المعطي
كلمة (المعطي) في اللغة اسم فاعل من الإعطاء، الذي ينوّل غيره...
(الآخِر) كلمة تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (الآخِريَّة) لله تعالى، وأنه سبحانه الباقي بعد فَناء الخَلْقِ، ويُثبِت مع الأسماء الثلاثة الأخرى (الأوَّل - الظاهر - الباطن) صفةَ (الإحاطة) لله سبحانه وتعالى، وهذه الأسماء جاءت في موضعٍ واحد من كتاب الله؛ وهو قوله تعالى: ﴿هُوَ ٱلۡأَوَّلُ وَٱلۡأٓخِرُ وَٱلظَّٰهِرُ وَٱلۡبَاطِنُۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٌ﴾ [الحديد: ٣].
قال ابنُ فارس رحمه الله: «(أخر): الهمزة والخاء والراء: أصلٌ واحد إليه تَرجِع فروعه؛ وهو خلاف التقدُّم. وهذا قياسٌ أخذناه عن الخليل؛ فإنه قال: (الآخِر): نقيض المتقدِّم». انظر: "المقاييس" (1 /70).
فـ(الآخِر): خلافُ (الأوَّل)؛ تقول جاء آخِرًا: أي: أخيرًا، والمؤنَّث منه: آخِرة، وهو مختلِف عن (الآخَر) بالفتح؛ ومعناه: أحدُ الشيئَينِ.
إن ما دلَّتْ عليه اللغةُ يتوافق مع ما اصطُلِح عليه في معنى اسم الله (الآخِر)؛ وهو: إثباتُ (الآخِريَّة) لله سبحانه وتعالى.
ورَد اسمُ الله (الآخِر) في حديث ذِكْرِ النوم الذي رواه أبو هُرَيرةَ رضي الله عنه مرفوعًا: «اللهم أنت الأوَّلُ فليس قبلك شيءٌ، وأنت الآخِرُ فليس بعدك شيءٌ». أخرجه مسلم (2713).
وشرَحه ابنُ أبي العِزِّ رحمه الله، فقال: «هو معنى اسمِه (الأوَّل) و(الآخِر).
والعلمُ بثبوت هذين الوصفينِ مستقرٌّ في الفِطَرِ؛ فإن الموجوداتِ لا بد من أن تنتهيَ إلى واجبِ الوجود لذاته؛ قطعًا للتسلسل، فإنَّا نشاهد حدوثَ الحيوان والنبات والمعادن، وحوادثَ الجوِّ؛ كالسَّحاب، والمطر، وغير ذلك، وهذه الحوادثُ وغيرُها ليست ممتنِعةً؛ فإن الممتنِعَ لا يوجد، ولا واجبةَ الوجود بنفسها؛ فإن الواجبَ الوجودِ بنفسه لا يَقبَل العدمَ، وهذه كانت معدومةً ثم وُجِدت؛ فعَدَمُها ينفي وجوبَها، ووجودُها ينفي امتناعَها، وما كان قابلًا للوجود والعدم لم يكن وجودُه بنفسه؛ كما قال تعالى: ﴿أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ اْلْخَٰلِقُونَ﴾ [الطور: 35]». "شرح الطحاوية" (ص113).
فتأمَّلْ عبوديةَ هذين الاسمينِ، وما يوجِبانِه من صحة الاضطرارِ إلى الله وَحْده، ودوامِ الفقر إليه دُونَ كلِّ شيءٍ سِواه، وأن الأمرَ ابتدأ منه وإليه يُرفَع؛ فهو المبتدِئ بالفضل حيث لا سببَ ولا وسيلة، وإليه ينتهي الأمرُ حيث تنتهي الأسبابُ والوسائل؛ فهو أوَّلُ كلِّ شيء وآخِرُه.
وكما أنه ربُّ كلِّ شيء وفاعلُه وخالقُه وبارئُه، فهو إلهُه، وغايتُه التي لا صلاحَ له ولا فلاحَ ولا كمالَ إلا بأن يكونَ هو غايتَه.
وكما أنه لا وجودَ له إلا بكونه وَحْده هو رَبَّه وخالِقَه، فكذلك لا كمالَ له ولا صلاحَ إلا بكونه تعالى وَحْده هو غايتَه وَحْده، ونهايتَه، ومقصودَه.
فهو (الأوَّلُ) الذي ابتدأت منه المخلوقاتُ، و(الآخِر) الذي انتهت إليه عبوديتُها، وإرادتها، ومحبتها؛ فليس وراءَ اللهِ شيءٌ يُقصَد ويُعبَد ويُتألَّه؛ كما أنه ليس قبله شيءٌ يخلُقُ ويَبرَأ.
فكما كان واحدًا في إيجادك، فاجعَلْهُ واحدًا فى تألُّهِك، وعبوديتِك!
