البحث

عبارات مقترحة:

الكبير

كلمة (كبير) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، وهي من الكِبَر الذي...

المقدم

كلمة (المقدِّم) في اللغة اسم فاعل من التقديم، وهو جعل الشيء...

الحليم

كلمةُ (الحليم) في اللغة صفةٌ مشبَّهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل)؛...

النفس المطمئنة

العربية

المؤلف ملتقى الخطباء - الفريق العلمي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات
عناصر الخطبة
  1. حقيقة الطمأنينة وعلامتها .
  2. درجات الطمأنينة .
  3. الدور الأخلاقي للنفس المطمئنة .
  4. علامات النفس المطمئنة .

اقتباس

وإذا انتقلنا إلى مجال الأعمال الظاهرة أو أعمال الجوارح لوجدنا أعمال الإسلام؛ من صلاة وصيام وحج، ووجدنا في النفس الاستقامة والطهارة وأكل الطيبات، وفيما يتعلّق بالغير نجد الإنسان متخلقًا بالإحسان والإخاء والأدب والإنفاق والبر وحسن العشرة وحسن المعاملة وصلة الرحم وكفالة اليتيم والمروءة والمواساة، ونحو...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب:70-71]، أما بعد:

عباد الله: إن النفس الإنسانية درجات، وأعلى درجاتها ومراتبها النفس المطمئنَّة، تلك النفس التي ترتقي بأعمالِها، وتسمو بفضائلها؛ لتخرج من طور النَّفس الأمَّارة بالسوء حتَّى تصل إلى طور الاطمِئْنان، وتنتظم في سلك الطمأنينة والإيمان, فما هي النفس المطمئنة؟ وما هي حقيقتها, وصفاتها؟

أيها المؤمنون: النفس المطمئنة يقول عنها ابن كثبر -رحمه الله-: "هي النفس الزكية الساكنة الثابتة الدائرة مع الحق", أنار الله قلب صاحبها حتى انخلعت عن صفاتها الذميمة، وتخلقت بالأخلاق الحميدة، ولزمت الطاعة واطمأنت بها, واعتبرت كل ما يمر بها من الحوادث الحياتية خيرها وشرها، ابتلاء ومحنة، فسكنت واستقرَّت في مقام الاطمئنان والسَّكينة والأمن, قال -تعالى-: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ *ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي).

أما حقيقة الطمأنينة -يا عباد الله- فيبينه ابن القيم بقوله: "ذلك السكون والاستقرار اللذان يكسوان النفس، ويخالطانها؛ فتسكن إلى ربها، وطاعته، وأمره، وذكره، ولا تسكن إلى سواه، وتطمئن إلى محبته، وعبوديته، وأمره، ونهيه، وخبره، وإلى لقائه ووعده, وتطمئن كذلك إلى التصديق بحقائق أسمائه وصفاته، والرضى به ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- رسولًا, وتطمئن إلى قضائه وقدره، وكفايته وحسْبِه وضمانه، وإلى أنه هو وحده ربها، وإلهها، ومعبودها، ومليكها ومالك أمرها كله، وأن مرجعها إليه، وأنها لا غنى لها عنه طرفة عين".

ولطمأنينة النفس درجات:

الدّرجة الأولى: طمأنينة القلب بذكر الله، قال الله -تعالى-: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)[الرعد: 28]؛ قال ابن القيم -رحمه الله- معلقًا على هذه الآية: "فإن طمأنينة القلب سكونه واستقراره بزوال القلق والانزعاج والاضطراب عنه، وهذا لا يتأتى بشيء سوى الله -تعالى- وذكره البتة، وأما ما عداه فالطمأنينة إليه غرور، والثقة به عجز، قضى الله -سبحانه وتعالى- قضاء لا مرد له أن من اطمأن إلى شيء سواه أتاه القلق، والانزعاج، والاضطراب من جهته كائنًا من كان".

وشبه ابن القيم -رحمه الله- طمأنينة القلب بذكر الله بطمأنينة الخائف إلى الرّجاء، والضّجر إلى الحكم، والمبتلى إلى المثوبة؛ "لأنّ الخائف إذا طال عليه الخوف واشتدّ به، وأراد الله -عزّ وجلّ- أن يريحه، ويحمل عنه أنزل عليه السّكينة فاستراح قلبه إلى الرّجاء واطمأنّ به، وسكن لهيب خوفه... وكذلك من أدركه الضّجر من قوّة التّكاليف، وأعباء الأمر وأثقاله.... فإذا أراد الله أن يريحه ويحمل عنه: أنزل عليه سكينة، فاطمأنّ إلى حكمه الدّينيّ  وحكمه القدريّ؛ ولا طمأنينة له بدون مشاهدة الحكمين, وأمّا طمأنينة المبتلى إلى المثوبة فلا ريب أنّ المبتلى إذا قويت مشاهدته للمثوبة سكن قلبه، واطمأنّ بمشاهدة العوض, وإنّما يشتدّ به البلاء إذا غاب عنه ملاحظة الثّواب".

الدّرجة الثّانية: طمأنينة الرّوح في الشّوق إلى ما وعدت به، بحيث لا تلتفت إلى ما وراءها، وهذا شأن كلّ مشتاق إلى محبوب وعد بحصوله؛ إذ تحدث الطّمأنينة بسكون نفسه إلى وعد اللّقاء، والعلم بحصول الموعود به.

واعلموا أن الدور الأخلاقي للنفس المطمئنة يكمن في أنها تأمر بالخير وتحض عليه، وينتج عن ذلك تخلّق الإنسان بالأخلاق الطيبة في جميع علاقاته، وفي كل ما يصدر عن قلبه، أو جوارحه، أو لسانه.

ففيما يتعلّق بعلاقته مع الله -عز وجل- نجد قلبه يعمر بالإيمان والرضا والتوحيد والتقوى والرجاء والخوف، وفيما يتعلق بالإنسان نفسه نجده متصفًا بالأمانة والتأني والتفاؤل والحياء والسكينة والطمأنينة، أما فيما يتعلق بالغير فنجده ممتلئا بالسماحة والرحمة والرفق والمحبة... ونحو ذلك.

وإذا انتقلنا إلى مجال الأعمال الظاهرة أو أعمال الجوارح لوجدنا أعمال الإسلام؛ من صلاة وصيام وحج، ووجدنا في النفس الاستقامة والطهارة وأكل الطيبات، وفيما يتعلّق بالغير نجد الإنسان متخلقًا بالإحسان والإخاء والأدب والإنفاق والبر وحسن العشرة وحسن المعاملة وصلة الرحم وكفالة اليتيم والمروءة والمواساة، ونحو ذلك.

ويخضع اللسان أيضًا لتوجيه النفس المطمئنة؛ فلا يصدر عنه فيما يتعلّق بالله -عز وجل- إلّا كل كلام طيب؛ كالدعاء والذكر وتلاوة القرآن، وفيما يتعلّق بالإنسان نفسه نجده كاتماً للسر حافظاً للأيمان ونحوهما، أما فيما يتعلّق بغيره فيكون لسانه صادقاً آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر, داعياً إلى الله- عز وجل- ونحو ذلك.

أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه..

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسّلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمّا بعد:

أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، واعلموا أن النفس لا تستقيم إلا بمجاهدة، ولا تذعن إلا بمصابرة، ومتى بذل الإنسان وسعه وطاقته في ترقية نفسه حصل له مقصوده، ووصل إلى غايته ومراده.

واعلموا  أن النفس المطمئنة إذا أرادت أن تحقق التوازن والاستقرار، والثبات على ما هي عليه فإنها لا بد أن تتسم بعدة سمات، وتتصف بمجموعة من الصفات وهي:

أولها: الإخــلاص، وهو كما قال العز بن عبد السلام -رحمه الله-: "أن يفعل المكلف الطاعة خالصة لله وحده، لا يريد بها تعظيماً من الناس ولا توقيراً، ولا جلب نفع ديني، ولا دفع ضرر دنيوي".

ومتى ظهرت علامات الإخلاص على النفس كان دليلا على طمأنينتها وسكينتها, وللإخلاص  علامات منها: أن يكون العبد في عناية الله -تعالى- ومعيته, وأن يكون باذلًا المجهود في الطاعة، وحريصًا على إسرار الأعمال إلا على ما ينبغي إظهاره.

ثانيها: المتابعة لهدي النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فإن فصاحب النفس المطمئنة لا يزال متبعًا لهدي النبي -صلى الله عليه وسلم- حذو القُذة بالقُذة، حتى تطغى محبته للنبي -صلى الله عليه وسلم- على كل محبوباته ومرغوباته, عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ"(متفق عليه).

ثالثها: الرضــا عن الله -تعالى-, وهذه الصفة من أهم صفات النفس المطمئنة؛ فالقلب عندما يذوق طعم الإيمان يمر عليه البلاء وهو مطمئنٌ ساكنٌ هاديء، عن العباس بن عبدالمطلب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا"(رواه مسلم)؛ والمعنى: أن المرء إذا أكرمه الله بنعمٍ كثيرة لا عد لها ولا حصر في الدنيا قد يتوهم أن هذا إنما  كان إكرامًا له، وحينما يسلبه الله النعم لحكمة منه يتوهم أن الله أهانه, قال الإمام الجنيد -رحمه الله-: "الرضا هو العلم".

رابعها: شدة محبة الله -تعالى- وتعظيمه؛ فالنفس المطمئنة قد صبغها حسن الظن بالله -تعالى-؛ فهي تصبر في الابتلاء، وترضى وتشكر في السراء، وتحمده على النعماء، فهو سبحــانه ربٌّ ودودٌ يتودد إلى عبــاده الصالحين، قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا).

ومن علامات محبة النفس المطمئنة لله -تعالى-: الأنس به في الخلوة والجلوة، والتلذذ بتلاوة كلامه, والاستمتاع بعبادته، وإكثار اللهج بذكره، وموافقتها له فيما يُحب ويكره.

خامسها: الصدق؛ فالنفس تعلم أنه لن ينفعها في التعامل مع الله سوى الصدق، والصدق هو ما يجعلها تعيش مطمئنة؛ فعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك؛ فإن الصدق طمأنينة، وإن الكذب ريبة"(رواه أحمد وصححه الألباني).

ويكون الصدق مع الله -تعالى- بالأقوال؛ فلا ينطق اللسان إلا صدقًا، وبالأحوال؛ فلا تراوغ ولا تتلوَّن، وبالأعمال؛ بأن تكون مُخلصة له -تعالى-، مُتبعة لهدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في أعمالها.

سادسها: التقوى، وهي علامة عظيمة من علامات النفس المطمئنة، قال الله -سبحانه وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)؛ وتقوى الله أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر، قال الشاعر:

خل الذنوب صغيرها

وكبيرها فهو التقى

واصنع كماش فوق

أرض الشوك يحذر ما يرى

لا تحقرن صغيرة     

إن الجبال من الحصى

أيها المؤمنون: وصول النفس البشرية إلى الاطمئنان هي غاية كل مؤمن، ومسعى كل مخلص، ومتى رأى  الله من العبد جهدًا في علاج نفسه ومجاهدته، أعانه، وهداه السبل، ويسر له طرق الوصول إلى مراقي السعود، ومراتب القرب والأنس به؛ (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)[العنكبوت: 69].

هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه ...