الأكرم
اسمُ (الأكرم) على وزن (أفعل)، مِن الكَرَم، وهو اسمٌ من أسماء الله...
العربية
المؤلف | صالح بن مقبل العصيمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المهلكات - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ السُّخْرِيَّةِ هِيَ سُخْرِيَّةُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ الَّذِي انْبَنَى عَلَى الْعَصَبِيَّةِ، فَتَجِدُ الْجَاهِلِيَّ يَسْخَرُ مِمَّنْ هُمْ مِنْ غَيْرِ بَلَدِهِ أَوْ لَا يَنْتَمُونَ إِلَى قَبِيلَتِهِ.. إِنَّ الِانْتِمَاءَ والحب لِلْقَبِيلَةِ أَوِ لِلْبَلَدِ الَّذِي نَشَأَ فِيهِ الإِنْسَانُ يعتبر شُعُورٌ طَبِيعِيٌّ لا يحرمه الإنسان طالما بَقِيَ مُعْتَدِلًا غَيْرَ زَائِدٍ عَنْ حَدِّهِ وَغَيْرَ خَارِجٍ عَنْ حُدُودِ الشَّرْعِ وَقَوَاعِدِهِ، فَإِذَا...
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا .
أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- حقَّ التَّقْوَى؛ واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى، وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِّ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-، وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أما بعد: لَقَدْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ لِتَحْوِيلِ الْعِبَادِ مِنْ عِبَادَةِ الْعِبَادِ إِلَى عِبَادَةِ رَبِّ الْعِبَادِ، وَنَبْذِ وَطَرْدِ كُلِّ مَا يُعَارِضُ ذَلِكَ، وَمَنِ أَهَمِّهَا قَضَايَا الْجَاهِلِيَّةِ فَقَضَى عَلَيْهَا -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-، حيث قَضَى عَلَى عادة الْجَاهِلِيَّةِ المخالفة للشرع، وَسَحَقَهَا وَحَذَّرَ مِنْ إِحْيَائِهَا، وَلَكِنَّهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ عَادَتْ بِصُوَرٍ شَتَّى وَأَسَالِيبَ مُخْتَلِفَةٍ وَطَرَائِقَ مُتَعَدِّدَةٍ، وَكُلَّمَا خَرَجَتْ فِي زَمَانٍ وَقَفَ لَهَا العُلَمَاءُ وَالدُّعَاةُ بِالْمِرْصَادِ، وَبِدَايَاتُهَا قَدْ تَكُونُ صَغِيرَةً، وَلَكِنَّهَا تَكْبُرُ مَعَ الأَيَّامِ؛ فَمُعْظَمُ النَّارِ مِنْ مُسْتَصْغَرِ الشَّرَرِ.
ولقد حذر الله -سبحانه وتعالى- من السخرية والعصبية التي يكون دافعها قبلية أو مناطقية أو أي صورة من صورة التعصب للجماعات والأفراد؛ فحذر منها الله -سبحانه- بقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بئسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَان وَمَنِ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)[الحجرات:11].
إِنَّ الْمُجْتَمَعَ الَّذِي يُقِيمُهُ الْإِسْلَامُ بِهُدَى الْقُرآنِ مُجْتَمعٌ لَهُ آدب رَفِيعٌة، وَلكُلِّ فَرْدٍ فِيهِ له كَرَامَتُهُ الَّتِي لَا يجوز أن تُمَسَّ. إِنَّ الْقِيمَ الظَّاهِرَةَ الَّتِي يَرَاهَا الرِّجَالُ فِي أَنْفُسِهِمْ وَترَاهَا النِّسَاءُ فِي أَنْفُسِهِنَّ لَيْسَتْ هِيَ الْقِيَمَ الْحَقِيقِيَّةَ، الَّتِي يُوزَنُ بِهَا النَّاسُ؛ فَهُنَاكَ قِيَمٌ أُخْرَى خَافِيَةٌ عَلَيْهِمْ يَعْلَمُهَا اللهُ هِيَ مِعْيَارُ الْوَزْنِ عِنْدَ اللهِ؛ فَقدْ يَكُونُ الْمُحْتَقَرُ أَعْظَمَ قَدْرًا عِنْدَ اللهِ وَأَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ السَّاخِرِ مِنْهُ الْمُحْتَقِرِ لَهُ.
