البحث

عبارات مقترحة:

الرقيب

كلمة (الرقيب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...

الجواد

كلمة (الجواد) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فَعال) وهو الكريم...

من ينال ولاية الله ومن يحرمها؟

العربية

المؤلف ملتقى الخطباء - الفريق العلمي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات
عناصر الخطبة
  1. ضعف الإنسان وحاجته لمن يتولاه .
  2. أنواع ولاية الله .
  3. استيلاء الشيطان على العاصين وتوليهم .
  4. أثر ولاية الله على العبد .
  5. حاجة المؤمن إلى ولاية الله وحفظه .

اقتباس

لَا تَزَالُ وِلَايَةُ الشَّيْطَانِ مُحِيطَةً بِالْمُعْرِضِينَ عَنْ أَنْوَارِ الشَّرِيعَةِ حَتَّى يَبْلُغُوا مَبْلَغًا يُحَارِبُونَ فِيهِ أَحْكَامَ اللَّهِ -تَعَالَى-، وَيَتَمَرَّدُونَ عَلَى شَرَائِعِهِ، وَيَكْرَهُونَ كَلَامَهُ، وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِهِ، وَيَدْعُونَ النَّاسَ إِلَى بَاطِلِهِمْ وَأَهْوَائِهِمْ تَحْتَ شِعَارَاتِ الْحُرِّيَّةِ وَالتَّقَدُّمِ وَالتَّطَوُّرِ...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب:70-71]، أما بعد:

أيهما المسلمون: اتَّقُوا اللَّهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ، وَوَالُوا أَوْلِيَاءَهُ، وَعَادُوا أَعْدَاءَهُ، وَأَحِبُّوا فِيهِ، وَأَبْغِضُوا فِيهِ؛ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ، وَوَجَدَ طَعْمَهُ وَلَذَّتَهُ، وَنَالَ وِلَايَةَ اللَّهِ -تَعَالَى-؛ كَمَا جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ عن المصطفى -صلى الله عليه وسلم-.

أَيُّهَا النَّاسُ: إن مِنْ طَبِيعَةِ الْإِنْسَانِ أن خلقه الله في حالة من الضَّعْفُ وَالحَاجَة لِلْغَيْرِ، قال سبحانه -وتعالى-: (وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا)[النساء: 28]، وَلَا يُوجَدُ إِنْسَانٌ يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ، وَكُلُّ مَخْلُوقٍ ضَعِيفٌ مُفْتَقِرٌ إِلَى غَيْرِهِ؛ وَلِذَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْبَشَرِ أُسْرَةٌ وَقَرَابَةٌ وَأَصْدِقَاءُ وَأَعْوَانٌ وَأَنْصَارٌ؛ فهوَ يُوَالِيهِمْ بِحَسْبِ قُرْبِهِمْ مِنْهُ، وَعَوْنِهِمْ لَهُ، وَأَعْظَمُ وِلَايَةٍ وَعَوْنٍ وَنُصْرَةٍ، وَأَشَدُّهَا وَثَاقًا، وَأَكْثَرُهَا نَفْعًا، وَأَقْوَاهَا وَأَمْتَنُهَا صلابة، وأطولها وَأَبْقَاهَا أمدًا وِلَايَةُ اللَّهِ -تَعَالَى- لِلْعَبْدِ؛ لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ مِنَ الْخَالِقِ الْمُحِيطِ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا، الْقَدِير عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَلَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ، فَكَانَتْ وِلَايَتُهُ لِلْعَبْدِ أَنْفَعَ لِلْعَبْدِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ ينتفع به، فَتُغْنِي وِلَايَتُهُ -سُبْحَانَهُ- عَنْ كُلِّ وِلَايَةٍ، وَلَا تُغْنِي عَنْ وِلَايَتِهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وِلَايَةٌ، قال الله -تعالى-: (وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا)[النِّسَاءِ:45]؛ فليس بعد ولاية الله للعبد ولاية، قال الله -تعالى-: (قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ)[الْأَنْعَامِ: 14].

