العربية
المؤلف | إبراهيم بن محمد الحقيل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التاريخ وتقويم البلدان - فقه النوازل |
أتعجبون -يا أيها المؤمنون- بعد حوادثِ التاريخ الكثيرة، وأحداثِ الواقع الأليمة، وقبل ذلك وبعده كتاب ربنا الذي هو الصدق والحق..أتعجبون إن حاول اليهود، ومِنْ ورائهم عبادُ الصليب قتل إخواننا في غزةَ صَبْرًا بقطع أسباب الحياة عنهم وهي: الغذاء والدواء والطاقة، حتى يموت منهم من يموت. وهذا القتل هو أشد أنواع القتل؛ لأن الضحية فيه يعذب قبل أن يموت، ويقتل ببطء شديد ..
الحمد لله القوي العزيز؛ كتب العز والنصر لمن آمن به وأطاعه، وقضى بالذل والصغار على من كفر به وعصاه، لا يذل من والاه، ولا يعز من عاداه، نحمده ونشكره فهو أهل الشكر والحمد، وهو مستحق الثناء والمجد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ حرَّم الظلم على نفسه، وجعله محرما بين عباده، فويل لهم إن تظالموا ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ أرسله ربه عز وجل بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وآمنوا به، والتزموا دينه، والزموا طاعته، واعلموا أنه عز وجل ربُكم وأنتم عبيده، وأنه سبحانه قادر عليكم وأنتم عاجزون عنه، وأنه تعالى غني عنكم وأنتم مفتقرون إليه (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الفُقَرَاءُ إِلَى الله وَاللهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى الله بِعَزِيزٍ) [فاطر:15-17].
أيها المسلمون: من رحمة الله تعالى بنا، وهدايته لنا، وتعليمه إيِّانا أن ميَّز لنا أعداءنا من إخواننا، وبيَّن لنا من يغشنا ممن ينصح لنا، وحذَّرنا ممن لا يريد الخير بنا، وأوضح لنا المنهج القويم في التعامل مع الآخرين، مما لا نحتاج معه إلى اجتهادات مجتهدين، ولا تخبطات منظرين وسياسيين، ولا استنتاجات إعلاميين ومحللين؛ فكلام ربنا جل جلاله هو مصدر علمنا بالصواب، وهو سبب هدايتنا للحق، وهو سبيل تحصيل النفع ودفع الضر، وهو مصدر العز ورفع الذل فخبره سبحانه صدق (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ الله حَدِيثًا) [النساء:87] وقوله عز وجل حقك: (لَقَدْ جَاءَكَ الحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ) [يونس:94] ويهدينا لما هو أصلح لنا (إِنَّ هَذَا القُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) [الإسراء:9] فلا قولَ لأحد مع قول الله تعالى، ولا حكم إلا له سبحانه، ولا مرجعَ عند التنازع إلا إليه (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِالله وَاليَوْمِ الآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ) [النساء:59].
فما أحوج المسلمين إلى هدايات الكتاب العزيز في زمنٍ كثر فيه الدجل على الناس، وأخفيت الحقائق، ومورست أبشع ألوان المسخ العقلي، والطمس العقائدي، والتزوير الإعلامي وإضلال الناس بشعارات جوفاء، وأمانٍ كاذبة، وأحلام خادعة، وظنون كاسدة، لا تغني من الحق شيئا، ولا يركن إليها إلا أهل العجز والخور، من نحو قولهم في: التعامل مع الآخر، والتعايش السلمي، والأخوة الإنسانية، وغيرها من الشعارات، التي اخترعها الكافرون، وسوق لها المنافقون، فاقتنع بها الجاهلون المخدوعون!! مع مصادمتها لكلام ربنا جل جلاله، ومباينتها لتاريخ المسلمين مع غيرهم ولا سيما أهل الكتاب، ومجافاتها لما عشناه من أحداث ونكبات.
فربنا جل جلاله أخبرنا أن الكافرين أعداء لنا (إِنَّ الكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا) [النساء:101] وأن أهل الكتاب منهم يحسدوننا على ديننا، ويريدون ردتنا عنه (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحَقُّ) [البقرة:109].
وأنهم لن يرضوا حتى يحولونا من إيماننا إلى يهوديتهم ونصرانيتهم المحرفتين كما كانوا يفعلون قديما، أو إلى إلحادهم وعلمانيتهم كما في عصرنا هذا (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ اليَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [البقرة:120].
كما يخبرنا ربنا عز وجل أن من طبيعة الكفار إن كانت لهم الغلبة إرهابَ المؤمنين، ومعاداتَهم في الدين، وإكراههم على الكفر(إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ) [الكهف:20] وفي الآية الأخرى (إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ) [الممتحنة:2].