عِبَادَ اللهِ: قَدْ يَسْخَرُ الغَنِيُّ مِنَ الْفَقِيرِ، وَالْقَوِيُّ مِنَ الضَّعِيفِ، وَالسَّوِيُّ مِنَ الْمُعَوَّقِ، وَالذَّكِيُّ الْمَاهِرُ مِنَ السَّاذِجِ الجاهل، وَقَدْ يَسْخَرُ ذُو الْأَوْلَادِ مِنَ الْعَقِيمِ، وَذُو العصبة ممن لا عصبة له، وَالشَّرِيفُ مِنَ الْوَضِيعِ! إِنَّ السُّخْرِيَّةَ نِتَاجُ وَأَسَاسُ التَّكَبُّرِ الَّذِي نَهَى عَنْهُ الرَّسُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ فَقَالَ في الحديث الصحيح: "الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ"؛ فَلَا يَجُوزُ الِاحْتِقَارُ وَالِاسْتِصْغَارُ، وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ؛ لِأَنَّهُ مِنَ الظَّالِمِينِ قَالَ تَعَالَى: (وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)[الحجرات:11].
إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ السُّخْرِيَّةِ هِيَ سُخْرِيَّةُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ الَّذِي انْبَنَى عَلَى الْعَصَبِيَّةِ، فَتَجِدُ الْجَاهِلِيَّ يَسْخَرُ مِمَّنْ هُمْ مِنْ غَيْرِ بَلَدِهِ أَوْ لَا يَنْتَمُونَ إِلَى قَبِيلَتِهِ.
إِنَّ الِانْتِمَاءَ والحب لِلْقَبِيلَةِ أَوِ لِلْبَلَدِ الَّذِي نَشَأَ فِيهِ الإِنْسَانُ يعتبر شُعُورٌ طَبِيعِيٌّ لا يحرمه الإنسان طالما بَقِيَ مُعْتَدِلًا غَيْرَ زَائِدٍ عَنْ حَدِّهِ وَغَيْرَ خَارِجٍ عَنْ حُدُودِ الشَّرْعِ وَقَوَاعِدِهِ، فَإِذَا خَرَجَ عَنْ حُدُودِ الشَّرْعِ وَضَوَابِطِهِ فَهُوَ التَّعَصُّبُ الْمَمْقُوتُ؛ فَعِنْدَمَا صَرَخَ الْأَنْصَارِيُّ بِاسْمِ الْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرِيُّ بِاسْمِ الْمُهَاجِرِينَ غَضِبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "مَا بَال دَعَوَى الْجَاهِلِيَّةِ" ثُمَّ قَالَ: "دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ"(رواه البخاري).
نَعَمْ إِنَّهَا مُنَتِّنَةٌ لِأَنَّهَا كَلِمَةٌ قيلت في غير إطارها الشرعي؛ وإلا فإنّ مُصْطلح الأَنْصَاريَّ والمُهَاجريَّ لا يَرِدُ في القُرّآنِ والسُنّةِ دائماً إِلاّ عَلى سَبِيلْ المدْحِ، ولكنْ بَعْضَ الصّحَابَة -رِضوانُ الله عليهم- قَالَوها وهم في حَالَةِ غَضَبٍ، وَالْإِنْسَانُ فِي حَالَةِ غَضَبِهِ قَدْ يَبْدُرُ مِنْهُ مَا يَنْدَمُ عَلَيْهِ وَالْمَلَامَةُ عليه أقل، وهذا يؤكد لك أنَّ التعصب لا يأتي بخير إن لم يضبط بضوابط الشرع.
