البحث

عبارات مقترحة:

الملك

كلمة (المَلِك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعِل) وهي مشتقة من...

العفو

كلمة (عفو) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعول) وتعني الاتصاف بصفة...

أسير المسجد

العربية

المؤلف هلال الهاجري
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - أعلام الدعاة
عناصر الخطبة
  1. أسير المسجد .
  2. تعامل الصحابة مع الأسرى .
  3. منارة المسجد ودوره التربوي .
  4. إسلام ثمامة ودوره في نصرة المسلمين. .

اقتباس

ثلاثةُ أيامٍ كانتْ هي الفاصلةُ في حياتِه، رأى فيها ما لم يَرَ في جَميعِ سَنواتِه، وسمعَ فيها ما كانَ له الأثرُ البليغُ في تبديلِ أفكارِه ومُعتقداتِه، بل وصلَ الأمرُ إلى تغييرِ مبغوضاتِه ومحبوباتِه، وليسَ هو بالصَّغيرِ فيُخدعُ، وليسَ بالحقيرِ فيُرفعُ، وليسَ بالجَبانِ فيخضعُ، وليسَ بالفقيرِ فيَطمعُ، بل هو السيَّد الذي لا يَخنعُ، والفارسُ الذي لا يُصرعُ؛ فتعالوا إلى مسجدِ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- لنرى ونسمعَ

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].

أَمَّا بَعْدُ: ثلاثةُ أيامٍ كانتْ هي الفاصلةُ في حياتِه، رأى فيها ما لم يَرَ في جَميعِ سَنواتِه، وسمعَ فيها ما كانَ له الأثرُ البليغُ في تبديلِ أفكارِه ومُعتقداتِه، بل وصلَ الأمرُ إلى تغييرِ مبغوضاتِه ومحبوباتِه، وليسَ هو بالصَّغيرِ فيُخدعُ، وليسَ بالحقيرِ فيُرفعُ، وليسَ بالجَبانِ فيخضعُ، وليسَ بالفقيرِ فيَطمعُ، بل هو السيَّد الذي لا يَخنعُ، والفارسُ الذي لا يُصرعُ؛ فتعالوا إلى مسجدِ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- لنرى ونسمعَ:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، يَقُولُ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- خَيْلا قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ، فَقَالَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَتَدْرُونَ مَنْ أَخَذْتُمْ؟"، قَالُوا: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "هَذَا ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ، سَيِّدُ بَنِي حَنِيفَةَ وَفَارِسُهَا، أَحْسِنُوا إِسَارَهُ"، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، وَرَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ فَقَالَ: "اجْمَعُوا مَا قَدَرْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ طَعَامِكُمْ فَابْعَثُوا بِهِ إِلَيْهِ".

وهذا أولُ ما رآهُ ثُمامةُ من كريمِ أخلاقِ الإسلامِ، فها هو يرى الإحسانَ إليه وهو العدو الأسيرُ، فيأتيهِ الطَّعامُ من بيوتِ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، ويرى النَّاسَ يتسابقونَ على إطعامِه هو ومن معَه من الأسرى من جَيِّدِ الطَّعامِ، استجابةً لقولِه -تعالى-: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا)[الإنسان:8]، يَقولُ ابنُ عَباسٍ: "كانَ أُسراؤهم يَومئذٍ مُشركينَ"، وكما أوصى رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أصحابَه يومَ بدرٍ أن يُكرموا الأسرى، فكانوا يُقدِّمونَهم على أنفسِهم بالغداءِ ويَخصُّونَهم بالخُبزِ.

ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَلَقيَ ثُمامةَ بنَ أثالٍ، فَقَالَ لهُ: "مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ بْنَ أُثَالٍ؟". وهذا ثاني ما رآهُ ثمامةُ، وهو وجهُ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، ذلكَ الوجهُ الذي ترى معه الصِّدقَ والجمالَ، وترى فيه الأمانةَ والجلالَ، كما حدثَ لعبدِ اللهِ بنِ سَلامٍ الحَبرِ اليَهوديِّ في قِصةِ إسلامِه، أنَّه لما رأى النَّبيَ -صلى الله عليه وسلم- ونَظرَ في وَجهِه قَالَ: "فلما تَبيَّنتُ وَجهَه، عَرفتُ أنَّ وَجهَه ليسَ بوجهِ كَذابٍ"، وصدقَ القائلُ:

لَوْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ آيَاتٌ مُبَيّنَةٌ

لَكَانَ مَنْظَرُهُ يُنْبِيكَ بِالْخَبَرِ

فلمَّا قالَ له: "ما عِندَكَ يا ثُمامةُ؟"، يَعني: ما الَّذي تَظُنُّه أنِّي فاعلٌ بِكَ؟، فَقالَ ثُمامَةُ: "عِندي خَيرٌ يا مُحمَّدُ"، يَعني: الظَّنُّ بكَ خيرٌ، فأنتَ لَستَ مِمَّن يَظلِمونَ النَّاسَ، بَل أنتَ مِمَّن يَعفو ويُحسِنُ، إِنْ تَقْتُلْنِي تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ، فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى كَانَ الْغَدُ، ثُمَّ بَعْدَ الْغَدِ، يسألُه نفسَ السُّؤالِ، ويجيبُ بنفسِ الإجابةِ.