تلك هي حقيقة الكافرين التي يخبرنا بها ربنا وهو عز وجل أعلم بنا بهم؛ إذ إنه سبحانه وتعالى خالقنا وخالقهم (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ) [الملك:14].
ثم رأينا في السير والتاريخ كمَّاً هائلا من الأحداث والوقائع الدالة على ما قرأنا في القرآن الكريم من عداوة الذين كفروا للذين آمنوا، وأنها عداوة أبدية دينية، ابتداءً من مشركي مكة ويهود يثرب، ونصارى الشام، ومجوس فارس، في عهد الرسالة ثم عهد الصحابة، ومرورا بنكبات المسلمين في الأندلس، والحملات الصليبية الكبرى التي أُبيد المقادسة في الأولى منها، وانتهاءً بالاستعمار الغربي لبلاد المسلمين إبَّان إسقاطهم الخلافة العثمانية.
ثم عشنا واقعا مؤلما مريرا، أدرك أكثرنا مجازر اليهود في فلسطين ولبنان وسيناء والجولان، وأبصرنا وحشية نصارى روسيا في بلاد الأفغان والشيشان، ورأينا كيف افترس نصارى صربيا البوسنة ثم كوسوفا، ثم رأينا الدولة الأولى في الظلم والطغيان تبتلع عاصمة بني العباس، ولولا لطفُ الله تعالى بعباده لجاوزوها إلى غيرها، ولكن فشلهم كبح جماحَ نزواتهم الدموية الحيوانية.
أتعجبون -يا أيها المؤمنون- بعد حوادثِ التاريخ الكثيرة، وأحداثِ الواقع الأليمة، وقبل ذلك وبعده كتاب ربنا الذي هو الصدق والحق..أتعجبون إن حاول اليهود، ومِنْ ورائهم عبادُ الصليب قتل إخواننا في غزةَ صَبْرًا بقطع أسباب الحياة عنهم وهي: الغذاء والدواء والطاقة، حتى يموت منهم من يموت. وهذا القتل هو أشد أنواع القتل؛ لأن الضحية فيه يعذب قبل أن يموت، ويقتل ببطء شديد، وقد جاءت الشريعة بمنع تصبير البهائم؛ فكيف إذن ببني آدم؟!
وما حصارُ غزة إلا مثالٌ واحد من أمثلة لا تكاد تحصى من عداوة الكافرين للمؤمنين، وأنهم لا يريدون إلا الشر بالإسلام وأهله، وأنهم متى تمكنوا من المسلمين فلن يرحموا فيهم طفلا ولا امرأة ولا شيخا مسنا ولا مريضا عاجزا (لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ المُعْتَدُونَ) [التوبة:10].
لقد كان من ضمن مشروعات الدولة المستكبرة الطاغية نشرَ الديمقراطية في المنطقة فرأينا رأي العين ما فعلوه في العراق من الظلم والبطش وهتك الأعراض، وقتل المستضعفين، وزرع الجوع والخوف فيه. ثم رأيناهم ومِنْ خلفهم أوربة المتحضرة ينحرون ديمقراطيتهم التي يدعون إليها، ويهتفون بها في فلسطين، فيخنقون شعبا بكامله لأنه اختار من لا يريدون، ولم يصوت للخونة من عملائهم وأخدانهم.
لقد ملئوا العالم ضجيجا بالشعارات الإنسانية، وحفظ حقوق الإنسان، وحقوق المرأة، وحقوق الأطفال، وحقوق المرضى، وهاهم يقتلونهم صبرا في غزة، فأين هي الشعارات؟ وأين ما به يهتفون وينادون؟ تلك هي حقيقة كفار ولكن أكثر الناس لا يعقلون.
أما المنافقون فإنهم قد أعانوا على هذا الظلم العظيم، وشاركوا اليهود والنصارى في خنق المسلمين في غزة، وتلطخت أيديهم بدماء من يزعمون أنهم منهم، وظهر المنظِّرون منهم كعادتهم على شاشات التلفزة، وأعمدة الصحف ليُسوغوا هذه الجريمة النكراء، فيجلدوا الضحية، ويدافعوا عن المجرم، ويتهموا من لا يوافقهم في عمالتهم ونفاقهم بالعاطفية، وعدم الواقعية، والبعد عن العقلانية.
إن هؤلاء المنافقين يحسنون الظن بالأعداء أكثر من يقينهم بالله تعالى، ويصدقونهم أكثر مما يصدقون القرآن والسنة، ولا يأبهون بما حفظه التاريخ، ولا بما أثبته الواقع المؤلم من عداوة الكافرين للمؤمنين، فأين هي الواقعية؟! وأين العقلانية؟!
إن التاريخ يخالفهم، وأحداث الواقع تكذبهم، ومن يطبلون لهم، ويدافعون عنهم من الأعداء يحتقرونهم فلا يلقون لهم بالا، ولا يرفعون بهم رأسا، ولا يأخذون منهم رأيا، مع كثرة تسولهم على أبوابهم، وارتمائهم تحت أحذيتهم.
إن المنافقين يرمون مخالفيهم بالعاطفية؛ ليقللوا من أهميتهم، وليضفوا على خبالهم وضياعهم شيئا من الشرعية، وتالله إنه لا خير في أفراد لا عاطفة فيهم تجاه أمتهم وإخوتهم في الدين.
وإذا أراد المنافقون إسكات من يجادلونهم اتهموهم بأنهم مؤدلجون، وينطلقون من فكر المؤامرة، حتى أضحى كثير ممن يخافون سطوتهم الإعلامية، وإرهابهم الفكري، يفتتحون مقالاتهم بنفي أنهم ينطلقون من فكر المؤامرة، وأنهم بعيدون عن القول بذلك...سبحان الله يا عباد الله، ربنا جل جلاله يخبرنا أن الأعداء متآمرون علينا، وأنهم يجتمعون ضدنا، ويجمعون إبادتنا، ويوالي بعضهم بعضا في سبيل محونا وديننا (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ) [الأنفال:73] والمنافقون ينكرون ذلك، والضعفاء يخشون إرهابهم الفكري فينفون تآمر الكافرين على المؤمنين، فما هم؟ وكيف يفكرون؟
إن المنافقين لا يملكون حادثة واحدة لا في القديم ولا في الحديث نصحت فيها أمة الكفر للمؤمنين، وكانت نصيحتها خالصة لا مصلحة لها فيها؛ بل تاريخ الكفار حافل بالظلم والطغيان، والنكاية بالمؤمنين، وفي هذا العصر تتولى منظماتهم الدولية، ودولهم المستكبرة تشريع كل شيء ضد الإسلام والمسلمين، ودونكم ملفات القضية الفلسطينية في أروقتهم منذ ستين سنة كيف كانت؟ وإلى ماذا آلت؟ ليس سوى ظلمات بعضها فوق بعض من الظلم والبغي والعداء، ولكن المنافقين بواقعيتهم وعقلانيتهم التي لا يملكها سواهم لا يبصرون ذلك، ولا يعقلونه، وحقيقتهم أنهم قد تجردوا من عواطفهم تجاه بلدانهم، فلا يفكرون إلا بعقول الأعداء، ولا يبصرون إلا بأعينهم، ولا ينطقون إلا بألسنتهم، ولا يكتبون إلا بأقلامهم، وصدق الله العظيم حين قال فيهم (هُمُ العَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) [المنافقون:4].
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (بَشِّرِ المُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ المُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ العِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لله جَمِيعًا) [النساء:138-139].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ...
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، ووالوا فيه، وعادوا فيه، وأحبوا له، وأبغضوا له؛ فمن فعل ذلك فقد استكمل الإيمان.
أيها المسلمون: بعد سبع سنوات من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم تعاقد أئمة الكفر، ورؤوس الطغيان في مكة على مقاطعة بني هاشم وبني المطلب، مسلِمهم وكافرهم؛ لأنهم آزروا النبي صلى الله عليه وسلم، وكتبوا صحيفة بذلك علقوها على الكعبة، فدخل بنو هاشم وبنو المطلب شعب أبي طالب ، وتركوا منازلهم في مكة؛ نصرة للنبي عليه الصلاة والسلام وحمية له -وإن كان كثير منهم على غير دينه- ومنعت قريش عنهم الطعام والشراب وكلَ ما يحتاجونه، وعَظُم الحصار عليهم فأكلوا أوراق الشجر، وكلَّ شيء رطب، وهلك منهم ناس من الجوع، وبذل أبو طالب -وهو مشرك- جميع ماله، وكان يُنظِّم مناوبات لحراسة النبي عليه الصلاة والسلام خوفا عليه من أذى المشركين وغدرهم، وتاالله لو كان أبو طالب مسلما لترحمنا عليه، وترضينا عنه؛ جزاء حمايته للنبي عليه الصلاة والسلام.
وكان صياحُ الصبيانِ يُسمع من وراء الشِعْب من شدة الجوع والمخمصة، فَيَرِقُّ بعض أهل مكة لحال أهل الشِعْبِ فَيُهَرِّبون الطعام والكساء لهم بالليل، وربما أفلت بعضهم من عيون زعماء المقاطعة فحمَّل بعيرا ووجهه إلى الشعب، وبعد ثلاث سنوات من الحصار والجوع سعى بعض كبارهم إلى نقضها.
وما فعل المشركون من بني هاشم وبني المطلب ما فعلوا حتى تركوا بيوتهم، وهجروا قبيلتهم، وانحازوا إلى الشعب يقاسمون المسلمين الجوع والضراء والبأساء ثلاث سنوات تباعا.. ما فعلوا ذلك إلا حمية للدم والنسب، ووفاء بواجب المروءة والشهامة، وحفظا لحق الرحم والقرابة.