عِبَادَ اللهِ: لقد ظهرت بعض العصبية المتعددة في هذا العصر أظهر ما تكون عبر وسائلِ التواصل! وسائلُ التواصل الَّذِي قَرَّبَ الْمَسَافَاتَ وَاخْتَصَرَ الْأَوْقَاتَ وَوَفَّرَ السَّاعَاتِ، فَهُوَ نِعْمَةٌ لَا يَعْلَمُ فَضْلَهَا إِلَّا مَنْ فَقَدَهَا؛ فَهُوَ جِهَازُ اتِّصَالٍ وَجِهَازُ إِرْسَالٍ؛ فَعَبْرَ رَسَائِلِهِ تَأْمُرُ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنْ مُنْكَرٍ، وَلَكِنْ فِئَةٌ مِنَّا اسْتَغَلَّتْهُ اسْتِغْلَالًا سَيِّئًا وَاسْتَثْمَرَتْهُ اسْتِثْمَارًا خَبِيثًا؛ فَحَاوَلَتْ عَنْ طَرِيقِهِ إِحْيَاءَ مَآثِرِ الْجَاهِلِيَّةِ بِقَصْدٍ أَوْ بِدُونِ قَصْدٍ عَنْ عِلْمٍ أَوْ جَهْلٍ، فَتَجِدُ أَهْلَ الْبَلْدَةِ الْوَاحِدَةِ أَوِ الْقَبِيلَةِ الْمُتَلَاحِمَةِ يَتَنَاقَلُونَ بَيْنَهُمْ مَا يَفْخَرُونَ بِهِ، فَيُعَظِّمُونَ مَدِينَتَهُمْ وَيُعْلُونَ قَدْرَ قَبِيلَتَهُمْ تَفَاخُرًا بِأَحْسَابِهِمْ وَطَعْنًا فِي غَيْرِهِمْ مَعَ تَحْذِيرِ النَّاصِحِ لِلْأُمَّةِ عَنْهَا؛ كَمَا جَاءَ عِنْدَ مُسْلِمٍ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَتْرُكُونَهُنَّ: الْفَخْرُ بِالْأَحْسَابِ وَالطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ وَالِاسْتِسْقَاءُ بِالْأَنْوَاءِ وَالنِّيَاحَةُ عَلَى المَيِّتِ".
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ اللهَ قَدْ أَذْهَبُ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرهَا بِالْآبَاءِ، مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ، لَيَدَعَنَّ رِجَالٌ فَخْرَهُمْ بِأَقْوَامٍ إِنَّمَا هُمْ مِنْ فَحْمِ جَهَنَّمَ، أَوْ لَيَكُونَنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللهِ مِنَ الْجِعْلَانِ الَّتِي تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتِنَ"(رواه أبوداود بسند صحيح).
الخطبة الثانية:
فَالتَّفَاخُرُ بِالْأَحْسَابِ مِنْ صِفَاتِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ حَيْثُ كَانُوا يَعْقِدُونَ مَا يُسَمُّونَهُ بِالْمُناظَرَاتِ يَتَبَارَى فِيهَا الرَّجُلَانِ فِي مَجَالِسَ تُعْقَدُ بِذِكْرِ مَآثِرِهِمِ وَمَآثِرِ آبَائِهِمْ وَأَجْدَادِهِمْ؛ بَلِ الْفَخْرُ بِالْأَحْسَابِ سِمَةٌ مِنْ سِمَاتِ اليَهُودِ -أَيْضًا-، فَإِذَا عَلِمْنَا أَنَّ التَّفَاخُرَ فِي الْأَنْسَابِ لَيْسَ مِنَ خِصَالِ أَهْلِ الإِيمَانِ، بَلْ أَهْلُ الْإِيمَانِ مِنْ خِصَالِهِمْ عَدَمُ التَّمْيِيزِ بَيْنَ النَّاسِ إِلَّا بِالتَّقْوَى، قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبَا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ)[الحجرات:13].
