الخبير
كلمةُ (الخبير) في اللغةِ صفة مشبَّهة، مشتقة من الفعل (خبَرَ)،...
العربية
المؤلف | ملتقى الخطباء - الفريق العلمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
إنَّ شؤم المعاصي والذنوب وتأثيرها لا يتوقف على الدنيا فقط، بل يعمُّ شؤمها الدنيا والآخرة، بل إنَّ أثرها في الآخرة ينسي آثارها في الدنيا؛ فأثر المعصية يلحق العاصي والكافر في قبره ومحشره وفي النار؛ فأسألكم بالله ما الذي...
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلَّم تسليماً كثيراً.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب:70-71]، أما بعد:
فإنَّ خيرَ الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمور محدثاتُها، وكلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالة في النار.
أيها المؤمنون: إن شؤم المعاصي والذنوب وتأثيرها لا يتوقف على الدنيا فقط، بل يعمُّ شؤمها الدنيا والآخرة، بل إنَّ أثرها في الآخرة ينسي آثارها في الدنيا؛ فأثر المعصية يلحق العاصي والكافر في قبره ومحشره وفي النار؛ فأسألكم بالله ما الذي جعل القبر يضيق على صاحبه حتى تختلف أضلاعه, ويشتعل عليه ناراً, ويأتيه من صنوف العذاب والأهوال ما تشيب منه مفارق الولدان؟! إلا المعاصي والذنوب.
عباد الله: وقد توعّد الله -تعالى- من يعصيه ويخالف أمره بالعذاب الأليم في الآخرة, ورتّب عقوباتٍ مخصصة على بعض أنواع المعاصي, ومن هذه الآثار والعقوبات:
أن تحلّ لعنة رسول -صلى الله عليه وسلم- بأصحابها؛ فقد جاء اللعن من النبي -عليه الصلاة والسلام-على معاصٍ معينة؛ فلعن الواشمة والمستوشمة, والواصلة والموصولة, والنامصة والمتنمصة, ولعن آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهده, ولعن السّارق, ولعن شارب الخمر وساقيها وعاصرها ومعتصرها, وبائعها ومشتريها وآكل ثمنها, وحاملها والمحمولة إليه.
ولعن من عمِل عملَ قومِ لوط, ولعن من غيَّر منارَ الأرض -وهي أعلامها وحددوها- ولعن من لعن والديه, ولعن الراشي والمرتشي والرائش -وهو الواسطة بينهما- ولعن من اتَّخذ شيئاً فيه الرّوح غرضاً يرميه بسهم, ولعن المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء, ولعن من ذبح لغير الله, ولعن من أحدث حدثاً أو آوى محدثاً، ولعَنَ -عليه الصلاة والسلام- من ارتكب معاصٍ أخرى غير هذه؛ فلو لم يكن في فعل تلك المعصية إلا أن يكون فاعلها ممن يعلنه الله ورسوله وملائكته؛ لكان في ذلك ما يدعو إلى تركه؛ فإنَّ اللعنة هي الطرد من رحمة الله -تعالى- عياذاً بالله.
أيها المسلمون: لقد وردت عقوباتٌ خاصة لبعض الذنوب في عالم البرزخ في تلك الفترة التي يمكث الناس فيها في قبورهم إلى يوم البعث؛ فمن تلك العقوبات:
عقوبة الإشراك بالله وصرف لما يستحق لغيره, قال -تعالى-: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ)[غافر:46].
ومن العقوبات: عقوبة النفاق, كما جاء في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "وأمَّا الكافرُ أو المنافقُ فيقال له: ما كنتَ تَقولُ في هذا الرجل؟ فيقولُ: لا أَدري كنتُ أَقولُ ما يَقولُ الناسُ، فيقالُ: لا دَرَيْتَ ولا تَليْتَ، ثم يُضرَبُ بمِطرقةٍ من حديدٍ ضربةً بيْنَ أُذُنيْهِ، فيَصيحُ صيْحةً يَسمعُها مَن يَليهِ إلا الثَّقَليْنِ"(البخاري ومسلم).