قارنوا -عباد الله- بين هذا الحدث التاريخي العظيم وبين ما يقع للمسلمين في غزة، وما يعانونه من ظلم الكافرين والمنافقين والظالمين، وقد عَجِز إخوانهم في الدين والدم عن نصرتهم، فما سبب ذلك مع أن رابطة الدين أقوى رابطة؟
إن السبب هو الخذلان، وإذا خُذل قوم هانوا وذلوا وقعدوا واستكانوا، فإن دبَّروا أخطئوا، وإن تصرفوا لم يحسنوا. وإذا سلب الناس التوفيق بسبب ذنوبهم فأنى لهم التوفيق والسداد (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ)[آل عمران:160].
لقد غُلَّت أيدي الشعوبِ الإسلامية عن نصرة قضاياها، وقعد المسلمون عن نجدة إخوانهم المنكوبين في غزة وغيرها بسبب سياسات حكوماتهم الخاطئة، ولا سيما من تُسمى دول الطوق، التي كانت أهم أدوات الحصار والتجويع.
وغُلَّت أيدي الحكومات عن فعل شيء بسبب معاهداتٍ جائرة، واتفاقيات مذلة، فرضها الأعداء، ورضيها الساسة، فما أنتجت إلا ظلما وبغيا، وما نال منها المسلمون حكوماتٍ وشعوبا إلا مهانة وذلا.
لقد رُوِّضت الدول الإسلامية في هذا العصر على مبادئ النفعية الذرائعية البُرْجماتية، التي تضحي بمصلحة الجماعة والأمة لصالح الأفراد، وتُقَدِّم المنفعة الذاتية الآنية المتوهمة على كل شيء، فلا عجب حينئذ أن لا يثق المسلمون بعضُهم ببعض، ولا ينجد بعضهم بعضا، ولا يتأثرون بمصاب إخوانهم ما سلمت لهم دنياهم، ولم ينتقص شيء من شهواتهم، وهكذا يفترس العدو منهم من شاء وهم على هذا الحال من الذل والهوان والخذلان، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:"الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ ولا يَخْذُلُهُ " (ولا يُسْلِمُهُ) وقد ظلم المسلمون إخوانهم ، فخذلوهم في وقت حاجتهم لهم، وأسلموهم لأعدائهم، فكان أهل غزة بين ظلم الأعداء وخذلان الإخوان، نعوذ بالله تعالى من الذل والهوان والخذلان.
ثم انظروا -عباد الله- إلى الإعلام العربي كيف يرقص ويغني ويتعرى، ويعرض أنواع الترفيه المباح والمحرم، في الوقت الذي يتضاغى في غزة أطفالها ونساؤها ورجالها من الجوع، ويتألمون من البرد، ويموت مرضاهم من قلة الرعاية الطبية، ولا يجدون كفافا يقيم أودهم، ويعينهم في نائبتهم، ولم يحرك ذلك ساكنا في الإعلام العربي الراقص على جراح المسلمين، وكأن هؤلاء المحاصرين ليسوا مسلمين بل ليسوا عربا بل ليسوا بشرا، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وجبر الله تعالى مصاب المسلمين في أنفسهم، وخلف عليهم في مصيبتهم بخير.
اللهم يا كاشف الضراء، ويا مجيب الدعاء فرج عن إخواننا في غزة، وارحم المستضعفين من المؤمنين في كل مكان.
اللهم ارحم أطفالهم ونساءهم ومرضاهم، وأطعم جوعاهم، واكس أجسادهم، واربط على قلوبهم، وقو عزائمهم، وأنزل عليهم الصبر والسكينة والمعونة، وارزقهم من حيت لا يحتسبون.
اللهم لَا تَكِلْهُمْ إلينا فَنضْعُفَ عَنْهُمْ، ولا تَكِلْهُمْ إلى أَنْفُسِهِمْ فَيَعْجِزُوا عنها، ولا تَكِلْهُمْ إلى الناس فَيَسْتَأْثِرُوا عليهم، اللهم كِلْهُم إلى رحمتك التي وسعت كل شيء، إنك أنت أرحم الراحمين.
اللهم ارفع الذل والهوان والخذلان عن المسلمين، وأحيي قلوبهم بالإيمان واليقين، وردهم إليك ردَّا جميلا، وانصرهم على أعدائهم.
اللهم عليك بصهاينة أهل الكتاب، ومن عاونهم على ظلمهم يا رب العالمين، اللهم نكس راياتهم، واقذف الرعب في قلوبهم، وزلزل الأرض من تحت أقدامهم، وأخرجهم من ديار المسلمين أذلة صاغرين، أنت مولانا فنعم المولى ونعم النصير. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ...