القيوم
كلمةُ (القَيُّوم) في اللغة صيغةُ مبالغة من القِيام، على وزنِ...
العربية
المؤلف | عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - أركان الإيمان |
منزلة العمل الصالح في الإسلام منزلة عظيمة، ومرتبته مرتبة عالية، والعمل الصالح قرين الإيمان في كتاب الله في ثمراته وجزائه، فليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني؛ ولكن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل، والله جل جلاله وصف عباده المؤمنين بالإيمان والعمل الصالح، فكل موضع يُذكر فيه الإيمان يكون مقرونًا بالعمل الصالح، ذلكم أن الإيمان المتجرد من...
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا؛ ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه صلَّى اللهُ عليه، وعلى آلهِ وصحبِهِ، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.
أمَّا بعد: يا أيُّها الناسَ، اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ التقوى.
عباد الله: منزلة العمل الصالح في الإسلام منزلة عظيمة، ومرتبته مرتبة عالية، والعمل الصالح قرين الإيمان في كتاب الله في ثمراته وجزائه، فليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني؛ ولكن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل، والله جل جلاله وصف عباده المؤمنين بالإيمان والعمل الصالح، فكل موضع يُذكر فيه الإيمان يكون مقرونًا بالعمل الصالح، ذلكم أن الإيمان المتجرد من الأعمال الصالحة الخالي من أركان الإسلام وواجبات الدين لا يغني عن صاحبه شيئًا؛ بل هو يدل على اتباع الهوى وعلى زيغ في القلب..
متى تخلَّف العمل عن الإيمان يدلُ على ضعف الإيمان في القلب؛ إذ لو كان في القلب حقيقة الاعتقاد لظهر أثر ذلك على الجوارح في تنفيذ الأعمال الصالحة، ولهذا لما ارتدّ من ارتدّ من العرب بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ردة بعضهم بأن منعوا زكاة أموالهم قال الصديق رضي الله عنه: "وَاللَّهِ لأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ"، لأن الله: (وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) [البينة: 5]، والعمل الصالح كل أمرٍ أمر الله به وجوبًا أو استحبابًا، وترك ما نهى الله عنه تقربًا إلى الله واحتسابًا.
أيُّها المسلم: ولتأثير العمل الصالح ضوابط لا بد منها فأولاً وقبل كل شيء الإيمان والتوحيد والسلامة من الشرك قليله وكثيره، دقيقه وجليله، قال الله جلَّ وعلا: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) [الكهف: 110]، وفي الحديث يقول الله جل وعلا: «أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ مَعِي فِيهِ غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ» وفي لفظ: «وأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ».
أيُّها المسلم: فالأعمال الصالحة لا تُقبل مع الكفر والشرك بالله، قال الله جلَّ وعلا: (أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) [الأحزاب: 19]، فمن لم يؤمن بالله ويعبده وحده لا شريك له فكل أعماله باطلة، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ) [المائدة: 5]، وقال: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ) [الزمر: 65]، وأخبر أن أعمال الكافرين يوم القيامة تكون هباءً منثورا إذا فقد التوحيد: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا) [الفرقان: 23].
ومن أسباب قبول العمل الصالح: إخلاص العامل فيه لله، وأن يكون قصده بعمله وجه الله والدار الآخرة، فالمخلص لله يعمل في ظاهره وباطنه سواء، لا يتوقف عمله الصالح على دنيا يرجوها أو جاهٍ يناله، لكنه يعمله ابتغاء وجه ربه، فهو لا يبتغي إلا وجه الله، ولا يطمع إلا في جنته، ولا يبتغي إلا مرضاته، ولا يفرّ إلا من سخطه، ولا يهرب إلا من عقوبته، فهو مخلص لله في أقواله وأعماله يعلم أن غيره لا ينفعه وإنما ينفعه حسن تعامله مع ربه: (فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ) [محمد: 21].
ومن أسباب قبول العمل الصالح: اتباع سنة محمد صلى الله عليه وسلم، والبعد عن البدع قليلها وكثيرها يقول صلى الله عليه وسلم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا، فَهْوَ رَدٌّ»، وفي لفظٍ: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ»، يقول صلى الله عليه وسلم: «وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ».
ومن أسباب قبول العمل الصالح: طيب المأكل، فإن الله جلَّ وعلا بعث رسوله صلى الله عليه وسلم ليحل لنا الطيبات ويحرم علينا الخبائث قال تعالى: (وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ) [الأعراف: 157]، فالمسلم حقًّا طيب القلب بالإيمان الصادق، طيب اللسان بذكر الله، طيب الأعمال بإخلاصه لله وقيامه بذلك، ولا يزكو العمل الصالح إلا بطيب المأكل وسلامته من المحرمات يقول صلى الله عليه سلم: «إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فقَالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ)، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ الذي يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ -تذللاً وخضوعا له لكن حال بينه وبين قبول دعائه أن مَأكله حَرَامٌ- وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ».
فاحذر أخي المسلم من كل مأكل خبيث، ومن المكاسب المحرمة لذاتها أو محرمة بأسباب حصول ثمنها على غير هدى من ربًا وغش وخيانة وبيع المحرمات على اختلافها، ليزكو عملك ويتقبل الله منك.
ومن أسباب قبول العمل الصالح: إدامة هذا العمل والاستقامة عليه، فإن المستقيم على الطاعة يدل على قناعته بها ورضاه بها واطمئنانه لها: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ) [فصلت: 30- 31]، (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [الأحقاف: 13].
ومن أسباب قبول العمل الصالح: الاعتدال والوسطية والتوازن بين المسئولية، فلا يطغى جانب على جانب: «إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا».
ومن أسباب قبول العمل الصالح: دعاء الله جلَّ وعلا، والتضرع بين يديه أن يقبل منك عملك، ويعوذك من طغيان الرياء والعُجب والتكبر على الله بالعمل، ألا ترى الخليل عليه السلام وابنه إسماعيل حينما شيَّدا بيت الله قالا: (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [البقرة: 127]، فاسأل الله قبول عملك، واعمل عملاً صالحًا خالصًا، واسأل الله القبول، وأن لا يحول بينك وبين القبول برياء يعرض لك أو كبر أو عجب، فإن الله يقبل عمل المتقين، كان سلفنا الصالح يدعون الله بأشهر أن يبلّغهم رمضان، ثم يسألونه بعد صيامه أشهرًا أن يتقبله منهم؛ حرصًا على أعمالهم الصالحة وخوفًا على أعمالهم من أن يطرقها من يضعفها أو يحبطها، أعاذنا الله وإياكم.
أيُّها المسلم: وإذا قام المسلم بالشروط المعتبرة فليعلم أن الله جلَّ وعلا قد وعد العاملين الصادقين المخلصين ثوابًا عظيمًا وأجرًا كبيرًا، فأول ذلك: أن وعده الجنة: (وَبَشِّرْ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [البقرة: 125].
ومن ثواب ذلك الحياة الطيبة السعدية اطمئنان القلب وسكونه: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل: 97]، ومنها الحسنى: (وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا) [الكهف: 88]، ومنها الفلاح والفوز: (فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمُفْلِحِينَ) [القصص: 67]، ومنها ذهاب الحزن والألم عنك: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة: 277]، ومنها أيضًا مضاعفة الأجور: (وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) [آل عمران: 57]، ومنها المغفرة: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) [الفتح: 29]، ومنها الهداية إلى الخير قال جلَّ وعلا: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ) [يونس: 9] الآية.
ومنها حصول المودة والمحبة لمن يعمل صالحًا قال الله: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَنُ وُدًّا) [مريم: 96]، ومنها رحمة الله قال جلَّ وعلا: (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ) [الجاثية: 30]، ومنها الأمن والاستقرار والتمكين في الأرض: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا) [النور: 55]، ومنها أيضا أن أهل العمل الصالح خير الخلق: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) [البينة: 7].
أيُّها المسلم: إن هناك من ينادي بفصل الإيمان عن العمل، وجعل الإيمان والعمل منفصلاً بعضها عن بعض إما شرط كمال كما يقولون أو شرط جزاء، وكل هذا خطأ فالعمل والإيمان تؤمان لا انفصال أحدهما عن الآخر، فكما أن الأعمال لا اعتبار لها إذا فقد الإيمان، فلا اعتبار للإيمان إذا فقد الأعمال الصالحة، أيُّ إسلام لمن لا يصلي ولا يصوم ولا يحج ولا يؤدي الواجبات، أيُّ إسلام لمن يرتكب ما حرم الله استحلالاً لها، وعدم النفور منها ألم تسمعوا الله يقول: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ) الآية [التوبة: 29].
إذًا فلا بد للمسلم أن يعتقد حرمة ما حرم الله ورسوله، ووجوب ما أوجبه الله ورسوله ليكون الإيمان إيمانًا صادقًا، فالإيمان لا يكون إيمانًا إلا بعمل صالح يبرهن على صحة الإيمان، ويدل على أن في القلب إيمانًا، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «أَلاَ إِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ لها الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ لها الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِىَ الْقَلْبُ»، فصلاح القلب واستقامته سبب للأعمال الصالحة، فمتى عمل المسلم عملاً صالحاً يدل على أن في قلبه إيمانًا؟ ومتى عطل الأعمال الصالحة وليس بهوية وتسمى فلا ينفعه ذلك؟ لابد من عمل صالح يبرهن على صحة الإيمان الصادق، هكذا دين الإسلام قال الله جلَّ وعلا: (وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [التوبة: 105].
فاستقيموا على طاعة ربكم، واحرصوا على الأعمال الصالحة الدالة على صحة إيمانكم، فإن الله أوجب عليكم واجبات وفرض عليكم فرائض، وحرم عليكم محرمات، فدينوا لله بالالتزام بما أوجب، والبعد عن ما حرم الله، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه إنَّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ لله، حمدًا كثيرًا، طيِّبًا مباركًا فيه، كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه، وعلى آله وصحبه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.
أما بعدُ: أيُّها المسلمون: اتَّقوا اللهَ تعالى حقَّ التقوى.
أخي المسلم: إن أعمالك الصالحة لا تنحصر في عبادة معينة، ولا في ميدان ضيق بل أعمال عامة ومجال واسع وشمولية في أمور الدين والدنيا، فأعمالك الصالحة تشمل ما يُصلح دينك ودنياك، وما تستقيم به الحياة، وما تلقى الله به.
أخي المسلم: أداؤك للصلوات الخمس في الجماعة في المسجد عمل صالح، زكاتك وصومك وحجك أعمال صالحة، برك بالأبوين وإحسانك إليهما وملاطفتهما وخدمتهما عمل صالح تتقرب به إلى الله، سُئِلَ النبي صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ قَالَ: «الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا»، قَالَ ثُمَّ ماذا، قال: «بِرُّ الْوَالِدَيْنِ»، قَالَ ثُمَّ ماذا، قال: «الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»، صلتك لرحمك وتفقد أحوالهم وزيارة والإحسان إليهم وتضميد جراحهم، ومواساة فقيرهم، وعيادة مريضهم، وصبرك على بعض أخطائهم عمل صالح: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُنْسَأَ فِي أَجره، ويُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، فَلْيَصِلْ ذا رَحِمَه»، إحسانك إلى الجار، كفّك الأذى عنه، إحسانك إليه وكفّ الأذى عنه عمل صالح تقربًا إلى الله: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ»، ويقول صلى الله عليه وسلم: «لا إيمان لمن لم يَأْمَن جَارُهُ بَوَايِقَهُ».
أخيّ المسلم: إفشاؤك للسلام، وإطعامك الطعام، وصلاتك بالليل أعمال صالحة يقول صلى الله عليه وسلم: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ! أَفْشُوا السَّلاَمَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلاَمٍ»، إصلاحك بين المتخاصمين وتقريبك بين وجهة النظر، وإسعافك للضعيف، والكلمة الطيبة كلها أعمال صالحة يقول صلى الله عليه وسلم: «يُصْبِحُ عَلَى كُلُّ سُلامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فيه الشَّمْسُ؛ تَعْدِلُ بَيْنَ اثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ وَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَهْىٌ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ».
أخيِّ المسلم: إكرامك لليتيم، وإحسانك إليه وتضميد جراحه، وتأديبه عمل صالح تلقى الله به.