ثلاثةُ أيامٍ قضاها ثُمامةُ في المسجدِ، فما تظنُّونَ أنَّه رأى؟

في المسجدِ سيرى رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- كيفَ يُعاملُ النَّاسَ، وسيرى الأخلاقَ التي زكَّاهُ بها ربُّ العالمينَ حينَ قالَ: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)[القلم:4]، سيرى كيفَ يجلسُ معَهم كأنَّه واحدٌ منهم، فيجيءُ الغَريبُ فلا يَدري أيُّهم هو حتى يَسألَ عنه، سيرى كيفَ هو بالمؤمنينَ رحيماً، يُعلِّمُ هذا، ويواسي هذا، ويُلاطفُ هذا، ويُمازحُ هذا، هو الأبُّ، وهو الأخُ، وهو الصَّديقُ، قد أَسِرَ النَّاسَ بأخلاقِه ومحبتِه.

في المسجدِ سيسمعُ آياتِ اللهِ -تعالى- تُتلى غضَّةً طريَّةً من فَمِ أصدقِ البشرِ، كلامِ ربِّ الأربابِ، الذي يأخذُ بالألبابِ، كما حدثَ لجُبيرِ بنِ مُطعِمٍ لمَّا قَدِمَ المدينةَ في فِداءِ أَسرى بدرٍ، وكانَ يومئذٍ كافراً، يقولُ: سَمِعْتُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقْرَأُ في المَغْرِبِ بالطُّورِ، فَلَمَّا بَلَغَ هذِه الآيَةَ: (أَمْ خُلِقُوا مِن غيرِ شيءٍ أمْ هُمُ الخَالِقُونَ * أمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ والأرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ * أمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أمْ هُمُ المُسَيْطِرُونَ)[الطور:35-37]، قالَ: كَادَ قَلْبِي أنْ يَطِيرَ، وذلك  أوَّلَ ما وَقَرَ الإيمانُ في قلبي.

في المسجدِ سيسمعُ الأذانَ؛ نِداءَ التَّوحيدِ في كلِّ وقتٍ، وسيرى الصَّلاةَ وهي عمودُ الإسلامِ، وكيفَ يكونُ الصَّحابةُ فيها صفَّاً خاشعينَ، مُتراصينَ مُجتمعينَ، لا فرقَ فيها بينَ عربيٍّ ولا أعجميٍّ، ولا بينَ أبيضٍ ولا أسودٍ، وسيرى الاتِّصالَ الحقيقيَّ بينَ العبدِ وبينَ ربِّه -سُبحانَه وتعالى-، وأثرَ هذه الصَّلاةِ عليهم بعدَ الانصرافِ منها، فها هي الوجوهُ قد مُلئتْ نوراً، وها هي القلوبُ قد شُحنتْ إيماناً، وها هي النُّفوسُ قد انصرفتْ عن الفحشاءِ والمنكرِ، ولو استيقظَ من نومِه في السَّحرِ، فسيرى من قد تركَ لذيذَ النَّومِ وقامَ يُصلِّي ويستغفرِ، كما وصفَهم تعالى: (كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)[الذاريات:17-18].

في المسجدِ سيرى المحبةَ والتَّكافلَ الآجتماعيَّ بينَ المسلمينَ، وسيرى معنى "لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ"؛ فها هم فُقراءُ المُهاجرينَ ينامونَ في المسجدِ دونَ طعامٍ، فإذا انتهتْ الصَّلاةُ تسابقَ أهلُ السَّعَةِ في إطعامِهم، فيذهبُ الرجلُ بالرَّجلِ، والرَّجلُ بالاثنينِ، والرَّجلُ بالثَّلاثةِ، ويذهبُ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بالبَاقينَ، كما أوصاهم بهذا في أولِ دخولِه إلى المدينةِ، حينَ قالَ: "يا أيها النَّاسُ، أفشُوا السلامَ، وأطعِموا الطعامَ، وصِلُوا الأرحامَ، وصلُّوا بالليلِ والنَّاسُ نيامٌ، تَدخلوا الجنةَ بسَلامٍ".

في المسجدِ سيرى النِّساءَ كيفَ أصبحنَّ بالحجابِ الكاملِ، قد فصلَ الإسلامُ بينهنَّ وبينَ الرِّجالِ حتى في المسجدِ، فقالَ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا"، وكيفَ إذا نابَها شيئاً في الصَّلاةِ فإنَّها تُصفِّقُ، حتى لا يسمعُ صوتَها الرِّجالُ، وجعلَ لهنَّ باباً خاصَّاً يدخلنَّ ويخرجنَّ منه، وإذا سَلَّمَ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- من الصَّلاةِ مَكثَ قليلاً قبلَ أن ينصرفَ، حتى يخرجَ النِّساءُ ولا يختلطنَّ بالرِّجالِ، ولمَّا رأى النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- النِّسَاءَ يوماً قد اختلطنَّ بالرِّجالَ، قالَ لهنَّ: "اسْتَأْخِرْنَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ -أي: تمشينَ في وسطِ الطَّريقِ-؛ عَلَيْكُنَّ بِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ"، فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ.

فيتعجَّبُ قائلاً: إذا كانتْ هذه الاحتياطاتُ في بيتِ اللهِ، وفي عبادةٍ من أعظمِ العباداتِ، فكيفَ بغيرِها من الأماكنِ والأزمانِ، فعجيبٌ لهذا الشَّرعِ العظيمِ الذي شخَّصَ الدَّاءَ، ووصفَ الدَّواءَ.

أقولُ ما تَسمعونَ، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ من كلِّ ذَنبٍ، إنَّه هو الغَفورُ الرَّحيمُ.

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ الذي أَمرَ بذكرِه، ورَتَّبَ على ذلك عَظيمِ أَجرِه، والصَّلاةُ والسَّلامُ على أعظمِ النَّاسِ ذِكراً لربَّه نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه ومن سَارَ على دَربِه، أما بَعد:

في اليومِ الثَّالثِ خرجَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- فقالَ لأصحابِه: "أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ"، فكانَ نهايةُ هذه الأيامِ الثلاثةِ بالصَّفحِ والإحسانِ، والعفو والغُفرانِ، فماذا تتوقعونَ أثرَ هذه الأيامِ في قَلبِ ثُمامةَ؟، وما هو التَّغييرُ الذي حدثَ في حياتِه بعدما رأى ما رأى، وسمعَ ما سمعَ من جَمالِ وعِزَّةِ الإسلامِ؟ .. أنصتوا:

انْطَلَقَ ثُمَامَةُ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ .. تحوَّلَ من الكُفرِ إلى الإسلامِ، وليسَ فقط الإسلامُ، بل قالَ: يَا مُحَمَّدُ، وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ، فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ كُلِّهَا إِلَيَّ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ، فَقَدْ أَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ كُلِّهِ إِلَيَّ، وَوَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ، فَقَدْ أَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلادِ إِلَيَّ.

ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ، فَمَاذَا تَرَى؟، فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ، فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ لبَّى، فكانَ أولَ مُسلمٍ يدخلُ مكةَ مُلبيَّاً، فقَالَ لَهُ قَائِلٌ: صَبَوْتَ؟ قَالَ له بعزَّةِ المُسلمِ: لا، وَلَكِنْ أَسْلَمْتُ مَعَ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- رَسُولِ اللَّهِ.

ثُمَّ اتَّخذَ قراراً بوقفِ التَّبادلِ التِّجاري والمُقاطعةِ الاقتصاديةِ لأعداءِ الإسلامِ، فقالَ: وَلا وَاللَّهِ لا يَأْتِيكُمْ مِنَ الْيَمَامَةِ حِنْطَةٌ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-.. فلما أصابَهم القحطُ والجوعُ وكادوا يَهلكونَ، كتبوا إلى رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: إنَّ عَهدَنا بكَ وأنتَ تَأمرُ بصلةِ الرَّحمِ وتَحضُّ عليها، وإنَّ ثُمامةَ قد قَطعَ عنا مِيرتَنا وأَضرَّ بنا، فإن رأيتَ أن تَكتبَ إليه أن يُخليَ بينَنا وبينَ مِيرتِنا، فكتَبَ -صلى الله عليه وسلم- إلى ثُمامةَ: "أنْ خَلِّ بينَ قَومي وبينَ مِيرتِهم"، فرفعَ ثُمامةُ حِصارَه الاقتصاديَّ عن مَكةَ.

اللهمَّ إنا نسألُك أن تَعزَّ دينَك وأولياءَك، اللهم انصر من نصرَ الدينَ، واخذل من خذلَ المسلمينَ، اللهم عجل بنصرِ المسلمينَ يا أرحمَ الراحمينَ، فلا ناصرَ لهم إلا أنتَ، ولا مُغيثَ لهم إلا أنتَ.

اللهمَّ واخذلِ اليهودَ والنصارى، والصليبيينَ والمشركينَ، والهندوسَ وسائرَ المنافقينَ، اللهم اجعل بأسَهم بينهم، واجعل تدبيرَهم تَدميراً عليهم، اللهم إنا نَسألُك أن تَعزَّنا بطاعتِك، وأن تجنبَنا معصيتَك.

سبحانَ ربِّك ربِّ العزةِ عما يَصفونَ، وسَلامٌ على المرسلينَ، والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.