الأعلى
كلمة (الأعلى) اسمُ تفضيل من العُلُوِّ، وهو الارتفاع، وهو اسمٌ من...
العربية
المؤلف | عبد الله بن محمد الطيار |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
إذا توكلتمْ على اللهِ حقّ التوكلِ فإنّ اللهَ يرزقكمْ منْ حيثُ لا تحتسبونَ، وهذا أمرٌ مشاهدٌ ومجرّب؛ فلا يظنّ العبدُ أنّ أحدًا يقفُ بينهُ وبينَ رزقِهِ مهما كانتِ الأسبابُ؛ فواللهِ لوْ اجتمعت الجنّ والإنسُ على أن يُعطوكَ ريالًا واحدًا قدْ منعَهُ اللهُ عنكَ واللهِ لا يستطيعونَ، ولو اجتمعوا على أنْ يمنعوكَ ريالًا واحدًا قدْ...
الخطبة الأولى:
إنّ الحمدَ للهِ نحمدهُ ونستعينُهُ ونستغفرهُ، ونعوذُ باللهِ من شرورُ أنفسنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدهِ اللهُ فلا مضلَّ لهُ، ومنْ يضللْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهَ، وأشهدُ أنْ سيدنا محمدًا عبدهُ ورسولُه صلى اللهُ عليهِ وعلى ألهِ وصحبهِ وسلمَ تسلميًا كثيرًا.
أمّا بعدُ: فاتقوا اللهَ -عبادَ اللهِ- (يَا أَيُّهَا الّذِينَ أَمَنُوا اتّقُو اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون)[آل عمران:102].
عبادَ اللّهِ: مِنْ أعظمِ العباداتِ القلبيةِ التوكلُ على اللهِ في جميعِ الأمورِ، وهو صدقُ اعتمادُ القلبِ على اللهِ -جل وعلا- في جلبِ ما ينفعُ ودفعِ ما يضرّ منُ أمورِ الدنيا والأخرةِ، وأنْ يفتقرَ العبدُ إلى ربهِ وأنْ يعتقدَ أنَّ الإنسَ والجنَّ لنْ ينفعوهُ بشيء إلا بما كتبُه اللهُ لهُ، ولنْ يضروهُ بشيء إلا بما قدّرهُ اللهُ عليهِ، وصدقَ اللهُ العظيمُ (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍ فَلَا َكاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ)[الأنعام:17].
لقد أمرَ اللهُ عبادهُ بالتوكلِ عليهِ، وصدق اللجوءِ إليهِ في آياتٍ كثيرةٍ ومواضعَ عديدةٍ من كتابهِ الكريم، قال تعالى: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا)[الفرقان:58]، وقال تعالى: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا َما كَتَبَ الَّلهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)[التوبة:51]، وقال تعالى: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ)[الشعراء:217-220]، وجاءَ في الحديثِ "لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطّيْرُ تَغْدُوا خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا"(رواهُ الترمذي).
والتوكلُ على اللهِ -أيها المؤمنونَ- منْ أعظمِ الأسبابِ التي يستجلبُ بها العبدُ الرزقَ، وصدق الله العظيم: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقُهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)[الطلاق:2-3].
ودّعَ رجلٌ عمرَ بن الخطابِ -رضيَ اللهُ عنهُ-، وقالَ: إني ذاهبٌ أطلبُ الرزقَ لي ولأخِي الذي تفرّغَ للعبادةِ فأنا أنفقُ عليهِ، وأثناءَ سيِر الرجل آواهُ غارٌ عندَ مغيبِ الشمسِ، فرأى حيةً عمياء تخرجُ منْ قعرِ الغارِ إلى فوّهتِهِ -أي باب الغار-، ثم تفتحُ فاهَا فيأتي طيرٌ ويدخلُ في فمها، ثم ترجعُ الحيّةَ من حيثُ أتتْ إلى مقرِّ الغارِ.
انظروا -عبادَ اللهِ- مَنْ الذي جعلها تتحركُ في هذا الوقت؟ من الذي ألهمهَا أنْ تفتحَ فَاهَا؟ مَنْ الذي جاءَ بالطيرِ وألقاهُ في فمِهَا؟ إنهُ اللهُ الذي يرزقُ الحيّةَ في جحرِها، إنهُ الرزاقُ -سبحانهُ وتعالى-؛ فاعتمدوا عليهِ.
ثم إنّ الرجلَ رجعَ من حيثُ أتى فرآهُ عمر -رضي الله عنه-، فسألهُ عن سببِ رجوعِهِ قال: رأيتُ كذا وكذا فأنا أتوكلُ على اللهِ، فغلّظ عليهِ عمرُ -رضي الله عنهُ-، وقالَ لهُ: "يا هذا، اذهبْ واطلبْ الرزقَ، وابحثْ عن سببهِ، وكنِ اليدَ العليا ولا تكنِ اليدَ السُّفلى".
نعم.. -يا عبادَ اللهِ- إذا توكلتمْ على اللهِ حقّ التوكلِ فإنّ اللهَ يرزقكمْ منْ حيثُ لا تحتسبونَ، وهذا أمرٌ مشاهدٌ ومجرّب؛ فلا يظنّ العبدُ أنّ أحدًا يقفُ بينهُ وبينَ رزقِهِ مهما كانتِ الأسبابُ؛ فواللهِ لوْ اجتمعت الجنّ والإنسُ على أن يُعطوكَ ريالًا واحدًا قدْ منعَهُ اللهُ عنكَ واللهِ لا يستطيعونَ، ولو اجتمعوا على أنْ يمنعوكَ ريالًا واحدًا قدْ كتبهُ اللهُ لكْ واللهِ لا يستطيعونَ.
إذن.. لا تأسفْ -يا عبدَ اللهِ- على ما فاتكَ، ولا تحرِصْ على ما لم تحصلْ عليهِ؛ فاللهُ -جل وعلا- ضَمِنَ لكَ الرّزق وحدّدَ لكَ الأجل؛ فلنْ تموتَ نفسٌ حتّى تستكمِلَ رزقَها وأجلَها.
عبادَ اللهِ: روى أبو داودُ في سننهِ من حديثِ أنسِ بنَ مالكٍ -رضي اللهُ عنهُ- أنّ النبيّ -صلّى الّلهُ عليهِ وسلّمَ- قال: "إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ فَقَالَ: بِسْمِ اللّهِ تَوَكّلْتُ عَلَى اللَّهِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، يُقَالُ حِينئذٍ: هُدِيتَ وَكُفِيتَ وَوُقِيتَ فَتَتَنَحّى لَهُ الشَّيَاطِين،ُ فَيَقُولُ لَهُ شَيْطَانٌ آخَر: كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِىَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ".
وجاءَ في الصحيحِ من حديثِ ابن عباسٍ -رضي اللهُ عنهما- قال: "حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- حِينَ أُلْقِيَ ِفي الّنارِ، وَقَالَهَا مُحَمّدٌ- صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حينَ قالوا: (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)"[آل عمران:173].
فإبراهيمُ -عليهِ الصلاةُ والسلامُ- كانتْ عاقبته ما ذكرهُ اللهُ -جل وعلا-: (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيم)[الأنبياء:69]، ومحمدٌ -صلى اللهُ عليهِ وسلّمَ-كانتْ عاقبته ما ذكرهُ اللهُ -جل وعلا-: (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيم)[آل عمران:174]، وهكذا حالُ مؤمنُ آلِ فرعونَ لما كادهُ قومُهُ قال (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) كانتْ العاقبةُ (فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِأَلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ)[غافر:45].
عبادَ اللهِ: ما دامَ الرزقُ قد ضُمن، والأجل قد حُدد، ولا سلطانَ لأحدٍ على ذلك إلا اللهُ فعلامَ يأسفُ الإنسانُ على شيءٍ لمْ يدركه؟! إذا فعلنا الأسبابَ فاللهُ -جل وعلا- يتولى الأمر منْ قبلُ ومنْ بعدُ، جاءَ في الحديثِ: "إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رَوْعِي أَنّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا وَتَسْتَوْعِبَ أَجَلَهَا".
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، وَلَا يَحْمِلَنّ أَحَدُكُمْ اسْتِبْطَاءَ الرِّزْق أَنْ يَطْلُبَهُ بِمَعْصِيَةٍ؛ فَإِنّ اللَّهَ -جل وعلا- لَا يُنالُ مَا عِنْدَهُ إلِاَّ بِطَاعَتِهِ وَصَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيم (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)[آل عمران:159].
باركَ اللهُ لي ولكمْ في القرآنِ العظيم ونفعني وإياكمْ بما فيهِ من الآيات والذكرِ الحكيم، أقولُ ما سمعتم فاستغفروا اللهَ يغفرْ لي ولكمْ؛ إنّهُ هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين ولا عدوانَ إلا على الظالمينَ، وأشهدُ أنْ لَا إِلَهَ اِلَّا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه صلى اللهُ عليهِ وعلى ألهِ وصحبهِ وسلّمَ تسليمًا كثيرًا.
أمّا بعدُ: فاتقوا الله -عبادَ اللهِ-، واعلموا أنّ الأجلَ مُحدّد لا يمكنْ أنْ يتأخرَ أو يتقدمَ (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةٍ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ)[الأعراف:34]، وما كتبَ اللهُ لكَ منْ تمرةٍ أو شربةَ ماءٍ أوْ مذقة لبن أوْ خطوة أو نفس فستستكملها لا محالةَ؛ فقدْ جاءَ في الصحيح ِأنّ رجلًا من بني إسرائيلَ جاءَ إلى صاحبٍ لهُ فطلبَ منهُ أنْ يُقرضهُ قرضًا، قال المقرض: إِيتني بكفيل،ٍ قال: اللهُ كفيلي، قالَ: إِيتني بشهيدٍ، قال: اللهُ على ما نقولُ شهيد، قالَ المقرِض: رضيتُ باللهِ كفيلًا وشهيدًا. فَأقرضَهُ ألفَ دينارٍ وحدد موعد السداد بعد عام، ثمّ إنّ الرّجلَ ركبَ البحرَ وذهبَ ليضاربَ بهذه الدنانير، ففتحَ اللهُ عليهِ ورزقهُ مالًا كثيرًا، ولكن فلما مضى الوقت المحدّد خرجَ المقترِض يطلب مركبًا؛ ليُعِيدَ القرض إلى صاحبه، لكنه لم يجد مركبًا في هذهِ الأيام، فقام ونجرَ خشبةً ووضعَ الدّنانير فيها وسمّرها، وقال: اللهمّ إِنّكَ تعلمُ أنني جعلتُك كفيلًا وشهيدًا اللهمّ فهذهِ نقوده أُوَفِّيها إليهِ في الأجلِ المحدد، وأنت تعلمُ أنني لم أجدْ مركبًا ولا حيلةً لي إلا ذاكَ؛ فرمى الخشبةَ في عرضِ البحرِ.
تأملوا -عباد الله- الكونُ للهِ والبحرُ للهِ والهواءُ للهِ والأمرُ بيدِ اللهِ منْ قبلُ ومنْ بعدُ؛ فأمرَ اللهُ -جل وعلا- هذهِ الخشبةَ أنْ تسيرَ في عرضِ البحرِ ولا تقِفْ إلّا عندَ شاطئِ البحرِ الآخر قريبةً منْ بيتِ صاحبِ القرضِ، فخرج في موعدِ السّدادِ لعلّهُ يجد صاحبه الذي أقرضهُ فلمْ يجدْ إلا هذهِ الخشبةَ، فقال: آخذها لعلّي أجعلها حطبًا لأهلي، فلمّا َكسّرها تناثرتِ الدنانير ووجدوا الورقةَ فيها، ثمّ بعدَ ذلك جاءَ المقترض لما وجد مركبًا، فذهب إلى صاحبِهِ ومعهُ ألفَ دينارٍ فقالَ لهُ: ألمْ تُسَدِّدْ قبلَ ذلِك؟
قالَ: بلى؛ ولكنّي خشيتُ أنها لم تصلْ إليكَ، قال: بلْ أوصلها اللهُ عنكَ؛ فحمِد الله وأثنى عليه.