أخيِّ المسلم: بناؤك مسجد ومشاركته في بناءه عمل صالح: «مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ»، بناؤك مستشفى لعلاج المرضى من الأعمال الصالحة والأوقاف الخيرة، تشيدك للمصنع للأمة تنتفع به عمل صالح تلقى الله به.
أخيِّ المسلم: بقلمك الصادق، وكلماتك المؤثرة تعالج قضية بصدق وإخلاص، وتنشر من فضيلة وتحذر من رذيلة، وتصلح شأن المجتمع، وتساهم في بناء مجتمعك المسلم وسلامته من المبادئ الهدامة، والآراء المضللة عمل صالح تقرب به إلى الله.
أيُّها المسلم:، غرسك للنخيل وزراعتك للأرض أعمال صالحة تلقى الله بها: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَزْرَعُ زَرْعًا أوْ يَغْرِسُ غَرْسًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ إِنْسَانٌ أو دابة أو طَائرْ إِلاَّ كَانَ لغارس الأول أجر».
أخي المسلم: إنفاقك لمالك للضعيف عمل صالح كما قال صلى الله عليه وسلم: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ».
أخي المسلم: أداؤك لمسئوليتك وإخلاصك في أعمالك، وأداؤك لما ائتمنت عليه، أعمال صالحة، نصحك للمجتمع وتوجيهك لهم، وتحذيرهم من مبادئ الشر والفساد، وتذكيرهم بنعم الله عليهم من أمنهم واستقرارهم ورغد عيشهم، وتحذيرهم من دعاة السوء، ودعاة الفساد، ومن أرباب القنوات الملحدة والآراء المضللة كل هذه أعمال صالحة.
أخي المسلم: شفاعتك للعاجز وإسعافك له وقضاء حاجته من الأعمال الصالحة يقول الله جلَّ وعلا: (فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ * ثُمَّ كَانَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ * أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ) [البلد: 11- 18]، فكل عمل صالح فيه خير للأمة في دينها ودنياها إذا عملته قاصدًا وجه الله نلت الثواب العظيم.
أخيِّ المسلم: نصيحتك للمسلم ومشورتك له عندما يستشيرك في أي من الأعمال تشير عليه بما هو خير له هذا عمل صالح تتقرب به إلى الله، فكل أعمال صالحة فيها صلاح الدين والدنيا فإنها خير قال الله جلَّ وعلا: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ) [البقرة: 177]، فلنجتهد في أعمالنا الصالحة، فإن أي عمل صالح تفعله وإن قل خير لك: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه) [الزلزلة: 7].
أسأل الله أن يوفقنا وإياكم لاغتنام هذه الحياة في أعمال صالحة تكون زادًا لنا يوم قدومنا على ربنا: (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء: 88- 89]، (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ) [البقرة: 97].
وفقني الله وإيَّاكم لاغتنام الخيرات والتزود من الأعمال الصالحات في هذه الدنيا قبل الآخرة، فالدنيا دار عمل والآخرة دار جزاء، فلنغتنم دار عمل فيما ينفعنا في دار الجزاء، أسأل الله أن يحفظ لنا أعمالنا، وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا إنه على كل شيء قدير.
واعلموا رحمكم الله أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى اللهُ عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار.
وصَلُّوا رحمكم الله على عبد الله ورسوله محمد كما أمركم بذلك ربكم قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائه الراشدين، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التَّابِعين، وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم بعفوِك، وكرمِك، وجودِك وإحسانك يا أرحمَ الراحمين.
اللَّهمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمَّر أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين، واجعل اللَّهمَّ هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين، اللَّهمَّ أمنَّا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللَّهمَّ وفقهم لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين، اللَّهمّ وفِّقْ إمامَنا إمامَ المسلمينَ عبدالله بنَ عبدِالعزيزِ لكل خير، اللَّهمَّ سدده في أقواله وأعماله، وامنحه الصحة والسلامة والعافية، واجعله بركة على نفسه وعلى مجتمع المسلم، اللَّهمَّ وفق ولي عهده نايف بن عبدِالعزيزِ لكل خير، وامنحه الصحة والسلامة والعافية، وسدده في أقواله وأعماله، وأعنه على مسئوليته إنَّك على كل شيء قدير(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)، (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).
عبادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُرْكم، واشكُروه على عُمومِ نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرَ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.