الحسيب
(الحَسِيب) اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على أن اللهَ يكفي...
العربية
المؤلف | محمد بن عدنان السمان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
يا من وُلِّيت عملاً يتعلق بالناس وبمصالحهم! إياك أن تتهاون في مثل هذه الأمانة؛ أنجز للناس معاملاتهم، واقض لهم حوائجهم في وقتها وعلى أكمل وجه....
الخطبة الأولى:
الحمد لله العلي الكبير، العظيم القدير، والصلاة والسلام على البشير النذير وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فاتقوا الله معاشر المسلمين، واحمدوا ربكم واشكروه في كل وقت وفي كل حين، اشكروه على نعمة الإيمان ونعمة القرآن ونعمة الأمن والأمان.
أيها المصلون: موضوعنا في هذه الخطبة "العمل الوظيفي بين الأمانة والإتقان".
إن الوظيفة التي يتبوَّأها الإنسان في هذه الحياة، وخاصة تلك الوظيفة التي يستلم الموظف مقابلاً مالياً عليها، سواءً كانت من القطاع الحكومي أو الخاص؛ يقضي فيها خلال اليوم والليلة ما يقارب ثلث يومه أو يزيد، وإذا كان ذلك كذلك، فلنا مع هذا الموضوع مجموعة من الوقفات:
الوقفة الأولى: الإخلاص ركن من أركان العمل الصالح المقبول والمأجور عند الله، فلنذكّر أنفسنا بتجديد الإخلاص لله -سبحانه وتعالى- في أعمالنا الوظيفية، وأنها أولاً ابتداءً ابتغاء وجه الله نريد منها النفع لديننا وبلدنا وأمتنا، نريد منها المال الحلال الذي ننفق منه على أنفسنا وأسرتنا.
ثم وقفة ثانية: وهي تذكير وتذاكر؛ إنها الأمانة؛ تلك الكلمة العظيمة التي عُرضت على السموات والأرض والجبال، فكان ما ذكر الله: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً)[الأحزاب:72].
إنها الأمانة -يا عباد الله-؛ تلك الكلمة الشاملة لجميع مناحي الحياة من العبادات والمعاملات والتي يدخل فيها يقيناً العمل الوظيفي، لهذا لما فسر الامام ابن كثير -رحمه الله- قول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)[الأنفال:27]؛ قال: "قلت: والصحيح أن الآية عامة، وإن صح أنها وردت على سبب خاص؛ فالأخذ بعموم اللفظ لا بخصوص السبب عند الجماهير من العلماء. والخيانة تعم الذنوب الصغار والكبار اللازمة والمتعدية".
إنها الأمانة -يا عباد الله- التي تتطلب من الموظف المسلم أن يؤدي عمله بإتقان، وفي وقته، دون تأخير أو تعطيل، أو تلاعب أو تساهل، أو إخلال أو تقصير.
إنها الأمانة التي يراعيها الموظف مع ربّه بمراقبته، وعلمه بأنه مطلع عليه إن هو اقترف معصية في وظيفته فأدخل على نفسه مالاً لا يحل له بأيّ صورة كانت سواءً عن طريق الرشوة أو السرقة أو التحايل أو التعدّي أو الفساد، أو الشفاعة لغير أهلها أو في غير محلها، واسمعوا إلى الوصية النبوية حينما خاطب صاحبه، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "يا كعب بن عجرة! إنه لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به"(رواه الترمذي بسند صحيح).
إنها الأمانة -يا عباد الله- التي يراعيها الموظف مع زملائه في الوظيفة؛ فإن كان مديراً كان قائداً حكيماً، متحلّياً بالأخلاق الفاضلة، ينظر ويعامل مرؤوسيه معاملة عادلة، يعطي كل ذي حق حقه، إن المسؤولية أمانة وتكليف قبل أن تكون منصباً أو تشريفاً، وإن كان مرؤوساً يتحلى بالجميل من الأخلاق ويؤدي عمله كما طُلِبَ منه على أكمل وجه، وفي الحديث الحسن: "إن الله -تعالى- يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه"، والإتقان في العمل عامّ في أمور الدين والدنيا.
