اللطيف
كلمة (اللطيف) في اللغة صفة مشبهة مشتقة من اللُّطف، وهو الرفق،...
(الحَفِيُّ) صيغةُ مبالغة على وزن (فعيل)، من المادة اللُّغوية (حفي)، وهو مَن يُكثِر الإكرامَ، ويبالغ فيه؛ قال ابنُ فارس: «وتحفَّيْتُ به: بالَغْتُ في إكرامه، وأحفَيْتُ. و(الحَفِيُّ): المستقصي في السؤال»، وقال الراغبُ الأصبهاني: «و(الحَفِيُّ): البَرُّ اللطيف في قوله عز وجل: ﴿إِنَّهُۥ كَانَ بِي حَفِيّٗا﴾ [مريم: 47]، ويقال: حَفِيتُ بفلان، وتحفَّيْتُ به تَحفِّيًا: إذا عُنِيتَ بإكرامه، و(الحَفِيُّ): العالِم بالشيء». "المفردات" (ص246).
وفي قوله عز وجل: ﴿يَسْـَٔلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَاۖ﴾ [الأعراف: 187]، ذكَر أهلُ التفسير القولينِ:
إما أنه: «المستقصي في السؤال»؛ كما قال ابنُ فارس.
وإما أنه: «العالِمُ بالشيء»؛ كما قال الراغبُ.
ولعل الأصلَ الجامع لهذه المادة اللُّغَوية هو (الاعتناء)؛ فإن العلمَ بالشيء، أو كثرةَ السؤال عنه، أو كثرةَ الإكرام لأحدهم والمبالغةَ فيه: كلُّها راجعٌ إلى الاعتناء، والله أعلم.
المعنى اللُّغَوي لهذا الاسم يدلُّ على الصفة، والمعنى الاصطلاحي يدل على الصفةِ والذات العَلِيَّة المتصِفة بها؛ فالعَلاقة بينهما هي الدَّلالة على صفة (الرحمة).
يدل اسمُ الله (الحَفِيُّ) على إثبات صفة (الرحمة) لله سبحانه وتعالى.
جاء لفظ (الحَفِيِّ) اسمًا لله عز وجل في موضعٍ واحد في القرآن الكريم؛ وهو قوله تعالى: ﴿قَالَ سَلَٰمٌ عَلَيْكَۖ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّيٓۖ إِنَّهُۥ كَانَ بِي حَفِيّٗا﴾ [مريم: 47].
قال ابنُ قُتَيبة: «أي: بارًّا، عوَّدَني منه الإجابةَ إذا دعَوْتُه». "تفسير غريب القرآن" (ص274).
الدليل العقليُّ على إثبات صفة (الرحمة) التي يدل عليها اسمُ الله (الحَفِيُّ) هو قياسُ الأَوْلى؛ فإن صفةَ (الرحمة) صفةُ كمالٍ، وكلُّ كمال ثبَت لمخلوقٍ لا نقصَ فيه بوجه، فمُعطيه إيَّاه أحَقُّ به؛ ولذلك ثبت اتصافُ الله تعالى بـ(الرحمة).
- التعلُّق بها؛ فالإنسان ما دام يؤمن برحمةِ الله فسوف يتعلق بها، ويكون منتظِرًا لها؛ فيَحمِله هذا الاعتقادُ على فعلِ كلِّ سبب يوصل إلى الرحمة؛ مثل: الإحسان؛ فالله يقول: ﴿إِنَّ رَحْمَتَ اْللَّهِ قَرِيبٞ مِّنَ اْلْمُحْسِنِينَ﴾ [الأعراف: 56]، والتقوى؛ قال تعالى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٖۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ اْلزَّكَوٰةَ وَاْلَّذِينَ هُم بِـَٔايَٰتِنَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: 156].
* ومِن آثار الإيمان باسمه (الحَفِيِّ) أيضًا: التخلُّق بخُلُق الرحمة؛ فمعرفةُ الإنسان برحمة خالقه تَحمِله على التخلُّق بتلك الصفة، وفي ذلك يقول القُرْطُبي: «فكُنْ رحيمًا لنفسك ولغيرك، ولا تستبِدَّ بخيرك؛ فارحَمِ الجاهلَ بعلمك، والذليل بجاهك، والفقير بمالك، والكبيرَ والصغير بشفقتك ورأفتك، والعصاةَ بدعوتك، والبهائمَ برَعْوتِك، ورفعِ عُنُقِك؛ فأقرَبُ الناس من رحمة الله أرحَمُهم بخَلْقِه، وقد دخلت البَغِيُّ الجنةَ بسَقْيِها كلبًا!
فمَن كثُرت منه الشفقةُ على خَلْقِه، والرحمةُ على عباده: رَحِمه اللهُ برحمته، وأدخَله دارَ كرامته، ووقَاه عذاب قبره، وهَوْلَ موقفه، وأظَلَّه بظِلِّه؛ إذ كلُّ ذلك من رحمته، ولا تُدِلَّ بعملِك وكثرته، وإخلاصِك فيه؛ فتتكلَ عليه دون رحمته». "الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى" (1 /87-88).
إن آثارَ رحمة الله عز وجل في الكونِ والحياة لا تُحصَى؛ قال ابنُ القيِّم: «إن ظهورَ آثار هذه الصفة (الرحمة) في الوجود كظهورِ أثر الرُّبوبية، والمُلْكِ، والقدرة؛ فإن ما للهِ على خَلْقِه من الإحسان والإنعام شاهدٌ برحمةٍ تامة وَسِعتْ كلَّ شيء». انظر: "مختصر الصواعق المرسلة" (2 /317).
وعن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه، قال: سَمِعتُ رسولَ اللهِ ﷺ يقولُ: «جعَلَ اللهُ الرحمةَ مائةَ جُزْءٍ، فأمسَكَ عنده تسعةً وتسعين جزءًا، وأنزَلَ في الأرضِ جزءًا واحدًا، فمِن ذلك الجزءِ تَتراحمُ الخَلْقُ؛ حتى تَرفَعَ الفَرَسُ حافِرَها عن وَلَدِها خشيةَ أن تُصِيبَه». البخاري (6000)، ومسلم (2752).
«﴿إِنَّهُۥ كَانَ بِي حَفِيّٗا﴾: بليغًا في البِرِّ والإكرام؛ يقال: حَفِيَ به: إذا اعتنى بإكرامه، والجملة تعليلٌ لمضمونِ ما قبلها، وتقديمُ الظَّرف لرعايةِ الفواصل مع الاهتمام». الآلُوسي الكَبير "روح المعاني" (8 /419).