البحث

عبارات مقترحة:

المولى

كلمة (المولى) في اللغة اسم مكان على وزن (مَفْعَل) أي محل الولاية...

المجيد

كلمة (المجيد) في اللغة صيغة مبالغة من المجد، ومعناه لغةً: كرم...

القيوم

كلمةُ (القَيُّوم) في اللغة صيغةُ مبالغة من القِيام، على وزنِ...

حاجة القلب إلى السكينة

العربية

المؤلف محمد بن إبراهيم الشعلان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات
عناصر الخطبة
  1. حاجة القلب إلى السكينة .
  2. من أسباب طمأنينة القلب وسكينته .
  3. التوحيد والإيمان بالقضاء والقدر .
  4. العلم النافع والعمل الصالح .
  5. ذكر الله عز وجل .
  6. الزوجة الصالحة .
  7. الصحبة الصالحة .
  8. أكل المال الطيب الحلال. .
اهداف الخطبة
  1. بيان الأسباب التي تؤدي إلى طمأنينة القلب وسكينته.

اقتباس

أعظم الأسباب التي تجعل القلب يسكن ويطمئن، هو توحيد الله عز وجل والإيمان بقضائه وقدره ..

الخطبة الأولى:

بعد المقدمة: فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، واعتصموا بكتاب ربكم وسنة نبيكم فإن أجسامكم على النار لا تقوى، واستعدوا ليوم ترجعون فيه إلى الله، ثم توفى كل نفس ما كسبت ولا تظلم شيئاً، قال الله تعالى: (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) [البقرة:281].

عباد الله! الإنسان في هذه الحياة محتاج إلى طمأنينة القلب وسكينته، وهو يمر في هذه الحياة بمكدرات ومنغصات، وفتن ومحن، ومشاكل وخصومات، ومعوقات وكربات، وأحياناً يمر بفترات يحس فيها بوحدة وانفراد، ولهذا قالت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها لما قدمت المدينة أتتني أمي أم رومان وإني لفي أرجوحة ومعي صواحب لي فصَرَخَت بي فأتيتها لا أدري ما تريد بي، فأخذت بيدي حتى أوقفتني على باب الدار وإني لأنهج حتى سكن بعض نفسي ثم أخذت شيئاً من ماء فمسحت به وجهي ورأسي ثم أدخلتني الدار، فانظروا عباد الله كيف قالت حتى سكن بعض نفسي، لما أصابها من الانزعاج والقلق، وذكر ابن القيم رحمه الله أنه حدثه بعض أقارب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى كان في بداية أمره يخرج أحياناً إلى الصحراء يخلو عن الناس لقوة ما يَرِدُ عليه فتبعته يوماً فلما أصحر تنفس الصعداء ثم جعل يتمثل بقول الشاعر:

وأخرج من بين البيوت لعلني أحدِّث عنكِ النفس بالسر خاليا

وأعظم الأسباب التي تجعل القلب يسكن ويطمئن، هو توحيد الله عز وجل والإيمان بقضائه وقدره، فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام:82].
وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم من أركان الإيمان وأسسه الإيمان بالقضاء والقدر، لما سأله جبريل عن الإيمان أجابه بقوله: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وتؤمن باليوم الآخر وبالقدر خيره وشره؛ ونحن نرى أن الذين تنتابهم المخاوف، وينتابهم القلق، ربما أقدموا على أشياء محرمة يظنون أن فيها نجاتهم مما هم فيه، وغاب عنهم أن فيها شقاءهم وتعاستهم في الدنيا والآخرة، مثل الإقدام على المشروبات المحرمة، أو المأكولات المحرمة، أو الإقدام على إزهاق النفس، وهو ما يسمى بالانتحار، نرى أن هؤلاء هم الذين فقدوا الإيمان الصحيح، والإيمان بالقضاء والقدر، ومن أهم الأسباب التي تجلب السكينة والطمأنينة للقلب العلم النافع والعمل الصالح، فإن فيهما راحة الضمير وطمأنينة القلب وسكن النفس، لأن العلم النافع يرشد الإنسان إلى ما فيه خيره وسعادته في الدنيا والآخرة، ولأن العمل الصالح يجعل الإنسان يرتبط بربه ويناجيه ويدعوه إما دعاء عبادة أو دعاء مسألة، فأهل العلم الشرعي والعمل الصالح قريبون من الله عز وجل، والله سبحانه قريب منهم قرباً يليق بجلاله وعظمته جل في علاه.

