البحث

عبارات مقترحة:

الغفار

كلمة (غفّار) في اللغة صيغة مبالغة من الفعل (غَفَرَ يغْفِرُ)،...

الكريم

كلمة (الكريم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل)، وتعني: كثير...

الواسع

كلمة (الواسع) في اللغة اسم فاعل من الفعل (وَسِعَ يَسَع) والمصدر...

السخرية بالغير خلق ذميم

العربية

المؤلف عمر بن عبد الله بن مشاري المشاري
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المهلكات
عناصر الخطبة
  1. حكم السخرية بالناس .
  2. احتقار الأعمال لا الأشخاص .
  3. من آثار السخرية .

اقتباس

إنَّ جاه المرء ورفيع منزلته في قومه ليست دليلاً على فضله على غيره من ضعفة الناس وعامتهم؛ فكم من محتَقَر في الدنيا له منزلة رفيعة عند الله -تعالى-؛ فالحذر الحذر من المبالغة في تعظيم ذوي الجاه والمناصب واحتقار الضعفاء والمساكين والـمُـبـتَــلَين...1/حكم السخرية بالناس 2/احتقار الأعمال لا الأشخاص 3/من آثار السخرية

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي أمرنا بأحسن الأخلاق، ونهانا عن سيئها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق خلقه ليعبدوه وحده، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.

أما بعد: فاتقوا الله -أيها المؤمنون-، وتأدبوا بآداب الإسلام.

معاشر المسلمين: إنَّ السخرية بالغير خلق ذميم، نهى الإسلام عنه، لما فيه من آفات؛ إذ هو يوغر الصدور، ويبعث على البغض بعد المحبة، والفرقة بعد الاجتماع، والتنافر بعد الألفة، وقد يكون المسخور منه أفضل عند الله من الساخر، قال تعالى: (أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)[الحجرات:11].

قال الإمام الطبري -رحمه الله-: "إنَّ الله عمّ بنهيه المؤمنين عن أن يسخر بعضهم من بعض جميع معاني السخرية؛ فلا يحلّ لمؤمن أن يسخر من مؤمن لا لفقره، ولا لذنب ركبه، ولا لغير ذلك".

وقال ابن الجوزي -رحمه الله-: "لا يستهزئ غنيٌّ بفقير، ولا مستور عليه ذنْبُه بمن لم يُستَر عليه، ولا ذو حَسَب بلئيم الحَسَب، وأشباه ذلك ممّا يتنقَّصه به؛ عسى أن يكون عند الله خيراً منه".

أيها المؤمنون: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ: "مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا؟" قَالُوا: حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ، وَإِنْ قَالَ أَنْ يُسْتَمَعَ، قَالَ: ثُمَّ سَكَتَ، فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ المسْلِمِينَ، فَقَالَ: "مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا؟" قَالُوا: حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لاَ يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لاَ يُشَفَّعَ، وَإِنْ قَالَ أَنْ لاَ يُسْتَمَعَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا"(أخرجه البخاري).

عباد الله: إنَّ جاه المرء ورفيع منزلته في قومه ليست دليلاً على فضله على غيره من ضعفة الناس وعامتهم؛ فكم من محتَقَر في الدنيا له منزلة رفيعة عند الله -تعالى-؛ فالحذر الحذر من المبالغة في تعظيم ذوي الجاه والمناصب واحتقار الضعفاء والمساكين والـمُـبـتَــلَين، قال القرطبي -رحمه الله-: "الْأَعْمَالُ أَمَارَاتٌ ظَنِّيَّةٌ لَا أَدِلَّةً قَطْعِيَّةً. وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا عَدَمُ الْغُلُوِّ فِي تَعْظِيمِ مَنْ رَأَيْنَا عَلَيْهِ أَفْعَالًا صَالِحَةً، وَعَدَمُ الِاحْتِقَارِ لِمُسْلِمٍ رَأَيْنَا عَلَيْهِ أَفْعَالًا سَيِّئَةً. بَلْ تُحْتَقَرُ وَتُذَمُّ تِلْكَ الْحَالَةُ السَّيِّئَةُ، لَا تِلْكَ الذَّاتُ الْمُسِيئَةُ. فَتَدَبَّرْ هَذَا، فَإِنَّهُ نَظَرٌ دَقِيقٌ".

معاشر المسلمين: إنَّ احتقار الغير والسخرية منه واللمز والهمز أخلاق ينأى المؤمن عن التخلق بها، ويأباها أصحاب العقول السليمة يجتنبونها؛ لعلمهم بسوئها وقبحها، ولعلمهم بأنَّها ليست من صفات المؤمنين، بل من صفات المعاندين المخالفين، قال تعالى: (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)[البقرة:212].

والسخرية -كذلك- من صفات المكذبين بالأنبياء والرسل، قال تعالى: (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ)[الأنعام:10] وكذلك فإنَّ السخرية من صفات المنافقين، قال تعالى: (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[التوبة:79].

قال الإمام السمعاني عن سبب نزول هذه الآية: "أَنَّ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- حث النَّاس على الصَّدَقَة، فجَاء عبد الرَّحْمَن بن عَوْف -رضي الله عنه- بأَرْبعَة آلَاف دِينَار -وَكَانَ ذَلِك نصف مَاله-، وَجَاء عَاصِم بن عدي بثلاثمائة وسق من تمر -والوسق حمل بعير-، وَجَاء أَبُو عقيل -رجل من الْأَنْصَار- بِصَاع من تمر، وَقَالَ: كَانَ لي صَاعَانِ من تمر فَجئْت بِأَحَدِهِمَا، فَقَالَ الـمُنَافِقُونَ: أما عبد الرَّحْمَن ابْن عَوْف وَعَاصِم بن عدي: فأعطيا مَا أعطيا رِيَاء، وَأما أَبُو عقيل فَمَا كَانَ أغْنى الله من صَاع أبي عقيل، فَأنْزل الله -تعالى- فيهم هَذِه الْآيَة".

معاشر المسلمين: من الناس من إذا رأى مبتلى سخر منه، يسخر من عاهته أو من مرضه أو من معصيته أومن خطئه أو يسخر من فقره وعوزه، أو يسخر من نسب فلان وعشيرته وقبيلته أو من أهل بلده أو منطقته، وما علم ذلك الساخر عن حاله فقد يكون سخر بإنسان أفضل منه عند الله، قال أحد السلف: "الْبَلَاءُ مُوَكَّلٌ بِالْقَوْلِ، لَوْ سَخِرْتُ من كلب لخشيت أن أحول كلبا".

وقال الإمام الطبري -رحمه الله-: "غير جائز لأحد من المسلمين أن ينبز أخاه باسم يكرهه، أو صفة يكرهها".

عباد الله: لو أنَّ أحدهم عيَّرك ونبزك هل تنبزه وتعيِّره؟ والجواب في الحديث الصحيح أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِنِ امْرُؤٌ شَتَمَكَ وَعَيَّرَكَ بِمَا يَعْلَمُ فِيكَ فَلَا تُعَيِّرْهُ بِمَا تَعْلَمُ فِيهِ، فَإِنَّمَا وَبَالُ ذَلِكَ عَلَيْهِ"(أخرجه أبو داود وصححه الألباني).

عباد الله: إنَّ السخرية بالناس دليل على ضعف الإيمان وسوء الأخلاق ولؤم الطباع ودناءة النفس وحقارتها، وهي جالبة لبغض الناس؛ فالساخر لا يحبُّ مجالسته إلا من جانسه في فعله، ويزداد إثم السخرية إذا سخر بالعلماء والدعاة إلى الله أو سخر بولاة أمور المسلمين؛ ظنَّاً منه أنَّه أحسن صنعاً وهو في الحقيقة أساء وتعدى.

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه؛ إنَّه هو الغفور الرحيم.