ومن آثار المعاصي: عذابُ أصحابها في قبورهم؛ فقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أصنافٍ من المعاصي يعذَّب أصحابها في قبورهم؛ كما في صحيح البخاري من حديث سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّهُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ، وَإِنَّهُمَا ابْتَعَثَانِي، وَإِنَّهُمَا قَالاَ لِي انْطَلِقْ، وَإِنِّي انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا، وَإِنَّا أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ، وَإِذَا هُوَ يَهْوِي بِالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ فَيَثْلَغُ رَأْسَهُ، فَيَتَدَهْدَهُ الحَجَرُ هَا هُنَا، فَيَتْبَعُ الحَجَرَ فَيَأْخُذُهُ، فَلاَ يَرْجِعُ إِلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ رَأْسُهُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ المَرَّةَ الأُولَى", قَالَ: "قُلْتُ لَهُمَا: سُبْحَانَ اللَّهِ مَا هَذَانِ؟" قَالَ: "قَالاَ لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ".
قَالَ: "فَانْطَلَقْنَا، فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُسْتَلْقٍ لِقَفَاهُ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِكَلُّوبٍ مِنْ حَدِيدٍ، وَإِذَا هُوَ يَأْتِي أَحَدَ شِقَّيْ وَجْهِهِ فَيُشَرْشِرُ شِدْقَهُ إِلَى قَفَاهُ، وَمَنْخِرَهُ إِلَى قَفَاهُ، وَعَيْنَهُ إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إِلَى الجَانِبِ الآخَرِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِالْجَانِبِ الأَوَّلِ، فَمَا يَفْرُغُ مِنْ ذَلِكَ الجَانِبِ حَتَّى يَصِحَّ ذَلِكَ الجَانِبُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ مِثْلَ مَا فَعَلَ المَرَّةَ الأُولَى" قَالَ: " قُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ مَا هَذَانِ؟" قَالَ: "قَالاَ لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا، فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ" قَالَ: "فَاطَّلَعْنَا فِيهِ، فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ، وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا" قَالَ: "قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَؤُلاَءِ؟" قَالَ: "قَالاَ لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ"، قَالَ: "فَانْطَلَقْنَا، فَأَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ أَحْمَرَ مِثْلِ الدَّمِ، وَإِذَا فِي النَّهَرِ رَجُلٌ سَابِحٌ يَسْبَحُ، وَإِذَا عَلَى شَطِّ النَّهَرِ رَجُلٌ قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ حِجَارَةً كَثِيرَةً، وَإِذَا ذَلِكَ السَّابِحُ يَسْبَحُ مَا يَسْبَحُ، ثُمَّ يَأْتِي ذَلِكَ الَّذِي قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ الحِجَارَةَ، فَيَفْغَرُ لَهُ فَاهُ فَيُلْقِمُهُ حَجَرًا فَيَنْطَلِقُ يَسْبَحُ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِ كُلَّمَا رَجَعَ إِلَيْهِ فَغَرَ لَهُ فَاهُ فَأَلْقَمَهُ حَجَرًا" قَالَ: "قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَذَانِ؟" قَالَ: "قَالاَ لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ...", إلى أن قَالَ: "قُلْتُ لَهُمَا: فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مُنْذُ اللَّيْلَةِ عَجَبًا، فَمَا هَذَا الَّذِي رَأَيْتُ؟".
قَالَ: "قَالاَ لِي: أَمَا إِنَّا سَنُخْبِرُكَ، أَمَّا الرَّجُلُ الأَوَّلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالحَجَرِ، فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ القُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاَةِ المَكْتُوبَةِ، وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ، يُشَرْشَرُ شِدْقُهُ إِلَى قَفَاهُ، وَمَنْخِرُهُ إِلَى قَفَاهُ، وَعَيْنُهُ إِلَى قَفَاهُ، فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ، فَيَكْذِبُ الكَذْبَةَ تَبْلُغُ الآفَاقَ، وَأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ العُرَاةُ الَّذِينَ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ، فَإِنَّهُمُ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي، وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يَسْبَحُ فِي النَّهَرِ وَيُلْقَمُ الحَجَرَ، فَإِنَّهُ آكِلُ الرِّبَا".
ومن العقوبات التي تلحق العصاة في البرزخ: عقوبة الإفساد بين الناس بالنميمة, وعدم الاستبراء من البول؛ فعنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "مَرَّ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- بِحَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ، فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا، فَقَالَ النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم-: "يُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ"، ثُمَّ قَالَ: "بَلَى؛ كَانَ أَحَدُهُمَا لاَ يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ -وفي روايةٍ: لَا يَسْتَنْزِهُ مِنَ بَوْلِه-، وَكَانَ الآخَرُ يَمْشِى بِالنَّمِيمَةِ"(البخاري).
أيها المؤمنون: وأما في القيامة؛ فتزاد الحسرة والندامة في ذلك الذي يشيب منه الصغير, ويسكر منه الكبير, وتضع ذوات الأحمال أحمالهن, والناس بين من عظمت كربته, وتميزت عقوبته؛ فهو في الدنيا تميز بمعصية ربّ الأرباب, فتميز في الآخرة بالعقوبة والنكال والعذاب؛ فمن تلك العقوبات: عقوبة الطغاة والظلمة, قال -سبحانه-: (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ* مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ)[إبراهيم:42-43].
ومن العقوبات في يوم الشدائد: عقوبة أرباب الاستكبار, كما روى ذلك الإمام أحمد -رحمه الله-، أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: "يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَمْثَالَ الذَّرِّ، فِي صُوَرِ النَّاسِ، يَعْلُوهُمْ كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الصَّغَارِ".
ومن العقوبات في الآخرة: إعراض الله عن أصحاب المعاصي, قال رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ, وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ, وَالدَّيُّوثُ"(أخرجه النسائي وأحمد).
وعنْ أَبِي ذَرٍّ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "ثَلاَثَةٌ لاَ يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَلاَ يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"، قُلْنَا: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَدْ خَابُوا وَخَسِرُوا؟ فَقَالَ: "الْمَنَّانُ، وَالمُسْبِلُ إِزَارَهُ، وَالمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالحَلِفِ الكَاذِبِ"(رواه الترمذي), وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ: شَيْخٌ زَانٍ, وَمَلِكٌ كَذَّابٌ, وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
ومن العقوبات التي ثبتت في الأحاديث الصحيحة: عقوبة مانعي الزكاة، وعقوبة مانع فضل الماء, وعقوبة من أحدث في الدين, ومن عصى وارتَدَّ وبدل؛ فمن هؤلاء من يرِدُ حوضَ النبيِّ -عليه الصلاة والسلام- ليشرب, لكنه يدفع عنه فلا يشرب منه أبداً, قَال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوضِ، لَيُرْفَعَنَّ إليَّ رِجَالٌ مِنْكُمْ حتَّى إذَا أَهْويتُ لأُنَاوِلَهُمُ اخْتُلِجُوا دُوني، فَأَقُولُ: أَيْ رَبِّ! أَصْحَابِي! فَيَقُولُ: إنك لا تَدْري مَا أحْدَثُوا بَعْدَكَ"(البخاري).
وهناك عقوبات أخرى ورد في الشرع ذكرها زجراً وتحذيراً من ارتكاب معاصي وذنوبٍ غير ما ذكرنا سنستكمل ذكرها فيما سيأتي؛ نسأل الله العافية منها، والعصمة من أسبابها.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله مُعِزِّ من أطاعه واتَّقَاه، ومُذِلِّ من خالف أمره وعصاه، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد الذي اصطفاه ربه واجتباه، وعلى آله وصحبه ومن والاه, وبعد:
أيها المؤمنون: لا تقف آثار المعاصي عند هذا الحدّ, بل تصل بصاحبها إلى الخلود في نار الجحيم وحرمان الجنة ودخول النار, قال رسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ"(متفق عليه), وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ"(رواه ابن ماجه وغيره), وقال -صلى الله عليه وسلم-: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ"(رواه أحمد).
والعذاب والنكال مترتب على صاحب الذنوب إن لم يتب منها في الدنيا والقبر والآخرة، كمعصية الظلم وقطيعة الرحم؛ فعَنْ أَبِي بَكْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : "مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ"(أبو داود, وابن ماجه, والترمذي).
فاتقوا الله أيها المؤمنون- واحذروا الذنوب فإن عواقبها وخيمة ومآلاتها أليمة في الحياة الدنيا والبرزخ ويوم لقاء ربكم، والزموا مرضاة الله ومحابه تسعدوا.
وصلوا وسلموا على البشير النذير والسراج المنير؛ فقد أمركم بذلك العليم الخبير؛ فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].