وقد قال سبحانه وتعالى: (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف:من الآية56]. وقال سبحانه وتعالى:(وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت:69].
وقال سبحانه وتعالى:(إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) [النحل:128].

وأهل العلم النافع والعمل الصالح هم أهل الإحسان، فالله قريب منهم معهم بعلمه وتأييده ونصره وتوفيقه، وهم قريبون من الله ومن كان قريباً من الله والله عز وجل معه، فالقلب منه مطمئن، والضمير مرتاح، والنفس ساكنة، وأما أهل الجهل والعمل السيئ فهم بعيدون من الله وقد حرموا من القرب الخاص والمعية الخاصة من الله سبحانه وتعالى، فهم أهل الإساءة وليسوا أهل الإحسان، فلا جرم أن يصابوا بالقلق والخوف وعدم راحة الضمير وسكون النفس، وطمأنينة القلب، قال الله عز وجل: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) [طـه:124]، وقال سبحانه وتعالى: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ) [الأنعام: من الآية125].

ومن أهم الأسباب أيضاً التي تجلب طمأنينة القلب وراحة الضمير وسكون النفس والرضاء بالقضاء والقدر، ذكر الله عز وجل، في الليل والنهار في الصباح والمساء عند النوم وعند الاستيقاظ، عند الأكل وعند الشرب، عند قضاء الوَطَر عند ركوب الدابة، في الصلوات وسائر العبادات، فإن ذكر الله عز وجل من أعظم الأسباب في طمأنينة القلب، وقد قال سبحانه وتعالى:(الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد:28].

ولهذا كان أهل الغفلة والبعد عن ذكر الله هم أكثر الناس تعرضاً للقلاقل والمخاوف، وحرماناً من طمأنينة القلوب وراحة الضمائر وسكون النفوس، ولقد حدثت بأن طبيباً كان يعالج الناس علاجاً عاماً، فأتاه رجل كافر وشكى إليه ما يجده من اضطراب في القلب وسرعة في دقاته، فلما شخّصه الطبيب لم يجد فيه شيئا ووجد أن دقات قلبه سريعة، قال هذا الطبيب فتذكرت الحديث الذي جاء فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان وله ضُراط حتى لا يسمع التأذين فإذا قضي النداء أقبل حتى إذا ثُّوِّبَ للصلاة أي أقيمت الصلاة: أدبر حتى إذا قُضي التثويب أقبل يخطر بين المرء ونفسه يقول: اذكر كذا اذكر كذا لما لم يكن يذكر حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى؛ والتأذين ذكر، قال فقلت له ائتني في وقت كذا وأعني به وقت الأذان، فجاء هذا الرجل فقلت له أصغ سمعك لهذا وأقصد به الأذان، يقول فلما شرع المؤذن في الأذان قلت له استمع لهذا وأصغ إليه، ففعل فجعلت أضع السماعة على قلبه في هذه الحالة فوجدت أن قلبه قد سكنت ضرباته، وشعر هو بذلك أيضاً، فلما ذهب جاءني وقال لي قد عادت ضرباته، ففعلت به مثل ما فعلت به في المرة الأولى، فعلمت بأن هذا مجرد شيطان يدخل قلبه فإذا أنصت لهذا الذكر العظيم انخنس الشيطان من قلبه فعاد إلى هدوئه وعادته، فأخبرته مرضه شيطان وأن هذا الأذان يُذهب هذا الشيطان، وجعلت أشرح له فضل الأذان وكيف شرع حتى هداه الله عز وجل للإسلام.

فذكر الله عز وجل من أعظم الأسباب في طمأنينة القلب وهدوئه،
ومن الأسباب أيضاً في طمأنينة القلب وراحته، الزوجة الصالحة التي ترافق الرجل في حياته مرافقة الشريك لشريكه بل أعظم مرافقة وأشد صحبة، فإن الزوجة الصالحة من أعظم الأسباب في طمأنينة قلب الرجل وراحته وهدوء باله، فقد جعل الله عز وجل الزوجة سكناً للزوج فقال سبحانه وتعالى:(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا) الروم: من الآية21، وقال سبحانه وتعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا )[الأعراف: من الآية189].

فكما أن الرجل يرتاح في سكنه وأعني به بيته، فكذلك الزوجة هي بمثابة السكن للرجل يرتاح بها من آلام الحياة ولأوائها، بل جعل الله عز وجل بين الزوجين مودة ورحمة(وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) الروم: من الآية21، قال ابن كثير رحمه الله تعالى: من تمام رحمة الله عز وجل ببني آدم أن جعل أزواجهم من جنسهم، فلو أنه تعالى جعل بني آدم كلهم ذكوراً وجعل إناثهم من جنس آخر من غيرهم إما من جان أو حيوان لما حصل هذا الائتلاف بينهم وبين الأزواج، بل كانت تحصل النفرة، ثم من تمام رحمته ببني آدم أن جعل بينهم وبينهن مودةً ورحمة، يمسك المرأة إما لمحبته لها أو لرحمة بها بأن يكون لها منه ولد ومحتاجة إليه في الإنفاق، أو للألفة بينهما أو لغير ذلك. اهـ.

وقد قال أحدهم:
لَمَودَّةٌ ممن يحبك مخلصاً خيرٌ من الرحِمِ القريبِ الكاشحِ
ولهذا كان حسن اختيار الزوجة وحسن اختيار الزوج، من أعظم الأسباب في حصول طمأنينة القلب للزوج والزوجة، وراحة الضمير وهدوء البال، واستقرار الحياة، وما حصل فراق القلب وقلقه، واضطراب النفس وتغيرها، إلا بسبب سوء الاختيار للزوج وسوء الاختيار للزوجة، وقد قال أحدهم:

ومن نَكَدِ الدُّنيا على الحُرِّ أنْ يَرَى   عدُوَّاً لـهُ، ما مِـن صَـداقتِهِ بُدُّ

وهناك سببان آخران أذكرهما إن شاء الله عز وجل في الخطبة الثانية.

الخطبة الثانية:

بعد المقدمة:

عباد الله! من أعظم الأسباب أيضاً في طمأنينة القلب وراحة الضمير الصحبة الصالحة فإن بها يحصل طمأنينة القلب وراحة الضمير وسكون النفس، لأن هذه الصحبة تذكر الإنسان بربه وبالدار الآخرة، وتذكره بما له من الأجر العظيم عند الله إذا هو صبر على الضراء وشكر على السراء، كما قال عليه الصلاة والسلام: "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن"

وما نال الإنسان من عذاب القلب وقلقه واضطراب الحياة، إلا بسبب الصحبة السيئة التي تُورِده المهالك وتدله على الشر الذي يحصله في دنياه وآخرته، وبهذا يتبين لنا أهمية الصحبة الصالحة ونفعها، وخطورة الصحبة السيئة وضررها.

ومن أهم الأسباب أيضاً في طمأنينة القلب أكل المال الطيب الحلال، فإن له تأثيراً عظيماً في طمأنينة القلب وراحة الضمير و الواقع شاهد على ذلك، ليست المسألة كثرة مال، بل المسألة طيب هذا المال وكونه من حلال، وإلا فإن إزهاق النفس والتعدي عليها بالانتحار نجده كثيراً في أصحاب الأموال الطائلة لكنها أموال خبيثة قذرة، اكُتِسبت من طرق خبيثة والعياذ بالله، فلا يهنأ بها الإنسان في مأكل ولا مشرب ولا ملبس ولا مركب، ونجد أن أصحاب الأموال القليلة التي اكتسبوها من طريق حلال مشروع، أكثر الناس رضا واحتساب، وأعظم الناس طمأنينة وراحة بال..

هذه عباد الله بعض الأسباب التي بها يطمئن القلب بإذن الله عز وجل، والإنسان في هذا الحياة التي عَجَّت بالفتن المتنوعة، محتاج إلى طمأنينة القلب، ولن يجد ذلك إلا فيما ذكرناه، فلنحرص عباد الله على ما يشرح صدورنا ويُطَمْئن قلوبنا، ويهدينا إلى طريق الله المستقيم.