عباد الله: ولله درّ ابنة حاتم الأصم لما اشتاق والدها للحج، ولم يكنْ عندهُ نفقةً، وكان يبكي كثيرًا، فقالت: ما لك يا والدي تبكي؟ قال: يا بُنيتي اشتقتُ للحج وليس عندي ما أتركُه لوالدتِك وإخوانِك وأخواتِك، قالتْ: يا والدي هل أنت الرّزاقُ أم أنت آكلُ رزقٍ؟ قال: بل آكل رزقٍ، قالتْ: إنّ الرزاقَ حيٌّ لا يموتُ، فقالتْ: يا والدي اذهبْ إلى الحجِ وتوكلْ على اللهِ، وأقنعتْ والدتها وإخوانِها وأخواتِها، وبعدَ ذلك مشى حاتم، وكان في ذيلِ القافلةِ؛ لأنهُ ليس معه نفقة الحجّ، ولما ساروا قليلا لُدِغَ قائدُ الرّكبِ فطلب راقيًا، فقيل: إن معنا حاتم وهو رجلٌ صالحٌ تقيّ، فطلبوهُ فرقى قائد الركب فشفي، فلما شُفِي قال: إنّ نفقة حجه ذهابًا وإيابًا عليّ، فقال: يا ربّ إن هذا تدبيرك لي فأرني يا رب تدبيرك لأهلي وأبنائي وبناتي فقد استودعتكَ إياهمْ، ثمّ إنهُ بعد ثلاث ليالٍ نفدتْ النفقة عند أهلهِ، وجاء الخليفة من رحلة صيدٍ فطرق أحد خدمه البابَ عليهم، فقال: إنّ الخليفةَ يستسقيكم الماء، فأعطوهُ الماءَ من قربةٍ عندهم فلما ذاقَ طعم الماءِ وكان حُلوًا عذبًا، فقال: من أين؟ قالوا من بيت حاتم، قال: ادعوهُ لي، قالوا: إنه قد حجّ مع الحجاج، فخلع الحاكمُ مَحْزَمَهُ وكان من ذَهَبٍ، وقال: من يُحبّني فليضع ما معهُ، فوضع الأمراء والوزراء وكبار القوم ما معهم، ثمّ إن رجلًا من حاشيته اشترى كل هذه المحازم التي ألقيت، وأعادها إلى أصحابها، ووضع مكانها نقودًا في بيتِ حاتم، فلما رأت البنية ذلك بكت، فقالت لها أمها: عجبًا لك حينما كنا نبكي من الجوعِ كنتِ تضحكين، وحينما رزقنا الله كنتِ تبكين، فقالت: أبكي من صنيعكم؛ إن أبي آكلُ رزقٍ، وأنتم لما جاءكم هذا الرزق الوفير من عبدٍ من عبادِ اللهِ ضحكتم وفرحتم، واللهُ -عز وجل- لا تنفد خزائنه ولا تعجزه النفقة يدهُ سحّاء تنفق الليل والنهار.
فتوكلوا -أيها المؤمنون- على اللهِ، ولا تستقلّوا ما عندكم، واسألوا الله البركة؛ فالله لا يُضَيِّعُ عبادهُ.
عبادَ اللهِ: ومِنْ فوائدِ التّوكلِ على اللهِ:
أنّهُ من كمال الإيمان وحسن الإسلام.
أنَّهُ يجلب محبة الله ونصره ومعونته وتأييده.
الحفظ من شياطينِ الإنسِ والجنِ.
راحةُ البالِ واستقرارُ الحالِ.
من أسباب سعة الرزق.
قطعُ الطمع عمّا في أيدي الناس.
يدفعُ العبد لبذلِ الأسبابِ المشروعة.
يحقّقُ الرّضا؛ فيجعل للعبد مخرجًا من الضوائقِ والشدائدِ.
هذا وصلوا وسلّموا على النبيّ المصطفى فقدْ أمركمُ اللهُ بذلكَ فقال (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِي يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].