إنها الأمانة -يا عباد الله- التي يراعيها الموظف مع المراجعين، والمتعاملين مع عمله ووظيفته، بأن يتعامل بأخلاق الإسلام العالية، وآدابه الرفيعة، وإن من أبرزها بشاشة الوجه والصدق والحلم، وتوقير الكبير، واحترام الصغير، والصبر، وحسن المعاملة، والرفق واللين.
ثم يا أيها الأخ الفاضل يا من وليت عملاً يتعلق بالناس وبمصالحهم! إياك أن تتهاون في مثل هذه الأمانة؛ أنجز للناس معاملاتهم، واقض لهم حوائجهم في وقتها وعلى أكمل وجه، وتذكر أنك كما تتمنى عندما تذهب أنت إلى دائرة حكومية أو خاصة، وتأمل أن يتم لك مقصودك بأسرع وقت وبالصورة المطلوبة؛ إذا كنت كذلك فالناس يأملون منك ما تأمل من غيرك.
إن قضاء حوائج الناس من أجلّ الأمور، وفي الحديث الصحيح لغيره قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ لله عبادًا خلقهم لحوائج الناس؛ يفزع الناس إليهم في حوائجهم أولئك الآمنون يوم القيامة".
إن من أداء الأمانة في العمل الوظيفي، والمحافظة على وقت الحضور والانصراف، وعدم الغياب بدون وعذر، فهذا الوقت أنت كموظف تأخذ عليه مقابلاً مالياً، فيجب أن تحافظ عليه، وأن تصرفه في وقت العمل المطلوب منك، وألا تشغله بغير ذلك.
أيها المسلمون هذه وقفات يسيرة تذكرنا بواجباتنا أمام الله أولاً، ثم أمام من ولانا ما نحن عليه من وظيفة أو منصب، وهي تذكر وتذكير، والأمة فيها -ولله الحمد- الكثير من الرجال والنساء الذين يتقون الله ويراقبونه في أعمالهم الوظيفية مع أدائها بجودة وإتقان وأمانة.
اللهم زدنا علماً وعملاً، أقول ما سمعتم ...
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحدَه، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، صلى الله عليه وعلى آله وصحابتِه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أمّا بعد: فاتقوا الله -تعالى- أيّها المسلمون.
أما ثالث الوقفات في موضوعنا العمل الوظيفي بين الأمانة والإتقان، فتتمثل فيمن وُلِّي أمانة اختيار الرؤساء والقادة، أن يضع الرجل المناسب في المكان المناسب فلا يُسند منصبًا ولا وظيفة إلا لمن هو أولى بها أمانة وإتقاناً، فلا اعتبار للمجاملات والمحسوبيات، وانظروا إلى نبيكم -صلى الله عليه وسلم- كيف يعتذر لصاحبه أبي ذر -رضي الله عنه- وقد طلب أبو ذر -رضي الله عنه- الولاية، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما في الحديث الذي عند الإمام مسلم: "يا أبا ذر! إني أراك ضعيفًا. وإني أحبّ لك ما أحب لنفسي. لا تأمرن على اثنين. ولا تولين مال يتيم".
قال له ذلك مع أن أبا ذر -رضي الله عنه- معروف بالشجاعة والقوة البدنية، لكنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- مع تزكيته لأبي ذر -رضي الله عنه- في أكثر من موضع وترحمه عليه إلا أنه يعلم فيه صفة لا تعيبه -رضي الله عنه-؛ فكل مُيَسَّر لما خُلِقَ له؛ فالبعض يصلح للقيادة والرئاسة، والأكثر يصلح أن يكون مرؤوساً ومنفذاً، وعلى ذلك تصلح حياة الناس.
اللهم احفظ علينا إيماننا وأمننا،..