وكما ابتدأ وجودَك وخَلْقَك منه، فاجعَلْ نهايةَ حُبِّك وإرادتِك وتألُّهِك إليه؛ لتَصِحَّ لك عبوديتُه باسمِه (الأوَّل) و(الآخِر)». "طريق الهجرتين" (1 /37 وما بعدها).
إن لكلِّ المخلوقات بدايةً ونهاية؛ وهذا ظاهرٌ ومُشاهَد في الأحياء والجمادات جميعًا، صغيرِها وكبيرِها؛ فنهاية الذَّرة انشطارٌ أو اندماج، ونهايةُ الحيوان والنبات موتٌ وفَناء، ونهايةُ النجوم موتٌ وتحوُّلٌ من طَوْرِ النَّجْمية إلى أطوارٍ أخرى؛ كالثُّقوب السوداء، والنجوم النيوترونية، وغيرِ ذلك، وبعد خمسة مليارات سنة ستنتهي تمامًا وتَتحوَّل إلى فراغٍ أسودَ، والكونُ بأجمَعِه كما بدأ سينتهي؛ كما قال سبحانه: ﴿يَوْمَ نَطْوِي اْلسَّمَآءَ كَطَيِّ اْلسِّجِلِّ لِلْكُتُبِۚ كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٖ نُّعِيدُهُۥۚ وَعْدًا عَلَيْنَآۚ إِنَّا كُنَّا فَٰعِلِينَ﴾ [الأنبياء: 104]؛ فلا شيءَ يستعصي على الموت والزَّوال، لا شيءَ سِوى الله؛ وإذ ذاك فمِن مظاهرِ اسم الله (الآخِر) في هذا الكون: بقاؤُه على انتظامِه واتساقه إلى حدِّ انتهائه؛ فلو أن اللهَ لم يكن آخِرًا بعد كلِّ شيء، لَمَا كان هناك حافظٌ للوجود ومُدبِّر للكون بعد زواله.
«ومهما نظرتَ إلى ترتيب السلوك، ولاحظتَ مراتبَ منازلِ السائرين إليه: فهو (آخِرٌ)؛ إذ هو آخِرُ ما يرتقي إليه درجاتُ العارفين، وكلُّ معرفة تحصُلُ قبل معرفته فهي مِرْقاةٌ إلى معرفته، والمنزلُ الأقصى هو معرفةُ الله سبحانه وتعالى؛ فهو (آخِرٌ) بالإضافة إلى السلوك، (أوَّلٌ) بالإضافة إلى الوجود؛ فمنه المبدأُ أولًا، وإليه المَرجِع والمصير آخِرًا».
الغَزالي "المقصد الأسنى" (ص136).
«(الأوَّل) بعِرْفان القلوب، و(الآخِر) بسَتْرِ العيوب، و(الظاهر) بإزالة الكروب، و(الباطن) بغفران الذُّنوب.(الأول) قبل كلِّ شيء، و(الآخِر) بعد كل شيء، و(الظاهر) بالقدرة على كل شيء، و(الباطن) العالِمُ بحقيقة كل شيء.
(الأوَّل) قبل كل شيء بالقِدَم والأزليَّة، و(الآخِر) بعد كل شيء بالأبدية والسَّرمديَّة، و(الظاهر) لكل شيء بالدلائلِ اليقينيَّة، و(الباطن) من مناسَبة الجِسْمية والأَبْنِيَة والكميَّة». الفَخْر الرَّازِي "لوامع البينات" (ص240).
«(الأوَّل): الذي لا قَبْلَ له، و(الآخِر): هو الذي لا بَعْدَ له؛ وهذا لأن (قَبْلَ وبَعْدَ) نهايتانِ؛ فـ(قَبْلَ) نهايةُ الموجود مِن قَبْلِ ابتدائه، و(بَعْدَ) غايتُه مِن قَبْلِ انتهائه، فإذا لم يكن له ابتداءٌ ولا انتهاءٌ، لم يكن للموجود قَبْلٌ ولا بَعْدٌ؛ فكان هو (الأوَّلَ)، و(الآخِرَ)».
الحَلِيمي المنهاج (1/188).
«فمعرفةُ هذه الأسماء الأربعة: (الأوَّل والآخِر، والظاهر والباطن): هي أركانُ العلم والمعرفة؛ فحقيقٌ بالعبد أن يبلُغَ في معرفتها إلى حيث ينتهي به قُوَاه وفهمُه... فهذه الأسماء الأربعة تشتمل على أركانِ التوحيد... وهي جماعُ المعرفة بالله، وجماعُ العبودية له».
ابن قَيِّم الجَوْزِيَّة "طريق الهجرتين" (1 /46 وما بعدها).
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".