وَمَعَ الْأَسَفِ إِنَّ التَّفَاخُرَ بِالْأَحْسَابِ مِنْ صِفَاتِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى تَحْرِيمِ الْإِسْلَامِ لها؛ لأنها خَصْلَةٌ مَقِيتَةٌ وَصِفَةٌ ذَمِيمَةٌ؛ فَعِنْدَمَا تَسْتَخْدِمُ لِسَانَكَ وَبَنَانَكَ لِتَصْنَعَ طُرْفَةً أَوْ نُكْتَةً عَلَى قَبِيلَةٍ مِنَ الْقَبِائِلِ أَوْ بَلْدَةٍ مِنَ الْبُلْدَانِ؛ لِلتَّهَكُّمِ بِأَهْلِهَا أو للتنقص من قدرها لِتُضْحِكَ مَنْ حَوْلَكَ وَتُثِيرَ عَنْهُمُ الْفَاحِشَةَ، أَوْ تَصِفَهُمْ بِأَوْصَافٍ تُخَالِفُ أَخْلَاقَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ مِنْ مُرُوءَةٍ وَشَجَاعَةٍ، أَوْ تُنْقِصَهُمْ وَتَصِفَهُمْ بِالْغَبَاءِ أَوِ الْحُمْقِ أَوِ الْجَهْلِ؛ أَلَيْسَ هَذَا بَغْيًا وَظُلْمًا؟ أَلَا تَخْشَى أَنْ تَدُورَ عَلَيْكَ دَائِرَةُ السَّوْءِ؟ أَمَا تَخْشَى أَنْ يَنْتَقِمَ اللهُ مِنْكَ؟ أَوَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ الِانْتِقَامَ سَرِيعٌ وَالْمُنْتَقِمَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ؟ أَوَ مَا تَخَافُ أَنْ يَرْفَعَ أَحَدٌ هَؤُلَاءِ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ وَيَدْعُوَ عَلَيْكَ فَتُصَابَ بِنَفْسِكَ وَمَالِكَ وَعِرْضِكَ؟
فَلَوْ أَنَّ الْعَاقِلَ إِذَا جَاءَتْهُ مِثْلُ هَذِهِ الرَّسَائِلِ تَعَامَلَ مَعَهَا بِمَا يَلِي:
1- رَدَّ عَلَى صَاحِبِهَا بِلُطْفٍ وَذَكَّرَهُ بِاللهِ.
2- قَامَ بِمَسْحِهَا وَعَدَمِ إِرْسَالِهَا.
3- يُحَذِّرُ مِنْهَا فِي مَجَالِسِهِ؛ لأنها من البغي الذي نهى -عز وجَلَّ- (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ)[الأعراف:33]، وَقَالَ تَعَالَى: (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[الشورى:42].
وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ اللهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَبْغِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ"(رواه مُسْلِم).
بَلْ تَوَعَّدَ الرَّسُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الظَّالِمَ بِأَنَّ اللهَ سَيُعَجِّلُ فِي عُقُوبَتِهِ قَالَ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللهُ لِصَاحِبِه ِفِي الْعُقُوبَةِ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ فِي الآخِرَة، مِن قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَالْبَغْيِ"(البُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِم فِي المُسْتَدْرَكِ وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ).
والْبَغْيُ هُوَ الظُّلْمُ، وَلَقَدْ كَانَ مِنَ خِصَالِ أَهْلِ الجَاهِلِيَّةِ الْكِتَابِيِّينَ وَالْأُمِّيِّينَ التَّفَاخُرُ بِالظُّلْمِ وَالِاسْتِطَالَةِ عَلَى النَّاسِ وَالتَّعَدِّي عَلَيْهِمْ، فَهُمْ يَعْتَبِرُون ذَلِكَ فَضِيلَةً لهم عَلَى غَيْرِهِمْ، فَاليَهُودُ قَبَّحَهُمُ اللهُ -تعالى- أَعْظَمُ النَّاسِ وُقُوعًا فِي هَذَا الْأَمْرِ، قَالَ تَعَالَى: (وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا)[النساء:156].
وَكَانَ لِأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ نَصِيبُ الْأَسَدِ فِي الْبَغْيِ وَالظُّلْمِ؛ فَكَمَا قَالَ: عُمْرُو بْنُ كُلْثُوم:
لَنَا الدُّنْيَا وَمَنْ أَضْحَى عَلَيْهَا | وَنَبْطِشُ حِينَ نَبْطِشُ قَادِرِينَا |
بُغَاةً ظَالِمِينَ وَمَا ظَلَمْنَا | وَلَكنَّا سَنَبْدَأُ ظَالِمِينَا |
وَقَالَ زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سُلْمَى:
وَمَنِ لَا يَزُدْ عَنْ حَوْضِهِ بِسِلِاحِهِ | يُهَدَّم وَمَنْ لَا يَظْلِمِ النَّاسَ يُظْلَمِ |
الَّلهُمَّ احْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ، وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، الَّلهُمَّ اجْعَلْهُ سِلْمًا لِأْوْلِيَائِكَ، حَرْباً عَلَى أَعْدَائِكَ، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَأَقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ.
اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مَا سَأَلَكَ مِنْهُ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ، ونَسْتَعِيذُ بِكَ مِمَّا اسْتَعَاذَ مِنْهُ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة:201]، (رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ * رَبَّنَا وآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ)[آل عمران:193-194].
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ * وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ)[الصافات:180-182].
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...