البصير
(البصير): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على إثباتِ صفة...
(الرَّؤُوف) في اللغة: صيغةُ مبالغة على وزن (فَعُول)، من (الرأفة)، وهي الرحمة؛ قال ابنُ فارس: «الراء والهمزة والفاء: كلمةٌ واحدة تدل على رِقَّةٍ ورحمة، وهي الرأفة». "مقاييس اللغة" (2 /471)؛ ومنه قول الله تعالى: ﴿وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٞ فِي دِينِ اْللَّهِ﴾ [النور: 2]، قال الزَّجاج في معناها: «لا تَرحَموهما؛ فتُسقِطوا عنهما ما أمَر اللهُ به مِن الحدِّ». "معاني القرآن" (4 /28).
وقال الخطَّابي: «وقال بعضُهم: (الرأفةُ): أبلَغُ الرحمة، وأرَقُّها». "شأن الدعاء" (ص91).
هو اسمٌ من أسماء الله الحسنى، معناه: أن اللهَ تعالى هو البالغُ الكمالِ في رحمةِ عباده، واللُّطْفِ بهم. انظر: "تفسير السعدي" (ص946).
وقال الحَلِيميُّ: «(الرؤوف): ومعناه: المتساهِلُ على عباده؛ لأنه لم يُحمِّلْهم ما لا يُطِيقون، بل حمَّلهم أقلَّ مما يُطِيقون بدرجاتٍ كثيرة، ومع ذلك غلَّظَ فرائضَه في حالِ شِدَّة القوَّة، وخفَّفها في حالِ الضَّعف ونقصان القدرة، وأخَذ المُقِيمَ بما لم يأخُذْ به المسافرَ، والصحيحَ بما لم يأخُذْ به المريضَ؛ وهذا كلُّه رأفةٌ ورحمة». "المنهاج في شعب الإيمان" (1 /201).
ما دلت عليه اللغةُ يتفق مع المعنى الاصطلاحيِّ، إلا أنَّ رحمةَ الله موصوفةٌ بالكمال المُطلَق؛ فليست كرحمةِ المخلوق للمخلوق.
يدل اسمُ الله (الرَّؤُوف) على إثبات صفة (الرَّأفة) لله سبحانه وتعالى.
* أن (الرَّأْفةَ) أخَصُّ، و(الرحمة) أعَمُّ؛ لأن (الرَّأْفةَ) هي أرَقُّ أنواع (الرحمة)، وأبلَغُها.
* أن (الرَّأْفةَ) أخَصُّ من (الرحمة) من وجهٍ آخر؛ وهو: أن رحمةَ الله قد تكون بالابتلاء والألم، أما (الرَّأْفة) فلا تكون إلا بالخير؛ ولذلك قال اللهُ تعالى في حَدِّ الزاني والزانية: ﴿وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٞ فِي دِينِ اْللَّهِ﴾ [النور: 2]، ولم يقُلْ: رحمة؛ لأن ضربَ العصاةِ على عصيانهم رحمةٌ لهم، لا رأفةٌ؛ فإن صفة (الرَّأْفة) إذا انسدلت على المخلوقِ، لم يَلحَقْهُ مكروهٌ؛ ولذلك يقال فيمن أصابه بلاءٌ في الدنيا وفي ضِمْنِه خيرٌ في الآخرة: إن اللهَ قد رَحِمه بهذا البلاءِ، ولا يقال: إنه قد رأَفَ به. انظر: "الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى" للقرطبي (1 /173).
انظر: الرحيمورد اسمُ الله (الرَّؤُوفُ) في القرآن الكريم (10) مرات، جاء في ثماني مراتٍ منها مقترنًا باسم الله (الرَّحيم)؛ من هذه المواضع:
* قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اْللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَٰنَكُمْۚ إِنَّ اْللَّهَ بِاْلنَّاسِ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ﴾ [البقرة: 143].
* وقوله تعالى: ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اْللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُۥ وَأَنَّ اْللَّهَ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ﴾ [النور: 20].
* وقوله تعالى: ﴿وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٖ لَّمْ تَكُونُواْ بَٰلِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ اْلْأَنفُسِۚ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ﴾ [النحل: 7].
ولا تَخفَى المناسبةُ بين هذين الاسمينِ من جهة، وبين مضمونِ الآية التي تُختَم بهما من جهة، وهو اقترانٌ يدل على أعلى درجاتِ الرحمة، فكلما اقترَنا في موضعٍ في نهاية آيةٍ، عُلِمَ أن في الآيةِ رحمةً عظيمة من الله على عباده: إما في تشريعاتِه، أو في خَلْقِه وأقداره.
وهذان الاسمانِ الكريمان يُطلَقان على اللهِ تعالى، وعلى غيرِه؛ كما قال تعالى في وصفِ النبيِّ ﷺ: ﴿لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٞ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِاْلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ﴾ [التوبة: 128]، إلا أنه لا يجوز أن يَتسمَّى المخلوقُ بـ (الرَّؤُوف الرحيم) على الإطلاق؛ قال ابنُ القيِّم: «إنه لا يجوز أن يُتسمَّى بأسماءِ الله المختصة به.
وأما الأسماءُ التي تُطلَق عليه وعلى غيرِه - كالسميعِ البصير، والرَّؤُوف الرحيم -: فيجوز أن يُخبَرَ بمعانيها عن المخلوقِ، ولا يجوز أن يُتسمَّى بها على الإطلاقِ بحيث تُطلَق عليه كما تطلق على الرَّبِّ تعالى». "تحفة المودود" (ص184).
اسمُ الله (الرَّؤُوف) ثابتٌ بالإجماع؛ قال القُرْطُبي: «وأجمعت عليه الأمَّةُ». "الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى" (1 /172).
يُثبِت العقلُ صفةَ (الرَّأْفة) التي يدل عليها اسمُ الله تعالى (الرَّؤُوف) بقياس الأَوْلى؛ فـ(الرَّأْفة) صفةُ كمالٍ، وخلافُها صفة نقص، ومن المعلوم: أنَّ كلَّ كمال لا نقصَ فيه يكون لبعضِ الموجودات المخلوقة المُحدَثة: فالربُّ الخالق هو أَوْلى به، وكلُّ نقصٍ أو عيب يجب أن يُنزَّهَ عنه بعضُ المخلوقات المُحدَثة: فالربُّ الخالق هو أَوْلى أن يُنزَّهَ عنه. انظر: "شرح الأصفهانية" لابن تيمية (ص74).
مَن آمَن باسم الله (الرَّؤُوفِ)، أثمَرَ ذلك في قلبِه فوائدَ جليلة؛ منها:
* التعلُّق برحمةِ الله: فالإنسانُ ما دام يؤمن برحمةِ الله، فسوف يَتعلَّق بها، ويكون منتظرًا لها؛ فيَحمِله هذا الاعتقادُ على فعلِ كلِّ سبب يوصل إلى الرحمة؛ مثل: (الإحسان)؛ قال الله تعالى فيه: ﴿إِنَّ رَحْمَتَ اْللَّهِ قَرِيبٞ مِّنَ اْلْمُحْسِنِينَ﴾ [الأعراف: 56]. و(التقوى)؛ قال تعالى: ﴿فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ اْلزَّكَوٰةَ وَاْلَّذِينَ هُم بِـَٔايَٰتِنَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: 156]. و(الإيمان)؛ فإنه من أسبابِ رحمة الله؛ كما قال تعالى: ﴿وَكَانَ بِاْلْمُؤْمِنِينَ رَحِيمٗا﴾ [الأحزاب: 43]، وكلما كان الإيمانُ أقوى، كانت (الرحمةُ) إلى صاحبه أقرَبَ بإذن الله عز وجل.
* التخلُّق بخُلُق (الرحمة): فمعرفةُ الإنسان برحمةِ خالقه تَحمِله على التخلُّق بتلك الصفة؛ وفي ذلك يقول القُرْطُبي: «فكُنْ رحيمًا لنفسِك ولغيرك، ولا تستبِدَّ بخيرك؛ فارحَمِ الجاهلَ بعلمك، والذليلَ بجاهك، والفقيرَ بمالك، والكبيرَ والصغير بشفقتِك ورأفتك، والعصاةَ بدعوتك، والبهائمَ برَعْوتِك، ورفعِ عُنْفِك.
فأقرَبُ الناسِ من رحمة الله: أرحَمُهم بخَلْقِه، وقد دخلت البَغِيُّ الجنةَ بسَقْيِها كلبًا.
فمَن كثُرتْ منه الشفقةُ على خَلْقِه، والرحمةُ على عباده: رَحِمه اللهُ برحمته، وأدخَله دارَ كرامته، ووقَاه عذابَ قبره، وهَوْلَ موقفه، وأظَلَّه بظِلِّهِ؛ إذ كلُّ ذلك من رحمتِه، ولا تُدِلَّ بعملِك وكثرته، وإخلاصِك فيه فتتَّكِلَ عليه دُونَ رحمتِه». "الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى" (1 /87 -88).
- مِن رأفةِ الله بعباده:
* إرسالُ رسوله ﷺ، وإنزالُه الكتابَ عليه؛ ليُخرِجَ الناسَ من الظُّلمات إلى النور؛ كما قال جل وعلا: ﴿هُوَ اْلَّذِي يُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبْدِهِۦٓ ءَايَٰتِۭ بَيِّنَٰتٖ لِّيُخْرِجَكُم مِّنَ اْلظُّلُمَٰتِ إِلَى اْلنُّورِۚ وَإِنَّ اْللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ﴾ [الحديد: 9].
* أنه عز وجل يتُوبُ على عبادِه؛ أي: يُوفِّقهم للتوبة، ويَقبَلها منهم.
* أنه سخَّر لعباده وسائلَ النقل المختلفة؛ كـ: الحَمِير، والأحصنة، وكذا السيَّارات والطائرات، وهي مِن قوله تعالى: ﴿وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ في الآيةِ الكريمة: ﴿وَاْلْخَيْلَ وَاْلْبِغَالَ وَاْلْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةٗۚ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 7-8].
«أنَّ اللهَ بجميعِ عباده ذو رأفةٍ، و(الرَّأْفةُ) أعلى معاني الرَّحمة، وهي عامةٌ لجميع الخَلْقِ في الدنيا، ولبعضِهم في الآخرة».
ابن جَرير الطَّبَري "جامع البيان" (2 /654).
«(الرَّؤُوف): هو الرحيمُ، العاطفُ برأفتِه على عباده.
وقال بعضُهم: (الرأفةُ) أبلَغُ الرحمةِ وأرَقُّها.
ويقال: إن (الرَّأْفة) أخَصُّ، و(الرحمة) أعم، وقد تكون (الرحمةُ) في الكراهةِ للمصلحة، ولا تكاد (الرَّأْفة) تكون في الكراهةِ؛ فهذا موضعُ الفرق بينهما».
حَمْد الخَطَّابي "شأن الدعاء" (ص91).