وَالولاية أَصْلُ الْحُبّ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "لَا يَسْأَلْ أَحَدُكُمْ عَنْ نَفْسِهِ غَيْرَ الْقُرْآنِ؛ فَإِنْ كَانَ يُحِبُّ الْقُرْآنَ فَهُوَ يُحِبُّ اللَّهَ -تَعَالَى-، وَإِنْ كَانَ يُبْغِضُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يُبْغِضُ اللَّهَ -تَعَالَى-".

وَوِلَايَةُ اللَّهِ -تَعَالَى- نوعان: عَامَّةٌ وَخَاصَّةٌ؛ فَالْوِلَايَةُ الْعَامَّةُ تَعُمُّ جَمِيعَ الْخَلْقِ؛ فَهُوَ سُبْحَانُهُ وَلِيُّهُمْ؛ خَلَقَهُمْ وَرَزَقَهُمْ، وَهَدَاهُمْ لِعَيْشِهِمْ وَحِفْظِ حَيَاتِهِمْ، فَهِيَ وِلَايَةٌ لِلْخَلْقِ بِمَا يُصْلِحُهُمْ فِي حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا، فهو من يهديهم إلى منافعهم، ويرشدهم إلى صالح طريقهم، وَفِي مُحَاجَّةِ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- لِفِرْعَوْنَ قال موسى له معرفًا بِاللَّهِ -تَعَالَى-: (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)[طه: 50]، وَقد جاءت الآيات صريحة فِي إِثْبَاتِ وِلَايَةِ اللَّهِ -تَعَالَى- لِكُلِّ الْخَلْقِ مُؤْمِنِهِمْ وَكَافِرِهِمْ؛ فمنها قَوْلُ اللَّهِ -تَعَالَى-: (ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ)[الْأَنْعَامِ:62]، وَقَالَ -سُبْحَانَهُ- فِي خُصُوصِ الْكُفَّارِ: (وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ)[يُونُسَ: 30].

وَأَمَّا الْوِلَايَةُ الْخَاصَّةُ فهي لِأَهْلِ الْإِيمَانِ فَقَطْ، وَهِيَ وِلَايَةُ لِمَنْ رَضِيَ بِهِ -سُبْحَانَهُ- رَبًّا، وَبِرَسُولِهِ نَبِيًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا؛ فَأَقَرَّ بِأُلُوهِيَّةِ اللَّهِ -تَعَالَى-، وَشَرُفَ بِعُبُودِيَّتِهِ، وَاتَّبَعَ رُسُلَهُ، وَلَزِمَ دِينَهُ، فَهِيَ وِلَايَةٌ يَنَالُهَا الْعَبْدُ بِالْإِيمَانِ، وَتَقْوَى بِقُوَّةِ إِيمَانِهِ، وَكَثْرَةِ أَعْمَالِهِ الصَّالِحَةِ، وَهِيَ وِلَايَةٌ يَحْصُلُ بِهَا الْأَمْنُ وَالطُّمَأْنِينَةُ فِي الدُّنْيَا، وَالْفَوْزُ الْعَظِيمُ فِي الْآخِرَةِ، وَفِي هَذِهِ الْوِلَايَةِ الْخَاصَّةِ يقوْلُ اللَّه -تَعَالَى-: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ)[الْبَقَرَةِ: 257]، وقال سبحانه: (وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ)[آلِ عِمْرَانَ: 68]، وَقال: (وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ)[الْجَاثِيَةِ: 19].

فَهَذِهِ الْوِلَايَةُ يَنَالُهَا الْمُؤْمِنُ بِإِيمَانِهِ، وَيُحْرَمُ مِنْهَا الْكَافِرُ بِكُفْرِهِ، وَالْمُنَافِقُ بِنِفَاقِهِ، قال -عز وجل-: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ)[مُحَمَّدٍ: 11]، فَإِذَا نَقَصَ إِيمَانُ الْمُؤْمِنِ وَضَعُفَ كَانَ حَظُّهُ مِنْ وِلَايَةِ اللَّهِ الْخَاصَّةِ بِقَدْرِ حَظِّهِ مِنَ الْإِيمَانِ؛ وَلِذَا كَانَتِ الطَّاعَاتُ تَقُودُ إِلَى المزِيد مِنها؛ لِأَنَّ الطَّائِعَ لَمَّا زَادَ إِيمَانُهُ بِالطَّاعَةِ ازْدَادَ اسْتِحْقَاقُهُ لِوِلَايَةِ اللَّهِ -تَعَالَى-، فَسَدَّدَهُ وَوَفَّقَهُ فَتَرَقَّى فِي الطَّاعَاتِ.

أيها المؤمنون: لَمَّا نَقَصَ إِيمَانُ الْعَاصِي بِمَعْصِيَتِهِ نَقَصَتْ وِلَايَةُ اللَّهِ لَهُ، فَسَهُلَ عَلَى الشَّيْطَانِ أَنْ يَجُرَّهُ إِلَى مَعَاصٍ أُخْرَى؛ وَلِذَا قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى- مُخْبِرًا عَنِ الشَّيْطَانِ: (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ)[النَّحْلِ: 98-100]، فَجَعَلَ -سُبْحَانَهُ- سُلْطَانَ الشَّيْطَانِ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ؛ كَمَا قَالَ -سُبْحَانَهُ- فِي آيَةٍ أُخْرَى: (إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ)[الْأَعْرَافِ:27]، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ سُلْطَانًا عَلَى مَنْ يَتَوَلَّوْنَ اللَّهَ -تَعَالَى-، فَهُمْ قَدْ عُصِمُوا مِنْهُ بِوِلَايَةِ اللَّهِ -تَعَالَى- لَهُمْ، (إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ)[الْأَعْرَافِ:196]، وَفِي كِتَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى نَصَارَى نَجْرَانَ قَالَ لَهُمْ: "أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي أَدْعُوكُمْ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ مِنْ عِبَادَةِ الْعِبَادِ، وَأَدْعُوكُمْ إِلَى وِلَايَةِ اللَّهِ مِنْ وِلَايَةِ الْعِبَادِ" (رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ).

وَمِنْ أَعْجَبِ الضَّلَالِ وَالْخِذْلَانِ أَنَّ هناك من سُلب وِلَايَةَ اللَّهِ -تَعَالَى-، فَاسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَتَوَلَّاهُمْ، ويَظُنُّونَ أَنَّهُمْ عَلَى هُدًى وَهُمْ فِي الضَّلَالِ مُنْتَكِسُونَ، وَفِي الْإِثْمِ غَارِقُونَ: (فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ)[الْأَعْرَافِ: 30]، وَفِي آيَةٍ أُخْرَى: (وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ)[الزُّخْرُفِ: 36-37].

عباد الله: وقد حذرنا الله -عز وجل- من تولِّي الشيطان وأعوانه، كما قال سبحانه: (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا)[الكهف: 50]، ولا تَزَالُ وِلَايَةُ الشَّيْطَانِ مُحِيطَةً بِالْمُعْرِضِينَ عَنْ أَنْوَارِ الشَّرِيعَةِ حَتَّى يَبْلُغُوا مَبْلَغًا يُحَارِبُونَ فِيهِ أَحْكَامَ اللَّهِ -تَعَالَى-، وَيَتَمَرَّدُونَ عَلَى شَرَائِعِهِ، وَيَكْرَهُونَ كَلَامَهُ، وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِهِ، وَيَدْعُونَ النَّاسَ إِلَى بَاطِلِهِمْ وَأَهْوَائِهِمْ تَحْتَ شِعَارَاتِ الْحُرِّيَّةِ وَالتَّقَدُّمِ وَالتَّطَوُّرِ، فكُلَّ مَنْ أَبْغَضَ شَيْئًا مِنْ نُصُوصِ الْوَحْيِ فَفِيهِ مِنْ عَدَاوَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِحَسْبِ ذَلِكَ، وَمَنْ أَحَبَّ نُصُوصَ الْوَحْيِ فَفِيهِ مِنْ وِلَايَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِحَسْبِ ذَلِكَ، ولقد أُمِرنا بقتال الشيطان وأوليائه؛ كما قال -سبحانه-: (فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا)[النساء: 76].

