البحث

عبارات مقترحة:

الملك

كلمة (المَلِك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعِل) وهي مشتقة من...

الوتر

كلمة (الوِتر) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، ومعناها الفرد،...

الغفار

كلمة (غفّار) في اللغة صيغة مبالغة من الفعل (غَفَرَ يغْفِرُ)،...

حاجة الناس إلى الموعظة والتذكير

العربية

المؤلف محمد بن إبراهيم الشعلان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات
عناصر الخطبة
  1. مع كثرة الفتن تزداد الحاجة إلى الوعظ والذكرى .
  2. التذكير والوعظ من هديه صلى الله عليه وسلم وزماننا أولى بذلك .
  3. الغزو الفكري أشد على المجتمعات من الغزو العسكري .
  4. كلما قوي الإيمان ضعفت الفتن والعكس .

اقتباس

ولكن هذه الأمور تقوى على من بعد عن ربه، وضعف إيمانه، وسمح لها أن تتسلط عليه، وفتح باب قلبه ونافذة عقله لها ولدعاتها؛ بل وذهب بنفسه إليها أو جلبها لنفسه في بيته وسوقه، والمؤسف أن البعض منا صار عوناً...

الخطبة الأولى:

الحمد لله فاطر السموات والأرض، أحمده سبحانه وله الحمد في الأولى والآخرة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، إمام المتقين وسيد المتوكلين، وحجة الله على العالمين أجمعين، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- واسألوه الثبات على هذا الدين والوفاة على التوحيد.

عباد الله: في خضم هذه الحياة، وبين أمواج الفتن والشهوات، التي غمرت مجتمعات المسلمين وانتشرت في بلادهم، يحتاج المسلم إلى ما يقوى إيمانه ويرغبه في آخرته، ويزهده في دنياه، يحتاج إلى ما يربطه بخالقه وإلهه ومولاه، وذلك يتأتى عن طريق المواعظ التي تهز النفوس وتخوف القلوب، وتذكر الإنسان بربه علام الغيوب.

إننا في هذا الزمان العصيب، لم يعد خافياً على الناس الحلال والحرام، ولم يعد خافياً على الناس ما يُكاد لهم من أعدائهم، لتعدد وسائل المعرفة والاطلاع والاتصال؛ ولكن الذي ابتلي به كثير من الناس، هو الغفلة عن الله -عز وجل- والدار الآخرة، فاحتاجوا إلى ما يطرد هذه الغفلة من قلوبهم ويفيقهم منها، وطريق ذلك المواعظ والتذكير والنصح والتوجيه كما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفعل مع أصحابه؛ ففي سنن أبي داود -رحمه الله- بسنده عن العرباض بن ساريه -رضي الله عنه- أنه قال: صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع، فماذا تعهد إلينا؟ فقال :"أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبداً حبشياً، فإن من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة".

أرأيتم -عباد الله- إلى هذا الوصف من هذا الصحابي الجليل لموعظة الني محمد -صلى الله عليه وسلم- وهو يعظ من؟ يعظ الصحابة الذين هم أقوى الناس إيماناً بعد الأنبياء، وأشدهم تمسكاً بدينهم وعقيدتهم، وأسرع اتباعاً لنبيهم محمد -عليه الصلاة والسلام- فنحن أولى بالمواعظ وأشد حاجة للتذكير والتنبيه في زمان عصفت الفتن بمجتمعات المسلمين، وغزت الأفكار الضالة والشبهات المشككة في الدين عقول الناس، وكثر من يدعو إلى الضلالة، ومن يحسن البدعة والخرافة، ويروج للشعوذة والجدل، وسرقت أنظار كثير من المسلمين وبهرت عقولهم ما يبث عن طريق هذه القنوات الفضائية التي تعبث بالدين وتسخر من العقول وتدعو إلى الرذيلة وتنهى عن الفضيلة، وتنبذ الحياء والتي شرها طاغ على خيرها، وخبثها أكثر من طيبها.

لا شك أن هذه الأمور خطر على المسلم في بلاده ومجتمعه، وأعظم عليه من الغزو العسكري وأشد بلاء وفتنة منه لأنها تغزو ما إذا فسد فسد الجسد كله وإذا صلح صلح الجسد كله، ألا وهو القلب؛ ولأنها مسلطة على ما أكرم الإنسان به وفضل به على كثير ممن خلق ألا وهو العقل؛ فإذا فسد القلب وضل العقل نال الأعداء مرادهم من المسلم وسهل عليهم قيادته والتأثير عليه وتدبيره، وقد قال الله عنهم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ)[آل عمران: 118]، وقال: (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ)[آل عمران: 120].

ولكن هذه الأمور تقوى على من بعد عن ربه، وضعف إيمانه، وسمح لها أن تتسلط عليه، وفتح باب قلبه ونافذة عقله لها ولدعاتها؛ بل وذهب بنفسه إليها أو جلبها لنفسه في بيته وسوقه، والمؤسف أن البعض منا صار عوناً لهذه الفتن وهذه الشهوات والشبهات والضلالات وهذه الأفعال والمرئيات القبيحة حتى تسللت إلى بيته ومجتمعه وتغزوه في عقر دارة.

أما ترون إلى من يذهب إلى أماكن الغفلة والسوء! ألم تشاهدوا من يسافر إلى بلاد الكفر والشرك فيرى مشاهد قبيحة، وأفعالاً منكرة، وتهون عليه نفسه أن تشاهدها، وربما وقعت فيها! وألم تشاهدوا من يجلب لبيته آلات الزمر والطرب، ويأذن لصوت الخنا والسوء أن يتردد صداه في بيته! ألم تروا إلى من يبذل من ماله الذي تعب في تحصيله ليفتني آلات تقرب الشر وتبعد الخير تري الخبيث وتحجب الطيب ثم بعد ذلك يندب زمانه ويرثي حاله ويتهم المجتمع بالتقصير والتفريط، وهو من أدوات التقصير ومعاول الهدم والتخريب لأعز ما يملك وأرفع ما يحوز وهو قلبه وعقله!.

إن هذه الفتن -عباد الله- وهذه الشرور، سوف تصطدم وتنكسر وتتوارى إذا واجهت قلباً مؤمناً بربه، ثابتاً على دينه وعقيدته، متوكلاً عليه ومفوضاً أموره إليه، لاجئاً إليه في كل وقت وحين، وفي كل صغيرة وكبيرة يرتاد صاحبه أماكن الذكر والطاعة والموعظة، ويبتعد عن أماكن المعصية والرذيلة والدعوة إلى السوء والفحشاء ويطرح كل فكر دخيل ونظرية دخيلة، وينبذ كل خبيث ويحرص على الخير ويبحث عنه ويعتنقه إذا لقيه.

لو وقف المسلمون موقفاً واحداً وصمدوا أمام الفتن وحاربوها بكل ما استطاعوا من وسيلة وقوة، لعادت الفتن من حيث أتت، ولانقلب دعاتها على أعقابهم خاسرين وممقوتين خائبين؛ ولكن كثيراً منا أو بعضنا قد ضعف أمامها وأمام دعائها وأصابه الوهن والذل فإلى الله المشتكى ولا حول ولا قوة إلا بالله.

عباد الله: أنتم في زمان عصيب؛ فاحرصوا على سلامة دينكم وعقولكم وقلوبكم، واحذروا الفتن والمنكرات والشهوات، واعلموا أنكم ميتون وبين يدي الله موقوفون وعن أعمالكم وأقوالكم محاسبون، وسيعلم الذي ظلموا أي منقلب ينقلبون.