهم, وتمكينٌ لهم في الأرض, وانتصارَهم على عدوهم معقودٌ بما رسخ في قلوبهم من عقيدة صحيحة, وهي التي كان عليها النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه الكرام -رضي الله عنهم-.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم, ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه غفور رحيم.