عباد الله: ومَنْ قَامَ بِحُقُوقِ اللَّهِ -تَعَالَى- عَلَيْهِ فَإِنَّه يَتَكَفَّلُ لَهُ بِالْقِيَامِ بِجَمِيعِ مَصَالِحِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَوَلَّاهُ اللَّهُ وَيَتَوَلَّى حِفْظَهُ وَرِعَايَتَهُ فِي أُمُورِهِ كُلِّهَا فَلْيُرَاعِ حُقُوقَ اللَّهِ -تَعَالَى- عَلَيْهِ، وَمَنْ أَرَادَ أَلَّا يُصِيبَهُ مَا يَكْرَهُ فَلَا يَأْتِ شَيْئًا مِمَّا يَكْرَهُهُ اللَّهُ -تَعَالَى-، وَكَانَ بَعْضُ السَّلَفِ يَدُورُ عَلَى الْمَجَالِسِ وَيَقُولُ: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ تَدُومَ لَهُ الْعَافِيَةُ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ -تَعَالَى-"، وَقَالَ بَعْضُ الزُّهَّادِ لِمَنْ طَلَبَ مِنْهُ الْوَصِيَّةَ: "كَمَا تُحِبُّ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ لَكَ فَهَكَذَا كُنْ لِلَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-"، وَقَالَ مَسْرُوقٌ: "مَنْ رَاقَبَ اللَّهَ -تَعَالَى- فِي خَطَرَاتِ قَلْبِهِ عَصَمَهُ فِي حَرَكَاتِ جَوَارِحِهِ".

فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَلَى قَدْرِ اهْتِمَامِ الْعَبْدِ بِحُقُوقِ اللَّهِ -تَعَالَى- وَمُرَاعَاةِ حُدُودِهِ، وَاعْتِنَائِهِ بِذَلِكَ، وَحِفْظِهِ لَهُ؛ يَكُونُ اعْتِنَاءُ اللَّهِ -تَعَالَى- بِهِ وَحِفْظُهُ لَهُ، وَيَكُونُ وَلِيًّا لَهُ، فَمَنْ كَانَ غَايَةُ هَمِّهِ رِضَا اللَّهِ -تَعَالَى- عَنْهُ، وَطَلَبَ قُرْبِهِ وَمَعْرِفَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَخِدْمَتِهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يَكُونُ لَهُ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ؛ كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ)[الْبَقَرَةِ: 152]، (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ)[الْبَقَرَةِ: 40]؛ فهُوَ -سُبْحَانَهُ- أَكْرَمُ الْأَكْرَمِينَ.

والمؤمن الذي يتولى الله -عز وجل- ويتولاه الله يحظى بالفلاح والفوز، والانضمام إلى حزب الله -سبحانه-، (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّـهِ هُمُ الْغَالِبُونَ)[المائدة:56]، ويتمتع بطمأنينة قلبه، وهدوء نفسه؛ فلا خوف عليه ولا حزن، ولا همّ ولا قلق، قال الله -تعالى-: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّـهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)[يونس:62]، ويبشره الله بكل بشارة في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وهو وعد من لا يخلف وعده -سبحانه-، قال -عز وجل-: (لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّـهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[يونس: 64].

وعكس ذلك فمن يتولى الشيطان ويتخذه وليًّا من دون الله، ففي ولايته الخسران المبين، والغبن العظيم، قال -عز وجل-: (وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا)[النساء: 119]، فأولياء الله يتمتعون بالأمن بجناب الله -تعالى-، والفوز بجنانه، بينما أولياء الشيطان لا يجدون منه إلا ما يخوفهم، فلا هم الذين تمتعوا في دنياهم، ولا هم الذين فازوا في أخراهم، قال -تعالى-: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)[آل عمران: 175].

فلابد من السعي الحثيث لنيل ولاية الله؛ وذلك بالتقرب إليه، والتودد له، والانطراح بين يديه، فإذا نال العبد ولاية الله فقد حاز الخير العميم، وفاز الفوز العظيم.

اللهم إنا نسألك أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ أَوْلِيَائِك وَأَحْبَابِك، وَأَنْ تُجَنِّبَنَا سُبُلَ أَعْدَائِك، وَأن تَحْفَظَنَا مِنْ نَزَغَاتِ الشَّيْطَانِ وَأوليائه، إِنَّك سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسّلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أمّا بعد:

عباد الله: اتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ، وَوَالُوا أَوْلِيَاءَهُ، وَعَادُوا أَعْدَاءَهُ، وَأَحِبُّوا فِيهِ، وَأَبْغِضُوا فِيهِ؛ فَذَلِكَ تَمَامُ الْإِيمَانِ، قال ربنا -سبحانه-: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ)[الْمَائِدَةِ: 55-56].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: فِي هَذَا الزَّمَنِ كَثُرَتِ الْأَهْوَاءُ، وَقُصِفَتِ الْعُقُولُ بِالشُّبُهَاتِ، وَأُعْجِبَ كُلُّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ، وَتَكَالَبَتْ أُمَمُ الْكُفْرِ وَكَتَائِبُ النِّفَاقِ عَلَى شَرِيعَةِ اللَّهِ -تَعَالَى-، يَرُومُونَ تَحْرِيفَهَا وَتَبْدِيلَهَا، وَصَدَّ النَّاسِ عَنْهَا، وَإِخْرَاجَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهَا، فَبَاعَ أُنَاسٌ دِينَهُمْ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا قَلِيلٍ، وَهَذَا الْحَالُ الْبَائِسُ الْمَخُوفُ يَجْعَلُ أَهْلَ الْإِيمَانِ يَخَافُونَ عَلَى إِيمَانِهِمْ، وَيَحْتَاطُونَ لِدِينِهِمْ، وَيَخْشَوْنَ تَقَلُّبَ الْقُلُوبِ، وَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَا غِنَى لَهُمْ عَنْ وِلَايَةِ اللَّهِ لَهُمْ؛ حَتَّى يَحْفَظَ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ، فَيَخْرُجُونَ مِنْ أَمْوَاجِ الْفِتَنِ الْمُتَلَاطِمَةِ سَالِمِينَ، وَلَا يَزْدَادُونَ بِالْمِحَنِ إِلَّا قُوَّةً وَصَلَابَةً فِي الْحَقِّ؛ فَإِنَّ اللَّهَ -تَعَالَى- هُوَ مَنْ يَحْفَظُ عَلَى الْعَبْدِ دِينَهُ، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ" (رواه الترمذي).

وَإِذَا تَوَلَّى اللهُ العبد حَفِظَهُ مِنَ الْفِتَنِ، وَثَبَّتَهُ فِي زمن الْمِحَنِ، قال الله -تعالى- في الحديث القدسي: "فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ" (رواه البخاري).

فَمَا أَحْوَجَ أَهْلَ الْإِيمَانِ إِلَى وِلَايَتِهِ وَعَوْنِهِ وَمَدَدِهِ وَحِفْظِهِ -سبحانه-، حَتَّى يَسْعَدُوا فِي دُنْيَاهُمْ، وَيَسْلَمَ لَهُمْ دِينُهُمْ، وَيَفُوزُوا فِي آخِرَتِهِمْ، قال -عز وجل-: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[يُونُسَ:62-64].

اللهم اجعلنا ممن نال ولايتك، وتمتع بطاعتك، وفاز بجنتك، واهدنا إلى ما تحب وترضى، وجنبنا ما تكره وتأبى، وارفع عنا السقم والبلوى، يا سامع السر والنجوى.

هذا وصلُّوا وسلِّموا على من أمركم الله بالصَّلاة والسَّلام عليه بقوله: (إنَّ الله وملائكته يصلُّون على النَّبيِّ، يا أيُّها الذين آمنوا صلُّوا عليه وسلِّموا تسليماً)[الأحزاب 56].

-------------------

مختصرة من خطبة: ولاية الله تعالى (1) من ينالها؟ ومن يحرم منها؟